السبت، 12 مارس 2011

سيدي سليمان أمــــــس


سيدي سليمان أمــــــس 
مصطفى لمودن

  ليس المقصود بأمس فقط يوم البارحة الجمعة 11 مارس، حيث ارتأينا أن نتحدث عنمجموعة من الوقائع حدثت في الحيز الجغرافي المسمى مدينة سيدي سليمان، بل إن هذه "الحوادث والوقائع" لها مدلولات عميقة، نتمنى صادقين أن تصبح في يوم من الأيام جزء منماض "سحيق" سنظل نتذكره ثم ننساه أو ونتناساه، خاصة بالنسبة لبعض المسلكيات التي لم يعد يتحملها أحد.

ـ بعد صلاة الجمعة نظم مجموعة منالمواطنين وقفات بباب المساجد للتضامن مع الشعوب المستضعفة وخاصة المنتفضين بليبيا وما يتعرضون له من تقتيل ممنهج من قبل قوات العقيد القذافي.. إلى حد الآن الصورة واضحة، لكن ما هو غير واضح هو قول البعض إنهم استجابوا لدعوة يوسف القرضاوي لذلك، كيف يمكن لشخص من خارج البلد أن يكونمحرضا ويجد من يستجيب له؟ كيف سيكون الأمر لو أن آخر من فرنسا أو الشيلي مثلا دعا المغاربة للاحتجاج من أجل أي مطلب كان. يحق للمغاربة جميعا أن يحتجوا بشكل سلمي متى شاؤوا ذلك، لكن من تلقاء دعوة من قبلهم. وفينفس الصورة، وقع خدش آخر، أحد رجال الأمنانتزع من المحتجين بوقا حسب مشارك في الوقفة، ورفض إرجاعه لأصحابه في النهاية، لكن أمام إصرار الجميع وعودتهم لمكان الوقفة أرجع مرغما البوق لأصحابه بعدما حاول أنيسلمهم مقابله 300 درهم! وقد أثار المحتجينطريقة توقيف إحدى سيارات  الأمن بباب المسجد والناس تغادره، أما أغرب حدث وقع كما صرح بذلك مشارك ثان في وقفة أخرى هو ترديد أحد قياد مقاطعة في سيدي سليمان شعار "عاش الملك"، طبعا من حقه أن يردد ذلك وغيره متى شاء، وهو نفس الحق الذي يجب أن يكفل لجميع المواطنين، لكن المثير هو أنه بهذا الشعار كأنه جعل شخص الملك محط نزاع وخلاف، بينما لحدود علمنا لا أحد يثير اسم الملك وشخصه بسوء، كل ما هناك هو تدافع مشروع من قبل عدة جهات فاعلة في المغرب من أجل التأسيس لدولة ديمقراطية حقيقية.

وحول نفس الوقفات التي يبدو أنها قد عمت في أرجاء واسعة من المغرب، ذكرت قناة "الجزيرة" القطرية في نفس ليلة الجمعة ومنخلال فقرتها الإخبارية المخصصة للمغرب العربي (ذكرت) أن بعض الوقفات تم قمعها من ذلكسيدي يحيى والقنيطرة وسيدي سليمان ومدنأخرى، لكنها لم تفصل أكثر في نوعية "القمع" الذي تعرض له المتضامنون، وللتذكير فهذه القناة لها خط تحريري مساند بدون أي تحفظ اتجاهات دينية معينة، بل وتدعم بعض الأطراف بعينها، ويعتبر يوسف القرضاوي منأهم موجه لها في هذا الأمر. ولعل بعض الأطراف تريد توجيه الاحتجاجات المطالبة بالتغيير إلى وجهة معينة، خاصة استخدام الدينبرموزه ودلالاته في الأمر، من ذلك محاولة انطلاق "الاحتجاجات" من المساجد، وتحويلها إلى يوم الجمعة عوض أي يوم آخر. بينما المطلوب الآن هو تكاثف جميع الجهود من أجل دولة مدنية تقوم على مبدأ الفصل بين السلط واعتبار الانتخابات هي الشرعية الوحيدة لممارسة الحكم والتداول عليه. أما الرسالة التي يمكن أن يوجهها أي مواطن سليم الطوية لأجهزة الداخلية فهي دعوتها للحياد، والحرص على حفظ الأمن، وسلامة الناس في أجسادهم وممتلكاتهم، وعدم التدخل في القضايا السياسية وما ينشب عن ذلك من خلافات عادية، بحيث لا يمكن أن تكون هذه الأجهزة حائلا دون تداول الأفكار ورواجها، والحيلولة دون تحويل ذلك إلى فعل يمكن أن يوصل إلى تحمل المسؤولية على الصعيد المحلي والوطني، إنما دائما يكونالتعويل على المواطنين من أجل غربلة الأفكار والتوجهات الرائجة وإسقاط كل ما لا يرغبون فيه، وأهم آلية لذلك هي الانتخابات وليس التحكم من طرف أجهزة معينة، قد يعترض البعض على مثل هذا الأمر بمبررات مختلفة منها "قصور الوعي والنضج" لدى المواطنين، فمن المسؤول عن هذا "القصور" المفترض؟ إنه دائما أسلوب الوصاية والحجر المتبع منذ زمن بعيد. بل والتظليل أحيانا.

إن كثيرا من المواطنين يعرفون درجة الفساد المستشري في بعض الأجهزة، بحيث إنها تسيء بتصرفاتها المشينة للدولة وللوطنككل، مثلا، يعرف الكثيرون كيف تكونت أحياء صفيحة في الجهة الغربية بسيدي سليمانوكيف غُض الطرف عن ذلك حتى تفاقم المشكل بشكل خطير، إن الرشوة كانت حاضرة وما تزال في هذا الملف المعقد. ثم يتحدث الشارع السليماني باستفاضة عن جمع سيارات وعربات النقل المختلفة لإتاوات غير مشروعة بشكل يومي وأسبوعي، تعطى لجهة معينة، كيف لا تعرف "أجهزة"معينة هذا الأمر وتبلغ عنه، ويتم تنبيه القائمين على ذلك؟  كيف يشيد بعض ذوي المسؤوليات صروحا بالقنيطرة وغيرها ويؤثثونها بالرخام الأخضر لتكلف الملايين الكثيرة بينما دخلهم معروف ومحدد؟ 

إننا من هذا لا نسعى لأي "بطولة" كما جاءنا في رسالة إلكترونية من فرد مجهول مرفقة بتهديد مبطن، ولكن قول الحقيقة واجب، والدفع إلى مساهمة الجميع في بناء وطن يسع الجميع في ظل الشفافية والوضوح والمسؤولية والاقتناع.. هذا هو دافعنا.

ـ الحدث الثاني الذي أردت التطرق إليه، هو التشبث الجميل من طرف مناضلي سيديسليمان من أجل القيام بواجبهم النضالي كباقي مناضلي المغرب المنتشرين في كل مكان، الحالمين بمغرب العدالة والكرامة والمساواة.. ولعل الشباب في طليعة هؤلاء، بحيث شكلوا يوم الأربعاء 9 مارس "شباب حركة 20 فبراير"، والأجمل أنهم لم يضعوا على رأسهم "زعيما"، قالوا إنهم ضد "الزعامة"، وكونوا عوض ذلك لجنتين، الأولى مكلفة بالإعلام والتواصل، والثانية مهمتها المالية، وقد أصدروا بيانا، ثم نداء، وكونوا مجموعة على الفايسبوك تغنيهم عن الإذاعة والتلفزة للتواصل الخلوي الذي لن تعرف بعض الأجهزة ما يدور فيه، وكذلك عدد آخر من المواطنين للأسف .. وفي اليوم الموالي خرجوا للشارع، للتواصل مع أقرانهم من الشابات والشبان، وقرروا توزيعنداء يدعو إلى المشاركة في وقفة احتجاجية يوم الأحد 13 مارس أمام عمالة سيدي سليمانبساحة غزة، لكن المثير في الأمر هو الآتي:
*ـ عندما كان بعض هؤلاء الشباب يوزعوننداءهم ويناقشون مع التلاميذ أمام ثانوية معينة، خرج لهم مدير المؤسسة وحاول بكل طاقته إبعادهم حسب ما ذكره أحد شباب "حركة 20 فبراير"، قد يكون معه الحق، باعتباره رجل تربية فهو يسعى إلى أن يتفرغ تلاميذه للتحصيل الدراسي، كما يريد بقصد أو بدونه إبعاد الشباب عن الاهتمام بالشأن العام، وأن يبقيهم على "نقائهم" الحيادي حول ما يجري في المغرب، لكنه بذلك أكد أنه ضد التيار الجاري، ألا يعلم أنضمن المقررات الدراسية مواد تعنى بالشأنالعام؟ فكيف لا "يؤجرؤون" ما يتعلمونه على أرض الواقع؟ ألا يعلم سيادته أن غالبيتهم يقضي جزء من وقته خارج "مؤسسته" أمام حاسوبه يتواصل مع العالم بأسره؟ لماذا لم يسع هو وغيره إلى تنظيم ندوات "مكشوفة" داخل المؤسسة من أجل مناقشة كل القضايا المطروحة، وبذلك قد تتوضح الصورة للجميع، ولن ينجرف بعدها التلاميذ مع أي دعوة للشعبوية والفوضى… إنها فرصة تاريخية كي يعود الشباب إلى السياسة بما تعنيه من عملنبيل ومنظم يهدف إلى الصالح العام، إنها مناسبة ليكون للمغرب شباب مسؤول قادر على المناقشة والفهم والفعل والمبادرة. ويمكن أننذكـّر هنا بدور الشباب بفرنسا في ترجيح كفة جاك شيراك على خصمه اليميني العنصري لوبن في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية ما قبل الأخيرة، لقد خرجوا من المؤسسات التعليمية إلى الشوارع بالآلاف من أجل ذلك، إنالعولمة تجرف كل عوائق وأسوار المحافظة التي ستتهاوى تباعا…وقد استمر الشباب في تعبئتهم ونقاشاتهم أمام الثانوية غير مكترثين لتدخل السيد المدير.
وفي نفس الإطار ذكر شباب من "حركة 20 فبراير" أن هناك من يتبعهم لانتزاع نداءات يضعونها على بعض الواجهات، وهو نفس الأمر الذي وقع كذلك بأبواب المساجد. الحل العملي حسب ظننا هو ترك الشباب يتنظم ويناقش بدون وصاية، وتوفير الفضاءات المناسبة لذلك، وعدم التخوف من هذا، لأنالشباب هم المستقبل القريب الذي سيكون غدا، إن لم يكن هو الحاصل الآن.

ـ نظمت نيابة وزارة التربية الوطنية بسيديسليمان حفلا بمناسبة اليوم العالمي للمرأة بدار الشباب، وجاء في البرنامج الموزع على المدعوين مع دعوة أنيقة بورق صقيل ومنحجم كبير (صفحة) أنه سيتم تكريم أستاذتينمحترمتين تستحقان ذلك فعلا لمجوداتهما المعتبرة، الأولى هي السيدة التيجانية فرتات كأول مديرة لأكاديمية جهوية للتربية والتكوينبالمغرب، والسيدة ربيعة الصالحي كأول مسؤولة عن نيابة تعليمية بجهة الغرب الشراردة بني احسن..وجاء في نفس البرنامج إلقاء كلمات بالمناسبة وقصائد شعر، وغالبا في مثل هذه المناسبات تقدم تذكارات تقدير واعتراف،  تلقيت بدوري دعوة للحضور لكن تعذر علي ذلك.. لكنما يمكن إثارته هو الآتي:
*ـ لماذا لم يتم تكريم سيدة أو أكثر من "المجتمع السفلي"؟ لماذا لم يتم الالتفات مثلا لمعلمة قد تكون أفنت جزء من عمرها في التدريس بالعالم القروي وهي تتحمل مشاق التنقل الصعب والمتعب بشكل يومي؟ لماذا لم تكرم مثلا سيدة تطبخ للأطفال في مطعم مدرسي؟ وهي تعاني من أجل ذلك مقابل أجر لا يسمن ولا يغني.. وغير ذلك من الحالات التي نتمنى أن تكرم مستقبلا. وفي نفس السياق ندعو إلى الاقتصاد في النفقات التي يكون مصدرها المال العام، وإنفاقه فيما يفيد فعلا.
 ـ عقد المجلس البلدي دورة من دوراته بالخزانة البلدية، وقد تفرق الجمع قبل موعده المحدد بسبب الخلافات والمشادات وحتى التدافع الذي حصل بالقاعة حسب بعض ممن حضورا الدورة، وأضافت مصادرنا أن مستشارا اقتيد إلى مركز الشرطة، وأقد أطلق سراحه بعد ذلك. ويظهر أندورات المجلس البلدي لم تعد تسلم مؤخرا منمثل هذه الأحداث، حيث يقع تبادل للاتهامات، وهناك من يجرح نفسه، وأحيانا يساهم في ذلك حتى حاضرون من متتبعين للدورة بتدخلهم في النقاش والرد على مستشارين، وقد أصبح يستهوي البعض متابعة "أشغال كل دورة" من أجل ذلك. في آخر دورة قام رئيس المجلس البلدي بطرد مستشار أخذ الكلمة مما جعل الحابل يختلط بالنابل. رغم توفر المجلس البلدي على بعض الكفاءات وبعض الأشخاص المحترمين المتزنين، لكن تأثيرهم يبقى ضعيفا أمام ما يحدث. وقد استاء كثير منالمتتبعين للشأن المحلي من طريقة تسيير المجلس، وبعض نفقاته التي لا مبرر لها، منذلك اقتناء أكبر عدد من السيارات الخفيفة التي يفوق رقمها كل ما تم شراؤه في عهد مجالسسيدي سليمان جميعها، وتخصيص سيارة فخمة للرئيس تشبه ما يتوفر عليه رؤساء الدول في مدينة مداخيلها محدودة وفي حاجة إلى مرافق كثيرة سواء في الصحة والترفيه والرياضة والتجارة والمناطق الخضراء… ومن ضعف تواصله (المجلس) مع الساكنة وتقوقعه علىنفسه، كما يتحدث البعض عن شبهات تحوم حول خروقات تتعلق بمسكن جديد للرئيس..  وللتذكير فهذا المجلس حصل على أدنى نسبة مشاركة في التصويت بالمغرب بأسره حيث لم تتعد 27% من المسجلين الذي أدلوا بصوتهم في انتخابات 6 يوينو 2009.
ـ كما سبقت الإشارة، فقد وزع مناضلونومناضلات أعضاء التنسيقية المحلية للتغيير بسيدي سليمان نداءات على المواطنات والمواطنين من أجل الحضور إلى وقفة بساحة غزة (أمام العمالة) يوم الأحد 13 مارس ابتداء من الرابعة بعد الزوال.. أهم ما يمكناستنتاجه:
*ـ تقبل الناس بصدر رحب النداء والتعامل معه بشكل إيجابي، لكن هناك من يطرح تساؤلا عما في الورقة ويقول بأنه لا يعرف القراءة، وبالتالي على المناضل الذي يوزع أن يتوقف ويشرح قليلا، ما نعنيه من هذا، هو كيف سمحت دولة لنفسها باستمرار هذه النسبة المرتفعة من الأمية في المغرب لحد الآن وبدونوضع أي خطة أو أفق للقضاء على ذلك، إنالأمي (ة) رغم كل طاقته وقدراته يشعر بالدونية جراء أميته والتي ليس مسؤولا عليها بصفة كاملة. هناك من يبدي ملاحظة وجيهة كتحويل الاحتجاج إلى سلوك يومي، وهناك منيقترح يوما آخر غير الأحد،  وقلة من يناقش الأهداف المبتغاة من كذا احتجاج كما وقع مع مستشار منتم سياسيا لحزب حكومي، لكنه في الأخير ذكر أن إلمامه بالسياسة ضعيف حسب قوله.
*ـ أمام استفحال البطالة بشكل فضيع في المدينة، وأمام الأوضاع الجديدة حيث ارتفاعنسبة الاحتجاجات المشروعة وتهديد البعض بحرق أنفسهم، أو ينفذون ذلك كما وقع في عدد من المناطق منها سيدي سليمان، فإنالسلطات سمحت بالبيع في الشوارع كما وقع في مدن المغرب كله، وهكذا ضاق شارع محمد الخامس بالباعة، وأصبح مرور السيارات ببعض أجزائه صعبا، لكن المثير في الأمر هو أن هذا ليس حلا للقضاء على البطالة، بل ذلك يتطلب إجراءات أخرى تقوم على التنمية المحلية التي لم يلتفت إليها أي مسؤول من زمن بعيد، ثم القيام بالواجب القانوني ضد المشتغلينالذين يمنحون مستخدميهم وعمالهم أجورا زهيدة في عدة قطاعات كالفلاحة وأعمال حرة مختلفة، فإذا كانت الدولة والجماعات المحلية لم تعد تشغل الكثير من طالبي الشغل فعلى الأقل يجب على القطاع الخاص كيفما كان أن يقوم بواجبه في ذلك عوض استنزاف طاقة العمال والعاملات مقابل أجور ضعيفة جدا.
*ـ يظهر  بشكل جلي أن نسبة كبيرة من شباب المدينة تعاني الأمرين جراء البطالة وغياب مداخيل تقيهم عدة شرور، ففي كثير من الأحيانتلتقي شبابا في عمر الزهور بثياب غير لائقة، وبسحنات تجلي البؤس والمعاناة، وبعضهم مجتمع بمقاهي شعبية يفتلون لفافات تبغية مخلوطة بالمخدرات والدخان قد لف المكان.. لكن في المقابل هناك شباب كثير في المدينة ذو ثقافة عالية وحس نقدي واضح ومظهر مقبول، لكن بدون انخراط جماعي ومنظم في أي شيء يمكن تسميته هئية أو جمعية أو تنظيما ليعبروا عن مطالبهم ويناضلوا منأجلها، لم يعد مسموحا لأحد أن يظل بعيدا عنذلك. ومن المؤكد أن الغنى أو الفقر ليس مؤشرا على "وعي" معين.

ـــــــــــــــــــــ