السبت، 11 فبراير 2012

يدعو الحزب الاشتراكي الموحد بسيدي سليمان "اليسار" في المدينة إلى ندوة مشتركة ويوزع لذلك أرضية


 يدعو الحزب الاشتراكي الموحد بسيدي سليمان
"اليسار" في المدينة إلى ندوة مشتركة ويوزع لذلك أرضية
 
وجه الحزب الاشتراكي الموحد بسيدي سليمان دعوة لكافة الهيئات السياسية والنقابية والجمعوية ذات التوجه اليساري بالمدينة " للحضور والمشاركة في ندوة مفتوحة حول آفاق اليسار بسيدي سليمان وذلك مساء الأربعاء 15 فبراير ابتداء من السادسة والنصف بمقر الحزب.".. كما وزعت نفس الدعوة على أفراد ذاتيين، وقد أعد الحزب أرضية للندوة وزعت بدورها، نعرض نصها كاملا: 
 
الصورة من شارع محمد الخامس قبل أسابيع 

أرضية الندوة التفاعلية المفتوحة ليوم الأربعاء 15 فبارير 2012
أي دور لليسار اليوم؟ من أجل يسار فاعل وفعال
إيمانا من الحزب الاشتراكي الموحد بسيدي سليمان بالدور الحاسم لليسار عموما في النهوض بالمجتمع ودمقرطة الدولة وترسيخ قيم حقوق الإنسان والعدالة والحرية والكرامة والمساواة والتسامح والفكر المبدع والحق في الاختلاف.. ومن أجل تنمية فعالة وناجعة تضمن العيش الكريم لجميع المواطنات والمواطنين.
وتأكيدا على ضرورة بناء اليسار فكرا وممارسة، وتجديد آلياته وتحديد أولويات انشغالاته، في ظل منعطف حاسم، خاصة مع مختلف التحولات التي يعرفها المغرب ومحيطه من حراك سياسي واجتماعي وثقافي.. وفي ظل عولمة جارفة تخدم مصلحة الأقوياء والمحتكرين، وتزيد في فقر وتبعية الدول والفئات الاجتماعية المهمشة، رغم بروز تيارات مقاومة لذلك عبر أرجاء العالم، لأنسنة السياسة والاقتصاد.. ومواجهة الاحتكارات العابرة للقارات.
وعليه نطرح الأرضية التالية للنقاش والحوار:
 فأي دور ينتظر اليسار عموما كفكرة قابلة للانتشار والاحتضان من طرف أوسع الفئات الاجتماعية؟ وما اليسار أساسا؟ هل اليسار إيديولوجية أم بدائل ملائمة؟ ما مرجعيات اليسار على الصعيد الفكري والقيمي؟ هل مبادئ الماركسية "الصرفة" أم الاشتراكية "المحينة"؟ هل هناك اجتهادات تجيب عن التساؤلات والاشكالات المستحدثة؟ ما نوعية "التمايز" الموجود بين تشكيلات اليسار؟  هل يمكن لليسار أن يتوحد بأطيافه المختلفة؟ أو تنسق مختلف تشكيلاته فيما بينها على الأقل؟ أم ستظل بمثابة جزر منعزلة عن بعضها البعض؟
  هل من الضروري توحيد التصورات والهياكل قبل كل شيء؟ أم الاكتفاء بالاشتغال على أنساق متقاربة داخل آليات مشتركة؟ وما هي آليات الاشتغال أصلا؟ هل يتم الاكتفاء بالأدوات التقليدية كالحزب والنقابة والجمعية؟ أم هناك وسائل أخرى يمكن إبداعها؟ ما علاقة اليسار بتقنيات التواصل الجديدة؟ ما رؤيته وعلاقته بالإسلام السياسي؟ ما موقفه من استغلال الدين ومنابره المختلفة للوصول إلى السلطة من طرف جهات مختلفة؟ كيف يقيم اليسار مفاهيم الوطنية والهوية واللغة والخصوصية والجهوية..؟ ما علاقة اليسار ب"حركة 20 فبارير"؟ كيف يقيم نضالاتها؟
  ما البدائل التي يطرحها على مختلف المستويات في السياسة والاقتصاد والمجتمع والثقافة والفن والرياضة والبيئة والإعلام..؟
ما علاقة اليسار بالدولة وهياكلها؟ وبالدستور وبالقوانين الصادرة عن المؤسسات التشريعية؟ كيف يقيم اليسار مشاركة "جزء" من اليسار في مؤسسات الدولة؟ هل المشاركة هي التوجه السليم؟ أم المقاطعة هي الخيار الاستراتيجي؟ كيف يمكن لليسار أن يفعل توجهاته ومقرراته؟ كيف يتاح له أن يتوسع تنظيميا وينفتح على مختلف الفئات الاجتماعية؟ 
وعلى الصعيد المحلي؛ هل يمكن لليسار في سيدي سليمان أن يخلق آليات اشتغال مشتركة؟ كيف ذلك ولأي غرض؟ هل لجميع "الأطياف" استعداد لذلك؟  ما موقف اليسار من "التدبير" المحلي لشؤون المدينة والمنطقة عموما؟ كيف يقيم عمل المجالس "المنتخبة"؟ كيف ينظر اليسار للسلطة الإدارية المحتكرة بشكل مطلق لتدبير المجال العمومي من وضع "التصورات والأهداف" وإنجازها، وصرف الميزانيات وإجراء عمليات "التقويم" بشكل انفرادي لم يعد له أي مبرر في غياب الشفافية والإشراك والتعاقد المنتج؟  
هل لليسار في المدينة بدائل ورؤى وتصورات في مجالات التدخل المتاحة؟ خاصة على صعيد المجتمع المدني وتأطير الاحتجاجات المشروعة والتواصل مع مختلف الفئات الفاعلة والمنفعلة؟ كيف يمكن لليسار أن يتحول من السلبية أحيانا أو الاكتفاء بالاحتجاج إلى الفعل وتحمل المسؤولية؟                         
من احتجاجات ساكنة سيدي سليمان على التهميش، وقد ارتفعت وتيرتها مؤخرا

الخميس، 9 فبراير 2012

الــــحــاكـــم الــعــربــي (من الماء إلى الماء)


 الــــحــاكـــم الــعــربــي
(من الماء إلى الماء)
 
ـ النصوص: جواد المومني.
jaouadm67@hotmail.fr

الإهداء 
   ـ إلى خياناتي الصغيرة والكبيرة
               ـ إلى حديقةٍ؛ مَا وَطئْتها يوماً، إلا في خيالٍ مّا
               ـ إلى سِربٍ من الغمام سألني وقْتَها: كيف الحُلولُ؟ ( … ) فأجبتُ: ويْحكَ مِنْ عظيم الذنوب!! أَلستَ مرْجَ اللاهثين؟
                   و قبرَ صُنّاعِ السَّفر؟…لا تسل عما بدا لك وهْماً لَهُم !
               ـ إليَّ أنا اليومَ، حين يَصطف نجمُهُمْ إلى جانبِ صنَوْبرتي، فلا يُضاهيها بهاءً .
               ـ إلى بسالتي… حين يُحلِّقُ حول عرشيَ لقْلاقٌ أضاعَ عُشَّه، وتاهَ عن " عشيرته "، فما أن ْ يَحُطّ علْياءَ الأغصان حتى
                   تَمْتدَّ إلى أحلامه الوساوسُ!!

    1 ـ كانَ
  كانَ لِورشةِ الريح في الشجر يومها شأنٌ بهيٌّ وسَديد.
  كان يَحتمل أوْجُه الحب والشهوة !
  نَحْوَها كان يَبثُّ صبابةً تسوءُ كلما اعْتَبَقتْ منه.
  كان المصير وصايةً حُبلى بالمتاريس وشائكِ الحِكَمِ.
  كان الصنوبر سيدَ المكان؛ يوحي إلى غيره في ازدراءٍ بعَتَمَة الفضاء، بينما شموخُهُ ناعورةُ العويل.
  كان الفطيرُ وَشْوشَة الخمائل، يُدَبِّجُ الصورة ولا يَفضحُ الغريزةَ فيها.
  كان المطر وَلْوَلةَ القَزَعِ، يشدو رسْم الغياب.
  كان… كان
  كان لِلْوجعِ يومها وجهٌ آخرُ.
  كان يُسْندُ زُخْرُفَ لَغْوهِ إلى تراتيل جُرحٍ… ما عاد له الغياب.
  كان يُرخي فُسحَةَ نجْواهُ، ولا بسالةَ بعدها؛ يملُّ حُنجُرة لا تُرخي عويلاً يمتدُّ في جُغْرافْياهُ.
  كان الجسد منه يَشْتكي.
ذاك المُمتدُّ بين شُطوط الوجع ومراتع الألم.
  كان الفجرُ لا يتسع لغيره، لِسِواه.
  كان له، لِوحدِهِ، فقط.
  كان يسيل كالشمع ولا يحترق! آهاتُهُ وَأْدٌ لِمطر ينفجر ولا يُفشي الفضائح
  كان لُهاثُهُ وراء الدمع، مصيراً ورَثَهُ.
  و كان ِلْلوجع يومها وجهٌ آخرُ.

      2ـ يَتَحدَّثُ عن نفسه
  الفراغُ… ثم الفراغ… أنا الفراغُ.
  المرايا تَعْكِسني. المرايا تعكس نفسَها
  أنا المرايا !!
  تعكس المرايا صَدَأ لا يُطاق
  كأنها لِفُسْحةِ العقل المُتروّي؛ 
  لا ترى نصيباً من عدالة الشمس.
  تنأى بِأسراب لهيبها
  و تَفِرُّ إلى الظِّلال
  هي مَثيلُ المُدن،
  خانقةً دروبَها
  لها وجهُ صحراءَ
  لا يَكْنِسُهُ إلّا 
  فَحيحُ أفعى !!
  خيراً فعلتِ نفسي!! المصيرُ يا نذيرةَ الشُّؤم اسْتعصى على راكبي صَهَواتي. والفُلْكُ ما بات يتغيّى غيرَ مرسَى لِلأحلام، فيه يُنْشِئُ سحاباً، لا يَطاله الطير، ونحيباً لا تَعجُّ إليه نَديماتُ الويلِ، أو سليلاتُ الفقاقيع الوحيدة المُتبقية.
  ـ هلِ انْتحرَ مصيرُكَ يا أعمى؟
  أخالُهُ ما امْتطى لوْحَ الأنبياءِ بعد ؟
  و ما أظن سَبَأَ اعْتراها موج الجنون!!
  ولا نَسَّمَها الهُدهد بِرعشةٍ 
  خَفقتْ لها جناحاتُهُ المُبْتلةُ،
  فراحتْ أنّاتُهُ إثْر مُصابهِ 
  تُراود المكان
  و تَأتيه تِباعاً
  تُحيّي فيه بسالةَ الذي
  لا يبغي فساداً.
  هو ما امْتهن الكِذْبَ
  و لَا ارْتضاهُ لِلَحظةٍ !!
  كان عليه اختيارُ الموت شجاعةً
  أوْ شجاعةُ موتِ الإختيار.
  صَفَّقَ له الجمعُ..
  و كانوا كلهمُ الجُبناءُ !!


    3 ـ حبيبتـُه
  لها أنْ تُعاوِد الإمّحاء. فناءٌ كهذا يروي خلاياها؛ يَهذي بها؛ و يُهْديها نَعرة الأعراس، فتَنْكَوي ذَبْذباتُ الحسّ، ويُنافحُها الجمْرُ لهيباً
  أو ينغرس في ثقوبِ أرضها هلعاً !!
  كان لقاؤها سيداً في موعده.
  رَوَّضَ همسات الشعاع الأزرق
  و رمى المعاجم صوب حقولٍ بلا ألوان،
  حيث لا يُداهمها إلا
  مساء بلا شرفات.
  كان لا يَعْنيها غير تَوَرُّد القلوب
  حائرةً في الفهم،
  و لا مُدركةً مَواطنَ عشقها.
  تُحادي الشُّطوط ،
  و تُبْلغ الغيم عن مواسم الفراشات
  الراسية على بنادرها؛
  أكْوامُها مِنْ رَوْحِ العشب الأصفر الذي
  تَمَنَّعَ عن كُلِّ خَشْخشةٍ
  و ما أَبْقاها إلّا لهُ… لِوَحده !!

    4 ـ كـَيْفَ يُصْبحُ
  في سَحْنَتِه رقصٌ تعالى
  و من حُمقه غِناءٌ
  روى مَداشرَ لِلّهو
  خاليةً كانتْ
  إلا من عُرْي الصّبوات.
  مَرابضُهُ..
  لا تُساوي شمساً وراءَ ضباب
  و لا سِربَ لقالقَ
  يَعُبُّ ما تبقّى 
  من أنينِ بُحَيْرةٍ !!
  لِلْكل رَوْحُ برتقالة
  تَهَيَّأتْ أغْصانها
  لِلذُّرْعانِ المُمْتدة،
  سارقةً هداياها
  في غَفْلةٍ منه.
  هي التي أهْدتْ لَبَنَها العُتاق
  لِمجنونِ وَرْدٍ
  و لِناسجِ موتٍ
  و لكل فراشةٍ 
  تُناورُ نُزولَها
  و لا تَيْأسُ رُغْمَ خيوط العناكب.
               في الصباح مرة أخرى ، يغتسلُ وحْدهُ، يجمعُ أسرارهُ المُختلةَ في سَلّةٍ وما أبْقى على شيء !
              كان شقياًّ، يَتَحسَّرُ ضياعَ ما تلاشى، حين داهمته قطراتُ ندى، عطشى لِفُجور الواضحة.
               ذاكَ الصباحُ الأوحدُ، الفريد، عاندَ الوأْدَ؛ حين انْتَسبتْ خُطاهُ لعرق الحرائق :
               الحريقُ يبدأُ منْ هنا… ولا ينتهي، وعِنْدَ لَظاهُ تَصْطفُّ العيونُ شاديةً نشيدَ الخَتْمِ.
  تَشابَهَ الطَّعْمُ وانْساقَ بجانب المرارة.
  تَحْسِبهُ وجهاً آخرَ لِلحب، أو يكادُ
  رسائله  رذاذٌ من خَدَرٍ
  و سقفُهُ المُهْترئ
  إسْفلتُ الفِخاخِ
  ما أن يُفيقَ حتى
  ترْسوَ الوشْوشةُ على شطه؛
  ولا يُبالي بغير الأجساد 
  من رقابها مُتدليةً في الأَبْهاء. يقول :
  " جَنَتْ على نَفسها…"

    5 ـ مَقولاتُهُ
  ـ " حَقّي في الألم، لا تَنازُلَ عنهُ".
  ـ " كيف لِلْعُري نصيبٌ من الثوب ! "
  ـ " كُلُّ الآحادِ أيام لِلْغد. "
  ـ " بعد النشيد صمتٌ مُطْبِقٌ. "
  ـ " راحةُ الكفّ لا تكفي للراحةِ. "
  ـ " مشيئة القَدَر، صنيعة الأقدار. "
  ـ " نَصيبُ الوحْدةِ في الشتات. "
  ـ " عُقْدة المصائب تحُلُّها ويْلاتُ الندم ."
  ـ " النجمُ الثاقبُ، رحّالةُ العصرِ… والمغربِ. "
  ـ " رُؤْيةُ الأهوال، رؤيا صادقة . "
  ـ " مَرْمَى الأعْداءِ، برُّ الأمان. "
  ـ " نهايةُ الظلم ميمٌ . "
  ـ " سيادةُ القوم هَشُّهُ . "
  ـ " بَعْدَ القُوةِ ، بُعْدُ القُوى ."
  ـ " بُعْدُ النظرِ يُضْعِفُ بَصيرةَ اللحظةِ. "
  ـ " أحْلى ساعةٍ عسلٌ في العقاربِ . "
  ـ " ندامةُ الفقيرِ خوْفهُ من الغِنَى . "
  " مَرسى العَدَم شاطئُ الفوضى ."
          ( … )

    6 ـ حينَ يَشتهي
  وَيْحَ الليالي المُشْتهاة، تُقايضُ الحَشْرجةَ ببعض النعيم وتحتفل إليه صانعةً لِنبرها حنيناً عاشقاً بالأفْق المنيع…وَيحَها..!
  ومِثل بروج الحَمام ذات السّقف المُهترئ، تَحَدّتْ فقاقيعُ حنينه كل النوايا الفجَّةِ، واعْتلت حسَّه أشعةُ الشمس الخجلى
  التي ما نشَرتْ أريجَها إلا مخْلوطاً بشدْو الأنين.
  هي سلالاتُ النهي تتقاذفهُ وتحْتويه حين الرعشةِ العُظمى. ظنَّ دخَانَها شطَّ رخاء يتداعى منه خيطُ التوسل!!
  فَمَنْ باشَرها غيره؟ ومن تعمَّدَ شعرَها الفاحمَ سواه؟
  من فسخَ أزرارَ لُحْمتها واكتوى في شُعْلة دفئها غيره؟
  لِمنِ انْتُدِبتْ أوْديةُ مسامِّها تَرشَح الفوضى؟
  لمن تَفَتَّقَتْ خُدوشُها الولهى تلهث طالبةً أقدار الحوريات؟
  أليس لِخَطوها حظُّ السنونو من رحيق الصنوبر؟
  أما كانت عجلى تَتَمسَّحُ اللوعةَ حين اشْتهاها، وحين صارحها بنشيد الخَلْق الأزل؛ أمِ الوسيلةَ كانت خمر الجسد؟ أو نعش
  الجسد؟ بُؤس الجسد؟ أو وَطْءَ الجسد؟!

   ـ مُرافعةُ قلبِهِ
  القلب هناك
  ـ قلبُهُ ـ
  يُرافع عن حق غريب.
  الْمَنْشَأُ ثمّة
  هوَّةٌ عميقة
  على رواد الموت
  تستعصي نواصيها؛
  ذاك فخ المراتب
  يستأصل الآخر
  وتلك النزوةُ
  الفُضْلى
  ذاتَهَا تَعْصى
  ملاذاً تبقى،
  حميميَّ الوقع
  لا يُغني عن المَقت
      حقاًّ
  ولا عن البغْيِ
      نِدّاً
  هو: الوأد أسْمَى
  والنوايا في الختم.
  قلبه يشجب ورد الأحبة المُلقى… تناستْ
  خلاياه عرس الميلاد ـ قيْصريَّ الموعدِ ـ و نسجتْ
  عناءً لِلْودِّ… حَرَّرَتْ
  عُقَدَ الذكرى… نوَّرتْ
  مسالكَ العثراتِ… أَنْجبتْ
  مراتعَ البُغْضِ… شَوَّهتْ
  خليقةَ الرفضِ المُتراصَّةَ… وأَشْعَلَتْ
  دُروباً لِلتِّيه؛  لنْ يُساومها غيرُ الضَّلال. 

   8 ـ حين يَسْكَرُ
  ثمة نشوةٌ تَنِزُّ هاربةً بين الفقاقيع، لا يُدركها أحدٌ فيما دواخلُ كأْسه تفنى بين صعود مستمر نحو المجهول: وبين انفراجاتٍ صفراءَ،
  لا تملك أن تُعَدَّ! تَهوي إلى القمة… سفحُها رُسوٌّ على جنبات العدم، وبُؤرة لَغْوها سديدُ الكَلِمِ.
                                كذا سَرَتْ… من أين المَقْدَمُ؟
                                إلى أين المَهْوى؟ كذا بَدَتْ
                                والباحث عنها صَبورٌ؛ يتأنّى؛
                                فَلاتُهُ، يَعْذُبُ فيها الشدْو
                                يَنْظُر، يرقُبُ، لا يُشْركُ بها أحَداً !!
                                يَسُومُ سوءَ عذابها، 
                                ويَنحني لِمَجدها،
                                فَمَجْرى الحُموضةِ عذْبٌ أُجاجٌ
                                و يا ليْتهُ يصْبو للنوايا المُرَّةِ
                                وَحْدَها تَرَنَّمَتْ … في سمائه.
  شِيءَ لهُ أنْ يَختارَ لها مَيْسَمَ النِّدِّيَّةِ الْأوحَدَ، وأن يلوح في أُفْقها ضوء العَتَمَة. ما عثر عليها مفتاح الأسرار المودَعُ وسط ضباب الجنون، وهيهات أن يَكتُبَ القمر مِشواراً غيْرَها حين يُفيقُ.

    9 ـ حين أَحَسَّ الضّجرَ
  أ ) إعْتلى عرشَهُ صباحاً، وصاح في وجه المِرْآةِ :
         ـ أَضْعَفُ الإيمان… إرْثُ النّفس .
         ـ لحظةُ الميلاد صعْبةُ التحقيق؛ وتحْقيقُ الصَّعبِ ميلادُ اللحظةِ.
         ـ نِسْيانُ الكُلّ، ثلجٌ يَذوب لِلثَّوّ على حَبات رملٍ حارقة.
                               ـ مَرْسومُ عذابي/ هذا
                                أَبْسُطُهُ أمام العذاب
                                علَّهُ؛
                                يُنهي العذاب.
                              ـ  الرّيح صَهْوةٌ
                                يَتَقاسَمُها مَصَبُّ الأهوال
                                والأَنْواء ؟!
  ب )  ولّى بِوجْهه عن المِرْآةِ، و قال :
     مِنْ أين أتى ذلك الخَدَرُ؟
     من أين وَطِئَتْ ساقاهُ سَهْلَكِ؟
    وكيف رَشَقَتْ
    عيْناكِ مَجْدَهُ؟
    أَتَرَسَّبتْ خلْفكِ أيادٍ
    أمْ حاوَرْتِ صدى الجُروح؟
    أَغَنَّتْ حناجرُها
    نَسيبَ العدمِ
    أَمِ انْتَشى لِزَهرها
    هَزيمُ النَّكبات؟!

   10 ـ حينَ أَحسَّ الإغتراب
  أُتْرُكْه يَتَنَفّس؛ دَعْه يلهو؛ خَلّيهِ يَرْشَحُ عرقاً وَسْطَ مواسمِ النار تَدْعَقُهُ أو تُرْخيهِ، تُمددهُ أو تَحْتويه. هي تعرف متى يُسْديها لَغْوُهُ بريقاً !
  فيعترفَ بحجمهِ النهائي.
  أُتركهُ يُفْضي بتراتيله إلى القادم نحْوهُ؛ ذاكَ الذي يُفْشيه أسرار غُبن حلّ براحلته.
  أُتركهُ يَصْهل أو يَكشفُ أَنينَه، أو يُغني ما تبقّى له؛ كالشراع مُرَفرِفاً يَهفو الرُّسُوّ بعد بَطْشَةِ ريح.!
  دَعْهُ يُصلّي لِإلاهٍ لا يَتناهى إلى سَمعه غير إخْفاق الفراش في لَظَى الشعراء، ينْعونَ حظّاً أَتْعَسَ من نَجواهُم.
  دعه يركض وحيداً بين ألوانٍ ربما ما عهِدَها!! فَمِنْ قَبْلُ ارْتقبَ سطْوةَ الدمعِ، يَرْتكس إلى مِحْجرٍ تَنازَلَ عن كُلّ مائه، والآن تَفجَّرتْ من مآقيهِ كل وَداعاتِ الأحبة، وكل تنهُّدات المُغَرَّبين، تُرحِّب بالحنين ولا تُلْغيه، فتُمْطِرُ العمرَ بأبوابٍ مُوصَدة، لا على نُجَيّا الفراق، ولا على سِياجِ الجُروح المُورِقَة وإنما على رُموشٍ تَشْتاقُ طَلَّةَ الحَبيب… فَلَا تُعانِقُهُ !!
  هي أبداً أرْضٌ جَرُوزٌ. هي دوماً كذلك.
  دَعْهُ يَنْقَضُّ فيها على لذيذِ الألمِ، ومواسمِ الوَأْدِ.
  أُتْرُكهُ مِثْل صَفصافةٍ تُظَلِّلُ ضحك الأحبّة… رُغْمَ عُقْمِها !!

   11 ـ حين أَعْلنَ إيمانَه
  تَوَلَّيْتَ عني سَعادَةَ الكُفر!! أَقْنَعْتني بِرؤيتكَ القاصِمةِ شمسَ هذا الغدير. رَجَمْتَ مَصيري وأَعْلَيْتَهُ ناصيةَ الخَدَرِ… كُنتُ رَشَّحتُكَ وارِثاً لِموتيَ الجميل، ورشحتُ نباهَتَكَ العُليا لِأَقاصي إيمانيَ العميق، سليلِ الورد ونديمِ شجرِ البُطْمِ، وحْدَهُ لا يخجل حين  تَلوح لعناتُ الجفاف بأرض لا يطؤها الماءُ. وحدهُ يقْبضُ الفُتاتَ بين كماشاته؛ يَنحَرُها بدمٍ بارد ولا تُخيفُهُ نعَراتُها، فتأْتيه  طَيِّعةً خَائرةً، حائرةً، من أَمْرِ ذَا الخلق المُصيبِ في إرادتهِ، ذي المشيئةِ الدّانيةِ من عَنَدِ الخسارة.
  أقْنَعْتَني بِمُسَوَّدَةٍ أكثرُ فصاحةً من لِسانٍ ما علاهُ النَّحْلُ قطُّ!! تَقَصَّدْتُ رَواسيكَ، احتميت بِسَعَفِ فُجوركَ إذْ تُراوِدُهُ النداآتُ؛
  مَكْرورةً ولا تلحَقُها لَعْنةٌ !
  كُنْتَ كسَطوةِ الريح في علْيائه، تُرَتّلُ المسراتِ الخريفيَّةَ ولا تُفشيها سر الأزل.
  كنْتَ تُدْني نجواها لكل غَسقٍ؛ هو المَمَرُّ الوحيد، ويا ليتَهُ كان الأوْحدَ !!
  كنتَ لَدَيه نَخْوةً لِلْبَوح… تَنْشَطُ في مسامّ المجد، و تعُجُّ بفوضى الخلاص؟ تُفَكِّكُ المدائحَ وتُبْقيها على المصير الجديدِ  شاهدةً! في مُحَيّاهُ وَسْوسةُ الشُّهُبِ، وعلى يَدَيْهِ ارْتَسَمتْ شُطوطُ الإيمان.

    12 ـ حين نَصَتَ صَوتَ شَعبه
  كَأَني به يُرْفَعُ! ولَطالما تَجَيَّشَتْ حواسّي حينهُ، تخالُهُ يَصْدحُ، مرفوعاً بين أقْبيةٍ وحواشي، أو منَ الدهاليز يَسري؛ وحتى حين  تُصَوِّبُ " التْرامونْتانْيا "* لَظاها صَوبَ دروب المدائن حاشِرَةً كلَّ الدّواب إلى المضاجع !!
  يَلوحُ صورةً لا صَوتاً، تَغْمُرُها أنّاتٌ غريبةٌ. فما أن تتفجَّرَ حتى تبدوَ عظيمةً، خاليةَ الحَشرجةِ عذْبةَ الدَّفق، بهيةَ اللون.
  وما أن تُرْتَسَمَ حتى تَهيمَ فُرشاةُ المُتَلَصِّصين خالصَةً، تَعشقُ بِبَياضها، تَحتويه وتُفرغُ حَمولَتَها القادمةَ من ثُغور الأرض  ومن ثقوب السماء
  لَعَمْري، إنه وَشْمٌ ما اعْتراهُ خَدْشٌ، حَسْبي أنه لَغْوُ الأنبياء !
  وكان أن وَعَتْهُ أَنْسِجتي لحْظَتها، ولم يكن فيه لِلْأحلام مَوْطئٌ، ولا لِلنَّجوى مَمَرٌّ… تَعَرَّفْتُهُ: هو تَرتيلٌ يَتَناهَى من وحْيِ السَّديم
  حَيٌّ، مُسَطَّرٌ، نَغَماً هُلاميّاً، يُفشي حُروفه و ما همَّهُ الّلاقِط أن يُصْغي! قدْ يَلِج وقد يَنْكسر على صَخْر، سِيان ذلك، فما على الصوت إلّا البلاغُ المُبين .
  كُنتُ أَتحَسَّس المَلْمَسَ في ذا الصوت، لِأني أَدْركت في زمنٍ غابر أنّ منافذ الْأنَّةِ رَخْوةٌ تُصيبُ المرءَ في مَقْتلٍ! وكنتُ أَتَهَيَّبُ بالتالي الحُلولَ في كل غَريب. إلا أن سُوَيْداءَ القلب التي اسْتَفْتيْتُ، طَوَّحت بي وعَدَّتْ إلى بَرازخَ وإلى خنادقَ فَجَّةِ النور
  حيثُ السَّمعُ رُؤيا أكيدةٌ !

   13 ـ خِطابُهُ ما قبلَ الأخير إلى شعبه .
  أَحْضِروا سماواتكمْ. أَحْضِروها كلَّها. قد آنَ رَجمُها… قد آن سفكُ دمائكم. ما عادَ لِلشُّموخ دَأبٌ، وما انْهدَّ حيلي بَعْدُ. غاباتُكُم  قَضتْ، واسْتراح البَوحُ على مَيْسَمِ أحلامكم. اكتمل عنكمُ السُّمُوُّ، أَرْخى رَذاذَهُ مِنْ سرابٍ. بَعْدُ لمْ تَكْنسْ أَنْجمي جُموعَكم، ولمْ  تلِنْ. في مدائني بَقايا من نارٍ تُثْلجُ شموعَ العين، وفي لَغْوي موجُ رياح عَتَتْ بلذّاتكم، وانْبطَحَ إثْرها شرُّ ناسوتِكم .
  حين هبَّتْ جماجمُكمُ العطشى بِنِيَّةِ الارتواء من مَعين النّزوات، اقْترفتْ سواعدي ـ عنْ حُسن تدبيرٍ ـ مصيراً تَعُجّون إليه؛ و كنتُم  إثرهُ تَفِدونَ عرايا إلا من عظامٍ مُحَنَّطةٍ؟ ساءَتْ وتَراختْ وامْتطَتْ صَهْوةَ الفزع. كنتم أسرى نجْواكم. فَكَم وِرْداً حَلَّقَ لحظتها؛
  وكم نَشيداً تَهاوَى… لِأنّي الْمالكُ !!
  ألَا فَلْتُسرعوا يا عبيدَ الفراغِ إلى انْتكاساتِكم، دُسُّوها أسْفلَ الجبال ولا تُشْرعوا أَجْنِحَتها ثانيةً. قد آنَ أوانُكُمْ؛ أوانُ الحياة أَمواتاً؛  فقدْ كنتمُ الأحْياء مَماتاً .
  رُدّوا إليَّ شَغَافَ قلوبكمُ المُتكلِّسةِ، فلكل سُدْفَةٍ منّي حِجابُ نورٍ، به تَتَمَسَّحون.
  ألْحَيْنُ يا براعمَ الزَّقُّوم مَصيرُ كل غَيرِ سادِرٍ في عطاآتي… ألَا فَلْتَشِموا هذه المِنَّةَ على جِباهكمْ، واصْرُخوا مِنْ شِدّةِ وَلَهِكُم :
  " نِعْمَ الْمَيْسانُ ضَلالُكَ! هذا إِهابُنا إليكَ قُرباناً في يوم عُطاسِكَ. لنْ نَقْبَلَ أحداً غَيْرَكَ يَبْصُمُهُ، ويَحْشُرُهُ في مدائن عِزته… أَلْبأسُ  بأْسُكَ، والويلُ وَيلُنا. نحْنُ نُجومٌ تائهةٌ ترجو قِبْلَتَكَ… أنتَ المنارُ، أنتَ المنارُ . "

 14 ـ خَواتِمُهُ مع الظِّلِّ
  ولّى ذلك الدهر، حين كانَ الظِّلُّ خِياريَ الْوحيد… صارَ الظلُّ خياري الوحيد، واسْتَأنفَ الفراغُ لَعبتَه الدنيئةَ، بعدَ ما عَتَتِ  الأحزانُ وعانقَ الليل صَهيلَ الدواخل .
  في المسامّ اسْتوْطَنتْ رياحُ اليأس واحْتَشَدتْ إلى الجسد نوازعُ السَّمومِ؛ فتقاذفتْ حُدودَهُ طواحينُ الشرور، تلك العاطشَةُ إلى  يَرقاتِ الدَّمِ… هنالك عندَ السَّفر الغائرِ بين تَلابيب الزمن، وفي شُرود العودةِ إلى عناصر الحياة، تَرامتْ نغَماتٌ بِعُذوبةٍ لا  تُضاهَى، ورشَّحَتْ لِنفسها أدْواراً نورانيَّةً! فَرِحْتُ بها، واهْتَدَيتُ منها إلى سُبُل الخلاص .
  صارَ هذا الظِّلُّ وَكْريَ الأوْحدَ، غيرَهُ ما تَفَتَّقتْ طُرُقاتٌ ولا انْسابَ حنينٌ… يُمجِّدُ الصّهوةَ الولْهى، التَّواقةَ إلى إغْفاءة بين كَرْمِ الليمون أو تحت ورق زيتونةٍ، ما تَناوَلَتْها بعدُ ذُرعانُ القاطفين !
  وكان لهذا الظلِّ ظِلٌّ يتحدّى جروحَ الوردِ. ثم صار هذا الوردُ شهْوةً دائمةً، تَسْقي نداآت المارقين، الغائبين عن وعي الصهيل !
  أنا مِنْ هذا الظلِّ، وهذا الظل مني. صِرتُ أبكيهِ عندما لا يَشْتهيني! أَضْحَى مَعْبداً، وصلواتي لا تَنأى عن وِجْهتهِ،
  المُتراميةِ بين فِجاجٍ ومَساربَ لا تُدركُها النُّهَى .
  هذا الظلُّ قِبْلةٌ مَحَّصَتْ كلَّ النَّواصي وخَلدتْ إلى راحة مصيريةٍ .
  هذا الظلُّ مَصيرٌ خَطَّتهُ أَصابعُ مُحترفٍ، أدْركَ في ما مضى مأْساتَه، فسارَعَ إلى تَسْطيرها… قَدَراً .
  هذا الظلُّ سَطْرٌ تَسَمَّى: " تَعَباً "، فَوَّضَ لَيْلاً بِلَا فَجْرٍ لِخِلافته، وأَسْدلَ من زفيرِ الموتى نافورةً لِخُرافتهِ !
  لِهذا الظلِّ جُغْرافْيا، سُهولٌ من حَنينٍ، غاباتُ وَأْدٍ، حُدودٌ مِن أقاصي الألم، سياجاتٌ من زَهْرِ الحَبَقِ بِلا أَريج، جبالُ أَرقٍ لا تَمْتدُّ  إليها الهَدْأَةُ، و تِلالٌ من حبّاتِ الشّكّ ثاوِيةً إلى الظِّلِّ تَسْعى .
  و لهذا الظلِّ تاريخٌ قُدَّ مِنْ وَهيجِ الحِذْرِ، سُنَّتْ فيه مقاماتُ الإعْوجاج وحرائقُ الخياناتِ… منهُ تَعالتْ صَيْحاتُ الأسْواط والأَسْياخ ؛  لا يَنجو منها غَيرُ مُعْترفٍ بِحقِّ الطُّغاةِ في ما تَبَقّى منَ الفُتاتِ! الْحمْدُ فيه لِلظّل و لِخَواتِمِهِ الفريدةِ، المَصْقولةِ مِنْ نورِ الْعَسْفِ !!

              ـ إنتهى في مَتَمِّ أبريل/نيسان 2011
               ـ پيرپينيان/فرنسا
                ـ جواد المومني.
—————
  التْرامونْتانْيا: ريحٌ شمالية غربيةٌ باردةٌ تَهُبُّ في الجهة المُتوسِّطية، ناحيةَ پيرپينيان .