جغرافية الجريمة بسيدي يحي الغرب
المدخل الشرقي لسيدي يحيى
سيدي يحي الغرب: حميد هيمة
تنفرد بعض الأحياء و الدواوير، في سيدي يحي الغرب، بعدة شروط نموذجية لإنتاج " الجريمة "؛ التي اعتبرت، على امتداد سنوات الثمانينيات والتسعينيات من القرن المنصرم، ماركة مسجلة لفائدة المدينة. غير أن ما يهمنا، هنا، هو دور الشرط المجالي في صناعة الجريمة. هذا، طبعا، دون إبعاد أو نفي وجود شروط أكثر مساهمة في إنتاج "الجريمة" (الفقر، الإقصاء… )، لكن غواية الجغرافيا جذبتنا لصياغة هذه الملاحظات حول مورفولوجية الظاهرة المشار إليها.
ويجب التنبيه على أننا سنحاول الاقتراب من جغرافية " الميكرو " جريمة، و ليس من الجرائم الكبرى التي تنسحب على الجرائم السياسية والاقتصادية والثقافية..الخ. بيد أن القاسم المشترك بين كل هذه الجرائم هو، كما يحدد ذلك القانون الجنائي في الفصل الأول من المبادئ العامة، "أفعال الإنسان التي تحدث اضطرابا اجتماعيا ". فما هي الشروط النموذجية، في بعدها الجغرافي، التي تساعد على توليد واحتضان الجريمة بكل أشكالها؟
مدخل السوق الأسبوعي بسيدي يحيى
تعد المناطق، التي تتوطن في هوامش المدينة، نقطا سوداء من الناحية الأمنية؛ حيث تنتشر فيها كل أشكال وأصناف الجريمة: بيع المخدرات، بيع الكحول بكل أنواعها، الاعتداء، التعرض لسبيل المارة ،،، الخ. ويلاحظ أن معظم تجار المخدرات والخمور يستوطنون في دواوير "الشنانفة " و" الرحاونة " و دوار "السكة" و" المرجة "، لتوفرها على كل الشروط النموذجية لتفشي الجريمة.
إن هذه أن المناطق التي ينشط فيها تداول وبيع المخدرات والكحول، هي المناطق التي تعرف تدهورا وترديا في الوضع الأمني؛ حيث تنتشر المواجهات بين المدمنين أو بين تجار المخدرات على مجال النفوذ المحدد حسب ميزان قوى تدخل فيه، كشرط أساسي، التوفر على سوابق قضائية "ثقيلة "، قضاء عقوبة سجنية، الانتماء القبلي وقوة العصبية،،،، الخ. بيد أن هذه الشروط الذاتية تبقى غير كافية لامتهان هذه "الحرفة " غير القانونية، وهو ما يجعل أي "مرشح " في حاجة إلى علاقات "خارجية" تساعده على تأمين تموينه من البضاعة التي يريد ترويجها. كما أن "حتمية الجغرافيا " تفرض ذاتها، على اعتبار أن ممارسة بيع، مثلا، الكحول (الكرابة ) أو المخدرات، تنشط بقوة في المناطق والدواوير الهامشية؛ التي تتوطن في محيط المدينة. ورغم أن هذه الدواوير تنتمي، ترابيا، إلى المجال الحضري؛ فإنه يمكن تصنيفها، من حيث مورفولوجية السكن والأنشطة السائدة فيها، ضمن المناطق القروية ؛ التي تعرف حضورا منتظما لكل أشكال الفقر والبؤس والتهميش، مع تسجيل غياب شروط الدنيا للكرامة الإنسانية.
إن البعد المجالي، للدواوير المذكورة سابقا، عن المركز الحضري يجعلها منفلتة عن الرقابة / "الضغط " الأمني؛ فالدوريات الأمنية غالبا ما تصل إلى هذه المناطق في "زيارات " متقطعة زمنيا، وهو ما يجعل هذه المناطق متحررة من المتابعة الأمنية قياسا إلى التواجد الأمني الكثيف الذي يشهده مركز المدينة. كما أن وجود غطاء نباتي في هذه المناطق الهامشية، باعتبارها مناطق فلاحية تعرضت للزحف العمراني، يساعد تجار أو مستهلكي الممنوعات من الاختباء عن الأنظار لحظة استشعارهم زيارة غير مرغوبة للأمن. وغالبا ما يلجأ مروجو المواد الممنوعة إلى زرع بعض مساعديهم، كمتدربين في "المهنة " يلعبون دور ردارات بشرية، في مقدمة الدوار لالتقاط الأخبار عن "حَركة المخزن "، ولتوجيه الزبناء الجدد إلى العنوان الصحيح من أجل الظفر ب"تقدية " ذات جودة وبسعر مناسب.
كما أن أشجار"الأوكلبتوس"، التي تعانق هوامش المدينة من كل جهاتها، تشكل فضاء مناسبا لتوطين تجارة الممنوعات؛ حيث تضعف الرؤيا وتكثر فيها المسارب التي تسهل حظوظ الفرار من قبضة الأمن. والحال، أن الموقع الجغرافي لمدينة سيدي يحي الغرب، كحلقة ضعيفة من حيث المراقبة الأمنية مقارنة مع الأقطاب الحضرية الجهوية والوطنية القريبة منها، يجعلها تضطلع بدور إعادة توزيع المواد الممنوعة على نطاق جهوي، أهلها ل"انتزاع " اسم "كولومبيا منطقة الغرب".
إن ترجيح هذه الفرضيات، في سياق تناول جغرافية الجريمة بمدينة سيدي يحي الغرب، تستقي مشروعيتها من تراجع، مثلا، رواج المخدرات في دوار "الشانطي " قياسا إلى تسعينيات القرن المنصرم؛ حيث أن " تهيئة " الدوار المذكور مكنت الأجهزة الأمنية من تنظيم عدة دوريات، فرضت على تجار المخدرات الانتقال إلى مجالات أكثر" أمنا " لتجارتهم. فإذا كانت التجارة القانونية تحتاج لمناخ آمن، فإن تجارة الممنوعات تحتاج لمجال غير آمن.
وتعتبر مجالات انتشار بيع الممنوعات، من مخدرات وكحول، المسارح النموذجية لاحتضان باقي الجرائم الأخرى ( اعتراض سبيل المارة، القتل…الخ.). ويمكن الاستنتاج، من خلال الجرائم التي هزت الرأي العام المحلي مؤخرا، بالجريمة التي ذهب ضحيتها شاب قنيطري تعرض للذبح من طرف صديقه؛ بعد أن لعبت الخمر بعقل الجاني. فهذه الجريمة، التي شكلت منطقة " المرجة " مسرحا لها، توضح أهمية الموقع واستهلاك المخدرات والكحول كشرطين أساسين في وقوع الفعل الإجرامي.
كما يمكن ملاحظة، أن هناك نوعا من التطابق بين مجالات توطين الجريمة مع جغرافية الفقر والهشاشة والتهميش؛ وهو ما يمكن أن يحفز الملاحظ على القول أن الفعل الإجرامي للفقراء هو "رد فعل" ضد عنف اقتصادي واجتماعي وإيديولوجي تتعرض لضغوطه الفئات المهمشة بشكل مسترسل ومنظم. في هذا السياق، يمكن الإشارة إلى انعدام المرافق الاجتماعية، ذات البعد التأطيري والتربوي، في بؤر انتشار الجريمة؛ عدم توفر ‘ الشنانفة’ و ‘المرجة’ على مدرسة ابتدائية أو إعدادية، غياب دور الشباب، عدم وجود فعل جمعوي أو ثقافي…الخ.
فهل يشكل تعميم التربية الجيدة، من خلال ما يمكن أن تزرعه من قيم واتجاهات إيجابية، وتخفيف وطأة الأوضاع الاجتماعية المتأزمة، عبر توفير الخدمات الاجتماعية الأساسية، وإدماج المدينة في دينامية التنمية المجالية المندمجة – فهل يمكن أن تشكل هذه الإجراءات الاستباقية مدخلا ذكيا لتجفيف مجالات الجريمة ؟