في حوار مع عمار حمداش الباحث السوسيولوجي
جهة الغرب مجرد مضخة لخلق الأثرياء على حساب السكان
حاوره حميد هيمة
يعتبر الباحث السوسيولوجي عمار حمداش، أستاذ جامعي بكلية الآداب بابن طفيل، أن جهة الغرب جهة نافعة بامتياز، لأنها ظلت مجالا لتكوين الثروات ولخلق طبقات من المستفيدين والأثرياء، عبر آليات سياسية وقانونية وإدارية وأشكال من الفعل الثقافي والتأطير الاجتماعي، التي تجعل من الشرائح الاجتماعية الدنيا تعيش أوضاعا غير مريحة وترتاح لما هو غير مريح.
ـ سؤال: الفيضانات تتكرر سنويا في جهة الغرب الشراردة بني أحسن بالنظر لخصوصياتها الطبوغرافية وللتقلبات المناخية، الأمر الذي يطرح عدة أسئلة في شأن تهيئة وإعداد المجال بالجهة المذكورة؟
- ذ. عمار حمداش: شكرا. ما ينبغي التأكيد عليه، بداية، هو هذه العلاقة التي يتم إغفالها في غالب الأحيان؛ ما بين الفيضانات في جهة الغرب، ومابين إعداد المجال وتدبير شأن التواجد البشري بهذا المجالالموسوم بتكرار مثل هذه المعضلة. وهذا مدخل مهم جدا لتناول الموضوع. لماذا؟ لأن أغلب المهتمين بالفيضانات على صعيد الجهة عادة ما يثيرون الأضرار الاقتصادية، التي تشكل طبعا عبئا على الاقتصاد الوطني كما على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لسكان الجهة، علما أن هذه الأضرار متفاوتة من حيث المعنيين بها؛ فهناك الفلاحون الكبار غير المقيمين بالجهة في الكثير من الحالات؛ و يشكل هؤلاء قوة ضغط أو لوبي قوي من أجل الدفاع عن مصالحهم، ويثيرون في غالب الأحيان الموضوع من زاويته الاقتصادية، مثلالتدخلات التقنية ذات الطابع الهيدرولوجي التي لا تشمل كثيرا من الفلاحين الصغار والفلاحين بدون أرض… أما عندما ننتقل إلى مستوى إعداد المجال وتهيئته بما يضمن للساكنة استقرارا آمنا، وفي نفس الآن يؤمن لهم موارد العيش اللازمة والكرامة البشرية، فيمكن القول آنذاك أننا سنفكر في وضع الفيضانات ليس في بعدها الاقتصادي الضيق، وإنما في بعدها الاجتماعي بمكوناته المختلفة.
ـ سؤال: في هذا السياق المرتبط بالانجازات الهيدرولوجية في الجهة، أنجزت الدولة " سد الوحدة "، لكنها لم تنجز السدود الصغرى المبرمجة في إطار هذا المشروع، كما علق إنجاز قناة " واد اصطناعي " لتصريف جزء من حمولة نهر سبو إلى نهر أم الربيع… الخ. في نظركم ما عوامل عدم إنجاز هذه المشاريع في جهة الغرب؟
- ذ. عمار حمداش: يستحسن النظر إلى هذا الأمر بالعودة إلى اللحظة الاستعمارية، لأن تدبير وضع المياه في الجهة مرتبط بالتدخلات التقنية والاقتصادية للاستعمار، ابتداء من عمليات تجفيف "المرجات" ومواقع تجمع المياه، وعمليات تصريف التدفقات المائية الوافدة على سهل الغرب… فتحققت بذلك العديد من المشاريع والانجازات الهيدرولوجية من بينها مد قنوات تجفيف المرجات الكبرى لبني احسن، وفتح قنوات جانبية لتصريف المياه الفائضة خلال المواسم المطيرة، وحفر وتقويم مجاري الأودية التي كانت تزيغ عن مجاريها مثل وادي بهت، لربطها بالمجرى المائي المركزي بسهل الغرب أي نهر سبو… في هذا السياق، سيتم تشييد " سد القنصرة "على وادي بهث، وبعدذلك تجهيز مناطق للسقي، وإعداد مجالات سقوية.. ستستمر وتتطور مع مرحلة الاستقلال، حيث تم إعداد ثلاثة أشطر كبرى للسقي بالجهة… ليتوج ذلكبالمشروع الأكبر المتمثل في " سد الوحدة "؛ باعتباره منشأة مائية تسعى لتحقيق أهداف متعددة، من أهمها حماية المنطقة السهلية من الفيضانات، إضافة إلى تحقيق الأمن المائي، وتوفير موارد مائية قابلة لاستخدامات مختلفة… إلا أنه للأسف، تبعا لما يقوله بعض المختصين، لم يتم استكمال الإنجازات التقنية – الهيدرولوجية المرتبطة ب" سد الوحدة "، وهذا شأنيمكن أن يوضحه أكثر المختصون… أما فيما يهمنا فإن السؤال هو: كيف يمكن إعداد مجال تتدفق في كل مناطقه وأرجائه المياه بشكل مناسب، بما يوفر موارد يمكنها أن تحسن من مستوى عيش السكان؟ هذا للأسف هو ما يشكل وجه العطب بهذه الجهة، وما الفيضانات، بل والجفاف كذلك، إلا مناسبة لتعرية هذا العطب.. علما أن المتضرر الأول من الآفات والكوارث الطبيعية – كما هو معروف- هم المستضعفون والفقراء…
ـ سؤال: لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: لماذا لم تنجز هذه المشاريع؟
ـ ذ. عمار حمداش: هناك عدة تعثرات كبرى في المسار التنموي فيما يتعلق بالانجازات الاقتصادية والزراعية والصناعية في جهة الغرب، كان من المفترض، بل من المفروض، أن يتحقق هذا المسار التنموي منذ عقود. للأسف الشديد، ما تزال المرجعية الاستعمارية صالحة للاستدلال على ما كان من الممكن لدولة الاستقلال أن تنجزه. تلك المرجعية الاستعمارية تكشفت عن إنجاز الاستعمار لمخططات تقنية وسوسيو-اقتصادية كان من الممكن أن تتطور أكثر وتحقق نتائج أهم، لو تم إدماجها في إطار سياسة وطنية للتنمية تحقق طموحات الساكنة المحلية أو القروية من لحظة الاستقلال. لكن عدم تطوير مثل هذه المشاريع المتصلة بالتنمية القروية، عمق من التفاوتات الاجتماعية داخل جهة الغرب بين نخبة اقتصادية تتحكم في الموارد الأساسية المتوفرة بالجهة، وهي في الغالب نخبة غير مقيمة بالغرب بل بالمدن المركزية الكبرى، وبين عموم ساكنة الجهة، التي تنتمي في غالبيتها إلى فلاحي الجماعاتالسلالية، أو فلاحي الأراضي الجماعية..
ـ سؤال: كأستاذ باحث مسكون بقلق سؤال علم الاجتماع القروي، ما الإجراءات التي تقترحها في إطار التهيئة المجالية، لمواجهة التحدياتالطبيعية ( فيضانات ، جفاف ) وللنظر في السؤال الحارق للتنمية بالجهة؟
ـ ذ. عمار حمداش: للأسف، سنعود مرة أخرى إلى المرجعية الاستعمارية؛ فقد كانت هناك مشاريع للتنمية القروية وبعض مخططات التعمير وإعداد المجال القروي. ويمكن أن نستحضر، هنا، التجربة الرائدة التي انطلقت خلال العقد الرابع من القرن العشرين؛ هي ما يعرف بتجارب التحديث القروي" البيزانا ". هذه التجربة، ساهم فيها " جاك بيرك " كصاحب تجربة إدارية وخبرة سوسيولوجية، وكانت بمثابة مخطط مندمج للتدخل التنموي بالوسط القروي، يسعى إلى تأهيل الساكنة القروية ضمن إطار يتكامل داخله الإنتاج الفلاحي والخدمات الاجتماعية والتربوية الإدارية الأساسية والسكن القروي اللائق… نحن، إذن، أمام تجربة كان بالإمكان أن تفرز نتائج متميزة على صعيد استنبات عدد من المراكز الحضرية الصغرى ذات الوظائف الاقتصادية والاجتماعية المندمجة والمؤهلة بشكل يتناسب مع ظروف العصر، كما كان لها أن تنفتح على ممكنات أخرى للتنمية لو تم تطويرها. مثل هذه التجارب انقطع حبلها منذ خمسينيات القرن المنصرم. وما نزال في وضعناالراهن بحاجة إلى استلهامها من أجل استنبات تجارب جديدة ومتقدمة تليق بمغرب القرن 21.
ـ سؤال: في نظركم، لماذا لا يثمتل المسؤول المركزي مثل هذه التجارب التنموية المندمجة؟
ـ ذ. عمار حمداش: لا أظن أن الأمر يتصل بغياب مختصين أكفاء وأطر مؤهلة…الخ.
ـ سؤال: فهل هي، مثلا، مشكلة إرادة سياسية؟
ـ ذ. عمار حمداش: الأمر في جوهره كذلك، إن الأمر يتصل في عمقه بمشروع للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، يستدعي من المعنيين بالأمر اتخاذ قرارسياسي ما أحوجنا إليه الآن قبل أن تستفحل بعض الانعكاسات الاجتماعية السالبة الملحوظة يوميا من حولنا. وفي هذا الباب، تكفي الإشارة إلى عدم توفر مخططات التهيئة والتعمير خاصة بالعالم القروي المتروك لشأنه، كما لو أن التعمير شأن حضري- على علاته- لا يهم الساكنة القروية في شيء. إن مشاهد التعمير والعمران بالوسط القروي تظهر بنفس الصورة التي كانت عليها منذ عقود، كدواوير وسكن هش بأدوات محلية لا أثر للتقنيات والأدوات الحديثة في تخطيطها وإنجازها، و كأن الدولة لا شأن لها بتأهيل هذا المجال. وهنا يمكن التفكير في بلورة العديد من المشاريع المندمجة، في ارتباط بإعداد المجال الجهوي، كخلق مراكز قروية صغرى مؤهلة ومتنوعة الوظائف، مندمجة في وسطها ومتخصصة ومتكاملة مع غيرها على الصعيد المحلي والجهوي. الشرط هو أن تجمع مثل هذه المشاريع بين المطلب الاقتصادي والمطلب الاجتماعي، الذي يؤهل المجال المحلي ويحقق الإضافة الاقتصادية والاجتماعية على الصعيد الجهوي في أفق خلق التراكم المطلوب على المستوى الوطني. مثل هذه المشاريعغائبة، و ينبغي أن نضعها في أولويات إعداد التراب. وكان قد أشار إليها الحوار الوطني حول إعداد التراب لسنة 2000. لكن الكثير من التوجيهات والتوصيات المنبثقة عنه بقيت حبرا على ورق.
ـ سؤال: جهة الغرب مجال المفارقات بامتياز، حيث يتعايش" بهدوء" الغنى الطبيعي والفقر الاجتماعي المدقع. كيف تفسرون هذه المفارقةالتي تسم الجهة؟
ـ ذ. عمار حمداش: هي مفارقة مغربية تسم مجال جهة الغرب بشكل ملحوظ ، كما هو موسوم التراب الوطني باختلالات مجالية كبرى. لماذا ؟ بكل بساطة، لأن جهة الغرب جهة نافعة بامتياز. نرجع مرة أخرى إلى اللحظة الاستعمارية، فحتى قبل أن تستكمل السيطرة الكولونيالية على المغرب، كانت العين واليد الاستعمارية ممدودة على خيرات المنطقة. وقد ظلت جهة الغرب مجالا لتكوين الثروات ولخلق طبقات من المستفيدين والأثرياء، وما أثقل هذا الوضع المشبع بالاختلالات الاجتماعية هو غياب سياسة للموازنة الاجتماعية تعمل على استرجاع ما تذره الجهة من خيرات لفائدة السكان القرويين بالجهة عبر خدمات للسكن والصحة والتعليم، وهي المؤشرات التي تحتل من خلالها الجهة مرتبة متأخرة حتى عن المتوسط الوطني أحيانا. أيضا، مجال الغرب، كما أشرت إلى ذلك سابقا، يتسم بطغيان الأراضي الجماعية المرصودة كاحتياطي في التوازنات الاجتماعية والسياسية. هذا العقار الاحتياطي يدبر من لدن السلطات الوصية، في الكثير من الأحيان، بعيدا عن الحاجيات الأساسية للساكنة القروية. وفي هذا الباب، أرى أنه من الأولويات التعامل بجرأة مع المسألة العقارية للأراضي الجماعية، حتى نتجنب الكثير من تفاعلاتها السالبة الجارية والمتزايدة بها حاليا.
ـ سؤال: هناك من يقول، من نافذة السوسيولوجيا، على أن الوضعالقائم في منطقة الغرب مرتبط بتوازنات ماكرو سياسية، باستحضار الخطاطة ذات الصلة بالموضوع التي اجترحها جون واتربوري؟
ـ ذ. عمار حمداش: نعم، ما تزال هذه الخطاطة التحليلية صالحة إلى حد بعيد. إننا ننتج عبر آليات سياسية متعددة شرائح واسعة ترتاح إلى وضعها غيرالمريح. هناك آليات سياسية وقانونية وإدارية وأشكال من الفعل الثقافي والتأطير الاجتماعي، التي تجعل من الشرائح الاجتماعية الدنيا تعيش أوضاعا غير مريحة وترتاح لما هو غير مريح. أظن أن هذه الحالة، لا تخدمأحدا الآن. يقتضي الأمر، بشكل موضوعي، حسم الموقف في اتجاه النهضة بأوضاع المغاربة عموما، حتى لا ننتج ليس فقط ما يحمي المغرب سياسيا فقط؛ و إنما حتى نحمي الوطن وأهل هذا الوطن. وذلك لا يتحقق ّإلا بمشاريع حقيقية للتنمية.
ـــــــــــــــــــ
نشر بتنسيق مع ذ. حميد هيمة