السبت، 8 ديسمبر 2012

الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والفدرالية الديمقراطية للشغل مسيرة احتجاجية مشتركة تعيد شعارات "حركة 20 فبراير" إلى الواجهة


الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والفدرالية الديمقراطية للشغل
مسيرة احتجاجية مشتركة تعيد شعارات "حركة 20 فبراير" إلى الواجهة
 
مصطفى لمودن
نظمت نقاباتا الكونفدرالية الديمقراطية للشغل (كدش) والفدرالية الديمقراطية للشغل (فدش) مسيرة احتجاجية مشتركة بسيدي سليمان عشية يوم السبت 8 دجنبر، وقد انطلقت المسيرة من أمام مقر (فدش) بحي المسجد، ووصلت إلى ملتقى الطرق (rend- point) ، لتعرج إلى مقر (كدش) بشارع الأمن مرورا بمحاذاة مقر العمالة..  وقد شارك فيها أعضاء من النقابيتين، وجوه معروفة تنتمي لهيئات سياسية وجمعوية يسارية محلية، وإذا كانت أغلب الشعارات قد وجهت سهام نقذها القوي إلى الحكومة ورئيسها عبد الإله بنكيران، منددة بتفاقم الأسعار وضعف الأداء الحكومي مطالبة برحيل بنكيران، فقد رفعت كذلك شعارات كانت تردد في مسيرات "حركة 20 فبراير"، من قبيل "إسقاط الفساد والاستبداد"، و"حرية، كرامة، عدالة.."..
 في كلمته التي ألقاها إبراهيم المحمدي وهو مسؤول من كدش حيى "عاليا التنسيق بين النقابتين"، واعتبر المسيرة الاحتجاجية التي يعرف المغرب مثيلات لها على حد قوله "مسيرة احتجاجية ضد قرارات لا شعبية ولا ديمقراطية التي تتخذها الحكومة الحالية"، وقد وصفها بحكومة الواجهة، ولا تحارب الفساد كما قالت، ولا تسعى لتحقيق العدالة، بل تمارس القمع، ولا تحترم الحريات النقابية، وأعطى مثلا بطرد أعضاء المكاتب النقابية بمجرد تأسيسها، وأعطى مثلا عن ذلك بما وقع محليا لمكتب نقابي أسس في شركة التنظيف التي حصلت على التدبير المفوض، والتنكر للاتفاقيات المبرمة مع الفرقاء كحالة الخريجين المعطلين.. وتطرق للميزانية التي "تخدم رجال الأعمال، وتفقر الفقراء وتغني الأغنياء"، كما وصف ذلك، واثأر مشكلة عدم تنفيذ الأحكام القضائية التي تصدر لصالح العمال، وأنهى كلمته واصفا المسيرة بحاملة "الأمل" لاستعادة الثقة في النضال دفعا عن مطالب الشعب ومطالب الشغيلة..
 وكانت النقابتان قد وزعتا قبل ذلك نداء يدعو للمشاركة في المسيرة الاحتجاجية، بعدما "مرت سنة على تنصيب الحكومة الحالية، وبعد وعود انتخابية وخطابات حول الحد من الاستبداد والفساد والانتصار للعدالة الاجتماعية، تمخض جبل الإصلاح ليلد مزيدا من الطغيان والاضطهاد والاستغلال للقوى العاملة والهجوم على القدرة الشرائية للجماهير الشعبية والتنكر لالتزامات وقواعد الحوار الاجتماعي". وترى النقابات دواعي الاحتجاج في "التضييق على الحريات النقابية بالقطاعية الخاص ( AICبالقنيطرة، وCasa technique بسيدي سليمان نموذجا) والعمومي ( الاقتطاعات من أجور مضربي العدل والصحة والجماعات المحلية نموذجا)، وتميم شركات الوساطة في التشغيل بدون أدنى الضمانات الشغلية، والسير على طريق فرض قانون تكبيل الحق في الإضراب.قمع وخنق الحركات الاحتجاجية السلمية للمعطلين والسكان  المطالبين بالخدمات الاجتماعية الأساسية وحركة 20 فبراير. المزيد من ضرب القدرة الشرائية لعموم المواطنين بداءا بالزيادة في أسعار المحروقات ووصولا إلى الاستعداد للزيادة  في فواتير الماء والكهرباء. تهديد ما تبقى من الحماية الاجتماعية: صندوق التقاعد وصندوق الموازنة. تعميق أزمة الخدمات الاجتماعية الأساسية كالصحة والتعليم وغيرها.إفراغ الحوار الاجتماعي من مضمونه التفاوضي الثلاثي والتنكر لالتزاماته السابقة. قانون مالية يعكس سياسة اغناء الغني وإفقار الفقير ورهن مقدرات البلاد بمصالح قوى الامبريالية  والصناديق المالية الدولية (الديون)".
  التساؤل المطروح؛ هل تعتبر مسيرات اليوم من طرف  الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والفدرالية الديمقراطية للشغل بداية تسخين لما سيأتي بعدها؟ أم مجرد طقس "نضالي"، يهدف على إعادة اللحمة بين نقابيين انفصلوا وانقسموا قبل بضع سنوات بدون مبرر مقنع؟ أم لا يعدو أن تكون مثل هذه الخرجات سوى استعدادات قبلية يحركها السياسيون قبل النقابيون تدخل في أجندات انتخابية قادمة؟ أم فعلا أن السيل وصل الزبى مع الحكومة الحالية مما يتطلب دق ناقوس الخطر الذي يهدد الطبقة الوسطى والفقراء عموما بالمغرب؟     

الأربعاء، 5 ديسمبر 2012

البناء المفكك من مشاكل التعليم الابتدائي حجرات غير صحية ولا تناسب تحولات الطقس


البناء المفكك من مشاكل التعليم الابتدائي
حجرات غير صحية ولا تناسب تحولات الطقس
 
كان خيارا غير صائب، حينما لجأت الحكومات المتعاقبة على المغرب، إلى اعتماد الحجرات الدراسية في المدارس بالبناء المفكك، حيث انتشر ذلك في أغلب مناطق العالم القروي منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي، حينا شرع في توسيع قاعدة التعليم الابتدائي بالعالم القروي، وقد بنيت الأقسام الدراسية على عجل طول المغرب وعرضه، دون مراعاة للظروف الطبيعية لكل منطقة، وخاصة عامل المناخ.. وظلت هذه البنايات المتشكلة من ألواح متداخلة بعضها إلى بعض، مجرد بنايات مؤقتة، ووضع لها عمر افتراضي لا يفوق العشر سنوات، لكن "حياتها" استطالت، وأصبحت تتعرض للترميم والإصلاحات المستمرة عوض إزاحتها بشكل نهائي، فما هي خوطرتها إذن؟
ـ يثار بحدة احتواء هذه الحجرات على مادة لاميانط (l’amiante) السامة، والتي تفتك بجهاز التنفس، وتسبب أمراضا خطيرة على المدى المتوسط والطويل؛
ـ لا تناسب أي طقس سوى فترة الاعتدال التي لا تدوم طويلا، تصبح كالثلاجة في فصل الشتاء، والفرن في فصل الصيف؛
ـ تعشش الطيور في سقفها المزودج، وتراكم هناك أعشاشا تتضخم ويزداد حجمها سنة بعد أخرى، مما ينتج عنه روائح كريهة، بفعل البراز المتراكم هناك، كما تسرب من تلك السقوف حشرات مختلفة، منها الدقيقة جدا، والتي تغزو رؤوس الأستاذة والتلاميذ في الأوقات التي تعرف درجة حرارة معتدلة أو مرتفعة..
أصبح من المستعجل إزالة هذه الحجرات غير الصالحة، والكف عن ترميمها وضياع أموال طائلة من أجل ذلك، والجميع يعلم كيف تمرر الصفقات حيث الفساد ينخر الإدارة المغربية والمقاولة الخاصة..
عدم اللجوء مستقبلا، وتحت أي مبرر كان للبناء المفكك، نظرا لمساوئه الكثيرة..
تكليف إدارة لتنظيف الأسقف والتي تبعث منها روائح كريهة باستمرار، ولا يمكن التعويل على ذلك بمجهود هيئة التدريس، لأن هذه الفئة تتحمل الكثير من الأتعاب وحدها فيما يخص شؤون المدرسة ومشاكلها..
وعلى الجهة المسؤولية عن التربية الوطنية والصحة العمومية نفي أو تأكيد تسرب مادة "لاميانط "من هذه الحجرات، واتخاذ ما يلزم لحماية مستعمليها.. كما على النقابات أن تنظر كذلك في واقع "المؤسسات التعليمية بالعالم القروي".. أما الجماعات المحلية فلا يأمل فيها المدرسون والمدرسات خيرا مادامت على حالها التي هي عليه الآن..
————
الصور: من إحدى مدارس العالم القروي، حيث يتطوع أحيانا بعض المدرسين مكرهين لتنظيف الأسقف.. ولم يحدث إطلاقا أن تساءلت جهة معينة عن ذلك..  
—————

الثلاثاء، 4 ديسمبر 2012

نبيلة منيب: الحكومة مرتبكة.. تعتمد خطابا شعبويا وتوجهاتها غير شعبية "إننا نعيش ردة خطيرة على جميع المستويات"


 نبيلة منيب: الحكومة مرتبكة.. تعتمد خطابا شعبويا وتوجهاتها غير شعبية
"إننا نعيش ردة خطيرة على جميع المستويات"

————
انتقدت نبيلة منيب، الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، أداء حكومة بنكيران، لعدم تمتعها بسلطات واسعة بسبب غياب الديمقراطية، مضيفة أن المغرب أخلف مواعيد عديدة مع الإرساء الحقيقي للديمقراطية ومع بناء مجتمع المواطنة ومع تحقيق العدالة الاجتماعية منذ الاستقلال وحتى اليوم، مشيرة إلى أن المغرب يعيش ردة  سياسية وفكرية خطيرة، كما شددت على أن حركة 20 بريار ستعود اقوى مما كانت عليه لثقتهم في إبداع وابتكار شبابها (المساء)  

—————
 الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد في حوار مطول نشر بجريدة "المساء"، تقوم فيه بتفكيك مظاهر الواقع السياسي من نظام وحكومة وأحزاب، وقد اعتبرت أن الحكومة بدون صلاحيات حقيقية، وأنها غير منسجمة ومرتبكة وتتخذ قرارات لا شعبية، كما أن الحكومة بدون تصور للإنجاز إصلاحات كبرى.. وترى أن حركة 20 فبراير ما تزال قائمة، وتطرقت للانتشار الريع ودوره في السياسة، ولأزمة التعليم والصحة والعدل وانتشار الفقر.. وتحدثت عن موقفها من قضية الصحراء، وأسباب تراجع اليسار وبروز الحركات الإسلامية.. (المدونة)
- وأخطر شيء يمكن أن يقع فيه شعب ما هو أن يفقد الأمل في مؤسساته وفي نظامه وأن يرى بأنه عاجز تمام العجز للاستجابة على طموحاته المشروعة في العيش الكريم 

- النظام المخزني لم يتغير وأسسه قائمة في ظل غياب فصل حقيقي للسلط، ومادام  لم يباشر بجدية وشجاعة الإصلاحات الشاملة، فهناك استمرارية في عمل هذه الحكومة..
- حزب العدالة والتنمية، الذي يترأس الحكومة الحالية، "لا يريد إغضاب الملك" ونحن نقول له يجب أن ينتبه كذلك إلى عدم إغضاب الشعب الذي ينتظر التغيير.
*الأداء الحكومي بعد مرور أكثر من سنة، كيف ترونه؟
الأداء الحكومي في جانب كبير منه مرتبط بالمجال المفتوح لممارسة سلطة الحكومة. ففي البلدان الديمقراطية، الحكومة لها كامل السلطات من أجل أن تضع برنامجا محددا باختيارات وتوجهات واضحة في جميع المجالات وهو ما يمكن من محاسبتها على مدى تطبيقها أو عدم تطبيقها للبرنامج المعلن. وبالتالي فإن أول نقطة مطروحة بالنسبة لحكومتنا هي المجال الذي تتركه السلطة الملكية لهذه الحكومة، من ناحية أخرى هذه الحكومة هي حكومة ائتلافية غير منسجمة مشكلة من أحزاب ذات مرجعيات مختلفة، إذا هناك استحالة وضع برنامج منسجم أو بالأحرى  تصور واضح لسياسية هذه الحكومة. الحكومة في حالة ارتباك، تعتمد خطابا شعبويا لكن توجهاتها و تدابيرها لاشعبية: زيادة في ثمن المحروقات و بالتالي ضرب القدرة الشرائية، المتدهورة أصلا، لعموم المواطنات و المواطنين، اللجوء إلى الديون الخارجية مع ما يمكن أن يترتب عن ذلك من رهن لسيادة الدولة، ثم قمع الحركات الاحتجاجية، عوض الاستجابة لمطالبها المشروعة. الحكومة منسحبة، في ما يخص الاختيارات الإستراتيجية، وتفتقد للتخطيط لللإصلاحات التي أضحت أساسية، لتفادي الااستقرار الذي يهدد البلاد وغير قادرة على التقليص من الفوارق الطبقية والمجالية. المسألة الثالثة التي تسمح أو لا تسمح بتطبيق برنامج الحكومة هي الإمكانيات المادية و هنا نتساءل عن مدى إمكانية الحكومة على خلق ثروات جديدة، عبر إصلاح النظام الضريبي، و صناديق التقاععد وصندوق المقاصة، واسترجاع الأموال المنهوبة الذي يتطلب محاربة الفساد و إصلاح القضاء من أجل وضع حد للإفلات من العقاب. الورش البالغ الأهمية، الذي يجب أن يحضى بالأولوية هو إصلاح التعليم، نضرا للدور الأساسي لتكوين الإنسان في بناء التنمية، والذي تبدو فيه الحكومة، فقيرة لا من حيث التصور ولا من حيث الأفق بالنسبة للمدرسة والجامعة العمومية والبحث العلمي؟ إنها قضايا أساسية لنرى مدى عمل الحكومة أو لنتكلم عن أداءها.
فنحن في المغرب لا نعيش ديمقراطية حقيقة، ليس هناك فصل حقيقي للسلط والمجال المتروك لرئيس الحكومة مجال ضيق، ولكن رغم ذلك أظن أن المرحلة التي يمر منها المغرب اليوم والتي نحن نعتبرها مرحلة جديدة، جاءت بعد حراك شعبي عارم عرفته المنطقة العربية والمغاربية ومن ضمنها المغرب من خلال حركة 20 فبراير، كنا ننتظر بأن هذا المجال الذي نعرف أنه ضيق وشبه منعدم أنه سيفتح وأننا سننتقل من مؤسسات الواجهة إلى مؤسسات حقيقة وأننا سننتقل من سياسة التعليمات إلى سياسية أخذ المبادرة، إلى التخطيط الاستراتيجي وإلى تحمل المسؤوليات والاستعداد للمحاسبة.
*نفهم أنكم غير راضون وأن الحكومة الظل هي التي تحكم بالمغرب؟
نلمس أن المغرب أخلف مواعيد عديدة مع الإرساء الحقيقي للديمقراطية ومع بناء مجتمع المواطنة ومع تحقيق العدالة الاجتماعية منذ الاستقلال، واليوم ضاعت فرصة على المغاربة، للإصلاح العميق والشامل وتأهيل البلاد لمواجهة التحديات الداخلية والدولية ولانطلاقة جديدة عام 2011 التي تحرك فيها المغاربة كما تحركت شعوب المنطقة لكن التحرك المغربي كانت له سمات خاصة، حيث أنه كان حراك أعلن عن نفسه منذ البداية على أنه حراك سلمي، يطالب بالملكية البرلمانية بالمعايير الدولية، يطالب بسلطة شعبية حقيقية حتى يمكن من ممارسة هذه السلطة وننتقل إلى مغرب الديمقراطية حقيقة والحداثة والمواطنة الكاملة، لكن النظام، لا يؤمن بالإصلاح ولا يستمع لصوت الشعب المطالب  بالقطع مع منطق البيعة والتعليمات والتأسيس لمنطق التعاقد الحضاري بين الدولة والمجتمع، الذي سيصالح المغاربة مع الشأن العام ومع الممارسة السياسية.
*هل معنى ذلك أن المغاربة لا يثقون في السياسة؟
إلى حدود تنظيم الانتخابات السابقة لأوانها في نونبر2011 فالمغاربة، لا يشاركون إلا بنسب هزيلة في الاستحقاقات المتتالية ( أقل من 30 بالمائة)، لا يثقون في السياسة حيث يعتبرونها لعبة مغشوشة، و في كل الأحوال لا تأثير لنتائجها على أوضاعهم وحياتهم،( أولاد عبد الواحد كلهم واحد، المحرك هو المصلحة الخاصة و ليس المصلحة العامة وتحمل الأمانة بصدق ومسؤولية) لا يثقون في الأحزاب (تخلط الحابل بالنابل وثم التمييع الممنهج للعبة السياسية من قبل النظام وبتواطئ نخب فاسدة، منبطحة، تتستر وراء مقولة الحفاظ على الاستقرار، وكأنه محكوم علينا أن نستقر في التخلف والتبعية، بينما العالم من حولنا يعرف دينامية ومزيدا من الحقوق والحريات والتقدم )، بل أكثر من هذا ليست هناك ثقافة ديمقراطية ننميها في الناشئة عبر المدرسة أو عبر وسائل الإعلام، فالمغاربة متخاصمون مع السياسية ومع كل الأسف فمرحلة الحراك الشعبي التي، قادتها حركة 20 فبراير في لم تستثمر ولم تتم الاستجابة لمطالبها، بل وعلى العكس من ذلك تم الالتفاف على هذه المطالب كما تم بالأمس الالتفاف على مطالب اليسار الذي كان يشكل المعارضة القوية في البلاد. فنحن نرى بأن النظام السياسي في بلادنا لا يقبل بروز أية قوى معارضة ولا يعرف معنى الاستماع إلى صوت الشعب كي يجيب على طموحاته ومن تم يحافظ على الاستقرار والأمن المجتمعي بل بالعكس من ذلك يقابل صوت هذا الشعب بالتجاوز وبالقمع 
*هل يمكن القول إنه تم استغلال الربيع العربي لإنهاء هيمنة اليسار والصعود بالإسلاميين إلى السلطة؟
في الحقيقة إنهاء هيمنة اليسار بدأت قبل الحراك العربي لأننا كنا نعيش ردة سياسية غير مسبوقة في بلادنا لأنه بعد الأمل الذي كانت خلقته حكومة التناوب التوافقي عام 1998، ولو أننا كنا ضد مشاركة اليسار آنذاك كقوة معارضة لها أطر وبرنامج مجتمعي متكامل أن تساهم إلى جانب أحزاب إدارية لا مصداقية لها وأكثر من ذلك نحن كنا متخوفين من هذه المشاركة جدا بحيث أن مشاركة الاتحاد في حكومة التناوب التوافقي كانت بدون أن ينتزعوا ضمانات حتى يتمكنوا من تطبيق برنامجهم أو جانب كبير من برنامجهم، وكنا نرى أن هناك التفاف، وبالفعل التف النظام على هذه المعارضة التي أفقدها الكثير من مصداقيتها في المجتمع وتم مباشرة بعد سنة  2002 إجهاض  كل ما سمي بمسلسل الانتقال الديمقراطي( 1996-2002) وبعد ذلك جيء بحزب الدولة "القوي" وكنا نرى أن المغرب يسير في تطبيق سيناريو قديم بإخراج جديد استعملت فيه أدوات قوية هذه المرة حيث تابعنا خلال الإعداد لانتخابات 25 نونبر2011 أن حزب الأصالة والمعاصرة شكل، إلى جانب أحزاب أخرى من كل فج عميق، "جي "8 ، في  ما يشبه التأمر على طموحات الشعب في الانعتاق و بناء الديمقراطية و تحقيق العدالة الاجتماعية. فنحن نتكلم عن ردة سياسية خطيرة  ولا أدري إن كان المسؤولون في أعلى السلطة، واعون بالظرفية الجديدة التي تعرفها المنطقة وتداعياتها على بلادنا والمفتوحة على إمكانية ردة فعل، تقتضي القطع مع مقاربة القمع والتحكم، لأن هناك تنامي كبير للوعي وهناك تعبئة وهناك حركات احتجاجية تخرج كل يوم للشوارع في المدن والقرى بعد أن فقدت الأمل، وأخطر شيء يمكن أن يقع فيه شعب ما هو أن يفقد الأمل في مؤسساته وفي نظامه وأن يرى بأنه عاجز تمام العجز للاستجابة على طموحاته المشروعة في العيش الكريم.
*حققت حركة 20 فبراير مكاسب في البداية وراهنتم عليها، اليوم نرى أن بريقها خفت هل كان راهنا فاشلا ؟
إن حركة 20  فبراير جاءت لإيقاف مسلسل العبث السياسي في بلادنا وقوبلت تلك الحركة بالمواجهة القوية من قبل المخزن كما واجه بالأمس القريب اليسار. الحركة جاءت تحمل شعارات ناضل من أجلها بالأمس القريب اليسار وواهم من يعتقد أن الحركة تراجعت بعدما قررت حركة العدل والإحسان أن توقف عملها فيها، الحركة  ستظل مستمرة مادامت شعاراتها قائمة الذات ولم تتم الاستجابة لها، ومادام الدستور المعدل لم يحسم بشكل واضح باتجاه الملكية البرلمانية بالمعايير الدولية.
نحن نراهن على بروز تيار ديمقراطي قوي قادر أن يحتضن حركة 20 فبراير بإخراج جديد لأننا واثقون في ابتكار وإبداع الشباب المتمكن من أدوات التواصل، ونثق في هذه الحركة وفي إمكانية إعادة نهضة جديدة لهذه الحركة. ولكن نرى أيضا أن النظام لعب دورا كبيرا في تمييع الحياة السياسية، عبر تفتيت الأحزاب، و خلق أحزاب موالية له، تفتيت النقابات وخلق جمعيات لا طائلة من وراءها وتستفيد من المنفعة العامة كل هذا جعل أنه عوض أن نترك المجتمع المدني يفرز مؤسسات قوية قادرة على الدفع باتجاه البناء الديمقراطي بشكل سلمي نحن نحارب كل مبادرة قوية و متقدمة، لأن النظام له فوبيا مما يسمى بالقوة المضادة "contre pouvoir ".علما بأن الديمقراطيات الراسخة، تستفيد من القوى المضادة من أجل التقويم و تطوير الديمقراطية.
*ألا تتخوفون من أن يحصل نفس الشيء مع حركة 20 فبراير؟
نحن نثق في هذه الحركة وهذه الحركة تحمل مشروعا كبيرا وكذبت كل الأطروحات القائلة بأن الإنسان المسلم العربي الأمازيغي  "لم يعد له أثر" ولم يعد قادرا على الانتفاض، والتعبير عن غضبه أمام تنامي الظلم الاجتماعي، لهذا الغرض  وحتى نؤثر في موازين القوى وحتى ندعم هذه الحركة والحركات الاجتماعية الأخرى لتقف في جبهة متراصة ضاغطة  من داخل مؤسسات، يجب أن تتوفر على المصداقية الازمة، ومحتجة  في الشارع، الذي أصبح ساحة للاصطدام، عوض الاحتجاج السلمي، بين المحتجين الذين يمارسون حقا دستوريا، و تسخير البلطجية إلى جانب قوى الأقمع لإرهاب الحركات الاحتجاجية، نحن نناضل على واجهات متعددة ونعمل مع حلفائنا ومنفتحين على القوى الديمقراطية، لخلق جبهة ديمقراطية لبناء مغرب العدالة الاجتماعية فلا يعقل أن 34 مليون نسمة، ثلث ساكنتها عيشها لا يطاق ( مشاكل الولوج إلى الخدمات الاجتماعية: الأمية، البطالة، السكن الغير لائق، مليون و800 ألف تعيش في دور الصفيح، الفوارق تزداد اتساعا والريع والفساد، يمركز الثروة في يد أقلية قليلة، بينما تتسع دائرة الفقر والحرمان والتمييز، ما دمنا نفتقر لنظام ديمقراطي، يضع أسس دمقرطة المجتمع وتحقيق التوزيع العادل للثروة.
*بحديثكم عن الريع تقولون دائما إنه نظام امتياز لضمان الولاء؟
الريع موجود في كل مكان، و يشكل سدا مانعا أمام كل إمكانية لإقلاع الاقتصاد الوطني و هو مقرون بنظام الامتيازات واستغلال النفوذ، فساد منتشر، ضيع على بلادنا فرص لتحقيق التنمية، حيث أصبح ظاهرة ثقافية خطيرة، استعملت من أجل تأدية واجب الطاعة لأن النظام الذي لا يكون ديمقراطيا يحيط نفسه بدوائر المستفيدين، حتى تبقى متضامنة مع هذا النظام  لكيلا يباشر الإصلاحات الضرورية الأساسية التي تنتظرها البلاد لضمان الالتحام والسلم المجتمعي.
فمادام النظام المخزني لم يتغير وأسسه قائمة في ظل غياب فصل حقيقي للسلط، ومادام  لم يباشر بجدية وشجاعة الإصلاحات الشاملة، فهناك استمرارية في عمل هذه الحكومة، التي سيتم، لتمرير، من خلالها، لما سيساهم في إضعافها كما تم إضعاف اليسار الذي شارك في  حكومة التناوب التوافقي بالأمس القريب.
*لكن الحكومة الحالية أفرجت عن لوائح مأذونيات النقل ومقالع الرمال؟
مسألة نشر لوائح مأذونيات النقل ومقالع الرمال، يجب أن تتم في إطار خطة متكاملة لمحاربة الفساد. وننتظر أيضا نشر لوائح استغلال رخص الصيد في أعالي البحار والكف عن مجالات الاحتكار ونهب المال العام غيرها  نرى أن الحكومة خطت خطوة ولكنها توقفت بعد إعلان رئيس الحكومة "عفا الله عما سلف" . الحكومة يجب أن تفي بما أعلنته في تصريحها الحكومي، و أن لا تتراجع أمام أول عقبة وإلا وجب عليها أن تعلن عن عجزها وأن تقدم استقالتها. فالمجلس الأعلى قدم تقرير 2010 يجب وضع الملفات التي شابتها اختلالات، بين يدي القضاء للمساهمة في إعادة  الثقة  للمغاربة والتأكيد على الانتقال من مرحلة الإفلات من العقاب  مرحلة التأسيس لبناء دولة الحق والقانون.
*هذه النظرة السوداوية يلزمها عمل قوي، لكن الملاحظ أن علاقة اليسار الذي تتقاسمون نفس أفكاره باردة ومشتتة ؟
نحن جزء من هذا اليسار الذي نفتخر بالانتماء إليه و ننهل من منبعه الذي يهدف إلى تحرير الإنسان والذي تبنا كل ما أنتجه الفكر الإنساني الحضاري التنويري لبناء مجتمع المواطنة والكرامة والعدالة الاجتماعية. اليسار يعرف أزمة، جعلته في عدم الجاهزية لاحتضان  الحراك الشعبي الذي عرفته بلادنا في2011 والدفع به إلى تحقيق أهدافه المعلنة في الدمقرطة. وإن اليسار الذي شارك في الحكومة تم إضعافه، واليسار الذي لم يشارك تم إضعافه كذلك بعد أن استطاعت الدولة استقطاب بعض من نخبه، وتمييع الحياة السياسية الشيء الذي أدى إلى فقدان ثقة المواطنين وضعف تعبئتهم نضرا لغياب المصداقية، بعد غزو النخب الانتهازية، للمجال السياسي.
اليسار واع اليوم بضرورة إعادة التأسيس وإعادة البناء للتصدي للأزمة السياسية، المتجسدة في غياب الديمقراطية، و توضيح مشروعه المجتمعي وتحديد إستراتيجيته المستقلة عن إستراتيجية النظام  و عن إستراتيجية الأصولية.
اليسار يجب أن يستجمع قواه على أساس برنامج واضح للنضال الديمقراطي بهدف تحقيق التغيير الديمقراطي المنشود. وأن يدفع باتجاه قيام ثورة ثقافية، للحد من الردة القائمة ولتوفير شروط التغيير.
بالنسبة لمسألة النظرة السوداء، فهذا يدخل ضمن التشويش على اليسار وتغليط الرأي في محاولة لإسكات صوت الحق، فليس هناك من لديه أمل في هذا البلد أكثر منا،  لكن الأمل يجب أن يبنى على أسس قوية، فلكي تحافظ بلادنا على السلم المجتمعي والتلاحم يجب أن نفضح  بؤر الفساد، وأن نقترح البدائل لنتقاسم خيرات البلاد بين أولادها وبناتها، وأن يتحقق العدل لأنه حجر الزاوية في أي تقدم. أرى أن كل ما أتيحت لنا فرصة للانتقال إلى الديمقراطية الحقيقية وننتقل بالمغاربة من رعايا إلى مواطنين كاملي المواطنة، إلا وتتجند القوى المحافظة ولوبيات الفساد والمتملقين لإجهاض كل إمكانية النهوض والتقدم لأنها ترى فيه تهديدا لمصالحها، المتعارضة مع مصالح  تطلعات الشعب. يجب أن تكون لدينا الشجاعة الكاملة للتنديد بكل ما هو غير صائب والنضال من أجل القطع مع الاختيارات الغير ديمقراطية. النظام المخزني يتحكم في مجمل السلط، والحكومات المتتالية ضلت ضعيفة المناعة ولا جرأة لها.  حزب العدالة والتنمية، الذي يترأس الحكومة الحالية، "لا يريد إغضاب الملك" ونحن نقول له يجب أن ينتبه كذلك إلى عدم إغضاب الشعب الذي ينتظر التغيير .
*تتحدثين عن غياب انتقال ديمقراطي هل يمكن تحقيق انتقال ديمقراطي في غياب جهد للنضال من أجل الانتقال الديمقراطي؟
النضال الديمقراطي يجب أن يستمر لتحقيق التغيير الديمقراطي المأمول، لم يحدث أن نظاما غير ديمقراطي، تحول إلى نظام ديمقراطي دون وجود قوة مضادة قادرة على فرض التغيير، يجب أن يكون هناك التحام واسع حول مشروع النضال الديمقراطي وتحريك الدعامات الأساسية من نقابات وجمعيات حقوقية ونسائية وأمازيغية ومثقفون وطلبة… للضغط من خلال النضال الجماهيري والسياسي الممارس من خلال  الشارع ومن داخل المؤسسات التي يجب أن تخرج من صناديق الاقتراع وفق شروط تضمن النزاهة والشفافية وبالتالي ترجمة الإرادة الشعبية إلى سلطة شعبية.
النضال الديمقراطي يتطلب التوفر على تعددية حقيقية وبالتالي أحزاب ذات مصداقية. كحزب اشتراكي موحد، كنا أول مبادرين إلى  تجميع أحزاب يسارية وإلى مأسسة التيارات داخل الحزب، ولكن الغريب في الأمر أنه قبل التوحيد كمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي تقدمنا إلى الانتخابات عام 1997 وحصلنا على نسبة مهمة من أصوات الناخبين وفي عام 2002 بعد التوحيد حصل حزبنا  على نسبة أقل من أصوات الناخبين، في محاولة لمحاصرة حزبنا لأن النظام لا يريده أن نبرز كقوة بديلة وتم، مرة أخرى، التحكم في الخارطة السياسية وتهميشنا، حتى يضل التخطيط المخزني الأكثر احتمالا و"البديل" الوحيد المقبول من أجل الاستقرار واستمرار.
*هل تقصدين وزارة الداخلية ؟
 وزارة الداخلية، هي جزء من النظام، وهي تتحكم في صنع الخريطة السياسية وضبطها، وهذا من ضمن الأسباب التي جعلت 25 في المائة من الشعب المغربي فقط هي التي تشارك في عملية التصويت والأغلبية لا تصوت لأنها تعي بأن اللعبة السياسية مغشوشة. إن مصالحة المغاربة مع الانتخابات وإعادة بناء الثقة المفقودة كان ممكنا، لو استغل المغرب الفرصة التي أتيحت عام 2011 للانتقال إلى الملكية البرلمانية بالمعايير الدولية ووضع دستو ر يكرس ذلك. كان المغاربة سيعدون إلى صناديق الاقتراع بالملايين لأنهم سيقتنعون بأنها ستكون بداية لبناء الديمقراطية التي طال انتظارها رغم التضحيات الجسام التي قدمها الشعب المغربي وفي مقدمته القوى اليسارية والديمقراطية.
نحن لسنا ضعفاء لأن العملية الانتخابية، متحكم فيها، يواكبها تزوير ونزول قوي للأعيان وشراء الذمم، والشعب الذي لا يصوت فقد الثقة ولم يعد يعبأ للعملية الانتخابية، وكل هؤلاء يمكن أن يشكلوا المساندين لمشروعنا لأن غالبية الشعب تطمح للتحرر والمواطنة والكرامة والعدالة الاجتماعية وهي بذلك اشتراكية.
*لكن هناك من يؤاخذ عليكم أن حزبكم هو حزب نخبوي وليس له قاعدة جماهيرية؟
في سبعينات وثمانينيات القرن الماضي كان اليسار  مساندا من قبل فئات واسعة ("شعب اليسار") بدون أن يدق أبواب البيوت، عندما يتخذ موقفا الكل كان يساند. ولو لم يكن يواكب العملية الانتخابية آنذاك التزوير والضبط بكل الآليات، لكان اليسار مكتسحا للمؤسسات المنتخبة. الأحزاب اليسارية  ووجهت بالقمع الشديد أثناء سنوات الرصاص، وكان هناك احتراز من كل وافد جديد داخلها، خوفا من اختراق المخزن لها، كما أن تراجع المد التلاميذي والطلابي، بعدما تم تسخير الشبيبات الإسلامية لمحاربة اليسار في مواقعه، فبدأت حينها مرحلة جزر ازدادت حدتها مع انهيار جدار برلين. بعد هذه المحطة ستشكل الكتلة الديمقراطية، التي وضعت ميثاقها للتأكيد على  ضرورة مباشرة الإصلاحات الدستورية والسياسية في المغرب لتجاوز الأزمة. رغم وعي النظام بخطورة المرحلة، لم يحصل تعاقد مع المؤسسة الملكية يحدد القواعد التي من شأنها إنقاذ البلاد. ثم بعدها وضع دستور 1996 الذي لم يستجب للحد الأدنى من مطالب الكتلة، رغم ذلك ولأول مرة صوتت المعارضة اليسارية بالإيجاب، باستثناء منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، التي قاطعت الاستفتاء على هذا الدستور الممنوح. كانت هذه نهاية الكتلة. انطلق حينها مسلسل ما سمي بالانتقال الديمقراطي الذي استمر إلى 2002،  ترأس السيد عبد الرحمان اليوسفي حكومة التناوب التوافقي التي شكلت مرحلة انفتاح سياسي وليس انتقال ديمقراطي، دون أن يحصل التغيير المنشود. مرحلة رغم بعض الانجازات الهامة خاصة في مجال الحقوق، كانت لها أثار وخيمة على اليسار الذي تراجع صداه في المجتمع، بينما احتلت قوى محافظة مواقع متميزة واستطاعت أن تحشد دعما شعبيا، باستغلالها لعامل الدين وحساسية المغاربة تجاه الدين الإسلامي. ثم إغلاق الحق السياسي وإعادة إخراج لحزب الدولة الجديد، القديم، الشيء الذي عبر عنه المغاربة بمقاطعة عارمة لانتخابات 2007 ،حيث لم تتعد نسبة المشاركة 20 بالمائة و 25  بالمائة  في 2011.
نحن نعتبر أن المشروع المجتمعي الذي يناضل من أجله حزبنا، يشكل أحسن عرض سياسي في المغرب لكن خطابنا ظل نخبويا لا يخدم مشروعنا، ولا يصل إلى عموم الشعب وإلى عمق الجماهير، التي نحمل مشروعا من شأنه أن يعبئها وأن تجد فيه الجواب على طموحاتها وانتظاراتها. المرحلة، محطة لإعادة التأسيس والبناء، مع تجديد الفكر والخطاب، واعتماد أدوات حديثة لتنظيم الفعل الميداني والتواصل، وخصوصا بناء جسور جديدة وتقوية المتقادمة منها تجاه عموم المواطنين وكل القوى التي لها مصلحة في التغيير الديمقراطي ودولة القانون.
*اليوم الحركات الإسلامية كلها لها عمق جماهير لماذا؟
الحركات الإسلامية استطاعت أن تنفذ إلى عمق المجتمع، لأن هناك ظلم اجتماعي كبير ومن نتائجه تنامي ظاهرة التدين في المجتمع، وهذه الحركات تلعب على وثيرة الدين الحساسة، وتستفيد من فقدان ثقة المواطنين في إمكانية النخب السياسية الفاسدة أن تغير من أوضاع المحرومين. فضلا على أن الحركات الإسلامية، لها امتدادات حتى خارج الحدود،  تسمح لها ب"الإحسان و الصدقة" وبالتالي تشكيل كثلة ناخبة مهمة.
اليسار واع بضرورة تطوير التواصل مع الناس ولكن، دائما في ظل صون كرامتهم، وتوعيتهم وجعلهم قادرين على الدفاع عن مصالحهم.
اليوم لدينا ضعف وقصور كبير في النخب في كل المجالات حتى النخب  السياسية، التي استبدلت بالتقنوقراط. الجامعة التي كانت تساهم في التكوين والتأطير في الماضي القريب والتي أنتجت أطرا ونخبا سياسية، تراجع دورها بعدما، اجتازت الردة الفكرية أسوار الجامعات التي تعرف ما يشبه اصطدام الثقافات: قذف وتكفير، ثنائية أبيض وأسود لا ثالث لهما، وضاعت مركزة العلم والمعرفة في متاهات هوياتية ونقاشات عقيمة.
*هذا يحلينا على تصريح لك قلت فيه إن المساجد أصبحت ملاذا للشاب الذي لا يستطيع أن يؤدي فنجان قهوة على صديقته واتهامك بالتكفير؟
خلال مداخلتي التي دامت ما يقارب الساعة  تم اقتناص 30 ثانية، ومعروف عني أنني لا أتحدث لغة الخشب وأعتمد الصدق لأنني لا أنتظر جائزة شخصية أو مصلحة ذاتية أنا أدافع عن مشروع مجتمعي انطلاقا من قناعاتي ومن ثقتي في صحة ما أدافع عنه.
إن فشل المنظومة التربوية وقلة فرص الشغل بعملي مع رفيقاتي في الميدان نرى أن عددا كبيرا من الشباب، بسبب عدم توفر مكتبة ولا دور شباب ذات البنايات المهترئة والتي تخلت عنها الدولة ولا على ملعب، عاد إلى التدين، إذا كان من أجل الغذاء الروحي والفكري فلا بأس، لكن إذا كان من أجل التطرف فلا. بالمقابل نجد شبابا آخرين غارقين في المخدرات التي أصبحت تباع أمام أبواب المدارس الثانوية والإعدادية وحتى الابتدائية. إذا السؤال لماذا نتخلى عن هؤلاء وهم شباب المستقبل.
الذين يسهرون في السجون ومخافر الشرطة يجب تكوينهم على حقوق الإنسان وعليهم أن يفهموا أن كل مواطن هو البلد وأن ذلك الطفل المشرد لو تم إنقاذه اليوم سيصير مواطن الغد وليس عاهة على المجتمع. للأسف ليس لدينا مجتمع متضامن. وانهيار القيم.
*وماذا عن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية؟
 المبادرة الوطنية للتنمية البشرية أعطت بعض النتائج لكنها ليست المدخل من أجل مجتمع متضامن. أقول إن التضامن يجب أن يكون سياسة دولة وبكل أسف قمنا بتدمير التضامن من خلال كسر الاختلاط المجتمعي وأكبر دليل عنها عندما قمنا بتخريب المدرسة العمومية والجامعة العمومية.
*على ذكر التعليم لم تتفقوا مع إعلان وزير التعليم العالي رغبته في إلغاء هذه المجانية؟
لكي نبني مجتمعا فإن المدخل هو الديمقراطية السياسية والهدف هو ديمقراطية اجتماعية في كل جوانبها، والمدرسة يجب أن تكون أداة لتكافؤ الفرص، والمدرسة هي الأساس لتقليص الفوارق، لأن الإنسان هو الذي يبني التنمية، والمغرب يعاني من ضعف مهول في الكفاءات المتنوعة ومنها الكفاءات السياسية. ماذا فعلنا بمدرستنا؟ منذ سنوات ونحن نتكلم عن الاصطلاح، لكن ما حصل هو تشجيع التعليم الخصوصي على حساب التعليم العمومي وأفرزنا أولاد الفقراء في المدرسة العمومية وهو ما يسمى بلغة موليير "تدمير الاختلاط المجتمعي" بين أبناء الفقراء والأغنياء، وهذا بدأ منذ سنوات طويلة عندما وقع المغرب على الاتفاقية العامة للتجارة والخدمات، التي وضعتها المنظمة الدولية للتجارة التي تقول بالحرف  يجب خوصصة كل القطاعات بما فيها المدرسة، ونحن نقول إن المدرسة والصحة يجب أن تكونا عموميتين وجيدتين إذا أردنا ألا نكون تابعين ومستهلكين ونبقى في مؤخرة الشعوب.
تصريحات الوزير تنم على أننا نعيش ردة  فكرية خطيرة، أستغرب من تصريح الوزير عندما قال إنه "ماخصنا ما نديرو بكلية الآداب"، هل يعقل ذلك؟ الآداب هي اختصاصات متشعبة، بحث علمي، فلسفة، لغات، علوم اجتماعية، تاريخ، جغرافيا، سسيولوجيا، انتربولوجيا، تطورات المجتمعات، أداب تنمي الفكر والحس النقدي والثقافة والإبداع،  أي كل العلوم والمعارف التي تجعل الفرد يطور ليصير مواطنا ناجحا، فاعلا في بناء مجتمعه وتطوير محيطه.
أستغرب عندما يقول السيد الوزير إن البحث العلمي ترف، علما أن المغرب يتوفر على باحثين مرموقين في العديد من التخصصات والمجالات. المؤسسة التي أنتمي إليها( كلية العلوم عين الشق-جامعة الحسن الثاني بالبيضاء) تظم  أستاذ في علوم مختلفة نالوا جوائز دولية مهمة، آخرون صنفوا من ضمن 100 باحث الأكثر تأثيرا في العالم. داخل المغرب وخارجه هناك أسماء باحثين تشرف المغرب  براءات وآلاف الأبحات والابتكارات، تنشر في أهم المجلات العلمية، هؤلاء جميعا من أبناء الشعب وقرؤوا بإمكانياتهم في مدرسة عمومية  وآخرون لا زالوا يناضلون من أجل سياسة للبحث العلمي وإمكانيات للتمويل وتشجيع الباحثين حتى نحد من التبعية ونصبح منتجين للعلوم وليس مجرد مستهلكين متخلفين.
إذا مضينا في هذه السياسية التي لا تخلق مناصب شغل في التعليم العالي لأن عددا كبيرا من الأساتذة الباحثين سوف يحالون على التقاعد في  2015/2016 من سيخلف هؤلاء؟ ستتحول الجامعة إلى مدرسة لتدريس الكبار بدون بحث علمي ولا جودة.
*تفتحون  مقراتكم لحزب البديل الحضاري، هل تعدونه نموذجا للحزب الإسلامي الديمقراطي؟
الإخوان في حزب البديل الحضاري يقولون إن مرجعيتهم هي الإسلام، ولكنهم يؤمنون بالديمقراطية لأن المجتمع متنوع ومرجعياته مختلفة، المكونات السياسية الديمقراطية تتباري ديمقراطيا والحسم  لصناديق الاقتراع. نحن نعادي من يعادي الديمقراطية ونؤمن بالحرية كما قال فولتير " قد أختلف معك في الرأي، ولكني على استعداد أن أموت حتى تعبر عن رأيك ".
*نعرج على ملف الصحراء، لماذا ترددون دائما أن المغرب أخلف مواعيد عديدة لتسوية هذا الملف؟
أولا أقول بأن ملف الصحراء كان من الممكن أن يحل مباشرة بعد الاستقلال، لكن تآمر القوى الأجنبية المستعمرة حال دون أن يتم تحرير جنوب المغرب من طرف جيش التحرير الذي حُلّ وتم خلق القوات المسلحة الملكية. وبعد الاستقلال لم يرغب المغرب في ترسيم الحدود إلى حين استقلال الجزائر، وبعدها كان من الممكن حل هذا الملف في محطات متعددة، لكن إنفراد النظام بهذا الملف وطريقة تعامله مع هذا الملف جعلت موقف المغرب يضعف لأن النظام تعامل بسياسة مقاربة الأعيان والاعتماد على القبيلة ومنح الامتيازات والتعاطي الأمني القمعي مع المناطق الجنوبية.
إن المدخل الأساسي لحل ملف الصحراء هو الديمقراطية. إذا بنينا ديمقراطية  وأسسنا لمؤسسات وطنية ديمقراطية تتمتع بمصداقية تعبر عن الإرادة الشعبية، إذا توفرنا محليا وجهويا على مؤسسات تتمتع بالمصداقية، وتتيح فرصة التنمية الجهوية والمحلية سنتمكن من  تنمية وطنية، والعمل على التوزيع العادل للثروة، إذا كان لدينا قضاء مستقل ونزيه وقطعنا نهائيا مع سياسة الإفلات من العقاب، سنكون أقوياء بجعل المنتظم الدولي يحترم موقف المغرب ويدفع باتجاه حل سياسي دائم يفتح أفاق بناء المغرب الكبير أمل الشعوب في الإنعتاق والتقدم.
————
حاورتها  سميرة العثماني، منشور بجريدة "المساء" عدد 1924/ 3 دجنبر 2012

نبيلة منيب: الحكومة مرتبكة.. تعتمد خطابا شعبويا وتوجهاتها غير شعبية "إننا نعيش ردة خطيرة على جميع المستويات"


 نبيلة منيب: الحكومة مرتبكة.. تعتمد خطابا شعبويا وتوجهاتها غير شعبية
"إننا نعيش ردة خطيرة على جميع المستويات"

————
انتقدت نبيلة منيب، الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، أداء حكومة بنكيران، لعدم تمتعها بسلطات واسعة بسبب غياب الديمقراطية، مضيفة أن المغرب أخلف مواعيد عديدة مع الإرساء الحقيقي للديمقراطية ومع بناء مجتمع المواطنة ومع تحقيق العدالة الاجتماعية منذ الاستقلال وحتى اليوم، مشيرة إلى أن المغرب يعيش ردة  سياسية وفكرية خطيرة، كما شددت على أن حركة 20 بريار ستعود اقوى مما كانت عليه لثقتهم في إبداع وابتكار شبابها (المساء)  

—————
 الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد في حوار مطول نشر بجريدة "المساء"، تقوم فيه بتفكيك مظاهر الواقع السياسي من نظام وحكومة وأحزاب، وقد اعتبرت أن الحكومة بدون صلاحيات حقيقية، وأنها غير منسجمة ومرتبكة وتتخذ قرارات لا شعبية، كما أن الحكومة بدون تصور للإنجاز إصلاحات كبرى.. وترى أن حركة 20 فبراير ما تزال قائمة، وتطرقت للانتشار الريع ودوره في السياسة، ولأزمة التعليم والصحة والعدل وانتشار الفقر.. وتحدثت عن موقفها من قضية الصحراء، وأسباب تراجع اليسار وبروز الحركات الإسلامية.. (المدونة)
- وأخطر شيء يمكن أن يقع فيه شعب ما هو أن يفقد الأمل في مؤسساته وفي نظامه وأن يرى بأنه عاجز تمام العجز للاستجابة على طموحاته المشروعة في العيش الكريم 

- النظام المخزني لم يتغير وأسسه قائمة في ظل غياب فصل حقيقي للسلط، ومادام  لم يباشر بجدية وشجاعة الإصلاحات الشاملة، فهناك استمرارية في عمل هذه الحكومة..
- حزب العدالة والتنمية، الذي يترأس الحكومة الحالية، "لا يريد إغضاب الملك" ونحن نقول له يجب أن ينتبه كذلك إلى عدم إغضاب الشعب الذي ينتظر التغيير.
*الأداء الحكومي بعد مرور أكثر من سنة، كيف ترونه؟
الأداء الحكومي في جانب كبير منه مرتبط بالمجال المفتوح لممارسة سلطة الحكومة. ففي البلدان الديمقراطية، الحكومة لها كامل السلطات من أجل أن تضع برنامجا محددا باختيارات وتوجهات واضحة في جميع المجالات وهو ما يمكن من محاسبتها على مدى تطبيقها أو عدم تطبيقها للبرنامج المعلن. وبالتالي فإن أول نقطة مطروحة بالنسبة لحكومتنا هي المجال الذي تتركه السلطة الملكية لهذه الحكومة، من ناحية أخرى هذه الحكومة هي حكومة ائتلافية غير منسجمة مشكلة من أحزاب ذات مرجعيات مختلفة، إذا هناك استحالة وضع برنامج منسجم أو بالأحرى  تصور واضح لسياسية هذه الحكومة. الحكومة في حالة ارتباك، تعتمد خطابا شعبويا لكن توجهاتها و تدابيرها لاشعبية: زيادة في ثمن المحروقات و بالتالي ضرب القدرة الشرائية، المتدهورة أصلا، لعموم المواطنات و المواطنين، اللجوء إلى الديون الخارجية مع ما يمكن أن يترتب عن ذلك من رهن لسيادة الدولة، ثم قمع الحركات الاحتجاجية، عوض الاستجابة لمطالبها المشروعة. الحكومة منسحبة، في ما يخص الاختيارات الإستراتيجية، وتفتقد للتخطيط لللإصلاحات التي أضحت أساسية، لتفادي الااستقرار الذي يهدد البلاد وغير قادرة على التقليص من الفوارق الطبقية والمجالية. المسألة الثالثة التي تسمح أو لا تسمح بتطبيق برنامج الحكومة هي الإمكانيات المادية و هنا نتساءل عن مدى إمكانية الحكومة على خلق ثروات جديدة، عبر إصلاح النظام الضريبي، و صناديق التقاععد وصندوق المقاصة، واسترجاع الأموال المنهوبة الذي يتطلب محاربة الفساد و إصلاح القضاء من أجل وضع حد للإفلات من العقاب. الورش البالغ الأهمية، الذي يجب أن يحضى بالأولوية هو إصلاح التعليم، نضرا للدور الأساسي لتكوين الإنسان في بناء التنمية، والذي تبدو فيه الحكومة، فقيرة لا من حيث التصور ولا من حيث الأفق بالنسبة للمدرسة والجامعة العمومية والبحث العلمي؟ إنها قضايا أساسية لنرى مدى عمل الحكومة أو لنتكلم عن أداءها.
فنحن في المغرب لا نعيش ديمقراطية حقيقة، ليس هناك فصل حقيقي للسلط والمجال المتروك لرئيس الحكومة مجال ضيق، ولكن رغم ذلك أظن أن المرحلة التي يمر منها المغرب اليوم والتي نحن نعتبرها مرحلة جديدة، جاءت بعد حراك شعبي عارم عرفته المنطقة العربية والمغاربية ومن ضمنها المغرب من خلال حركة 20 فبراير، كنا ننتظر بأن هذا المجال الذي نعرف أنه ضيق وشبه منعدم أنه سيفتح وأننا سننتقل من مؤسسات الواجهة إلى مؤسسات حقيقة وأننا سننتقل من سياسة التعليمات إلى سياسية أخذ المبادرة، إلى التخطيط الاستراتيجي وإلى تحمل المسؤوليات والاستعداد للمحاسبة.
*نفهم أنكم غير راضون وأن الحكومة الظل هي التي تحكم بالمغرب؟
نلمس أن المغرب أخلف مواعيد عديدة مع الإرساء الحقيقي للديمقراطية ومع بناء مجتمع المواطنة ومع تحقيق العدالة الاجتماعية منذ الاستقلال، واليوم ضاعت فرصة على المغاربة، للإصلاح العميق والشامل وتأهيل البلاد لمواجهة التحديات الداخلية والدولية ولانطلاقة جديدة عام 2011 التي تحرك فيها المغاربة كما تحركت شعوب المنطقة لكن التحرك المغربي كانت له سمات خاصة، حيث أنه كان حراك أعلن عن نفسه منذ البداية على أنه حراك سلمي، يطالب بالملكية البرلمانية بالمعايير الدولية، يطالب بسلطة شعبية حقيقية حتى يمكن من ممارسة هذه السلطة وننتقل إلى مغرب الديمقراطية حقيقة والحداثة والمواطنة الكاملة، لكن النظام، لا يؤمن بالإصلاح ولا يستمع لصوت الشعب المطالب  بالقطع مع منطق البيعة والتعليمات والتأسيس لمنطق التعاقد الحضاري بين الدولة والمجتمع، الذي سيصالح المغاربة مع الشأن العام ومع الممارسة السياسية.
*هل معنى ذلك أن المغاربة لا يثقون في السياسة؟
إلى حدود تنظيم الانتخابات السابقة لأوانها في نونبر2011 فالمغاربة، لا يشاركون إلا بنسب هزيلة في الاستحقاقات المتتالية ( أقل من 30 بالمائة)، لا يثقون في السياسة حيث يعتبرونها لعبة مغشوشة، و في كل الأحوال لا تأثير لنتائجها على أوضاعهم وحياتهم،( أولاد عبد الواحد كلهم واحد، المحرك هو المصلحة الخاصة و ليس المصلحة العامة وتحمل الأمانة بصدق ومسؤولية) لا يثقون في الأحزاب (تخلط الحابل بالنابل وثم التمييع الممنهج للعبة السياسية من قبل النظام وبتواطئ نخب فاسدة، منبطحة، تتستر وراء مقولة الحفاظ على الاستقرار، وكأنه محكوم علينا أن نستقر في التخلف والتبعية، بينما العالم من حولنا يعرف دينامية ومزيدا من الحقوق والحريات والتقدم )، بل أكثر من هذا ليست هناك ثقافة ديمقراطية ننميها في الناشئة عبر المدرسة أو عبر وسائل الإعلام، فالمغاربة متخاصمون مع السياسية ومع كل الأسف فمرحلة الحراك الشعبي التي، قادتها حركة 20 فبراير في لم تستثمر ولم تتم الاستجابة لمطالبها، بل وعلى العكس من ذلك تم الالتفاف على هذه المطالب كما تم بالأمس الالتفاف على مطالب اليسار الذي كان يشكل المعارضة القوية في البلاد. فنحن نرى بأن النظام السياسي في بلادنا لا يقبل بروز أية قوى معارضة ولا يعرف معنى الاستماع إلى صوت الشعب كي يجيب على طموحاته ومن تم يحافظ على الاستقرار والأمن المجتمعي بل بالعكس من ذلك يقابل صوت هذا الشعب بالتجاوز وبالقمع 
*هل يمكن القول إنه تم استغلال الربيع العربي لإنهاء هيمنة اليسار والصعود بالإسلاميين إلى السلطة؟
في الحقيقة إنهاء هيمنة اليسار بدأت قبل الحراك العربي لأننا كنا نعيش ردة سياسية غير مسبوقة في بلادنا لأنه بعد الأمل الذي كانت خلقته حكومة التناوب التوافقي عام 1998، ولو أننا كنا ضد مشاركة اليسار آنذاك كقوة معارضة لها أطر وبرنامج مجتمعي متكامل أن تساهم إلى جانب أحزاب إدارية لا مصداقية لها وأكثر من ذلك نحن كنا متخوفين من هذه المشاركة جدا بحيث أن مشاركة الاتحاد في حكومة التناوب التوافقي كانت بدون أن ينتزعوا ضمانات حتى يتمكنوا من تطبيق برنامجهم أو جانب كبير من برنامجهم، وكنا نرى أن هناك التفاف، وبالفعل التف النظام على هذه المعارضة التي أفقدها الكثير من مصداقيتها في المجتمع وتم مباشرة بعد سنة  2002 إجهاض  كل ما سمي بمسلسل الانتقال الديمقراطي( 1996-2002) وبعد ذلك جيء بحزب الدولة "القوي" وكنا نرى أن المغرب يسير في تطبيق سيناريو قديم بإخراج جديد استعملت فيه أدوات قوية هذه المرة حيث تابعنا خلال الإعداد لانتخابات 25 نونبر2011 أن حزب الأصالة والمعاصرة شكل، إلى جانب أحزاب أخرى من كل فج عميق، "جي "8 ، في  ما يشبه التأمر على طموحات الشعب في الانعتاق و بناء الديمقراطية و تحقيق العدالة الاجتماعية. فنحن نتكلم عن ردة سياسية خطيرة  ولا أدري إن كان المسؤولون في أعلى السلطة، واعون بالظرفية الجديدة التي تعرفها المنطقة وتداعياتها على بلادنا والمفتوحة على إمكانية ردة فعل، تقتضي القطع مع مقاربة القمع والتحكم، لأن هناك تنامي كبير للوعي وهناك تعبئة وهناك حركات احتجاجية تخرج كل يوم للشوارع في المدن والقرى بعد أن فقدت الأمل، وأخطر شيء يمكن أن يقع فيه شعب ما هو أن يفقد الأمل في مؤسساته وفي نظامه وأن يرى بأنه عاجز تمام العجز للاستجابة على طموحاته المشروعة في العيش الكريم.
*حققت حركة 20 فبراير مكاسب في البداية وراهنتم عليها، اليوم نرى أن بريقها خفت هل كان راهنا فاشلا ؟
إن حركة 20  فبراير جاءت لإيقاف مسلسل العبث السياسي في بلادنا وقوبلت تلك الحركة بالمواجهة القوية من قبل المخزن كما واجه بالأمس القريب اليسار. الحركة جاءت تحمل شعارات ناضل من أجلها بالأمس القريب اليسار وواهم من يعتقد أن الحركة تراجعت بعدما قررت حركة العدل والإحسان أن توقف عملها فيها، الحركة  ستظل مستمرة مادامت شعاراتها قائمة الذات ولم تتم الاستجابة لها، ومادام الدستور المعدل لم يحسم بشكل واضح باتجاه الملكية البرلمانية بالمعايير الدولية.
نحن نراهن على بروز تيار ديمقراطي قوي قادر أن يحتضن حركة 20 فبراير بإخراج جديد لأننا واثقون في ابتكار وإبداع الشباب المتمكن من أدوات التواصل، ونثق في هذه الحركة وفي إمكانية إعادة نهضة جديدة لهذه الحركة. ولكن نرى أيضا أن النظام لعب دورا كبيرا في تمييع الحياة السياسية، عبر تفتيت الأحزاب، و خلق أحزاب موالية له، تفتيت النقابات وخلق جمعيات لا طائلة من وراءها وتستفيد من المنفعة العامة كل هذا جعل أنه عوض أن نترك المجتمع المدني يفرز مؤسسات قوية قادرة على الدفع باتجاه البناء الديمقراطي بشكل سلمي نحن نحارب كل مبادرة قوية و متقدمة، لأن النظام له فوبيا مما يسمى بالقوة المضادة "contre pouvoir ".علما بأن الديمقراطيات الراسخة، تستفيد من القوى المضادة من أجل التقويم و تطوير الديمقراطية.
*ألا تتخوفون من أن يحصل نفس الشيء مع حركة 20 فبراير؟
نحن نثق في هذه الحركة وهذه الحركة تحمل مشروعا كبيرا وكذبت كل الأطروحات القائلة بأن الإنسان المسلم العربي الأمازيغي  "لم يعد له أثر" ولم يعد قادرا على الانتفاض، والتعبير عن غضبه أمام تنامي الظلم الاجتماعي، لهذا الغرض  وحتى نؤثر في موازين القوى وحتى ندعم هذه الحركة والحركات الاجتماعية الأخرى لتقف في جبهة متراصة ضاغطة  من داخل مؤسسات، يجب أن تتوفر على المصداقية الازمة، ومحتجة  في الشارع، الذي أصبح ساحة للاصطدام، عوض الاحتجاج السلمي، بين المحتجين الذين يمارسون حقا دستوريا، و تسخير البلطجية إلى جانب قوى الأقمع لإرهاب الحركات الاحتجاجية، نحن نناضل على واجهات متعددة ونعمل مع حلفائنا ومنفتحين على القوى الديمقراطية، لخلق جبهة ديمقراطية لبناء مغرب العدالة الاجتماعية فلا يعقل أن 34 مليون نسمة، ثلث ساكنتها عيشها لا يطاق ( مشاكل الولوج إلى الخدمات الاجتماعية: الأمية، البطالة، السكن الغير لائق، مليون و800 ألف تعيش في دور الصفيح، الفوارق تزداد اتساعا والريع والفساد، يمركز الثروة في يد أقلية قليلة، بينما تتسع دائرة الفقر والحرمان والتمييز، ما دمنا نفتقر لنظام ديمقراطي، يضع أسس دمقرطة المجتمع وتحقيق التوزيع العادل للثروة.
*بحديثكم عن الريع تقولون دائما إنه نظام امتياز لضمان الولاء؟
الريع موجود في كل مكان، و يشكل سدا مانعا أمام كل إمكانية لإقلاع الاقتصاد الوطني و هو مقرون بنظام الامتيازات واستغلال النفوذ، فساد منتشر، ضيع على بلادنا فرص لتحقيق التنمية، حيث أصبح ظاهرة ثقافية خطيرة، استعملت من أجل تأدية واجب الطاعة لأن النظام الذي لا يكون ديمقراطيا يحيط نفسه بدوائر المستفيدين، حتى تبقى متضامنة مع هذا النظام  لكيلا يباشر الإصلاحات الضرورية الأساسية التي تنتظرها البلاد لضمان الالتحام والسلم المجتمعي.
فمادام النظام المخزني لم يتغير وأسسه قائمة في ظل غياب فصل حقيقي للسلط، ومادام  لم يباشر بجدية وشجاعة الإصلاحات الشاملة، فهناك استمرارية في عمل هذه الحكومة، التي سيتم، لتمرير، من خلالها، لما سيساهم في إضعافها كما تم إضعاف اليسار الذي شارك في  حكومة التناوب التوافقي بالأمس القريب.
*لكن الحكومة الحالية أفرجت عن لوائح مأذونيات النقل ومقالع الرمال؟
مسألة نشر لوائح مأذونيات النقل ومقالع الرمال، يجب أن تتم في إطار خطة متكاملة لمحاربة الفساد. وننتظر أيضا نشر لوائح استغلال رخص الصيد في أعالي البحار والكف عن مجالات الاحتكار ونهب المال العام غيرها  نرى أن الحكومة خطت خطوة ولكنها توقفت بعد إعلان رئيس الحكومة "عفا الله عما سلف" . الحكومة يجب أن تفي بما أعلنته في تصريحها الحكومي، و أن لا تتراجع أمام أول عقبة وإلا وجب عليها أن تعلن عن عجزها وأن تقدم استقالتها. فالمجلس الأعلى قدم تقرير 2010 يجب وضع الملفات التي شابتها اختلالات، بين يدي القضاء للمساهمة في إعادة  الثقة  للمغاربة والتأكيد على الانتقال من مرحلة الإفلات من العقاب  مرحلة التأسيس لبناء دولة الحق والقانون.
*هذه النظرة السوداوية يلزمها عمل قوي، لكن الملاحظ أن علاقة اليسار الذي تتقاسمون نفس أفكاره باردة ومشتتة ؟
نحن جزء من هذا اليسار الذي نفتخر بالانتماء إليه و ننهل من منبعه الذي يهدف إلى تحرير الإنسان والذي تبنا كل ما أنتجه الفكر الإنساني الحضاري التنويري لبناء مجتمع المواطنة والكرامة والعدالة الاجتماعية. اليسار يعرف أزمة، جعلته في عدم الجاهزية لاحتضان  الحراك الشعبي الذي عرفته بلادنا في2011 والدفع به إلى تحقيق أهدافه المعلنة في الدمقرطة. وإن اليسار الذي شارك في الحكومة تم إضعافه، واليسار الذي لم يشارك تم إضعافه كذلك بعد أن استطاعت الدولة استقطاب بعض من نخبه، وتمييع الحياة السياسية الشيء الذي أدى إلى فقدان ثقة المواطنين وضعف تعبئتهم نضرا لغياب المصداقية، بعد غزو النخب الانتهازية، للمجال السياسي.
اليسار واع اليوم بضرورة إعادة التأسيس وإعادة البناء للتصدي للأزمة السياسية، المتجسدة في غياب الديمقراطية، و توضيح مشروعه المجتمعي وتحديد إستراتيجيته المستقلة عن إستراتيجية النظام  و عن إستراتيجية الأصولية.
اليسار يجب أن يستجمع قواه على أساس برنامج واضح للنضال الديمقراطي بهدف تحقيق التغيير الديمقراطي المنشود. وأن يدفع باتجاه قيام ثورة ثقافية، للحد من الردة القائمة ولتوفير شروط التغيير.
بالنسبة لمسألة النظرة السوداء، فهذا يدخل ضمن التشويش على اليسار وتغليط الرأي في محاولة لإسكات صوت الحق، فليس هناك من لديه أمل في هذا البلد أكثر منا،  لكن الأمل يجب أن يبنى على أسس قوية، فلكي تحافظ بلادنا على السلم المجتمعي والتلاحم يجب أن نفضح  بؤر الفساد، وأن نقترح البدائل لنتقاسم خيرات البلاد بين أولادها وبناتها، وأن يتحقق العدل لأنه حجر الزاوية في أي تقدم. أرى أن كل ما أتيحت لنا فرصة للانتقال إلى الديمقراطية الحقيقية وننتقل بالمغاربة من رعايا إلى مواطنين كاملي المواطنة، إلا وتتجند القوى المحافظة ولوبيات الفساد والمتملقين لإجهاض كل إمكانية النهوض والتقدم لأنها ترى فيه تهديدا لمصالحها، المتعارضة مع مصالح  تطلعات الشعب. يجب أن تكون لدينا الشجاعة الكاملة للتنديد بكل ما هو غير صائب والنضال من أجل القطع مع الاختيارات الغير ديمقراطية. النظام المخزني يتحكم في مجمل السلط، والحكومات المتتالية ضلت ضعيفة المناعة ولا جرأة لها.  حزب العدالة والتنمية، الذي يترأس الحكومة الحالية، "لا يريد إغضاب الملك" ونحن نقول له يجب أن ينتبه كذلك إلى عدم إغضاب الشعب الذي ينتظر التغيير .
*تتحدثين عن غياب انتقال ديمقراطي هل يمكن تحقيق انتقال ديمقراطي في غياب جهد للنضال من أجل الانتقال الديمقراطي؟
النضال الديمقراطي يجب أن يستمر لتحقيق التغيير الديمقراطي المأمول، لم يحدث أن نظاما غير ديمقراطي، تحول إلى نظام ديمقراطي دون وجود قوة مضادة قادرة على فرض التغيير، يجب أن يكون هناك التحام واسع حول مشروع النضال الديمقراطي وتحريك الدعامات الأساسية من نقابات وجمعيات حقوقية ونسائية وأمازيغية ومثقفون وطلبة… للضغط من خلال النضال الجماهيري والسياسي الممارس من خلال  الشارع ومن داخل المؤسسات التي يجب أن تخرج من صناديق الاقتراع وفق شروط تضمن النزاهة والشفافية وبالتالي ترجمة الإرادة الشعبية إلى سلطة شعبية.
النضال الديمقراطي يتطلب التوفر على تعددية حقيقية وبالتالي أحزاب ذات مصداقية. كحزب اشتراكي موحد، كنا أول مبادرين إلى  تجميع أحزاب يسارية وإلى مأسسة التيارات داخل الحزب، ولكن الغريب في الأمر أنه قبل التوحيد كمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي تقدمنا إلى الانتخابات عام 1997 وحصلنا على نسبة مهمة من أصوات الناخبين وفي عام 2002 بعد التوحيد حصل حزبنا  على نسبة أقل من أصوات الناخبين، في محاولة لمحاصرة حزبنا لأن النظام لا يريده أن نبرز كقوة بديلة وتم، مرة أخرى، التحكم في الخارطة السياسية وتهميشنا، حتى يضل التخطيط المخزني الأكثر احتمالا و"البديل" الوحيد المقبول من أجل الاستقرار واستمرار.
*هل تقصدين وزارة الداخلية ؟
 وزارة الداخلية، هي جزء من النظام، وهي تتحكم في صنع الخريطة السياسية وضبطها، وهذا من ضمن الأسباب التي جعلت 25 في المائة من الشعب المغربي فقط هي التي تشارك في عملية التصويت والأغلبية لا تصوت لأنها تعي بأن اللعبة السياسية مغشوشة. إن مصالحة المغاربة مع الانتخابات وإعادة بناء الثقة المفقودة كان ممكنا، لو استغل المغرب الفرصة التي أتيحت عام 2011 للانتقال إلى الملكية البرلمانية بالمعايير الدولية ووضع دستو ر يكرس ذلك. كان المغاربة سيعدون إلى صناديق الاقتراع بالملايين لأنهم سيقتنعون بأنها ستكون بداية لبناء الديمقراطية التي طال انتظارها رغم التضحيات الجسام التي قدمها الشعب المغربي وفي مقدمته القوى اليسارية والديمقراطية.
نحن لسنا ضعفاء لأن العملية الانتخابية، متحكم فيها، يواكبها تزوير ونزول قوي للأعيان وشراء الذمم، والشعب الذي لا يصوت فقد الثقة ولم يعد يعبأ للعملية الانتخابية، وكل هؤلاء يمكن أن يشكلوا المساندين لمشروعنا لأن غالبية الشعب تطمح للتحرر والمواطنة والكرامة والعدالة الاجتماعية وهي بذلك اشتراكية.
*لكن هناك من يؤاخذ عليكم أن حزبكم هو حزب نخبوي وليس له قاعدة جماهيرية؟
في سبعينات وثمانينيات القرن الماضي كان اليسار  مساندا من قبل فئات واسعة ("شعب اليسار") بدون أن يدق أبواب البيوت، عندما يتخذ موقفا الكل كان يساند. ولو لم يكن يواكب العملية الانتخابية آنذاك التزوير والضبط بكل الآليات، لكان اليسار مكتسحا للمؤسسات المنتخبة. الأحزاب اليسارية  ووجهت بالقمع الشديد أثناء سنوات الرصاص، وكان هناك احتراز من كل وافد جديد داخلها، خوفا من اختراق المخزن لها، كما أن تراجع المد التلاميذي والطلابي، بعدما تم تسخير الشبيبات الإسلامية لمحاربة اليسار في مواقعه، فبدأت حينها مرحلة جزر ازدادت حدتها مع انهيار جدار برلين. بعد هذه المحطة ستشكل الكتلة الديمقراطية، التي وضعت ميثاقها للتأكيد على  ضرورة مباشرة الإصلاحات الدستورية والسياسية في المغرب لتجاوز الأزمة. رغم وعي النظام بخطورة المرحلة، لم يحصل تعاقد مع المؤسسة الملكية يحدد القواعد التي من شأنها إنقاذ البلاد. ثم بعدها وضع دستور 1996 الذي لم يستجب للحد الأدنى من مطالب الكتلة، رغم ذلك ولأول مرة صوتت المعارضة اليسارية بالإيجاب، باستثناء منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، التي قاطعت الاستفتاء على هذا الدستور الممنوح. كانت هذه نهاية الكتلة. انطلق حينها مسلسل ما سمي بالانتقال الديمقراطي الذي استمر إلى 2002،  ترأس السيد عبد الرحمان اليوسفي حكومة التناوب التوافقي التي شكلت مرحلة انفتاح سياسي وليس انتقال ديمقراطي، دون أن يحصل التغيير المنشود. مرحلة رغم بعض الانجازات الهامة خاصة في مجال الحقوق، كانت لها أثار وخيمة على اليسار الذي تراجع صداه في المجتمع، بينما احتلت قوى محافظة مواقع متميزة واستطاعت أن تحشد دعما شعبيا، باستغلالها لعامل الدين وحساسية المغاربة تجاه الدين الإسلامي. ثم إغلاق الحق السياسي وإعادة إخراج لحزب الدولة الجديد، القديم، الشيء الذي عبر عنه المغاربة بمقاطعة عارمة لانتخابات 2007 ،حيث لم تتعد نسبة المشاركة 20 بالمائة و 25  بالمائة  في 2011.
نحن نعتبر أن المشروع المجتمعي الذي يناضل من أجله حزبنا، يشكل أحسن عرض سياسي في المغرب لكن خطابنا ظل نخبويا لا يخدم مشروعنا، ولا يصل إلى عموم الشعب وإلى عمق الجماهير، التي نحمل مشروعا من شأنه أن يعبئها وأن تجد فيه الجواب على طموحاتها وانتظاراتها. المرحلة، محطة لإعادة التأسيس والبناء، مع تجديد الفكر والخطاب، واعتماد أدوات حديثة لتنظيم الفعل الميداني والتواصل، وخصوصا بناء جسور جديدة وتقوية المتقادمة منها تجاه عموم المواطنين وكل القوى التي لها مصلحة في التغيير الديمقراطي ودولة القانون.
*اليوم الحركات الإسلامية كلها لها عمق جماهير لماذا؟
الحركات الإسلامية استطاعت أن تنفذ إلى عمق المجتمع، لأن هناك ظلم اجتماعي كبير ومن نتائجه تنامي ظاهرة التدين في المجتمع، وهذه الحركات تلعب على وثيرة الدين الحساسة، وتستفيد من فقدان ثقة المواطنين في إمكانية النخب السياسية الفاسدة أن تغير من أوضاع المحرومين. فضلا على أن الحركات الإسلامية، لها امتدادات حتى خارج الحدود،  تسمح لها ب"الإحسان و الصدقة" وبالتالي تشكيل كثلة ناخبة مهمة.
اليسار واع بضرورة تطوير التواصل مع الناس ولكن، دائما في ظل صون كرامتهم، وتوعيتهم وجعلهم قادرين على الدفاع عن مصالحهم.
اليوم لدينا ضعف وقصور كبير في النخب في كل المجالات حتى النخب  السياسية، التي استبدلت بالتقنوقراط. الجامعة التي كانت تساهم في التكوين والتأطير في الماضي القريب والتي أنتجت أطرا ونخبا سياسية، تراجع دورها بعدما، اجتازت الردة الفكرية أسوار الجامعات التي تعرف ما يشبه اصطدام الثقافات: قذف وتكفير، ثنائية أبيض وأسود لا ثالث لهما، وضاعت مركزة العلم والمعرفة في متاهات هوياتية ونقاشات عقيمة.
*هذا يحلينا على تصريح لك قلت فيه إن المساجد أصبحت ملاذا للشاب الذي لا يستطيع أن يؤدي فنجان قهوة على صديقته واتهامك بالتكفير؟
خلال مداخلتي التي دامت ما يقارب الساعة  تم اقتناص 30 ثانية، ومعروف عني أنني لا أتحدث لغة الخشب وأعتمد الصدق لأنني لا أنتظر جائزة شخصية أو مصلحة ذاتية أنا أدافع عن مشروع مجتمعي انطلاقا من قناعاتي ومن ثقتي في صحة ما أدافع عنه.
إن فشل المنظومة التربوية وقلة فرص الشغل بعملي مع رفيقاتي في الميدان نرى أن عددا كبيرا من الشباب، بسبب عدم توفر مكتبة ولا دور شباب ذات البنايات المهترئة والتي تخلت عنها الدولة ولا على ملعب، عاد إلى التدين، إذا كان من أجل الغذاء الروحي والفكري فلا بأس، لكن إذا كان من أجل التطرف فلا. بالمقابل نجد شبابا آخرين غارقين في المخدرات التي أصبحت تباع أمام أبواب المدارس الثانوية والإعدادية وحتى الابتدائية. إذا السؤال لماذا نتخلى عن هؤلاء وهم شباب المستقبل.
الذين يسهرون في السجون ومخافر الشرطة يجب تكوينهم على حقوق الإنسان وعليهم أن يفهموا أن كل مواطن هو البلد وأن ذلك الطفل المشرد لو تم إنقاذه اليوم سيصير مواطن الغد وليس عاهة على المجتمع. للأسف ليس لدينا مجتمع متضامن. وانهيار القيم.
*وماذا عن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية؟
 المبادرة الوطنية للتنمية البشرية أعطت بعض النتائج لكنها ليست المدخل من أجل مجتمع متضامن. أقول إن التضامن يجب أن يكون سياسة دولة وبكل أسف قمنا بتدمير التضامن من خلال كسر الاختلاط المجتمعي وأكبر دليل عنها عندما قمنا بتخريب المدرسة العمومية والجامعة العمومية.
*على ذكر التعليم لم تتفقوا مع إعلان وزير التعليم العالي رغبته في إلغاء هذه المجانية؟
لكي نبني مجتمعا فإن المدخل هو الديمقراطية السياسية والهدف هو ديمقراطية اجتماعية في كل جوانبها، والمدرسة يجب أن تكون أداة لتكافؤ الفرص، والمدرسة هي الأساس لتقليص الفوارق، لأن الإنسان هو الذي يبني التنمية، والمغرب يعاني من ضعف مهول في الكفاءات المتنوعة ومنها الكفاءات السياسية. ماذا فعلنا بمدرستنا؟ منذ سنوات ونحن نتكلم عن الاصطلاح، لكن ما حصل هو تشجيع التعليم الخصوصي على حساب التعليم العمومي وأفرزنا أولاد الفقراء في المدرسة العمومية وهو ما يسمى بلغة موليير "تدمير الاختلاط المجتمعي" بين أبناء الفقراء والأغنياء، وهذا بدأ منذ سنوات طويلة عندما وقع المغرب على الاتفاقية العامة للتجارة والخدمات، التي وضعتها المنظمة الدولية للتجارة التي تقول بالحرف  يجب خوصصة كل القطاعات بما فيها المدرسة، ونحن نقول إن المدرسة والصحة يجب أن تكونا عموميتين وجيدتين إذا أردنا ألا نكون تابعين ومستهلكين ونبقى في مؤخرة الشعوب.
تصريحات الوزير تنم على أننا نعيش ردة  فكرية خطيرة، أستغرب من تصريح الوزير عندما قال إنه "ماخصنا ما نديرو بكلية الآداب"، هل يعقل ذلك؟ الآداب هي اختصاصات متشعبة، بحث علمي، فلسفة، لغات، علوم اجتماعية، تاريخ، جغرافيا، سسيولوجيا، انتربولوجيا، تطورات المجتمعات، أداب تنمي الفكر والحس النقدي والثقافة والإبداع،  أي كل العلوم والمعارف التي تجعل الفرد يطور ليصير مواطنا ناجحا، فاعلا في بناء مجتمعه وتطوير محيطه.
أستغرب عندما يقول السيد الوزير إن البحث العلمي ترف، علما أن المغرب يتوفر على باحثين مرموقين في العديد من التخصصات والمجالات. المؤسسة التي أنتمي إليها( كلية العلوم عين الشق-جامعة الحسن الثاني بالبيضاء) تظم  أستاذ في علوم مختلفة نالوا جوائز دولية مهمة، آخرون صنفوا من ضمن 100 باحث الأكثر تأثيرا في العالم. داخل المغرب وخارجه هناك أسماء باحثين تشرف المغرب  براءات وآلاف الأبحات والابتكارات، تنشر في أهم المجلات العلمية، هؤلاء جميعا من أبناء الشعب وقرؤوا بإمكانياتهم في مدرسة عمومية  وآخرون لا زالوا يناضلون من أجل سياسة للبحث العلمي وإمكانيات للتمويل وتشجيع الباحثين حتى نحد من التبعية ونصبح منتجين للعلوم وليس مجرد مستهلكين متخلفين.
إذا مضينا في هذه السياسية التي لا تخلق مناصب شغل في التعليم العالي لأن عددا كبيرا من الأساتذة الباحثين سوف يحالون على التقاعد في  2015/2016 من سيخلف هؤلاء؟ ستتحول الجامعة إلى مدرسة لتدريس الكبار بدون بحث علمي ولا جودة.
*تفتحون  مقراتكم لحزب البديل الحضاري، هل تعدونه نموذجا للحزب الإسلامي الديمقراطي؟
الإخوان في حزب البديل الحضاري يقولون إن مرجعيتهم هي الإسلام، ولكنهم يؤمنون بالديمقراطية لأن المجتمع متنوع ومرجعياته مختلفة، المكونات السياسية الديمقراطية تتباري ديمقراطيا والحسم  لصناديق الاقتراع. نحن نعادي من يعادي الديمقراطية ونؤمن بالحرية كما قال فولتير " قد أختلف معك في الرأي، ولكني على استعداد أن أموت حتى تعبر عن رأيك ".
*نعرج على ملف الصحراء، لماذا ترددون دائما أن المغرب أخلف مواعيد عديدة لتسوية هذا الملف؟
أولا أقول بأن ملف الصحراء كان من الممكن أن يحل مباشرة بعد الاستقلال، لكن تآمر القوى الأجنبية المستعمرة حال دون أن يتم تحرير جنوب المغرب من طرف جيش التحرير الذي حُلّ وتم خلق القوات المسلحة الملكية. وبعد الاستقلال لم يرغب المغرب في ترسيم الحدود إلى حين استقلال الجزائر، وبعدها كان من الممكن حل هذا الملف في محطات متعددة، لكن إنفراد النظام بهذا الملف وطريقة تعامله مع هذا الملف جعلت موقف المغرب يضعف لأن النظام تعامل بسياسة مقاربة الأعيان والاعتماد على القبيلة ومنح الامتيازات والتعاطي الأمني القمعي مع المناطق الجنوبية.
إن المدخل الأساسي لحل ملف الصحراء هو الديمقراطية. إذا بنينا ديمقراطية  وأسسنا لمؤسسات وطنية ديمقراطية تتمتع بمصداقية تعبر عن الإرادة الشعبية، إذا توفرنا محليا وجهويا على مؤسسات تتمتع بالمصداقية، وتتيح فرصة التنمية الجهوية والمحلية سنتمكن من  تنمية وطنية، والعمل على التوزيع العادل للثروة، إذا كان لدينا قضاء مستقل ونزيه وقطعنا نهائيا مع سياسة الإفلات من العقاب، سنكون أقوياء بجعل المنتظم الدولي يحترم موقف المغرب ويدفع باتجاه حل سياسي دائم يفتح أفاق بناء المغرب الكبير أمل الشعوب في الإنعتاق والتقدم.
————
حاورتها  سميرة العثماني، منشور بجريدة "المساء" عدد 1924/ 3 دجنبر 2012