ندوة الإعلام والربيع الديمقراطي
أي دور للإعلام في الحركات الاحتجاجية؟
تنبيلة منيب في دورها أمام متابعين الندوة
القنيطرة: محسن الحميوي
نظمت حركة الشبيبة الديمقراطية التقدمية يوم السبت 03 مارس 2012 بفندق الجاكراندا ( السفير سابقا) بالقنيطرة ندوةحول الإعلام والربيع الديمقراطي، قدمت فيها مداخلات من طرف كل من علي أنوزلا رئيس تحرير موقع لكم الإخباري ونبيلة منيب الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد وإسماعيل عزام مدون وطالب صحفي وفاطمة الإفريقي إعلامية بالقناة المغربية الأولى. الندوة نشطتها وباقتدار كبير الأستاذة منى ورشان.
بعد ترحيب المنشطة بالحضور المتنوع الذي تابع الندوةوالذي ضم فاعلين سياسيين وحقوقيين واجتماعيين ونشطاء من حركة 20 فبراير وإعلاميين ورسامي كاريكاتير، تطرقت المنشطة إلى سياق الندوة التي جاءت لتوفر فضاء للحوار والنقاش حول الإعلام ودوره في الربيع الديمقراطي الذي تعرفه منطقتنا. وتمحورت أسئلة الندوة حول النقاط التالية:
- دور وسائل الإعلام في الحراك.
- أهمية وسائل الإعلام في رسم صورة هذا الحراك.
- الإعلام و حركة عشرين فبراير( صورة الحركة في الإعلام الرسمي والإعلام الالكتروني).
بعد كلمة موجزة باسم حركة الشبيبة الديمقراطية التقدمية (حشدت) رحب فيها أشرف المسياح عضو المكتب الوطني بالحضور وجدد من خلالها التذكير بسياق الندوة التي تأتي أيضا في إطار التحضير لمؤتمر حشدت وكذا بالصعوبات التي صاحبت تنظيم النشاط، استمع الحضور إلى المداخلة الأولى في موضوع الربيع الديمقراطي والشبكات الاجتماعية والتي قدمها إسماعيل عزام الطالب بالمعهد العالي للصحافة. وفي ما يلي أهم ما جاء في هذه المداخلة التي نالت استحسان الحضور خاصة في الشق المتعلق بالمعلومات الوفيرة التي قدمها المتدخل عن الإعلام الجديد.
عزام إسماعيل:
انطلق الشاب عزام إسماعيل في مداخلته من فكرة مفادها أن الربيع هو ضرورة وحتمية تاريخية لكل الشعوب بما فيها العربية وبالتالي فالمكانة التي احتلتها الشبكات الاجتماعية في هذا الربيع لا يجب أن تنسينا أن هذه الثورات هي ثورات جياع وتواقين للحرية أكثر من كونها ثورات الشبكات للاجتماعية.
وفي معالجته للأسباب التي رافقت ازدهار الإعلام الجديد وقف الطالب الصحفي على جملة من الأسباب نورد أهمها فيم يلي:
- تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لغالبية سكان المنطقة العربية
- قمع الصحفيين وسيادة إعلام أحادي يعطي صورة غير حقيقية ( انظروا كيف كان يسوق الإعلام الرسمي تونس كنموذج تنموي ناجح ومصر كأم الدنيا وليبيا كأجمل بلد في العالم).
- تطور الإعلام الفضائي وظهور القنوات الإخبارية (الجزيرة والعربية على سبيل المثال)
- منع السلطات مواقع التواصل الاجتماعي كما حدث في تونس وسوريا والرقابة على المواقع الالكترونية كما حدث في المغرب مع موقع العدل والإحسان.
بعد ذلك تطرق المتدخل إلى مجموعة من مظاهر ازدهار الإعلام الجديد متسائلا في نفس الوقت هل كانت هذه الشبكات هي السبب المباشر في التغيير، ليخلص إلى أن التغيير تولد في الشارع لكن جاء الإعلام الجديد ليكمله.
في القسم الثاني من مداخلته تطرق إسماعيل عزام إلى الربيع في نسخته المغربية (حركة 20 فبراير) ودور الإعلام الجديد فيه مقدما مجموعة من الأمثلة تبين أنه سبق وأن كان هناك نشاط على الشبكة قبل بداية الحراك (قضية الشاب مرتضى المنتحل صفة الأمير وقضية المدون الراجي وتدمير موقع العدل والإحسان ونشاط جمعية المدونين والدعوة إلى التظاهر ضد خالد الناصري ).
ختاما كان لابد من تسجيل جملة من الملاحظات النقدية أوجزها المتدخل فيما يلي:
- انفجار في الصفحات مما أثر سلبا على الحركة.
- عدم استعمال "توتير" نظرا للإمكانات المهمة التي يتيحها خاصة في تنظيم المظاهرات.
- افتقار الحركة لموقع منظم.
- ضعف استخدام اليوتوب.
- عدم خلق شراكات لعشرين فبراير مع قنوات إخبارية.
وفي استشرافه لآفاق الإعلام الجديد وفي حديثه عن مستقبله هناك رأيان يوضح المتدخل. الأول يقول إن الإعلام الجديد سيهزم القديم، ورأي آخر يقول إن القديم لازال مهيمنا. و بسب النمو الكثيف والمطرد الذي سيعرفه الإعلام الجديد في القادم من السنوات عليه أن يتجاوز السلبيات المتعلقة بالتنظيم وتشتت المعلومات والأخطار المتعلقة بالتزوير (في سوريا مثلا عمدت السلطة البعثية الى خلق مدونة للسحاقيات تطالب بالديمقراطية).
نبيلة منيب:
في مداخلتها التي اختارت لها عنوان "حركة 20 فبراير والإعلام الرسمي" استهلت نبيلة منيب الأمينة العامة للاشتراكي الموحد حديثها بضرورة إعمال نسق تحليلي لاستشراف المستقبل؛ توقفت في بداية تحليلها للموضوع على أن الإعلام الرسمي هو بحاجة الى إصلاح ليتحول فعلا الى إعلام عمومي يتمتع بقدر من الاستقلالية، ويضمن الحق في الوصول الى المعلومة، ويلعب دوره كآلية من آليات الدمقرطة، تطرقت أيضا الى كون ثورة الإعلام الجديد هي ثالث الثورات بعد ثورة الانسنة (حقوق الإنسان) وثورة العولمة البديلة وهي - وسائل الإعلام الجديدة - جاءت لتضع نفسها ضد التحكم في الإعلام على اعتبار أن الربيع ينوجد في أذهاننا من خلال ما يصلنا عنه من أفكار وأخبار نستعين بها لنصنع صورتنا عنه.
مسألة التحكم في الثورات هذه عن طريق الإعلام توقفت عندها المتدخلة طويلا؛ هكذا تعمد القنوات الغربية وقنوات البترول بمحاولة توجيه هذه الثورات خدمة لمصالحها، وذلك بصناعة خبر آخر وبزرع ثقافة الخوف حتى تفشل هذه التحركات الشعبية، مستدلة على ذلك بما يحدث من ثورات ومحاولات لإجهاضها. ففي مصر لازال الربيع مفتوحا على جميع الاحتمالات، وبالرغم من وصول الإخوان المسلمين إلى سدة السلطة فإن الأمر ليس بالسيئ، وفي تونس حيث الثورة الديمقراطية لم تصاحبها ثورة فكرية وثقافية… بعد ذلك تطرقت المتدخلة للربيع في نسخته المغربية، حيث بينت حركة عشرين فبراير أن شبابنا من خلال أرضيتهم الواضحة هم في الفعل، هذا الحراك خلق ثلاث تموقعات على الأقل؛ الأول من طرف المخزن الذي عمل منذ البداية على احتواء الحراك وتوجيهه لخدمة أجندته. التموقع الثاني تمثل في الاصطفافات، خاصة لبعض القوى السياسية والاجتماعية التي اختارت إما الاصطفاف إلى جانب المخزن أو ظلت مواقفها متذبذبة في دعم الحراك، والتموقع الثالث هو لحركات تقترح من داخل الحراك" استبدادا لاستبداد الاستبداد القائم".
كيف تعامل الإعلام العمومي مع الربيع المغربي؟ تجيب نبيلة بأن هذا الإعلام كان يتم تحريكه وفق توجه معين من أجل الحفاظ على "النظام العام"، وأن حتى الإعلام الخارجي المرتبط بدوله المرتبطة هي أيضا بمصالح مع المغرب لم يغط الحراك المغربي بالشكل المطلوب حيث عرفت تغطية أنشطة الحركة ضمورا واضحا في الصحافة الدولية.
هكذا وبالرغم من الإمكانات التي أصبح يتيحها الإعلام الجديد الذي لعب دورا مهما في مواجهة التعتيم والتضليل وفي فضح التحكم الذي يمارسه الإعلام الرسمي، يبقى من المؤكد أن الإعلام الديمقراطي لابد وأن تسبقه ثقافة مواطنة و قيمية. وباعتبار دوره التربوي والتنويري فهو في حاجة الى إصلاح حقيقي يتجاوز ربما حتى خلاصات الحوار الوطني الذي كان يجري والمحاكمات والتضييق على الصحفيين على أشدها.
من أجل مواجهة هذا التحكم في المعلومة يبقى الأمل كبيرا في الانفجار الالكتروني لكنه يحتاج الى تخطيط استراتيجي وإلى تكوين ليصبح أكثر فعالية وتأثيرا.
أما بخصوص حركة 20 فبراير وبعد أن غادرها الكم بعد حملات النظام لاحتوائها بشتى الوسائل، هناك أمل استمرارها وهذا الأمل يجسده الإعلام الجديد بكل روافده، حتى يصل صوتها إلى كل الحركات والفئات التي لها مصلحة في التغيير. والأمل أيضا في تجاوز حالة الفصام التي نجح النظام في بثها بين الحركة وباقي الحركات الاحتجاجية التي يعج بها المغرب في الآونة الاخيرة.
لكن، تختم منيب حديثها، كون الحركة لازالت مستمرة والاحتجاجات لازالت مستمرة أيضا فذلك أكبر دليل على حيوية هذا الشعب وتوقه إلى نيل المواطنة الكاملة أسوة بباقي شعوب الأرض.
علي أنوزلا:
يومئ علي أنوزلا في بداية حديثه أنه ليست لديه مداخلة بالمعنى المتعارف عليه، بل بالأحرى مجموعة أفكار حول الموضوع المقترح للندوة.
علاقة بموضوع الإعلام والربيع الديمقراطي أثار أنوزلا نقطة مهمة تتلخص في أن التحكم كان له دور كبير في ضبط الشعوب، ولكن عندما تكسر بفضل الأدوات الإعلامية والتواصلية الجديدة نجحت الثورات (مصر وتونس). ففي تونس ومصر كان للإعلام الدور البارز حيث نجح مع قناة الجزيرة في تكسير هذا الاحتكار. وفي سوريا يبقى الاحتكار أكبر، وتبقى الدول التي سمحت بهامش معين هي التي نجحت عندما بدأت المظاهرات باحتواء الحراك، ولو أن الأمر فرض عليها عملية تدبير هذا الهامش من جديد. ففي المغرب مثلا نجح الإعلام الرسمي في لعب دور سلبي باحتواء وتوجيه تلك المظاهرات حيث عمد في أحسن الحالات إلى اختزالها في مطالب اجتماعية، مزيلا عنها عمقها السياسي ومضمونها الديمقراطي.
في معرض حديثه عن الإعلام الالكتروني قدم أنوزلا لمحة موجزة عن تطور الصحافة المستقلة بالمغرب، ذلك أن المغرب لم يعرف وجود صحافة مستقلة، بل صحافة مناضلة كانت لسان حال الأحزاب السياسية وخاصة منها التي كانت في المعارضة. وشكلت تجربة "لوجورنال" أول محاولة لخلق هذا النوع من الصحافة مع بداية ما سمي بالعهد الجديد. كان ذلك مصحوبا بمجموعة من المبادرات والإشارات الأخرى. لكن سرعان ما بدا التراجع سنتين بعد تولي الملك الجديد الحكم، تجلى ذلك على المستوى السياسي في إسناد الحكومة لوزير أول تقنوقراطي ضدا على إرادة الناخبين. هذا التحكم في المجال السياسي سيصل مداه سنة 2007 بخلق حزب الدولة قبل أن يربك الربيع حسابات السلطة. وعلى المستوى الإعلامي تجلى التحكم في استمرار التحرشات والمضايقات بعد ربيع إعلامي قصير، بلغ هذا التضييق الإعلامي ذروته سنة 2009 (إغلاق أخبار اليوم لوجورنال محاكمة المساء الجريدة الأخرى ومنابر مستقلة أخرى) حيث تنوعت أشكال الاستهداف إلا من تنازل وخرج عن خط تحريره يكتب له عمر جديد.
أمام هكذا وضعية كان لجوء عدد من الصحفيين الى الصحافة الالكترونية، وهو بالنسبة للبعض لجوء اضطراري وليس خيارا استراتيجيا، خاصة أن أحدا لم يكن يعلم بقرب الربيع. (مثال موقع لكم).
إحدى نواقص الإعلام الالكتروني حسب أنوزلا تتمثل في طغيان دور المدون على حساب الصحفي، وفي مسألة المصداقية المطلوب توفرها فيه، وأخيرا وليس آخرا في المحاولات الجارية من طرف السلطة لاحتوائه (مواقع بوليسية - تحريك الهاكرز من طرف جهات سياسية).
مع ذلك تبقى آفاق الإعلام الالكتروني يختم أنوزلا حديثه واعدة وهامش التطور لديه كبيرا إذا أخذنا بعين الاعتبار الأرقام الخاصة باستعمال الانترنت بالمغرب، وبالتالي وجب الاشتغال على بعض أوجه القصور ليصبح مهنيا محترفا ويتم تطويره بالشكل الذي يلبي الحاجات المتزايدة.
فاطمة الإفريقي:
مسك الختام كان مداخلة الصحفية المناضلة المساندة لحركة عشرين فبراير فاطمة الإفريقي، التي قدمت عرضا بعنوان شتاءالديمقراطية وخريف التلفزيون.
دافعت المتدخلة عن كون ربيع الديمقراطية مرآته هي ربيع التلفزيون، وبالتالي رغم كل ما حصل مازال الشتاء مستمرا في سوريا مثلا، وأنه والثورات قد أشرفت على نهايتها، نكتشف أننا نعيش خريفا تلفزيونيا لأن التلفزيون تحول من تلفزيون الحاكم المستبد إلى تلفزيون غير مهني بيد الثوار.
تساءلت فاطمة الإفريقي؛ هل ساهمت التلفزيونات في التغيير؟ الجواب كان نعم، فمن تلفزيون الحاكم الذي هو بمثابة مؤسسة إستراتيجية يحكم بها، إلى تلفزيونات نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، هذه المرحلة عرفت بداية تحرر الفضاء السمعي البصري، وبدا يظهر وجه آخر للحقيقة عمل تلفزيون الحاكم على إخفائها لعقود. بدأنا نصاب بالصدمة عندما كنا نشاهد مواضيعنا تناقش في تلفزيونات الخارج ورويدا رويدا بدأنا نكتشف أن الحقيقة ليست واحدة، بل متعددة ولها عدة أوجه، وفضلا عن هذا التغيير الإدراكي برزت أشكال الفضح التي مارستها الصورة، والتأثير السلوكي الذي مارسه التلفزيون بحكم قوة التأثير التي يمتلكها.
الآن وقد سقط من الأنظمة ما سقط، ماذا حدث أو يحدث للتلفزيون؟ ذهب التلفزيون مع الثوار بحكم مساهمته في الثورة، وضاعت بذلك مهنيته المفترضة، يعود السبب في ذلك إلى أن أصحاب التلفزيونات خافوا من الثورة وحاولوا أن يوجهوها، وأعطوا للحقيقة وجها واحدا هو صوت الثوار، كما أن التلفزيونات مارست تعتيما مقصودا وانتقائية واضحة بالتغطية على استبداد الأنظمة الملكية وعلى الأنظمة القريبة من هذه التلفزيونات. مسألة أخرى تجعل مصداقية التلفزيون على المحك، وتفقده مهنيته، هو أن يستمر في امتلاك نفس الخطاب وفي كيل المديح مع تغيير في الأشخاص ليس إلا، هكذا تحولت تلفزيوناتنا الرسمية إلى أدوات للتنميط وإنتاج لغة الخشب والصوت الواحد، وحتى عندما تتظاهر بالديمقراطية والتعددية وتستدعي الصوت الآخر فهي ترسم له حدوده ومربع لعبه.
في الشق الثاني من مداخلتها تطرقت الإعلامية فاطمة الإفريقي إلى التلفزيون المغربي الذي صادف يوم تنظيم الندوة(يوم 03 مارس) مرور 50 سنة على ميلاده في ظل تعتيم كامل عن الذكرى، لأنه لو كان لدينا فعلا تلفزيون تقول فاطمة الإفريقي، لما كان كل هذا الصمت في ذكرى ميلاد مؤسسة بهذا الحجم، وفي اقتباس لأحد مقالات علي أنوزلا (هل أضعنا فرصة تاريخية للتغيير) أجابت فاطمة أنه في التلفزيون أضعنا عدة فرص للإصلاح مرورا بسنة 1989، سنة ميلاد القناة الثانية كأول قناة أعطت شكلا جديدا للإعلام عربيا، لكن تضيف المتدخلة ضيعنا الفرصة لأنه بدل أن تحذو القناة الأولى حذو القناة الثانية، فإن العكس هو الذي حصل، وأصبحت في أحسن الحالات مكملة لها.
الفرصة الثانية كانت سنة 1993 بتنظيم المناظرة الوطنية حول الإعلام التي لازالت توصياتها لم تطبق الى اليوم.
لتخلص فاطمة إلى غياب إرادة حقيقية في إصلاح هذه المؤسسة، لنؤسس فعلا لإعلام عمومي مهني حقيقي، بعيدا عن إعلام الخطوط الحمراء الذي يكتفي بالمتنفسات والهوامش التي تمنحها الأنظمة الاستبدادية لتخفيف الضغط (انتقاد سياسات الوزراء مثلا).
جانب من الحضور
المناقشة:
جاءت تدخلات الحضور الذي غصت به قاعة الندوات بفندق الجاكرندا لتكمل العروض المقدمة أو لتطرح بعض الأسئلةبخصوص الربيع الديمقراطي في صيغته المغربية وعلاقته بالإعلام، بل وهناك من تطرق إلى الاستحقاقات التي تنتظر اليسار أمام الإفرازات المتتالية التي يخلفها الربيع، والتي لم تكن على أي حال سارة بالنسبة لهذا اليسار.
هكذا تساءل أحد الصحفيين عن كيفية التوفيق بين طول النفس الذي تتطلبه مرحلة التأسيس والدخول للزمن الديمقراطي، وبين المنعطف التاريخي وما يتطلبه من سرعة الفعل والحسم لدخول عصر الديمقراطية.
وفي معرض تطرقه النقدي للحراك المغربي أشار أحد المتدخلين ونشطاء الفيسبوك إلى عجز خطاب 20 فبراير في حشد الدعم والمعجبين. فصفحة الحركة مثلا على الفيسبوك لم يتجاوز عدد معجبيها 60 ألف في الوقت الذي يصل فيه عدد معجبي صفحات قد تنعت بالتافهة (على حد تعبير المتدخل) إلى 500 ألف.
أحد نشطاء حركة 20 فبراير من موقع الرباط تطرق في تدخله الى المراحل التي مر منها تعاطي السلطة (المخزن ) مع الحراك المغربي، ليبقى الإعلام ومؤسساته وعلى اعتبار علاقته الجدلية بالديمقراطية، المجال الوحيد الذي لم يتم خلخلته والاحتجاج عليه من قبل فعاليات الحراك الاجتماعي، مبديا ملاحظة مفادها أنه في مصر كان من أول ما تم التوجه إليه، والحراك ينطلق هو مقرات المؤسسات الإعلامية الرسمية.
أحد المتدخلين المنتمين لإحدى الهيئات السياسية التي دعمت الحراك طرح التساؤل عن آفاق حركة 20 فبراير في صيغتها الثانية، وأمام التراجع الواضح في زخم الشارع الذي بات مشكلا من اليسار والديمقراطيين والشباب المستقل يتساءل المتدخل ما هي البدائل المطروحة؟ واضعا سؤالا عريضا على نبيلة منيب بصفتها أمينة عامة للاشتراكي الموحد عن آفاق العمل اليساري، وما الذي يمنع من تطوير عمله المشترك. وهو نفس السؤال تقريبا الذي طرحه أحد الشباب المنتمي لشبيبة حزب داعم للحركة، حيث تساءل عن دور اليسار في النضال لديمقراطي في ظل صعود متنامي للإسلاميين في المغرب.
تساءل أحد نشطاء الحركة عن ماهية الإعلام الجديد الذي نتكلم عنه متناسين أن مخترع الفيسبوك يدور في فلك النظام الرأسمالي، وهل الحراك بالتالي هو صنيعة الشعوب التي تطمح الى التحرر من نير الاستبداد أم هو صنيعة أمريكية يندرج ضمن الرؤية الأمريكية للشرق الأوسط الجديد؟ خاصة و أن هذه الأنظمة المتهالكة لم تعد تلبي طموح الامبريالية العالمية. هل هذا الإعلام الذي نتباهى به هو فعلا إعلام حر؟ ألم تلعب الجزيرة دور موجه حيث قامت بصناعة صورة مقبولة لحزب النهضة التونسي لدى الغرب، ودفعت به بالتالي إلى سدة الحكم في تونس، ليخلص إلى السؤال الذي طرح بإلحاح خلال الندوة عن دور اليساريين والتقدميين والحداثيين بصفة عامة في مغرب يستعد فيه العدل والإحسان لدخول معترك السياسة من بابها الشرعي، ويستعد السلفيون المفرج عنهم حديثا لتأسيس حزبهم الإسلامي، خاصة يضيف المتدخل أن حركة 20 فبراير وفي ظل وجود نقابات انتهازية وشباب يتعامل مع النضال بالموضة قد استنفذت مقومات تواجدها.
آخر التدخلات تطرقت إلى غياب إعلام يدافع عن قضايا الجماهير ووجود إعلام يشتغل وفق منطق تجاري، لذا لا غرابة أن نجد أنفسنا أمام إعلام يتحدث عن 20 فبراير وكأنها العدل والإحسان، وإعلام لا يتكلم عن تعاون الوزير الأول الحالي مع أجهزة المخابرات، وتجاهله وثائق تم تسريبها بهذا الصدد، كل ذلك يتم بمبررات الاستقلالية.
المتدخلة الوحيدة من بين الحضور، تساءلت هل هناك بوادر انفراج في التناول الإعلامي مع البدء بالسماح بتغطية أخبار كانت ممنوعة في السابق، وعن قدرة المخزن على تطويع الإعلام الجديد، وعن إمكانية للتنسيق بين المواقع في أفق توحيد النضال الرقمي.
الردود جاءت سواء لتتفاعل مع مداخلات الحضور أو لتضيف أشياء جديدة؛ علي أنوزلا في معرض رده على الأسئلة تطرق بداية إلى مبادرة وزير الاتصال الاخيرة، بلقائه وسائل الإعلام الالكترونية، مبديا توجسه منها، لأنه بالدعم الذي تقترح المبادرة تخصيصه للإعلام الالكتروني، تروم ضبطه والتحكم فيه، إعلامنا يشبه واقعنا الرئيس. هو إعلام متحكم فيه إذ على سبيل المثال لم تجرؤ ولا جريدة واحدة أن تتناول تناولا مباشرا كتاب "الملك المفترس" (الصادر مؤخرا في فرنسا)، بل هناك من يذهب الى أن حتى نشر لائحة المستفيدين من الكريمات، إنما هو من أجل مداراة وحجب الانتباه عن الكتاب. ليختم أنوزلا بأنه وكما أن للناس عتاب على الإعلام، فللإعلاميين هم أيضا عتاب على الرأي العام الذي لا يتحرك عندما تغلق جرائد ويحاكم صحافيون، لأن الصحفي يقول أنوزلا ليس هو دونكيشوت ينطبق عليه قول" اذهبا أنت ربك فقاتلا".
نبيلة منيب أكدت من خلال كلمتها الاخيرة في الندوة على ضرورة التشبث بحركة 20 فبراير كفرصة أمل، لأنها وفي جميع الأحوال ومهما اختلفت التقديرات بشأنها، هي التي أخرجتنا من الردة التي بدأت مع 2002، وكانت ستنتهي بالسيناريو الذي كان معدا لسنة 2012 . كما تساءلت عمن يحرك خيوط الثورات في منطقتنا، وهل نحن غير قادرين على صنع مستقبلنا بأنفسنا، مضيفة أنه آن الأوان ليأخذ اليسار زمام المبادرة، ليس من خلال تجميع كمي لمكوناته، ولكن من خلال وضع مشروع للمستقبل، هذا المشروع لن يكون إلا مشروعا ديمقراطيا وعقلانيا ضدا على الأصوليتين؛ أصولية الإسلاميين وأصولية المخزن.
تطرقت فاطمة الإفريقي في معرض ردها إلى الإعلام الرسمي، بعد صعود الإسلاميين، مؤكدة أن الإعلام الرسمي وإن فتح الباب قليلا فهو لا يفعل ببراءة، وإنما بشكل مدروس، خاصة وأن صعود هؤلاء –الإسلاميون- من شانه ان يربك حسابات بعض اللوبيات، ولهذا يتم التركيز أحيانا عن قصد على بؤر التوتر، لتظهر الحكومة بمظهر العاجز عن حل الإشكالات المطروحة، ولتجعل الناس يعتقدون أن صناديق الاقتراع (ومن ثم الديمقراطية) غير جديرة بالثقة التي وضعوها فيها.
تطرقت الصحافية المقتدرة إلى بعض الطرق التي لجأت إليها السلطة الحاكمة لاحتواء 20 فبراير، ومنها حملات التشويه، والتي كان لها تأثير سلبي أكثر من القمع المسلط على الحركة، طريقة أخرى لمواجهة الحركة كشفت عنها لائحة الكريمات (أغلب الإعلاميين يتوفرون على كريمات تسر فاطمة الإفريقي) وهي أن السلطة تعمد إلى استمالة وشراء بعض الأشخاص الذين يكون لهم تأثير في الناس، حتى لا يلتحقوا بالحراك مجرد أن يعلن هؤلاء موقفهم منه (الزمزمي على سبيل المثال) كما لامت الإفريقي الحركة كونها لم تتوجه إلى الفنانين وذوي الشهرة والذين يمكن أن يشكل ظهورهم في الحركة عامل جذب (كما وقع في مصر مثلا). لكن يبقى الأمر الأكيد تختم فاطمة حديثها أن الحركة خلخلت البرك الراكدة والآسنة.
خلال تفاعله مع أسئلة الجمهور تساءل إسماعيل عزام عماذا يمكن أن يفعله الإعلامي لإعادة زخم حركة 20 فبراير؟ أول المقترحات حسب الطالب الصحفي الشاب، هو أن يتم الابتعاد ما أمكن عن الايدولوجيا، لأن التدوين قد دشن نهاية عهد الايدولوجيا على حد تعبيره، هذا الوهج الفبرايري يمكن إعادته فيسبوكيا بالمزاوجة بين التكوين السياسي النظري الذي يعوز أغلب النشطاء والتكوين التقني، كما شدد على أهمية التواصل مع الخارج، المنظمات والهيئات الدولية، وأن تقدم الحركة شبابا مقبولا اجتماعيا لأنه يضيف إسماعيل عزام هناك مجموعة من الوجوه أساءت للحركة.