الجمعة، 20 أغسطس 2010

أراء في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بعد مؤثرها التاسع عبد الحميد أمين، مصطفى الشافعي، عبد اللطيف مستغفر وجها لوجه


أراء في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بعد مؤثرها التاسع
عبد الحميد أمين، مصطفى الشافعي، عبد اللطيف مستغفر وجها لوجه

نظمت مجلة عدالة لقاءا حواريا حول المؤتمر الوطني التاسع للجمعية وآفاق العمل داخل الجمعية، أداره مدير المجلة الأستاذ عبد اللطيف وهبي، وشارك فيه الإخوان عبد الحميد أمين ومصطفى الشافعي وعبد اللطيف مستغفر.
وتعميما للفائدة، ننشر هنا مضمون الحوار كما توصلنا به من هيئة تحرير الجريدة في صيغته الإلكترونية. وقد نشر الحوار في العدد الثاني من المجلة الصادر في غشت 2010 (المصدر: بريد مشترك لأعضاء الجمعية المغربية لحقوق الإنسان)
  
غلاف مجلة "عدالة جوست" ويظهر عبد اللطيف وهبي مدير المجلة، في عمق الصورة عبد اللطيف مستغفر، في الوسط مصطفى الشافعي، ثم عبد الحميد أمين
ارتأت هيئة تحرير «عدالة جوست» أن تستضيف بعض الفرقاء من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان على إثر الارتجاج الأخير الذي وقع بالمؤتمر التاسع، ذلك أنه قيل الكثير بشأن انسحاب أعضاء من المؤتمر، مما أثار عدة تساؤلات حول المسؤولية، ومصير الجمعية.
وانسجاما مع اهتمام مجلة «عدالة جوست» بالمجال الحقوقي استضافت كل من عبد الحميد أمين، وعبد اللطيف مستغفر، ومصطفى الشافعي، باعتبارهم من الوجوه البارزة لأطراف الخلاف، وإيمانا منا بأن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تمثل رصيداً وطنيا، ومصيرها مسؤولية تاريخية على عاتق أعضائها.
وحرصنا خلال هذا الحوار، الذي جمع لأول مرة أطرافا فاعلة في الجمعية، على ألا نعود بعقارب الساعة إلى خلافات المؤتمر الأخير للجمعية ونغوص في كنهه، ولنكون صلة وصل بين المتدخلين والمهتمين، وخاصة القراء.
من هذا المنطلق أكدنا قبل الشروع في هذا الحوار على أننا ننبذ الإثارة، ودافعنا من عقد هذا اللقاء هو إعطاء فرصة للأطراف للتداول بكل حرية حول خلافاتها من خلال تقييمها لأسباب هذا الصراع، لإعطاء تصور ولو مرحلي لمآل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان كإرث تاريخي ووطني.
وقد كانت هذه الجلسة بمقر مجلة «عدالة جوست» وعرفت زخما من المعطيات بفعل النقاشات التي كانت تحتد أحيانا، ولكن إطلاقا لم تكن تتجاوز حدود اللياقة واحترام الرأي الآخر. ونعتبر في المجلة أن هذه نقطة إيجابية تدعم الحوار بين الأطراف داخل الجمعية بشكل حر وديمقراطي، والذي ساهم فيه كل من عبد الحميد أمين عضو المكتب المركزي للجمعية، ومصطفى الشافعي عضو المكتب المركزي سابقاً وعضو اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني التاسع للجمعية، وعبد اللطيف مستغفر عضو المكتب المركزي سابقا للجمعية المغربية لحقوق الإنسان (2004-2010).

م. "عدالة جوست": كيف تقيمون المؤتمر الجمعية المنعقد أخيرا؟
عبد الحميد أمين:
أولا أود أن أشكر مجلة «عدالة جوست» في شخص مديرها عبد اللطيف وهبي على هذه المبادرة باعتبارها تمثل أول فرصة نلتقي فيها بعد انتهاء المؤتمر بالشكل الدرامي الذي انتهى إليه، وهذه فرصة أولا نتحاور فيها وجها لوجه، ونضع الأمور في نصابها ولنطرح طبعا الآفاق المستقبلية.
بالنسبة لسؤالكم أعتبر أن المؤتمر الوطني التاسع كان ناجحا في بلوغ جميع أهدافه إلا هدفا واحدا.
فالمؤتمر انعقد وانتهى في وقته القانوني، وحدد جدولا لأعماله المتمثلة في مناقشة التقرير الأدبي والمالي والبت فيهما، ثم بعد ذلك طرح على نفسه البت في عدد من المشاريع والمقررات وكان له ذلك، وصادق على البيان العام المقترح بعد مناقشته وإغنائه، ثم انتخاب لجنة إدارية اجتمعت وانتخبت مكتبا مركزيا مشكلا من 19 عضواً من ضمنهم 8 نساء، ونفتخر دائما في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالمكانة التي تحتلها المرأة في الأجهزة القيادية.
م. "عدالة جوست": (مقاطعا): ما هو الهدف الوحيد الذي لم يتحقق خلال المؤتمر؟
عبد الحميد أمين:
الهدف الوحيد الذي لم نحققه هو أننا لم نتمكن من إدماج كافة التوجهات داخل قيادة الجمعية، طبعا نحن غير مرتاحين لكوننا لم تتمكن من إدماج كل التوجهات الموجودة داخلها في القيادة كما كان ذلك في السابق. إذن هذه هي النقطة الوحيدة التي لم نتمكن من تحقيقها، وطبعا هذه المسألة يمكن، إذا أردت أن نرجع إلى المسؤوليات بصددها فيما بعد، لكن هذه هي النقطة في نظري الوحيدة التي لم يتمكن المؤتمر من تحقيقها وهي إدماج كافة التوجهات على مستوى القيادة التي توجد بها.
مصطفى الشافعي:
أنا بدوري، كمناضل بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان ساهمت بقسط كبير في ثلاث ولايات ضمن القيادات السابقة، أشكر مجلة «عدالة جوست» على إتاحة هذه الفرصة، التي هي في الحقيقة بعيدة عما يمكن أن أسميه بـ«الغوغاء» التي تبادلتها بعض الصحف حول المؤتمر التاسع للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، الذي يمكنني القول بشأنه من الناحية النظرية الصرفة إنه انتهى إلى تشكيل أجهزة والمصادقة على البيان العام، ولم ينته إلى المصادقة على مضامين المقررات وفق ما نوقش داخل اللجان الداخلية، وبالتالي فإنه من الناحية الجوهرية فإن الجمعية كفضاء تعددي يختزن في تعبئته البشرية حساسيات فكرية وسياسية وفعاليات نضالية وأن النقطة المركزية لم ينته إليها المؤتمر لأنه لم يشكل أجهزة تعددية بالمعنى الواسع، وهذا باعتراف الرفيقات والرفاق في قيادة الجمعية أو بالنسبة للمناضلات والمناضلين الذين سحبوا عضويتهم من اللجنة الإدارية.
إن المؤتمر الوطني التاسع تضمن عيوبا من حيث المنتوج الأدبي الذي انتهى إليه بالضرورة، خاصة مقررات اللجان، والتي أحيانا لا ترجع لأسباب تتعلق بصراع سياسي، لكن المشكل حتى في التصورات والمذاهب التي يترتب عليها برامج وأنشطة في المستقبل.
من هنا أخالف رأي رفاقي في قيادة الجمعية، لأن المؤتمر من الناحية الشكلية أنهى أشغاله لكن لم ينجح في ضمان استمرار احتوائها للتنوع.
من هذا المنطلق أقول شخصيا إن المؤتمر فشل في تدبير تمثيلية الأجهزة.
عبد اللطيف مستغفر:
بدوري أحيي الإخوة في هيئة تحرير مجلة «عدالة جوست» على هذه المبادرة.
بالنسبة لي كعضو سابق من أعضاء اللجنة المركزية للجمعية لولايتين أعتبر بأنه إذا كان هناك نجاح للمؤتمر فهو من الناحية الشكلية والصورية، بحكم انتهاء أشغاله وبرنامجه في الوقت المحدد، وذلك بمساهمة من الإخوان والأخوات الذي سحبوا ترشيحهم من اللجنة الإدارية والذين لم تكن لهم الإرادة لتأزيم الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أو السعي إلى خلق نوع من الانشقاق داخلها على الرغم من أن بعض الإخوان من قيادة الجمعية كان لديهم نوع من الفكر المسبق حول إمكانية فشل المؤتمر، وهذا ما لم يحدث، وحرص الإخوة المنسحبون على نجاحه…، ولكن المؤتمر فشل من ناحية أخرى من حيث عدد من النقط أبرزها أنه لأول مرة في تاريخ الجمعية المغربية لحقوق الإنسان يمارس نوع  من الإقصاء الممنهج تقريبا على مستوى إعداد المؤتمر، خصوصا على صعيد لجنته التحضيرية، أي إقصاء عدد من الأطر والمناضلين الذين اشتغلوا داخل الجمعية ومشهود لهم  بالخبرة والفعالية والكفاءة، وذلك لكونهم اختلفوا  مع التيار المهيمن داخل أجهزة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان.
م. "عدالة جوست": ماذا تقصدون بالتيار المهيمن؟
عبد اللطيف مستغفر:
المكون السياسي المهيمن الآن على أجهزة الجمعية، نعني به حزب النهج الديمقراطي. إذن لأول مرة  في تاريخ الجمعية يتم الإقصاء بهذا الشكل، كما تشكلت أجهزة منبثقة عن المؤتمر فيها اكتساح شامل لهذا المكون المهيمن ضمن مكونات أخرى كانت عاملة ومشتغلة داخل الجمعية.
 لأول مرة في تاريخ الجمعية كذلك يتم التحفظ على التقرير الأدبي والمالي بالنسبة لأكثر من ثلث المؤتمرات والمؤتمرين.
لأول مرة أيضا  في تاريخ مؤتمر الجمعية – وهذه سابقة خطيرة- تتم إحالة منتوج عمل عدد من مؤتمرين  ومؤتمرات في اللجان على اللجنة الإدارية، في الوقت الذي شهدت فيها كل المؤتمرات السابقة تقديم كل لجنة عملها لتتم المصادقة عليه على حدة، في حين أنه في المؤتمر الوطني التاسع ضمت جميع المشاريع والمقررات وأُحيلت على اللجنة الإدارية المقبلة، مما جعل اللجنة الإدارية في موقع أكبر من المؤتمر.
أقول بأنه اللجنة الإدارية المنتخبة بخلاف السمفونية التي ترددت طيلة ثلاث سنوات ( 2007 إلى 2010) وتكررت في مختلف وثائق المؤتمر والتي مفادها أنه لأول مرة في تاريخ الجمعية يتم انتخاب اللجنة عبر الاقتراع السري المباشر.
وقد انتفت هذه السمفونية خلال هذا المؤتمر وتم انتخاب أجهزة اللجنة الإدارية والمكتب المركزي بطريقة مخالفة للقانون والنظام الداخلي الأساسي للجمعية، اللذين ينصان على أن انتخاب الأجهزة  يكون إما عن طريق الاقتراع السري المباشر أو لجنة الترشيح في حين أن هذه العملية لم تحصل في مجملها…
م. "عدالة جوست": هناك حديث عن الهيمنة والإقصاء، ترى هل الأمر يعود إلى صراع في الأفكار والتوجهات أم هي «حرب» مواقع أم هي حسابات معينة داخل المؤتمر مرتبطة بالواقع السياسي بالبلاد؟
عبد الحميد أمين:
إذا سمحت لا بد من إرجاع الأمور إلى نصابها.
م. "عدالة جوست": (مقاطعا) من فضلك أجبنا على السؤال بالتحديد لأننا لا نريد أن ندخل في الحوارات الثنائية؟
عبد الحميد أمين:
أولا صيغة السؤال خطيرة لتطرقه لمسألة «الإقصاء» و«الهيمنة» وفق ما تحدث عنه المتدخلون.
أقول إن ما نحن متفقون عليه هو أن مكونا سياسيا معينا غير ممثل داخل اللجنة الإدارية والمكتب المركزي للجمعية المغربية، في حين أن هناك ستة تيارات سياسية متواجدة على مستوى اللجنة الإدارية و المكتب المركزي، بالإضافة إلى المستقلين، وما أدراك ما المستقلين داخل الجمعية، والذين يشكلون اليوم أكثر من 75% من الأعضاء، وما لم يفهمه البعض هو أن الجمعية تحولت بشكل جدري منذ 10 إلى 12 سنة، إذ أنه في سنة 98 كانت الجمعية تضم 3000 منخرط، وأنا شخصيا أقدر أن حجم التيارات السياسية الثلاثة الأساسية كانت ممثلة بحوالي الثلثين (المرتبطون بالتنظيمات السياسية) والثلث على الأكثر كان من المستقلين، أما في نهاية سنه 2009 فأصبح عدد المنخرطين أزيد من 10000 منخرط، وأنا شخصيا أحدد نسبة المتحزبين في أقصى الأحوال في الربع، و 75% من المستقلين.
هذا على مستوى الأعضاء، أما فيما يخص الأجهزة فطبعا كما هو الشأن فإن المتحزبين يشكلون الأغلبية، وهذه القضية كانت دائما كمعطى وستظل لمدة طويلة.
م. "عدالة جوست": قلتم في مداخلتكم إن المؤتمر الوطني التاسع للجمعية فشل في نقطة وحيدة وهي عدم إدماج كافة  التوجهات داخله. فما هي أسباب ذلك؟
عبد الحميد أمين:
خلافا لما قاله أحد المتدخلين، كانت هناك إرادة لتأزيم مؤتمر الجمعية، التي لامسناها في مناقشة التقريرين الأدبي والمادي من خلال عدم تسجيل أدنى شيء إيجابي قام به المكتب المركزي في أول لجنة في الثلاث سنوات الأخيرة، كما ظهرت المواقف السلبية في التصويت بتحفظ على عمل الجمعية التي تمكنت في ظرف الثلاث سنوات الأخيرة من الحصول على حصيلة إيجابية يشهد عليها الرأي العام الوطني، ثم جاءت أكبر أزمة داخل المؤتمر وهي انتخاب الرئاسة، حيث كان هناك نقاش ثم اقتراح لرئاسة معينة يمثل فيها التيارات اللذان انسحبا بنسبة 40%، إلا أنهم رفضوا أن يتم التصويت على الرئاسة، وكانوا يريدون أكثر من ذلك بشكل غير مباشر، بل في وقت معين كانت هناك محاولة لاحتلال منصة المؤتمر، وتمكنا في نهاية المطاف من الخروج بحل وسط ليتم التصويت بشكل ساحق لصالح رئاسة المؤتمر…
م. "عدالة جوست": ألم تكن هناك تقسيمات داخل الجمعية؟ وهل تمت مراعاة حساسية التيارات بانتخاب الرئاسة؟
عبد الحميد أمين:
كانت هناك تقسيمات داخل الجمعية وأخذت بعين الاعتبار التشكيلة الموجودة داخل المؤتمر، أي تمثيلية نسبية لما هو موجود حتى بلجنة الرئاسة، لأننا كنا نعرف أن المؤتمر صعب وصعب جدا، خاصة أمام التخوف من عدم نجاح المؤتمر.
من الطبيعي حينما تكون هنالك إرادة للتأزيم أن ينتهي المؤتمر بسحب الترشيحات، وبالانسحاب أيضا من المؤتمر وذلك بعدم إتمام أشغاله. إذن لم يكن هناك إقصاء بدليل أننا لم نكن قد وصلنا بعد إلى انتخاب الأجهزة، مما يعني أن المنسحبين أقصوا أنفسهم.
م. "عدالة جوست": (مقاطعا) تحدثت عن تأزيم المؤتمر فما هي الخلفيات من وجهة نظرك؟
عبد الحميد أمين:
إن الخلفيات واضحة، وإذا كنا سنتحدث عن المواقف فيما بعد فإن ما يتحدث عنه البعض في الجمعية يهم المواقع، لأن هؤلاء يريدون الحصول على أكبر حصة، إلا أنه حينما لامس طرف معين داخل المؤتمر أنه لن يحقق مبتغاه انسحب قبل الوقت، إذن المسألة هي مسألة مواقع، ومع الأسف لم نتمكن من فرض آليات لإعطاء كل ذي حق حقه، ولحد الآن فإن الآلية الوحيدة التي تستجيب لهذا التصور هي الانتخاب باللائحة وبالنسبية، لكن  هذه الفكرة طرحت ولم تناقش إلا بضعة أيام قبل المؤتمر. وبالتالي لم نتمكن من إيجاد التقنيات لإعمالها على أرض واقع المؤتمر التاسع للجمعية، مما يعني أن السبب الوحيد للانسحاب كان هو مسألة المواقع.
م. "عدالة جوست": سؤال: (مقاطعا)؟
عبد الحميد أمين (مقاطعا):
قبل طرح سؤالك لا بد من أن أشير فيما يخص عدم انتخاب اللجنة الإدارية بالتصويت، أنه بالفعل تنص أنظمة الجمعية على أن انتخاب اللجنة الإدارية يكون بالتصويت السري،  لكن ما جدوى ذلك إذا كان عدد المرشحين يوازي العدد المطلوب للجنة خاصة أن المؤتمر أكد على أن التصويت على هذه الوقائع مسألة عبثية، وهو نفس الشيء بالنسبة لانتخابات المكتب المركزي، علما أن الأمر وقع بالفروع أثناء انتخاب المؤتمرين ولم تتم إثارته. بل إني قلت حينها بضرورة التصويت السري، لكني كنت أواجه بعدم الجدوى إذا كان عدد المرشحين يوازي عدد المطلوب لتشكيل اللجان والفروع والمكاتب…
م. "عدالة جوست": هل فعلا سبب الأزمة هو الإرادة الخفية لتأزيم المؤتمر وحرب المواقع؟
مصطفى الشافعي:
أنا في تقديري على الأقل هناك قاسم مشترك بيننا، ونقر الآن بجميع المواصفات والتوصيفات التي نريد بأن المؤتمر فشل في انتخاب أجهزة تعددية بالمعنى الواسع، وهذا عنصر أساسي في الاتفاق، وذلك لسببين رئيسيين بعيداً عن الحديث عن العدد، لكون الثقافة السائدة وسط الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فيما يخص الاحتكام للديمقراطية تحكم فيها « المنطق العددي» للأسف منذ تأسيسها ابتداءً من 1979 إلى الآن، أي أنه عبر تاريخها حملت معها مسألة ثقافة الأقوى عددا أولاً.
أما العنصر الثاني للفشل المتحدث عنه فيكمن في عدم توصل الجمعية لحد الآن إلى إيجاد الآليات والضوابط الناجعة لتمثيلية الروح السياسية الداخلية.
إن الرأي السياسي لا يمثله العدد، والاجتهاد لا يعكس التمسك بالعدد، وهذا هو الفرق الكبير بين الشعار والاجتهاد، فعندما نقول الديمقراطية كشعار دائما نتوجه نحو الأسلوب السهل الذي يعطينا ديمقراطية شكلية، أي أن الانتخابات تكون ديمقراطية من حيث الشكل، لكن ممارسة جوهر الديمقراطية يكون مغيباً، أو نسبيا غير مكتمل. 
إن صيغة تنظيم المؤتمر في حد ذاتها كارثية، لأن إعلان «الحرب» ما بين الفرقاء السياسيين تبتدئ من الفروع، وكل واحد يقول (ضرب على جطي) وبالتالي لا يتم الانتباه إلى الآثار البعدية للتطاحنات على مستوى الفروع، وهذا عنصر خطير أعتبر أنه السبب الرئيسي لعدم الاندماج بالنظر لسيادة ثقافة الفرقاء السياسيين، أي أن الاشتغال بهذه الثقافة (الفريق السياسي) تنسينا أحيانا العمل ضمن الوحدة العضوية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان كآلية للدفاع عن هذه الحقوق المتعارف عليها دوليا، وبالتالي تكون عملية تنمية الاشتغال داخل الجمعية تحكمها خلفية الفريق السياسي المنتمي إليه، وهذا أمر خطير.
وعليه فإن المشكل هو أننا لم نستطع بلورة الآلية التي يمكن أن تحد على الأقل من الآثار السلبية لهذا العمل، لهذا أدعو إلى الانتخاب السري مثلا وأعتبر شخصيا الآن أن لجنة الترشيحات أكثر ديمقراطية من التصويت السري المباشر، لأن التصويت السري المباشر …يمكن الأقلية المنظمة أن تصل نسبة تمثيليتها إلى %70 أو 75% أو 80%  أو حتى 90 % من المنخرطين في الجمعية غير المنتمين لأحزاب سياسية، في حين أن نسبة 10 % المنخرطة في هذه الأحزاب يمكن أن تشكل قوة كي تصل بأكبر عدد إلى المؤتمر، وبالتالي تكون المجموعة الأكثر تنظيما داخله وتصل بأقل عدد للأجهزة التقريرية.
وقد استعملت آليات لجنة الترشيحات منذ 1979 إلى حدود المؤتمر الثامن وهي آلية كانت تمارس فيها بشكل أو بآخر النسبية، وهي نسبية غير معلنة بشكل واضح تم تكريسها في المؤتمر الثامن وأدخل المنطق العددي الذي تكتسح به الأجهزة…
في هذا الصدد تقدمت شخصيا بمقترح لرصد آلية النسبية بهدف وضع حد للمفاهيم الرائجة داخل الجمعية (الإقصاء، الهيمنة…الخ)، مع مراعاة سقف معين لا يمكن لأي جهة تجاوزه، لكن للأسف رغم ضيق الوقت إلا أن الإرادة لم تكن متوفرة، والتي كان يجب أن تتوفر لمعالجة أي قضية، سواء العلمانية أو الصحراء أو الحريات …الخ.
وهذه الأمور كلها كنا سنستدركها لو أننا خلقنا الآلية التي تمثل فيها جميع التعبيرات السياسية والفكرية داخل الجمعية.
أما النقطة الثانية المتعلقة بالعدد فتتخلص في كوننا حضرنا جميعا للمؤتمر لهدف تحمل المسؤولية، بمعنى أن هناك إرادة لتقاسم المسؤولية في تسيير الجمعية، وهذا الاقتسام لا يجب أن يكون شكليا بل تنظيميا، أي أن الشافعي ومستغفر وأمين وخديجة وغيرهم كلهم يبحثون عن مواقع، وبالتالي يفترض إعادة الأمور إلى نصابها بخصوص الحديث عن المواقع.
أعود لأقول لم تكن الإرادة القوية لإنجاح هذا المؤتمر، إذ أننا جميعا نقر بفشلنا في تدبير انتخابات تمثيلية بالمعنى الواسع للتعددية.
م. "عدالة جوست": هل يمكن القول إن عدم التمكن من تدبير الخلاف والتناقض استحكما داخل الجمعية وأعطى النتيجة التي وصلت إليها؟
عبد اللطيف مستغفر:
نعتبر أنه كان هناك نوع من التخطيط السياسي لإيصال الجمعية إلى ما وصلت إليه الآن، لأنه قيل قبل وبعد المؤتمر أن هناك متغيرات وتوترات بين المكونات السياسية داخل الجمعية ووجود فيصل سياسي جديد لم يكن في السابق، وبالتالي أعطت هذه المسألة الانطباع لدى المتتبع لشأن حقوق الإنسان في بلادنا بأن التحكم السياسي القوي في مسار الجمعية هو الذي أوصلها لما هي عليه الآن، لأنه في الوقت الذي كانت فيه الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إطارا متعددا ومتنوعا منذ تأسيسها إلى غاية المؤتمر الثامن، ظهرت إرهاصات أولية لهذا المأزق مباشرة بعد انتهائه سنة 2007، حيث صرح الأخ أمين وهو مازال رئيسا لهذا المؤتمر (الثامن) والذي لم تتشكل أجهزته آنذاك بالقول: «انتهى زمن الريع السياسي»، وهذا يتضمن إحالة على انتهاء كل أشكال التوافقات السياسية التي كانت تعطي نوعا من التعدد والاختلاف والتنوع داخل اللجنة المركزية لحقوق الإنسان، وهذا التصريح أصبح بمثابة توجه سياسي غطى مرحلة 3 سنوات تبين من خلال الممارسة والسياسة الممنهجة أن هناك مسارا للاستفراد والتحكم في الجمعية من قبل المكون السياسي الذي تكلمنا عنه في السابق.
أعود أيضا إلى مسألة أخرى طرحت مباشرة بعد أشغال المؤتمر الثامن، إذ صرح الأخ أمين كذلك في حوار أجراه مع أحد الصحفيين بأنه: «الآن يمكن أن تتحقق أهداف إلى الأمام …» وهذا فيه نوع من الإلحاقية السياسية بجمعية حقوقية…
أما ما ذكره الأخ أمين بخصوص تمثيلية التيارات ووجود ستة منها داخل الجمعية فحبذا لو يعطينا النسب المئوية لتركيب التيارات السياسية، وماذا عن التيار السياسي الوحيد الموجود بالأجهزة… في حين صدر بلاغ لمكون سياسي آخر يؤكد بأنه غير ممثل داخل أجهزة الجمعية، وأعتبر أن هذا التحليل مجانب للصواب.                       
بالنظر لتحكم  قوة سياسية معينة، لكي تعطى لهذه القوة شرعية على مستوى الرأي العام عملت بعض المكونات على تأتيت شكلي وصوري…
أما فيما يخص مسألة الاستقلالية التي ذكرت – مع وضعها بين هلالين- فقد اتفق عدد من المناضلين على اختيار شخص من المستقلين ليكون في لجنة الرئاسة، مقابل إصرار قوي جدا للإبعاد والإقصاء لهذا المستقل، وهو الأخ عبد الإله بنعبد السلام…
وفيما يهم مسألة التمثيلية فإن المؤتمر استغنى على الاقتراع السري المباشر، أو لجنة الترشيحات، لكن لماذا لم يحترم القانون الذي كان للمؤتمرين حق تغييره؟
م. "عدالة جوست": سؤال: كان هناك حديث عن الأزمة، والكارثة، واختلاف في وجهات النظر منذ سنوات خلت لكن ألم يكن من المنطقي والمفروض الانسحاب قبل المؤتمر التاسع؟
عبد اللطيف مستغفر:
أولا: إن الأخوات والإخوة المنسحبين كان لديهم حرص شديد للانتماء للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ولا أخفيك أنه طيلة 3 سنوات، أي من 2007 إلى حدود انعقاد المؤتمر في 2010، كانت توترات قوية ما بين أعضاء المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان بشأن عدد من القضايا، لكن كنا دائما نقول بأن هذه الخلافات لا يجب أن تصل إلى الباب المسدود، حيث كان لدينا أمل في يقظة الإخوة الذين يأخذون الآن بزمام الأمور داخل أجهزة الجمعية للأشتغال وفق المنظور الذي تأسست عليه الجمعية منذ تأسيسها، بمعنى التنوع، التعدد، والديمقراطية.
مصطفى الشافعي:
 بالنسبة إلي أصبحت مؤتمرات الجمعيات المحلية والوطنية استنساخ للصيغ الحزبية والنقابية، لهذا أقول إن صيغة المؤتمر في علاقته بمنظمة /جمعية مدنية لا يجب أن يكون على منوال الأحزاب السياسية والنقابات التي لها رهان السلطة عبر الوصول إلى المؤسسة التشريعية وتقلد المناصب الحكومية.
إن قوة الجمعيات، والفضاءات المدنية هي القدرة على الإبداع واحترام رأسمالها المتمثل في المصداقية….
م. "عدالة جوست": ما هي النقط الأخرى التي وقع بشأنها الخلاف خارج التمثيلية والجوانب التنظيمية؟
عبد الحميد أمين:
لابد من تمكيني من الوقت لتوضيح جملة من النقط للرد على ما قيل.
م. "عدالة جوست": لا نريد الدخول في التعقيبات الثنائية لأن ما قيل فيه الكفاية، وإنما نستهدف تسليط الضوء حول بعض النقط وفتح الحوار حولها؟
عبد الحميد أمين:
قبل التطرق لهذه النقطة أقول إن القضايا الأساسية لم تكن هي النقط الخلافية حول موضوع العلمانية والصحراء وغيرها، وإن كانت بشأنها خلافات… وأتذكر اجتماعا عقد في 12 مارس 2010 وحضره الأخوان الموجودان معنا هنا بالإضافة إلى عدد من الفعاليات الأخرى داخل الجمعية معروفة، وكان هناك شبه احتجاج علينا، لأننا أقررنا بوجود نقاط خلافية، بل قيل لنا لماذا تضخمون الأمور، والنقطة الخلافية الوحيدة هي التمثيلية داخل الأجهزة، بالإضافة إلى سوء تدبير مشكل الصحراء وليس الموقف من الصحراء، وهذه هي خلاصة ندوة 12 مارس، فإذا بالحديث يثار بعد ذلك بشأن خلافات في مواقف كثيرة سنرجع إليها ونجيب عليها، لكن ما يهمني في هذه اللحظة هو أن هناك قضايا تنظيمية خطيرة لابد من الوقوف عليها .
في الأول قيل أنه تم تهريب المقررات وذلك لم يتم، بل نوقشت ونقحت وتمت المصادقة عليها، وما تم تحويله إلى اللجنة الإدارية هو التقرير، أي أن اللجان اشتغلت في جو محموم، وفي جو من الصراعات الخطيرة، حيث لم تكن هناك إمكانيات للنقاش، فماذا فعلت اللجان؟ بكل بساطة أتت بتقارير فيها الشيء ونقيضه، وهو ما دفع باقتراح من أحد الإخوان الذين كانوا يمثلون الطرف المعارض داخل المؤتمر، وهو عضو في الرئاسة إلى اقتراح إحالة كل هذه  الأمور على اللجنة الإدارية، أولا لملاءمتها مع البيان العام الذي يجسد المواقف المضبوطة، وثانيا لأخذها بعين الاعتبار فيما يخص إغناء المـواقف و برامج، وهذا ما تمت إحالته على اللجنة الإدارية وليس المقررات التي كانت مضبوطة، وكان الأخ الشافعي في اللجنة التحضيرية وتم الاتفاق على مشاريع المقررات وأحيلت بعد إغنائها…أصبحنا دائما نسمع معزوفة «هيمنة مكون سياسي معين» وإلحاقه بالجمعية وهي مجرد صيغة بوليميكية لأن ما يوجد على أرض الواقع هو  أغلبية داخل الجمعية، لا بد لها أن تمارس حقوقها الديمقراطية في إطار احترام حقوق الأقلية بما في ذلك حقها في أن تصبح غدا أغلبية…
م. "عدالة جوست": (مقاطعا) لا نريد أن ندخل في الردود وسؤالي هو ما هو تقييمك للمؤتمر؟
عبد الحميد أمين:
قبل أن أجيب على السؤال أرجع إلى مسألة لجنة الترشيحات كآلية مفضلة استعملت آخر مرة في المؤتمر السابع الذي انتهى بانسحاب التيار الذي كان يتزعمه الأخ الشافعي، لأنه رفض  تحكيم لجنة الترشيح، ومن تم ظهرت عيوب لجنة الترشيحات وبدأ الناس يفكرون في مسائل أخرى، وإلى غاية المؤتمر الثامن وشرعنا في تداول آلية اللائحة النسبية، لكن الأخ الشافعي، وهذا ما يجب أن يتذكره، اقترح علينا في إطار الانتخاب باللائحة النسبة انطلاقا من عدم تجاوز أي تيار سياسي نسبة 40%  بمعنى  أن التيار الذي يمثل بالفعل أكثر من 60%  داخل المؤتمر، سيصبح لديه 40%، والتيار الذي كان يشكل الثلث داخل المؤتمر سيصبح له 60 %…
على أي حال ربما أن الأخ الشافعي بنفسه لم يكن مدركا لأبعاد ما اقترحه، لكن هذا إن دل على شيء فإنما يؤكد على أنه لم يكن لنا الوقت الكافي رغم توفر الإرادة السياسية، وأنا من الذين يدافعون عن اللائحة النسبية منذ سنة 1968، حيث وضعت آنذاك أرضية الحزب الشيوعي المغربي وفق النسبية داخل الطلبة، لكن مع الأسف لم يكن لدينا الوقت لدراسة الصيغة التي طرحت…
م. "عدالة جوست": أكرر بأننا لا نريد الدخول في الردود لكن ما هي النقط الكبرى التي كانت محل خلاف داخل المؤتمر؟
عبد الحميد أمين:
 أنا أقول إن النقطة الأساسية هي المنظور للديمقراطية من خلال نقاش علمي وموضوعي من أجل الإقناع والاقتناع والوصول إلى حلول بعد النقاش العلمي والموضوعي، وبعد ذلك لما لا نصل إلى الحل يتم اللجوء إلى التصويت  بالديمقراطية العددية، لكن تصوروا معي أن الديمقراطية العددية أصبحت اليوم كلمة قدحية، في حين أن أي ديمقراطية في نهاية المطاف هي عددية، ونقيضها هي ديمقراطية التوافقات، أو ما يؤدي بك إلى الإنتظارية أو إلى دكتاتورية الأقليات .
م. "عدالة جوست": هل هذه هي النقطة الخلافية الوحيدة؟
عبد الحميد أمين:
هذه نقطة أساسية، لكن بما أن هناك صعوبة في مناقشة مشكل المواقع تم الرجوع إلى المواقف، وجوابي عن النقط الخلافية، أفضل أن يكون بعد إعطاء الكلمة للآخرين الذين انسحبوا، أو سحبوا ترشيحاتهم وعللوها بعدد من النقط الخلافية التي لا تحتمل الانسحاب من المؤتمر من وجهة نظري.
م. "عدالة جوست": (مقاطعا) ما هي هذه النقط الخلافية بالضبط؟
عبد الحميد أمين:
أولا موضوع الصحراء طرح أول مرة يوم المؤتمر. بخصوص هذا الموقف، كان لنا دوما خلاف بشأن تدبيره منذ ثلاث سنوات، ولم يكن أدنى خلاف حول موقف الحل الديمقراطي إلى حين بداية المؤتمر ونفس الصيغة التي تبنيناها في المؤتمر العاشر هي نفس الصيغة الحرفية التي تبنيناها في المؤتمر الثامن، وكان ذلك معروفا لأن مشروع البيان العام كان قد وزع على المؤتمرين. إذن فقضية الصحراء كانت صيغتها معروفة والنقاش بشأنها مفتعل ويتسم بنوع من ابتزاز، أي إذا لم تريدوا أن تتفقوا معنا حول المواقع فسنطرح مسألة وطنية كبرى وآنذاك تحملوا مسؤولياتكم أمام الشعب المغربي، هذه هي الطريقة التي  طرحت بها مسألة الصحراء…
م. "عدالة جوست":  سؤال: هذا كل ما يخص هذه القضية وبهذه الدرجة؟
عبد الحميد أمين:
لم تعش معنا المؤتمر الذي أكد على أن التشبث بموقف الحل الديمقراطي لقضية الصحراء مما جعل إخواننا ينسحبون وهم يغنون أغنية «العيون عيني والساقية الحمراء لية… الخ
م. "عدالة جوست": ماذا تقصدون بالحل الديمقراطي؟
عبد الحميد أمين:
أولا موقف الجمعية لا ينص على الحل الديمقراطي، بل يضمن عبارات «أننا نستنكر استمرار الصراع منذ عشرات السنين، وهذا الصراع الذي استنزف القدرات الاقتصادية للشعب المغربي والذي شكل عرقلة للوحدة المغاربية المنشودة، وأضاف الموقف: نحن مع الحل الديمقراطي للنزاع حول الصحراء وأننا نتصدى لكل الانتهاكات المرتبطة بهذا النزاع مهما كان مصدرها. هذا هو الحل، أما الحل الديمقراطي فهو الحل السلمي الذي ينبذ الحرب، والذي يتوافق عليه كل المتنازعين، وكل حل يجنبنا الحرب في المنطقة ويتوافق عليه المتنازعون فهو بالنسبة إلينا حل ديمقراطي وهو موقف حقوقي بامتياز، خلافا لما قيل حول هذا الموقف…
م. "عدالة جوست": هل الحكم الذاتي حل ديمقراطي؟ ثم ما هو الحل لهذا النزاع من وجهة نظرك كحقوقي في الجمعية؟
عبد الحميد أمين:
أنا في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لا أعتبر شيئا، ليس لنا موقف لا من الاستفتاء ولا من الحكم الذاتي، وموقفنا الوحيد هو الحل الديمقراطي للنزاع، حيث يمكن أن يكون الحكم الذاتي هو الحل الديمقراطي إذا توافق عليه المتنازعون كما يمكن أن يكون الاستفتاء هو الحل الديمقراطي شريطة التوافق.
عبد اللطيف مستغفر:
… الجديد الذي حصل من المؤتمر الثامن إلى التاسع بخصوص ملف الصحراء هو أنه خلال هذه المدة ازدادت فروع الجمعية المحسوبة على مقاربة البوليساريو، وبالتالي حضر المؤتمر عدد من النشطاء الصحراويين الذين هم مع مقاربة الطرف الآخر في النزاع…إذ بعد أن كان فرع العيون انضاف فرع السمارة وطانطان…
م. "عدالة جوست": سؤال: هل توجه اتهاما…؟
عبد اللطيف مستغفر:
لا أوجه اتهاما، وإنما الأعداد الحاضرة للمؤتمر رددت شعارات معينة مما خلق استفزازا لدى الآخرين وأدى إلى ردود الفعل… كما أنه طيلة مدة ثلاث سنوات (2007 - 2010) تبين أن المقاربة لم تعد صالحة وأن الجمعية تغلب بشكل قوي التنديد بالانتهاكات التي تقوم بها السلطات المغربية تجاه نشطاء صحراويين وغض الطرف عن الانتهاكات المرتكبة من طرف السلطات الجزائرية والبوليساريو في المخيمات…الخ، كما يمكن إعطاء أمثلة ببعض النشطاء الصحراويين…
هذا الخلاف كان طيلة هذه المدة لكن ما نؤاخذه هو تبني التصدي لانتهاكات حقوق الإنسان بمقاربة تغليب طرف على الطرف الآخر… أما المسألة الثانية فهي أن صيغة الحل الديمقراطي سياسية وليست حقوقية، لأنها صيغة متفق عليها في إطار التوافق بين المكونات السياسية للجمعية، علما أن  هذه المكونات بعضها لديه مقاربة استكمال الوحدة الترابية، وأخرى لها مقاربة تقرير المصير، ولكن حينما لم يعد هناك توافق سياسي أصبح كل إطار يعبر عن موقفه في إطار الرأي والتعبير التي نتحدث عنه  داخل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان…
م. "عدالة جوست": يبدوا أن قضية الصحراء المطروحة منذ السبعينيات فجرت الوضع داخل الجمعية سنة 2010؟
مصطفى الشافعي:
…القضيتان الأكثر إثارة للجدل والخلاف في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان اثنتان، الأولى هي تدبير التمثيلية في الأجهزة، والتدبير الديمقراطي لبعض القضايا بشكل واضح في أكثر من موضوع، وأقول إن هذه الوثيقة جاءت في اجتماع 12 مارس ونص الورقة التحضيرية  التي ساهم فيها الجميع .
أما فيما يخص القضيتين الأكثر جدلا فإنه بالرجوع إلى الصيغتين اللتين قمنا بتجريبها على امتداد  تاريخ الجمعية سواء لجنة الترشيحات أو التصويت السري المباشر فإنها خلفت – الوثيقة الواضحة - آثارا سيئة وسلبية، لهذا فإن المطروح هو البحث عن صيغة أمثل تكون صالحة لهذه اللحظة ومفتوحة على الاجتهاد في مختلف اللحظات، وهذا مسجل في الوثيقة التقديمية… أما بخصوص الذين سحبوا ترشيحهم ولم ينسحبوا من الجمعية ومن المؤتمر فإن لديهم نقاطا مشتركة في تدبير بعض القضايا كالتعاطي مع الانتهاكات في قضية الصحراء والعلمانية، بمعنى أن هناك خلافا يتعلق بـتدبير التمثيلية داخل الأجهزة والتدبير الديمقراطي لبعض القضايا…
أما فيما يهم قضية الصحراء فإن الموضوع الذي يدور حوله الجدل من ناحية صياغة البيان  العام أو غيره فإنه جدل فارغ لأن ما يهمنا هو متابعة الانتهاكات في الصحراء مهما كان مصدرها، ولهذا لم نكن نغوص في مناقشتها بشكل قوي…
وأنا أقول إن تدبير التمثيلية داخل الأجهزة، والتدبير الديمقراطي لبعض القضايا يجب أن نستحضر فيهما الإرادوية وليس الإرادة فقط بأكثر بكثير لتدبير الخلافات والتعاطي مع القضايا.
م. "عدالة جوست": هل تعتقدون أن المؤتمر فشل لكونهم لم تتخذوا موقفا من القضية الوطنية؟
مصطفى الشافعي:
في تقديري، استطاعت الجمعية خلال مسارها تدبير قضية من أعقد القضايا.
والخلل أن المؤتمر لم يتوقف عند هذه النقطة بالضبط، أي نقطة الصحراء، ولكي أكون واضحا، أقول إن قضية الصحراء لم تكن مطروحة في طبق المؤتمر أو الجدل بشأنها بشكل قوي لنستنتج أنها فجرت المؤتمر، وإنما كانت ردود أفعال.
وهذا يعني كما ذكر ومستغفر وأمين أنه حينما لم تعد آفاق لتقاسم المسؤولية في تدبير الجمعية يصبح كل واحد يعبر عن موقفه الأصلي، وهذه من إشكالات تدبير الديمقراطية في بلادنا .
م. "عدالة جوست": هل يمكن القول إن ما عرفه المؤتمر كان نتيجة التخوف من هيمنة تيار معين على الجمعية، وبالتالي ألا تعتقد أن هذا هو فعلا الخلل الموجود داخل الجمعية، وفشل المكونات الانتقال من الانتماءات السياسية إلى الانتماء للجمعية؟
عبد الحميد أمين:
هذا ما أتمناه في المستقبل، وسأعمل على أن يكون للمستقلين دور كبير، وآنذاك لن يتم مراعاة سوى الكفاءات الشخصية والكفاح الذاتي، لكن الآن من الصعب أن نجسد ذلك، لأنه لما نتفق على مواقف معينة كل واحد في منظوره يظن ويعتقد أن تلك المواقف لن يطبقها باجتهاده الخاص إلا إذا كان متواجدا في الأجهزة.
لو كنت مؤمنا بأن المواقف الحالية للجمعية يمكن تطبيقها من أي كان فلا ضرورة لوجودي في الجمعية نهائيا، وكنا  سنتواجد فيها بنسبة قليلة لأن أي شخص سيطبق ما خرجت به الجمعية من مؤتمرها، لكن ليس  هنالك اطمئنان على القدرة لترجمة مواقف الجمعية، ولهذا من الطبيعي أن يحاول أي كان أن يكون في موقع المسؤولية. أنا أشكر فعلا الأخ مصطفى الشافعي لأنه كان واضحا  حينما حصر المشكل بما سماه «آفاق اقتسام المسؤولية»، وهو ما سميته أنا بالمواقع، إذن ما قيل عن المواقف هو كلام لتغليف الصراع، علما أننا أخذنا بعين الاعتبار الصراع حول المواقع داخل المؤتمر الذي قيل فيه للجميع إن التصويت على التقريرين الأدبي والمالي بين أن الأغلبية تتوفر على حوالي الثلثين والأقلية لديها حوالي الثلث، مما يعني أن كل توجه يحصل على عدد المناصب التي يعطيها له المؤتمر، وهذه قمة الديمقراطية.
م. "عدالة جوست": تعتبرون أنفسكم كبديل عن الصراع السياسي في البلاد لماذا لم تتوافقوا وأنتم تمثلون اليسار، هل هذا الأمر مرتبط بعدم القدرة على التضحية بالمواقع، أم عدم القدرة على تجاوز الذات، أم أن النظرة الدونية لكل طرف اتجاه الآخر هو السبب في هذا المأزق؟
عبد اللطيف مستغفر:
قبل الإجابة على هذا السؤال لابد من الإجابة عن سؤال أساسي مفاده: لماذا لم يكن هناك تطور في اتجاه الانتماء للجمعية عوض الهيئات؟
إن هذا الشكل من الانتماء بدأ في أواخر التسعينيات مع التطور الذي عرفته الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في ظل نوع من تقارب الأفكار رغم اختلاف المكونات، علما أنه في بعض الأحيان يمكن أن نجد داخل المكون الواحد تباينات واختلافات، وهذا أمر إيجابي، لكن للأسف الشديد دخلت الجمعية في سمفونية «منطق» الأغلبية والأقلية، وهو ما ضرب المنحى المتبع في الانتماء للجمعية والتنوع والاختلاف والاحتكام فقط للقضايا الحقوقية الصرفة وفق المواثيق الدولية لحقوق الإنسان .
إن «منطق» الأغلبية العددية والأقلية أعطانا مخلوقا يسمى «الثقافة السياسية»، يعني أن نقرر قضية معينة فقط تبعا لموقف المكون السياسي الذي أنتمي إليه وبالتالي لم يحدث ذلك التطور للجمعية لتصبح جمعية حقوقية مستقلة تشتغل بالمهنية والحياد…الخ.
إن الحديث عن عدم الاطمئنان على مسار الجمعية يشكل وصاية خطيرة عليها لأنه يجب أن تكون مؤسسة تتكون من أطرها وخبرائها الذين يشتغلون من تلقاء ذاتهم ويفكرون بشكل جماعي… وأن الوصاية على إطار جمعوي له أكثر من 31 سنة تشكل تراجعا….
ـــــــــــــــــــــــــــ
 المصدر بريد مشترك لأعضاء الجمعية المغربية لحقوق الإنسان