السبت، 16 أكتوبر 2010

جغرافية الجريمة بسيدي يحي الغرب


جغرافية الجريمة بسيدي يحي الغرب
 
المدخل الشرقي لسيدي يحيى
سيدي يحي الغرب: حميد هيمة
تنفرد بعض الأحياء و الدواوير، في سيدي يحي الغرب، بعدة شروط نموذجية لإنتاج " الجريمة "؛ التي اعتبرت، على امتداد سنوات الثمانينيات والتسعينيات من القرن المنصرم، ماركة مسجلة لفائدة المدينة. غير أن ما يهمنا، هنا، هو دور الشرط المجالي  في صناعة الجريمة. هذا، طبعا، دون إبعاد أو نفي وجود شروط أكثر مساهمة في إنتاج "الجريمة" (الفقر، الإقصاء… )، لكن غواية الجغرافيا جذبتنا لصياغة هذه الملاحظات حول مورفولوجية الظاهرة المشار إليها.
 ويجب التنبيه على أننا سنحاول الاقتراب  من جغرافية " الميكرو " جريمة، و ليس من الجرائم الكبرى التي تنسحب على الجرائم السياسية والاقتصادية والثقافية..الخ. بيد أن القاسم المشترك بين كل هذه الجرائم هو، كما يحدد ذلك القانون الجنائي في الفصل الأول من المبادئ العامة، "أفعال الإنسان التي تحدث اضطرابا اجتماعيا ". فما هي الشروط النموذجية، في بعدها الجغرافي، التي تساعد على توليد واحتضان الجريمة بكل أشكالها؟
  
مدخل السوق الأسبوعي بسيدي يحيى
تعد المناطق، التي تتوطن في هوامش المدينة، نقطا سوداء من الناحية الأمنية؛ حيث تنتشر فيها كل أشكال وأصناف الجريمة: بيع المخدرات، بيع الكحول بكل أنواعها، الاعتداء، التعرض لسبيل المارة ،،، الخ. ويلاحظ أن معظم تجار المخدرات والخمور يستوطنون في دواوير "الشنانفة " و" الرحاونة " و دوار "السكة" و" المرجة "، لتوفرها على كل الشروط النموذجية لتفشي الجريمة.
إن هذه أن المناطق التي ينشط فيها تداول وبيع المخدرات والكحول، هي المناطق التي تعرف تدهورا وترديا في الوضع الأمني؛ حيث تنتشر المواجهات بين المدمنين أو بين تجار المخدرات على مجال النفوذ المحدد حسب ميزان قوى تدخل فيه، كشرط أساسي، التوفر على سوابق  قضائية "ثقيلة "، قضاء عقوبة سجنية، الانتماء القبلي وقوة العصبية،،،، الخ. بيد أن هذه الشروط الذاتية تبقى غير كافية لامتهان هذه "الحرفة " غير القانونية، وهو ما يجعل أي "مرشح " في حاجة إلى علاقات "خارجية" تساعده على تأمين تموينه من البضاعة التي يريد ترويجها. كما أن "حتمية الجغرافيا " تفرض ذاتها، على اعتبار أن ممارسة بيع، مثلا، الكحول (الكرابة ) أو المخدرات، تنشط بقوة في المناطق والدواوير الهامشية؛ التي تتوطن في محيط المدينة. ورغم أن هذه الدواوير تنتمي، ترابيا، إلى المجال الحضري؛ فإنه يمكن تصنيفها، من حيث مورفولوجية السكن والأنشطة السائدة فيها، ضمن المناطق القروية ؛ التي تعرف حضورا منتظما لكل أشكال الفقر والبؤس والتهميش، مع تسجيل غياب شروط  الدنيا للكرامة الإنسانية.
إن البعد المجالي، للدواوير المذكورة سابقا، عن المركز الحضري يجعلها منفلتة عن الرقابة / "الضغط " الأمني؛ فالدوريات الأمنية غالبا ما تصل إلى هذه المناطق في "زيارات " متقطعة زمنيا، وهو ما يجعل هذه المناطق متحررة من المتابعة الأمنية قياسا إلى التواجد الأمني الكثيف الذي يشهده مركز المدينة. كما أن وجود غطاء نباتي في هذه المناطق الهامشية، باعتبارها مناطق فلاحية تعرضت للزحف العمراني، يساعد تجار أو مستهلكي الممنوعات من الاختباء عن الأنظار لحظة  استشعارهم زيارة غير مرغوبة للأمن. وغالبا ما يلجأ مروجو المواد الممنوعة  إلى زرع بعض مساعديهم، كمتدربين في "المهنة "  يلعبون دور ردارات بشرية، في مقدمة الدوار لالتقاط الأخبار عن "حَركة المخزن "، ولتوجيه الزبناء الجدد إلى العنوان الصحيح من أجل الظفر ب"تقدية " ذات جودة وبسعر مناسب.
كما أن أشجار"الأوكلبتوس"، التي تعانق هوامش المدينة من كل جهاتها، تشكل فضاء مناسبا لتوطين تجارة الممنوعات؛ حيث تضعف الرؤيا وتكثر فيها المسارب التي تسهل حظوظ الفرار من قبضة الأمن. والحال، أن الموقع الجغرافي لمدينة سيدي يحي الغرب، كحلقة ضعيفة من حيث المراقبة الأمنية مقارنة مع الأقطاب الحضرية الجهوية والوطنية القريبة منها، يجعلها تضطلع بدور إعادة توزيع المواد الممنوعة على نطاق جهوي، أهلها ل"انتزاع " اسم  "كولومبيا منطقة الغرب".
إن ترجيح هذه الفرضيات، في سياق تناول جغرافية الجريمة بمدينة سيدي يحي الغرب، تستقي مشروعيتها من  تراجع، مثلا، رواج المخدرات في دوار "الشانطي " قياسا إلى تسعينيات القرن المنصرم؛ حيث أن " تهيئة " الدوار المذكور مكنت الأجهزة الأمنية من تنظيم عدة دوريات، فرضت على تجار المخدرات الانتقال إلى مجالات أكثر" أمنا " لتجارتهم. فإذا كانت التجارة القانونية تحتاج لمناخ آمن، فإن تجارة الممنوعات تحتاج لمجال غير آمن.

وتعتبر مجالات انتشار بيع الممنوعات، من مخدرات وكحول، المسارح النموذجية لاحتضان باقي الجرائم الأخرى ( اعتراض سبيل المارة، القتل…الخ.). ويمكن الاستنتاج، من خلال الجرائم التي هزت الرأي العام المحلي مؤخرا، بالجريمة التي ذهب ضحيتها شاب قنيطري تعرض للذبح من طرف صديقه؛ بعد أن لعبت الخمر بعقل الجاني. فهذه الجريمة، التي شكلت منطقة " المرجة " مسرحا لها، توضح أهمية الموقع واستهلاك المخدرات والكحول كشرطين أساسين في وقوع الفعل الإجرامي.  
كما يمكن ملاحظة، أن هناك نوعا من التطابق بين مجالات توطين الجريمة مع جغرافية الفقر والهشاشة والتهميش؛ وهو ما يمكن أن يحفز الملاحظ على القول أن الفعل الإجرامي للفقراء هو "رد فعل" ضد عنف اقتصادي واجتماعي وإيديولوجي تتعرض لضغوطه الفئات المهمشة بشكل مسترسل ومنظم. في هذا السياق، يمكن الإشارة إلى  انعدام المرافق الاجتماعية، ذات البعد التأطيري والتربوي، في بؤر انتشار الجريمة؛ عدم توفر ‘ الشنانفة’ و ‘المرجة’ على مدرسة ابتدائية أو إعدادية، غياب دور الشباب، عدم وجود فعل جمعوي أو ثقافي…الخ.
فهل يشكل تعميم التربية الجيدة، من خلال ما يمكن أن تزرعه من قيم واتجاهات إيجابية، وتخفيف وطأة الأوضاع الاجتماعية المتأزمة، عبر توفير الخدمات الاجتماعية الأساسية، وإدماج المدينة في دينامية التنمية المجالية المندمجة – فهل يمكن أن تشكل هذه الإجراءات الاستباقية مدخلا ذكيا لتجفيف مجالات الجريمة ؟

الخميس، 14 أكتوبر 2010

روبورتاج: بحارة سلا ومستغلو منتجاته السمكية.. بين مشاكل البحر والبر وانتظار البدائل المقترحة لوكالة تهيئة ضفتي أبي رقراق..


روبورتاج:
بحارة سلا ومستغلو منتجاته السمكية.. بين مشاكل البحر والبر وانتظار البدائل المقترحة لوكالة تهيئة ضفتي أبي رقراق.. 

سلا:عبد الإله عسول
عبر قرون خلت، ارتبط تاريخ مدينة سلا بعلاقتها مع البحر، حيث اشتهر سكانها بمغامراتهم البحرية إما في إطار عمليات صد عدوان الاستعمار، أو القرصنة أو صيد السمك، في الشاطئ أو بأعماق الأطلسي..
ولازالت العديد من المآثر التي قاومت الظروف الطبيعية المتقلبة وإهمال المسؤولين، لازالت هذه المآثر شاهدة على التاريخ البحري لسلا ، مثال الأبراج المتراصة قرب ضريح سيدي بنعاشر، أو بأبواب المدينة القديمة كباب لمريسة، والتي كانت تشكل ممرا لدخول وخروج السفن.. 
 
باب لمريسة
الآن لم يتبق من هذا التاريخ إلا هذه المعالم التاريخية، ونشاط بضعة مئات من بحارة الصيد التقليدي أو من تتم تسميتهم محليا ب "الفلايكية"، الذين لازالوا يبحثون عن رزق محتمل لأسرهم في أعالي البحر على بعد أميال من الساحل.
صباح مساء من كل يوم، تشهد "المرسى " حركة دؤوبة لدخول وخروج القوارب و"الفلايك"، حاملة معها ما تيسر من صيد والذي يتم عرضه للبيع بعين المكان أو بالسوق المركزي مقابل دراهم معدودات، يتوفر منها مصاريف البنزين وكل ما يخص المحرك، والباقي يوزع ما بين البحارة بما فيهم مالك القارب… 

قوارب راسية بالمرسى
نشاط بحري بطعم الكفاف…
عديدة هي المشاكل التي يتخبط فيها "فلايكية سلا "الذين يواجهون مصيرهم في غياب التنظيم والإشراف الفعلي لمندوبية الصيد البحري..
مشاكل متنوعة، منها في المقام الأول ضيق المرسى، وضعف طاقتها الاستيعابية، بالرغم من عدم استعمالها من لدن قوارب عكراش وعمق الواد، إضافتها لصعوبة ولوجيتها، غياب المراقبة، رداءة البيوت التي أنشأت للبحارة، سوء تنظيم هؤلاء وافتقارهم للدعم الاجتماعي..
أحمد، أحد هؤلاء الصيادين القدامى في الحرفة، قال "آش غادي نكول ليك …المشاكل كثيرة ..والمرسى هي المشكل الأول ..ماصالحاش ..خاصها توساع..وتنقى الدخلة ديالها ديما من الرملة ..وزيادة الأحجار الواقية من الموج العالي اللي كاتضرب في –الموفي تونmauvais temps-، خاص المرسى تكون مزيانة ..وفيها كل مايحتاجوه الفلايكية"
مصدر آخر أضاف قائلا "لابد من ميناء في المستوى، يكون تحت المراقبة الفعلية لمندوبية الصيد البحري حتى لا تعم الفوضى بين البحارة، هؤلاء الذين يلزمهم الانتظام داخل إطار تعاوني موحد حتى يتوحد خطابهم، فهناك مشاكل كبيرة يعاني منها البحارة الذين يعانقون مخاطر البحر كل يوم، منها غياب التأمين والتغطية الصحية، عدم الاستفادة من الدعم الاجتماعي والمادي، مثل تخفيض ثمن البنزين، بالإضافة للمصير المجهول الذي يفتح في وجه أسر الصيادين في حال المرض أو الغرق…"
أصحاب مطاعم السمك المحضر: البحر أمامكم والمقبرة ورائكم ..ولا بيع ولا شراء ..
بدورهم، يواجه أصحاب مطاعم السمك قرب المرسى المحدثة من طرف وكالة أبي رقراق، يعانون من إكراهات عدة تبدأ من ضيق المحلات التجارية التي خصصت لهم، وتذهب إلى عدم ملائمة الموقع لنشاطهم التجاري..
يقول أحد أصحاب هذه المطاعم القدامى – محمد- "لقد كنا في الموقع السابق قرب مقر الأشغال العمومية، بجانب وادي أبي رقراق وفي الطريق المار إلى الفلايك، نتمتع بشهرة ومعروفين لدى كافة الزبناء والمواطنين، مزودين بالماء والكهرباء وكانت عندنا مساحة 60مترا مربعا للمطعم الواحد (خاص بثلاثة أشخاص ..أي 20مترا مربعا للواحد ) ..لكن بعد مجيء مشروع التهيئة …والذي رحبنا به. وتم إدماجنا فيه .. وعدتنا الوكالة بترحيلنا لأرفع المحلات التي لم تعرفها المدينة من قبل، وتم اطلاعنا على نماذج لهذه المحلات بأحد التصاميم من طرف مسؤول الشؤون الاجتماعية بالوكالة المذكورة ..
إلا أننا فوجئنا بواقع آخر وبديل غير منتظر إذ تحولت ال 60مترا مربعا للثلاثة ل20مترا مربعا لهم جميعا، دون ماء ولا كهرباء، ولا غطاء شمسي، ولا طريق للسيارات، ولا لوحات إشهارية.. البحر أمامنا والمقابر ورائنا .. حتى أصبحنا شبه مشردين.. لا بيع ولا شراء.. "
ويقول مصدر مقرب من مالكي المطاعم "بعد ترحيل -القلاية – تم الاتفاق مع وكالة تهيئة ضفتي أبي رقراق على تمكينهم من مبلغ حدد في 2500درهم شهريا لكل واحد من مجموع 66فردا..
وهو ما تم الالتزام به لمدة أكثر من سنة، لكن كل ذلك توقف مذ 3أشهر خلت قبل الانتهاء من بناء المحلات .."
ويضيف ذات المتحدث "… ومن أجل تنظيم البحارة، تم تأسيس جمعية تؤطرهم، وهي "جمعية العدوتين لأصحاب مطاعم السمك المحضر" ..هذه الأخيرة قامت بمراسلة كل المتدخلين لإثارة الانتباه لعدم ملائمة الموقع وضيق المساحة المخصصة للمحل التجاري، علما أن المكان يعرف عدم استقرار الوضع المناخيmauvais temps-  -وذلك للمدة الفاصلة بين شهر شتنبر إلى ابريل من السنة.. كما أن الجمعية طالبت بتوفير تغطية للمساحة الأمامية للمطاعم بالحديد والثوب، وبإيصال الماء الشروب، والكهرباء وفتح طرق مؤدية للمطاعم ووضع لوحات إشهارية .."
من جهة أخرى قال عمدة سلا في اتصال هاتفي أجريناه معه حول موضوع البحارة وأصحاب مطاعم السمك "إن الوكالة المعنية بتهيئة ضفتي أبي رقراق ..وبشراكة مع أطراف حكومية وغير حكومية، وضعت مشروعا لخلق سوق لبيع السمك بالجملة والتقسيط، والذي سيمكن من إدماج البحارة وبائعي السمك بالتقسيط، كما أن أصحاب مطاعم السمك استفادوا من محلات تجارية قرب ميناء الصيد التقليدي وهي محلات  تحتاج إلى تحسين أكثر…" 
منظر للمرسى المحدثة ومطاعم السمك
مشروع إحداث نقطة للتفريغ مجهزة بسلا خاصة بالسمك:
على مساحة إجمالية قدرت ب6700متر مربع، تعتزم وكالة تهيئة أبي رقراق إنشاء نقطة مجهزة للتفريغ، بشراكة مع قطاع الصيد  البحري، والمكتب الوطني للصيد ووكالة الشراكة من أجل التنمية وبرنامج – تحدي الألفية –Millinniumالأمريكي، وذلك لفائدة ‘أسطول صيد بحري مكون من 112 قارب للصيد التقليدي و450بحارا..
ويشمل هذا البرنامج حسب لوحة اشهارية تم تتبيثها قرب "قرية البحارة المتواضعة"، يشمل خلق منحدر لسحب القوارب، مستودعات للبحارة، سوق بيع السمك، مرافق إدارية، مكتب خاص بالتعاونية، قاعة متعددة الاختصاصات، مستودع للوقود…
 أما عن نشاط الصيد بالموقع، فتتحدث نفس اللوحة الإشهارية أن تقنيات الصيد المستعملة تتعلق بالخيط، الصنارة، الكراشة، الشباك الثابثة..
كما تشمل أنواع السمك المصطادة: الميرلة، سمك موسى، الباجو، الدرعي، الشرن، والقشريات لانكوست، الهومار…
وللإشارة فقد حاولنا في مناسبة سابقة أخذ تفاصيل أكثر عن أوراش الوكالة بضفتي أبي راقراق، ومنها ما يتعلق بملف البحارة أو الفلايكية والقلاية، لكن لم نتلق أي رد… 
قريـة الصيادين!



الأربعاء، 13 أكتوبر 2010

من جديد يطل إدريس لشكر من شاشة الرباط


من جديد يطل إدريس لشكر من شاشة الرباط   
 
مصطفى لمودن
 ليست المرة الأولى التي يظهر فيها وزير العلاقات مع البرلمان إدريس لشكر على قناة التلفزة، وكل ظهور له تتبعه مفاجأة من العيار الثقيل، في المرة السابقة تحدث فأصبح على الوزارة، وهذه المرة لا يعرف ما سيقع للرجل، فقد تحدث كثيرا وتكلم باسم الدولة، خاصة لما أتثير موضوع المناورات التي تحاك ضد وحدة المغرب..
عندما ينطلق إدريس لشكر عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في الحديث لا يستطيع أن يوقفه أحد، وكم من مرة يكون الانسياق وراء الإكثار من الكلام وإطلاق عنانه سببا في التعرف على خبايا لا يعلم بها إلا أصحاب القرار ومن في دائرتهم المصغرة؛ فقد علم المغاربة الذين تابعوا الحلقة التي يشرف عليها "قيدوم" المذيعين مصطفى العلوي بأن حزب الاتحاد الاشتراكي ضد إزالة الغرفة الثانية، أي مجلس المستشارين من أي تعديل مرتقب في الدستور، وقد برر ذلك بأن هذه الازدواجية بين الغرفتين مناسبة للمغرب، وعبر هذا مجلس المستشارين تتم تمثيلية البدويين والحضريين وغيرهم. وطبعا لا أحد يمكنه أن يتكهن بمحتويات المذكرة التي قيل أن الحزب قد رفعها إلى الملك، طبعا حتى بقية أعضاء الحزب المعني من غير المكتب السياسي. فهل يمكن نشر هذه المذكرة حتى يطلع عليها الجميع، ويدشن الاتحاد الاشتراكي علاقة الشفافية مع كافة المواطنين؟ 
  كان للبرلمان حصة الأسد فيما راج ضمن برنامج "حوار" ليوم الثلاثاء 12 أكتوبر 2010، وقد نطقت أوصاف من قبيل "البشاعة" و"السيرك" وغير ذلك على المجلس بغرفتيه، ولعل الكثيرين يتذكرون وصف الراحل الحسن الثاني للمجلس النواب لما كان بغرفة واحدة ب"سيرك الأربعاء"، رغم أنه كان مهندس المرحلة والمشرف على كل تفاصيلها، لكن في السياسة لكل حساباته الخاصة، الظاهر منها والخفي.
أثير من جديد مشكل ترحال البرلمانيين الذي تفاقم وتفاحش بشكل غير مسبوق، فالوزير المكلف بالعلاقة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية أقر بوجود الظاهرة بدون مواربة، لكنه حاول التقليل من تأثيرها السيئ على الرأي العام، بقوله إنها عالمية، وهي من حق النائب المنتخب إذا غير حزبه عهن قناعة، وأضاف أن هناك من غير فريقه البرلماني لأكثر من مرة، ومنهم من وصل تنقله إلى سبع مرات، كما هو حال محمد محب الحاضر في الحلة المتلفزة التي نتحدث عنها، وقد أظهره المخرج فيما بعد بشكل واضح على الشاشة وقد انتفخت أوداجه.
وفي نفس السياق يعلم جميع المتتبعين كيف تكون فريق من 55 برلمانيا، ليصبح الأول، رغم أن كل أعضاء هذا الفريق دخل البرلمان عبر انتخابات 2007 تحت مسميات حزبية مختلفة، إلا ثلاثة كانوا قد نجحوا ضمن لائحة واحدة بصفتهم "لا متنتمين"، لكن بقدرة خارقة تكون الفريق المشار إليه ليكون الأول على صعيد مجلس النواب. وقال عن  ذلك  لحسن الداودي في تجمع حزبي يهم "العدالة والتنمية" بجهة سوس نهاية الأسبوع المنصرم، إن من هؤلاء النواب الرحل من تسلم 400 مليون لينضم إلى صفوف فريق "الأصالة والمعاصرة"، ولعل مثل هذه التصرفات ما يسيء إلى الديمقراطية، وقد تناقلت أخبار قبل أسبوعين الحرج الذي وقع فيه عبد الواحد الراضي رئيس مجلس النواب لما التقى في تركيا بنواب أوربيين وطرحوا عليه قضية هذا الفريق البرلماني العجيب والغريب والذي لم يخض أي انتخابات في مجمل أعضائه بصفتهم الجديدة!وظهر عند افتتاح الدورة التشريعية في أكتوبر الحالي أن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قد استقبل بدوره نائبين رحلا !
ومعروف أن السياسة والانتخابات في المغرب أصبحت تحت سلطة الأعيان الذين يخطب ودهم أكثر من حزب، لأنهم قادرين بمالهم ونفوذهم "النجاح" في الانتخابات، وضمان مقاعد للحزب الذي يرشحهم، وهي الطريقة التي فطن غليها حزب الأصالة والمعاصرة في الانتخابات الجماعية في 6 يوينو 2009، بعدما عرف خيبات كبيرة إثر انتخابات جزئية لم ينجح فيها أي "مثقف" ممن رشحهم الحزب، بينما نحج أحد الأعيان وحده من إقليم تيزنيت.
لنبقى مع مصطفى العلوي في آخر حلقة له على شاشة الرباط التلفزية، بحيث يدعو "شخصية" معينة للتحاور والإجابة على أسئلة الصحافيين (أو أي شخص آخر استدعاه المشرف على البرنامج)، وهذه" الشخصية" تدعو بدورها من ترغب في حضوره، ويكون ذلك محط قراءات لها دلالات في عالم السياسة المغربية المشهورة بالتكتم والسرية الشديدة، لبى دعوة لشكر كل الأطياف السياسية البارزة في العمل السياسي، وهذا نرى فيه قراءاتينا، فالرجل ربما يريد أن يؤكد على علاقاته المتشعبة مع كل الأطراف، وبالتالي تبقى الحاجة ماسة إليه في كثير من المنعرجات التي تهم حزبه، وتهم التحالفات الحزبية المختلفة، وتتطلب تفاوضات تقفز في الغالب على كل "الاختلافات" المذهبية والتدبيرية وتراعي العلاقات الخاصة والحميمية بين بعض العناصر، هذه رسالة حرص لشكر على تمريرها بقوة. بينما الإشارة الثانية غير مناسبة حسب كل معني حقيقية بالحياة السياسية وتدافعها الإيجابي من أجل الاجتهاد والاقتراح والمبادرة… إن الصورة التي ظهر من خلالها الحاضرون تعكس المشهد السياسي العام في المغرب، والذي تكون خلاصته أن الكل متشابه ولا فرق بين القنافذ، رغم حرص البعض على تأكيد العكس، ورغم ما يمكن ان يقوله هذا البعض من أن الأمر مجرد تلبية الدعوة لحضور لقاء تلفزي… إن السياسة تؤخذ كذلك برموزها وعلاماتها التي تكون أحيانا أبلغ من كل خطاب آخر. "الإجماع" الغريب الذي حال إدريس لشكر أن يجسده حول شخصة من خلال الحضور الفسيفسائي المتنوع قد يجلب له ما لا يرغب فيه، ولعل الصحفي عن جريدة"الصباح" عبد الله الكوزي التقط نوعا ما الإشارة التي أطلق شرارتها مصطفى العلوي حينما تحدث عن الوضعية "المحرجة" لفتح الله ولعلو للحفاظ على عمودية الرباط، وقد أصبح مرتهنا بين موقفين متعارضين؛ من جهة للعدالة والتنمية التي يساند نوابها العمدة، ومن جهة أخرى للأصالة والمعاصرة والحركة الشعبية، اللذين استقويا عبر استقطابات جديدة ليرفعا سقف مطالبهم تجاه العمدة، بينما هذا الأخير في وضعية لا يحسد عليها وحزبه لا يتوفر سوى على ست مقاعد في الرباط بأكملها، ويمكن في أي لحظة أن يفقد مقعده الوثير، وقد ظهر حزينا مكدرا أثناء اللقاء. وعلاقة صحفي "الصباح" بالموضوع هو رد تحمل نائب الكاتب الأول لحزب القوات الشعبية منصب العمدة ومحاصرته فيه إلى دهاء لشكر، وهو ما لم يرد عليه هذا الأخير. 
لم يتم التطرق في الحلقة المتلفزة المعنية لجوهر الموضوع الخاص بالإشكالية الديمقراطية في المغرب، وهي الإصلاحات الدستورية والسياسية الحقيقية، ووضوح بعض النخب التي تهمها مصالحها الضيقة قبل كل شيء، وتعْــبُر إلى ذلك بواسطة مناورات تتسم بالمكر والالتواء وحتى الخداع، مما أفقدها ثقة غالبة المغاربة. وقد حاول أحمد نشاطي رئيس تحرير أسبوعية "المشهد" استدراك الأمر عن طريق طرح سؤال حول مسألة الثقة بين الفاعلين السياسيين، وتقادم دستور 1996، وبالتالي لا حاجة إلى غرفة ثانية في مجلس النواب خلقت للكبح والحصار أصلا. بينما ركز الوزير لشكر على جوانب تقنية ضيقة تهم القوانين الداخلية، ودعا إلى تكامل الغرفتين، وتعاونهما مع السلطة التنفيذية. أما المستجوِب الثاني الأثير لدى مصطفى العلوي بسبب كثرة إشراكه، وأعني به أستاذ العلوم السياسية منار السليمي، فقد اعتقد أن الجميع في إطار درس جامعي أو امتحانا شفويا يجريه لطلبته، حيث كان يتساءل عن فصول وجمل في قوانين بعينها تهم مجلس النواب، دون الالتفات إلى القضايا السياسية التي كانت وراء كل المعضلات التي يذكر في تاريخ المغرب الحديث وحاضره.
 واستغل مصطفى العلوي إثارة الحديث عن  اختطاف واعتقال مصطفى سلمة ولد سيدي مولود من طرف البوليزاريو ليكيل التهم لقناة "الجزيرة" القطرية، منتقدا "خطها" التحريري، ومتهما إياها بعدم الحياد. متناسيا ما تسير عليه القناة العمومية التي يعمل فيها وضربها بشكل دائم للتعددية وحق الإدلاء بالرأي المخالف للتوجهات الرسمية، بل وكان عليه انتقاد أسلوبه الإعلامي الشخصي الذي اتبعه منذ زمن طويل، حيث كان يتخلى عن دور الإخبار والتنشيط وتسيير النقاش إلى أشياء أخرى هو وحده قادر على تصنيفها ضمن جنس إعلامي يعرفه وحده وبعض رؤسائه في العمل، وإن كان مؤخرا وفي آخر حياته المهنية (مرت أكثر من سنة على تقاعده الفعلي) يحاول التكفير عن ذلك عبر طرح أسئلة مناسبة في بعض الأحيان وإشراكه لصحفيين آخرين في برنامجه "حوار". 
ضمن الحضور لفت الانتباه جمال أغماني الوزير الاتحادي الذي يتحمل مسؤولية حقيبة "التشغيل"، فقد قضى جل الوقت يرد على الرسائل النصية التي تصله عبر هاتفه النقال، ولعله كان مشغولا بما كتبه عنه نيني في نفس اليوم مشككا في سلامة ثروته الخاصة وفيلتيه (2)، حيث بنى إحداها ب 400 مليون، ومتسائلا عن سر حصول زوجته على التفرغ النقابي بمجرد اعتلاء زوجها  كرسي الوزارة، وتفضيله إشراك استقلاليين له في وزارته عوض من اقترحهم عليه عبد الواحد الراضي من حزبه، واستغلاله منصبه…الخ (وجدت الجريدة بمقهى) وطبعا لاحظ كل المستمعين المراوغات غير الصائبة التي كان يقوم بها إدريس لشكر كي لا يجيب صراحة عن التساؤلات التي تطرح عليه، بل ويطوّل بشكل متعمد (كما يبدو) كي يستأثر بكامل الوقت، وأشير في الأخير أن المستجوبين يجب أن يطرحوا أسئلة نيابة عن المشاهدين والمواطنين، ويتسلحوا بمعطيات وأدلة وحقائق يضعونها أمام المستجوَب ويواجهونه بها، وليس الإدلاء بمواقفهم الخاصة وإلقاء خطب مطولة كما يحدث باستمرار في مثل هذه البرامج الحوارية المفيدة، التي يجب أن تكون فيها أسئلة محددة وأجوبة مركزة، لكن طريقة حديث جل الضيوف وضيق أفق بعض الصحفيين يجعلها مملة، تمر ثقيلة وبأقل فائدة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ 

الاثنين، 11 أكتوبر 2010

وزان مشاهد من دخول مدرسي رتيب بدار الضمانة


وزان      مشاهد من دخول مدرسي رتيب بدار الضمانة 

 وزان: محمد حمضي

 يتقاسم إقليم وزان الحديث النشأة مع باقي ربوع المملكة كل الأمراض المصاحبة للدخول المدرسي الجاري، في زمن بصمته الوزارة الوصية  ببرنامج استعجالي لانقاد المدرسة العمومية من الكارثة التي أوقعها فيها الانضباط الأعمى لسياسة التقويم الهيكلي، وما تلاه من تدبير لا ديمقراطي للقطاع وتهميش لموارده البشرية، والارتقاء بالمدرسة المغربية إلى حقل للتجارب الفاشلة، ومختبر لتغذية الشارع بشباب حامل لشهادات عليا عديمة القيمة في سوق الشغل، ولم تستفق الدولة من دوختها الكبرى إلا بعد أن وجدت نفسها مشدوهة وربما مشلولة أمام جثة ممدة على سرير الموت وتحتاج لجرعات من النفس لضخ حقن تحمل اسم "مدرسة النجاح"في شرايين محتقنة….

  لن نكرر المعزوفة السنوية التي حفظها الجميع عن ظهر قلب، ويتقن الرقص عليها الفرقاء الاجتماعيون، وسال حولها  بحر من المداد على صفحات الجرائد الوطنية، وسنكتفي برصد بعض المشاهد المصاحبة لأول دخول مدرسي على مستوى إقليم وزان الحديث النشأة.

* المشهد الأول:

  في الأسبوع الأخير من شهر أبريل الماضي تم تنصيب أول نائب على رأس نيابة وزان، وكان أول امتحان اجتازه بنجاح بدعم وحضور وازن لبعض الفعاليات التعليمية بالمدينة هو مد جسور التواصل بين المجتمع الوزاني بكل مكوناته والسيدة كاتبة الدولة للقطاع المدرسي التي قامت بزيارة ميدانية لأكثر من مؤسسة تعليمية في العالمين الحضري والقروي، وتواصلت مع المجتمع المدني، ودعته إلى الانخراط الفعلي في هذا الورش الكبير، ودعاها(المجتمع المندني) بدوره إلى الانكباب على معالجة القضايا الهيكلية للقطاع بهذا الإقليم الصعب التضاريس والذي سبق لملك البلاد أن أشر على الانطلاقة الشاملة لجبر ضرره.

بعد ذلك سيجد النائب الإقليمي نفسه والى اليوم وجها لوجه مع اكراهات كان بالإمكان مواجهتها لو انتبهت أكاديمية طنجة/تطوان للموضوع في إبانه، أي عندما صدر في الجريدة الرسمية في ماي 2009 إلحاق إقليم وزان بجهة الشمال. فما معنى أن يظل المسؤول الأول على رأس القطاع الذي رتبه ملك البلاد في الدرجة الثانية بعد الوحدة الترابية بدون سكن(يقيم بالفندق!) بعيدا عن أفراد أسرته، وبدون مقر للنيابة التعليمية(استقر بجناح لمدرسة ابتدائية)، وبدون وسائل للنقل تسمح بالتحرك في إقليم جبلي التضاريس، وبدون رؤساء للمصالح ولو مكلفين مؤقتا لرسم انطلاقة سليمة للدخول المدرسي الأول الذي سيشكل مرآة القادم من المهام. مع الأسف الشديد تقول مصادرنا بأن مناخ عمل النائب الإقليمي يتسم بالتلوث، ويضيق مجال الفعل، ويشل التنفس والإرادة…

 *المشهد الثاني:
النيابة التعليمية تحتاج إلى موارد بشرية تدير عجلة مكاتبها، ولأن الوزارة لا تتوفر على الأطر الإدارية الكافية  لتعيينها بالنيابات الثلاثة عشر المحدثة أخيرا، فقد اهتدى نائب وزان  إلى إصدار مذكرة تفتح مجال التباري في وجه كل العاملين بالإقليم، والذين يلمسون في أنفسهم قابلية الاشتغال بمكاتب النيابة. مبادرة استحسنها الجميع لأنها تقطع مع كل زبونية، لكن انفراد النائب بتحديد شروط المشاركة وغموضها الملغم خلف تدمرا في صفوف الشغيلة التعليمية، بحيث كان بالإمكان تقديم أكثر من مقترح ايجابي لو توسعت الاستشارة.

المثير للدهشة هو الاستياء الواسع الذي خلفته عملية الانتقاء التي تجمع الشغيلة التعليمية بالإقليم، بأنها كانت مخدومة في غالبيتها، وجاءت اللائحة النهائية مطابقة للأسماء التي تداولتها المقاهي في  الجلسات الرمضانية الطويلة، بعد أن تم حجز ـ تقريباـ  كل المناصب لتوزع على المقاس. والمضحك/المبكي هو عدم الالتزام بالشروط المحددة على علتها( شرط التحكم في استعمال الحاسوب مثلا)، بحيث تم قبول أشخاص لم يسبق لأصابعهم أن لمست مكونا من مكونات الحاسوب فبالأحرى تشغيله. اللهم إذا كانت عملية إلحاق بعضهم بالنيابة جاء جزاء لهم على خدمات أسدوها في الماضي لجهات بالحركة الطلابية. في زمانها الذهبي.   

 *المشهد الثالث:
المقرر الوزاري الخاص بالدخول المدرسي دقق في تفاصيل هذا الدخول؛ وحدد له شعارا براقا وهو:"جميعا من أجل مدرسة النجاح". فهل تم تفعيل هذا المقرر؟ لنستمع للواقع يتحدث بعيدا عن التقارير المستنسخة. لم تنطلق عملية تسجيل التلاميذ إلا بعد عيد الفطر والسبب عدم توصل  مقتصدي المؤسسات التعليمية بسجلات الإيصالات…

أغلب المؤسسات الثانوية لم تفتح أبواب أقسامها الداخلية إلا في الأسبوع الأخير من شهر شتنبر…
دور الطالب والطالبة لازالت أبوابها موصدة في وجه التلاميذ …

لائحة التلاميذ الجدد الممنوحين لم تصل إلى المؤسسات إلى حد كتابة هذه المقالة(29شتنبر)…

العديد من تلاميذ المدينة لا زالوا بدون مدرسين رغم وفرة الفائض، مؤسسات كثيرة لم تنجز بها جداول حصص الأساتذة والتلاميذ،  في الوقت المنصوص عليه في المقرر الوزاري (مولاي عبد الله الشريف نموذجا).

نتيجة لكل ما سبق ذكره تعطلت الدراسة في العشرات من المؤسسات التعليمية، وهذا مؤشر على الارتدادات التي تنتظر الموسم الدراسي الحالي.

*المشهد الرابع:

 في إطار محاربتها  للهذر المدرسي، وفتحا لباب الأمل في وجه الأسر التي توجد في وضعية اجتماعية هشة حتى يغرف أبنائها القليل من الحروف والأعداد ويتهجون بعض الجمل، تحدث المقرر الوزاري عن تنظيم قافلة رمزية، ولكنها قوية في أبعادها، باعتبار أن الغاية منها هو حث المجتمع على احتضان المدرسة العمومية. بالنسبة لنيابة وزان وبعد أن حاصرت نبل الفكرة واكتفت باعتماد الروتيني من العمل، فلم تنظم  لقاءا تواصليا واحدا مع هيآت المجتمع المدني وغيرها  لوضعها في الصورة، ودعوتها لتشغيل عقلها المدني لإبداع جملة من المبادرات التي تصب في فكرة القافلة التي أبدعتها الوزارة الوصية.

   دخول مدرسي روتيني بهذا الشكل يعتبر مؤشرا سلبيا، وفرملة لكل المبادرات الجادة التي تلمس في نفسها تقديم بعض الإضافات النوعية للمدرسة العمومية، وقتلا للمقاربة التشاركية في مهدها.


*المشهد الخامس:

حسب معرفتنا المتواضعة فإن رسوم التسجيل واحدة على الصعيد الوطني وعلى الأقل إقليميا. فهل تعلم النيابة بأن هذه الرسوم قد تباينت بين مؤسسة ثانوية وأخرى، والسبب هو أن بعض المقتصدين، فتحوا متاجر للبيع والشراء داخل مؤسساتهم ضدا على القانون؟ الأخبار الموثوقة الواردة علينا من هنا وهناك تقول بأن مقتصدين بعينهم قد تطوعوا لوجه الله! وتكلفوا بإحضار مجموعة من الوثائق المطلوبة من التلاميذ وضمنوها ضمن شروط التسجيل؟ فهل العملية مسموح بها قانونيا؟ وكم خلفت الصفقة في جيوب من أقدم على هذه المغامرة؟
  المهم من كل ما سلف هو  استباحة البعض للمؤسسات التعليمية ليعبث فيها كما يحلو له، ما دام أنه واثق بأنه بعيد عن المتابعة، لكون عيون النيابة لا تلتقط مثل هذه التفاصيل.

  ونحن نتحدث عن التدبير المالي للمؤسسات التعليمية، فإننا نضم صوتنا لصوت النائب الذي كاد  يذرف الدموع نهاية الموسم الدراسي الماضي، وهو يقف على الحالة التي يعيش فيها تلاميذ الأقسام الداخلية في أكثر من مؤسسة تعليمية؛ تغذية رديئة، أسرة وأغطية رثة، مراقد عبارة عن اصطبلات،… في الوقت الذي فتح فيه بعض المقتصدين الذين لا ضمير لهم  خطا جويا يربط بينهم وبين الفساد. ودخلوا مع هذا الأخير في علاقة تماس. 

*المشهدالسادس:
في السنة الماضية تشكل "مجلس للأمن المدرسي"، وذلك بعد أن لاحظ  الخاص والعام الانتشار الواسع للمتاجرة في كل أنواع المخدرات بمحيط المؤسسات التعليمية، واستفحال الاعتداءات المادية والرمزية على التلميذات، ومرابطة العشرات من المنحرفين والمنحرفات بمحيط الفضاءات التربوية، للتغرير بالقاصرات وتحويلهن إلى لقمة سائغة بين أنياب تجار اللحم البشري، لكن سرعان ما ستتوارى حملة المراقبة التي انطلقت محتشمة، علما أن الظاهرة  تقتضي من "مجلس الأمن المدرسي" بالمدينة دراسة معمقة بعيدا عن اعتماد المقاربة الأمنية لوحدها لمحاصرة الظاهرة. مناسبة هذا الكلام هو عودة التلوث إلى أبواب المؤسسات التعليمية، وعودة الحديث عن الظاهرة من دون أن تكلف أي جهة إدارية أو تربوية أو مدنية نفسها عناء دق ناقوس الخطر، علما أن وزارتي التربية والوطنية والداخلية قد دشنتا الدخول المدرسي بالتعرض للموضوع من جديد. فهل تشرف النيابة مع شركائها على تنظيم مائدة مستديرة للإحاطة بالموضوع من كل الزوايا وينتقل كل شريك لتفعيل الخلاصات من موقعه الخاص؟
  
 * المشهد السابع:
التعليم الخصوصي شكل في السنوات الأخيرة رهان السلطة الوصية على قطاع العليم للخروج من الأزمة التي تعيشها المدرسة العمومية على مستوى التدبير والتسيير والتشغيل، معتبرة إياه شريكا وطرفا رئيسيا في النهوض بنظام التربية، واتساع نطاق انتشاره والرفع المستمر من جودته. غير أن ربح هذا الرهان يبدو بعيد التحقق حاليا على مستوى وزان.
  المعطيات المتوفرة لدينا وبشهادة أكثر من مختص تشير إلى أن أكثر من مؤسسة تعليمية خاصة تنعدم فيها مواصفات الفضاء التربوي، لأن الرخص التي وزعت في الماضي القريب تحكم فيها كل ما يخطر على البال ماعدا القانون والتشريعات المنظمة للقطاع. وتضيف مصادرنا بأن المراقبة التربوية في بعضها تخضع لاعتبارات فوق تربوية! وتتحدث بعض التفاصيل عن الاستغلال البشع للعاملين هناك (أجور زهيدة، عدم التصريح بالغالبية لدى الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، عدم تمكينهم من بطاقات الشغل…) النفخ المبالغ فيه لفروض المراقبة المستمرة لغرض في نفس يعقوب…
   بقي أن نشير بأن أكثر من مدير مؤسسة تعليمية خاصة عبر لنا عن تذمره بسبب الإقصاء الذي لحقهم بمناسبة الدخول المدرسي من الاجتماع مع النائب الإقليمي، وهم الذين تعودوا أن يتم التعامل معهم على قدم المساواة مع مديري المدارس العمومية، ويأسفون لكون حتى لقاء التعارف معهم لم يتم إلى حد الآن!

  *على سبيل الختم:
    وقوفنا على بعض السلبيات المصاحبة للدخول المدرسي على مستوى نيابة وزان، تبقى الغاية منه المساهمة في تطويقها للتغلب عليها، ودقا للناقوس حتى تلتقطه آذان النائب، التي يحاول البعض أن يبني حولها جدارا سميكا لكي لا تلتقط بعض الممارسات الشاذة بالقطاع، والتي سبق أن أنبتها ورعاها سلفه الذي أفسد القطاع، وطبع تدبيره وتسييره بالعبث، وكذلك، هي مناسبة للإقرار بأنه رغم كل هذه الصعوبات، فإن الدخول الحالي كان أحسن بكثير من المواسم الدراسية القريبة.