أي دور للمدرس في تحقيق جودة التعلمات؟
في غياب التجهيز والوسائل التعليمية لا يعطي أي اجتهاد بيداغوجي النتائج المنتظرة
مصطفى لمودن
أصبح من المسلم به أن التلميذ(ة) هو محور العملية التعليمية التعلمية، من أجله يتكاثف مجهود جميع الفاعلين في الحقل التربوي والتعليمي، ولعل المدرس (ة) من ضمن هؤلاء الفاعلين، بل هو المسؤول الأساسي بحكم وظيفته ومباشرته لعمله مع التلاميذ، فما المطلوب من المدرس(ة)؟ وما هي الشروط المهنية التي يجب أن يتوفر عليها؟ كيف يمكن للمدرس(ة) أن يساهم بالفعالية المطلوبة من أجل تحقيق جودة التعلمات والكفايات المرجوة؟ وهل يقتضي ذلك معرفة عميقة وجيدة بالتلاميذ؟ وكيف يتحقق له ذلك؟ بل وكيف يمكن أن يساهم في تنظيم فضاء الفصل الدراسي والأنشطة الصفية وظروف التعلم ودمج الموارد واستغلالها في حياة التلميذ(ة) المعرفية والمهارية والسلوكية؟ وكيف يمكن للمدرس أن يتحقق من حصول كل ذلك عبر نموذج تقويمي عادل وفعال ومفهوم؟ فما هي إذا الشروط المطلوبة فيالمدرس؟
إن المدرس هو من اختار هذه المهنة عن قناعة، ويقدر الرسالة المنوطة به، الملم بأسس وضوابط المنظومة التربوية التي يشتغل ضمنها، يقوم بالإعداد الجيد لكل ما سيشرف عليه مع التلاميذ بشكل منظم وعلى تدرج، مراعيا في ذلك المستوى العمري للتلاميذ والمستويات الدراسية، وهو منشط للفصل الدراسي ومنظم ومحفز وليس بملقن، المشتغل بالبحث وترقية مستواه المعرفي والمحسن لأساليب عمله… ولعل نجاحه في عمله التربوي والتعليمي، يتطلب منه معرفة جيدة بالتلاميذ، فكيف سيتمكن من ذلك؟
عند بداية السنة الدراسية يقوم المدرس (ة) بتقويم تشخيصي لكافة التلاميذ، لتحديد مستوى التعلمات والمكتسبات التي يتوفرون عليها والقادرين على إدماجها… وذلك عبر تشخيص دقيق لوضعية كل تلميذ (ة)، لأنه عبر تلك المكتسبات المعرفية والمهارية ستبنى مكتسبات وموارد جديدة، ويعرف المدرس (ة) الإمكانيات الفردية المتوفرة لكل تلميذ(ة)، وأثناء كل مرحلة دراسية محددة يـُـجري تقويما تكوينيا لمعالجة التعثرات في حينه، وفي نهاية المرحلة الدراسية ينجز تقويما إدماجيا… ومن أجل المعرفة الجيدة بالتلاميذ لا يكتفي المدرس (ة) بذلك فقط، بل يعرف الحالة النفسية لكل تلميذ(ة) ووضعيته الاجتماعية والوسط الذي يعيش فيه، لما لذلك من تأثير على التعلمات وعلى العلاقات مع الآخرين، كل ذلك يساعد على تحقيق جودة في التعلمات المرجوة..
فما المقصود بجودة التعلمات؟
التعلمات تكون خاصة بكل مستوى دراسي معين، لتحقيق كفايات معينة، يقصد بها القدرات المكتسبة، والتي تسمح بالسلوك والعمل في سياق معين، وهي تتكون من معارف ومهارات وقدرات واتجاهات مندمجة بشكل مركب، تجعل المتعلم(ة) الذي اكتسبها قادرا على إثارتها أو وتجنيدها أو توظيفها قصد مواجهة مشكلة ما وحلـّـها في وضعية محددة..
فكيف يمكن للمدرس (ة) جعل الفصل الدراسي فضاء للتواصل والتفاعل لتحقيق جودة التعلمات؟
للإجابة عن ذلك لابد من الانطلاقة من مسلمة أساسية، وهي أن التلميذ(ة) هو المحور والأساس، وأن المدرس (ة) مجرد منشط ومحفز ومنظم، وبالتالي فجماعة الفصل، وفي إطار تفاعل التلاميذ فيما بينهم، وعرض مكتسباتهم وتنظيمها في إطار تشاركي وتفاعلي، هو ما يجعل التعلمات تحصل بشكل مقبول ومرغوب فيه من طرف التلاميذ، وعليه فالأهم من كل ذلك هو العمل ضمن مجموعات مصغرة، أو جعل كل التلاميذ مجموعة في بعض الأحيان، وهو ما يلزم تنظيم الحجرة الدراسية بشكل غير تقليدي، بحيث يكون جميع التلاميذ يرون السبورة (كأداة تعلم تقليدية ما تزال قائمة) والمدرس (ة) وأعضاء مجموعتهم… فتوضع المقاعد على شكل نصف دائري، أو كل مجموعة على حدة في مقاعدها الخاصة. وفي نفس الإطار يتم الاستعمال المناسب للمراجع من كتب وكراسات وغيرها.. وكذلك الأدوات الديداكتيكية المطلوبة (وسائل الإيضاح) بالشكل الفعال ولما وجدت له، وقد أصبح مطلوبا إجراء حصص دراسية خارج الفصل لما لذلك من فائدة، سواء في الوسط الطبيعي (البيئة) أو الوسط الاقتصادي (السوق، المقاولة..) أو الاجتماعي والمؤسساتي(زيارة مرافق عمومية كمقر الجماعة…) والاستفادة مما يحققه ذلك من موارد يدمجها التلميذ(ة) في حياته الدراسية والمعشية.. فكيف يستطيعالمدرس من حصول قدرة لدى التلميذ (ة) على دمج الموارد؟
في إطار التقويمات المطلوب إجراؤها عبــْــر عدة مراحل، سواء قبل التعلمات أو أثناءها أو بعدها (تقويم تشخيصي، تقويم تكويني، تقويم إدماجي) (*)، وكي يكون أي تقويم فعالا، يجب أن يكون مفهوما من قبل التلميذ(ة)، يتطرق للموارد التي تم تحصيلها أو مناقشتها أو اكتسابها، وذلك ضمن بيداغوجيا الإدماج، حيث يستطيع التلميذ استعمال ما تعلمه ضمن سياق معين.. ولكي يحقق التقويم العدالة المرجوة بين التلاميذ، يعتمد أسسا مضبوطة بالارتكاز على ثلاث معايير أساسية، وهي ملاءمة المنتوج الذي جاء به التلميذ (ة) للمطلوب، وأصالة المنتوج وانسجامه، وطريقة تقديم المنتوج.. وحتى تتاح الفرصة أكثر ولجميع التلاميذ، ترفق التقويمات بثلاث تعليمات، ولكل جواب صحيح عن ذلك تخصص نقطة، ومن استطاع (أو استطاعت) أن يجيب بشكل صحيح ومن خلال المعايير المطلوبة على أكثر من الثلثين يكون قد استطاع دمج التعلمات وفق المطلوب…
يظهر إذا كيف أصبحت العملية التعليمية التعلمية ممارسة مركبة، تتدخل فيها عدة مؤثرات بشرية وتقنية ومعرفية، لكي تحقق الهدف منها، وهو ما يتطلب بذل مجهود كبير وتعاون عدة متدخلين في الحقل التربوي، مادام الغرض هو خدمة الوطن والصالح العام والناشئة التي ستكون عماد المستقبل…
لكن هل كل الإطراف الأخرى المعنية بالتربية والتعليم مستعدة لتقوم بدورها؟
———————–
(*)التقويم الإشهادي يكون في آخر مرحلة دراسية، مثلا في نهاية الدراسة الابتدائية
ـــــــــــــــــــــــــ