الجمعة، 27 يوليو 2007

التوقيت المستمر في المدرسة القروية بين الحاجة والضرورة


   التوقيت المستمر في المدرسة القروية بين الحاجة والضرورة
  تنتاب مدرسات ومدرسي التعليم الابتدائي العاملين بالوسط القروي خصوصا مخاوف من أي تراجع عن تطبيق التوقيت المستمر، فما هي مميزات هذا التوقيت؟ ما هي سلبياته وإيجابياته؟ هل أصبح مكسبا للمدرسة العمومية؟ أم هو إجراء تدبيري يمكن للسلطات التربوية التراجع عنه في أية لحظة؟
  جاء التوقيت المستمر ليحل عدة معضلات، تهم السير العادي للمدرسة بالعالم القروي، وذلك بالنسبة لجميع الأطراف المعنية، سواء التلميذ أو الأسرة أو المدرسة… فالتوقيت السابق ـ الغالب ـ الذي كان يسمى بالمسترسل، يقضي فيه المدرس والتلميذ معا وقتا فارغا دون شغل، غالبا في الخلاء المحيط بالمدرسة، أو في كثرة الذهاب والإياب، مما يضيع كثيرا من الوقت والجهد بدون طائل، مادامت الحصة الأولى كانت تنطلق على الساعة الثامنة صباحا، وتنتهي على الساعة العاشرة، لتستعمل الحجرات المجموعة الثانية إلى حدود الساعة الثانية عشر، ويستأنف الجميع العمل على الساعة الثانية بعد الزوال، إلى حدود الساعة الخامسة، من الاثنين إلى السبت، باستثناء يومين في الأسبوع، حيث تعمل فئة واحدة من ثلاث الصباحَ كله، من الثامنة صباحا إلى الثانية عشر. وفي حالات نادرة، يتم اللجوء إلى التوقيت التناوبي، حيث الاستغلال المكثف للحجرات، من طرف ثلاث مدرسين لكل حجرتين، في حالة الاكتظاظ وتعدد المستويات، وهو توقيت معقد ومتعب للجميع.
       هكذا أصبح التوقيت المستمر يسمح للتلميذ بالقدوم مرة واحدة إلى المدرسة، ويتفادى كثرة التنقل في الطرقات والمسالك محملا بمحفظة ثقيلة، يتجنب التسكع في محيط المدرسة، خاصة بالنسبة للبعيدين الذين كانوا يضطرون لقضاء يوم كامل بعيدا عن منازلهم في ظروف صعبة، علما أن جميع المدارس بدون استثناء لا تتوفر على مستلزمات الراحة والاستقبال المناسب. ونفس الشيء بالنسبة للمدرسين الذين يتنقل معظمهم إلى مدن قريبة، أو إلى تجمعات سكنية تتوفر على الحد الأدنى من شروط العيش الكريم، فالتوقيت المستمر أتاح لعدد من المدرسين مكرهين الاستعمال المشترك لوسائل نقل خاصة، تقلهم جماعيا إلى محلات اشتغالهم بشكل تضامني فيما بينهم، ما دام التوقيت المستمر يوفر إمكانية ذلك، مما قلل من نسبة التأخر أو الغياب، خاصة بالنسبة للفترة الصباحية الأولى حسب التوقيت السابق (من 8 إلى 10 )، وأصبح المدرس مثابرا أكثر، يعمل خلال حصته المسترسلة الخاصة به، يحرص على إنجاز المطلوب منه، رغم ظروف التنقل والأجواء غير المناسبة للعمل، في "مدارس" تفتقد للشروط التربوية اللازمة.
     كما هو جار به العمل في الأرياف عموما، يساهم الطفل في بعض الأشغال لمساعدة أسرته، وقد سمح التوقيت المستمر بذلك، حيث يتوفر على وقت مجموع خارج فترة الدراسة،  ينجز فيه أعمالا محددة، عكس التوقيت السابق، الذي كان يجعل الطفل يتأخر عن زمن الدراسة نظرا لتكليفه بأشغال تسغرق منه وقتا أطول، بل إن بعض الأسر كانت تدفع أبناءها في حالات كثيرة إلى الانقطاع نهائيا عن الدراسة، للتفرغ لأعمال ذات طابع فلاحي أو حرفي، التوقيت المستمر يسمح كذلك لأبناء الأسرة الواحدة بالتناوب على تلك الأشغال، في حالة اختلاف وتقابل التوقيت بالنسبة للأبناء، وهو ما يجعل بغض الآباء والأولياء يسعون إلى استفادة أبنائهم من ذلك (اختلاف التوقيت) بطلب منهم عند انطلاق كل سنة دراسية، فيتدبر الأمر المدير والمدرسون حسب الإمكانيات المتاحة…
    من السلبيات القليلة للتوقيت المستمر، عدم تناول جميع الأطفال لوجبة الغذاء في منازلهم، بالنسبة لمن يتلقون دروسا في الحصة الزوالية، رغم أن هذا المشكل يمكن تفاديه بتوعية الأسر والتلاميذ، ونسبيا من خلال المطعم المدرسي رغم هزالة الوجبة، وعدم تعميمها(المطاعم) على كافة الوحدات المدرسية. 
     إن مجرد تفكير المسؤولين في التخلي عن التوقيت المستمر ينبيء عن خلل في التدبير، ويشي عن نوايا يراد بها التراجع إلى الوراء، إن هذا التوقيت ليس مكسبا للمدرسين فقط، جَنَوا من ورائه "الراحة وكثرة الوقت الفارغ" كما يروّج بعض المغرضين، بل إن إيجابياته تشمل التمدرس عامة، منه التقليل من الهدر المدرسي، وتشجيع الأسر في البادية على تسجيل أبنائهم في المدارس…فكيف إذا تطبق الحكومة التوقيت المستمر في الإدارات العمومية، وتتراجع عنه في المدارس؟ فهل اشتغال عدد من المدرسين بالعمل الجمعوي والنقابي وأنشطة أخرى حسب إرادتهم، رغم أنها تزيدهم إرهاقا، هو ما أزعج البعض؟  وهل هناك "جهة ما" أرادت "إشغالهم " بالتسكع في القرى بين حصص التدريس المتباعدة خلال اليوم الواحد؟ أم أن هناك جهات خفية لا تريد التعبير عن نفسها،يزعجها الانتشار النسبي للتعليم بالعالم القروي، مما يقلل من نسبة الاستغلال الدنيء لسكان البوادي في أغراض مختلفة، منها العمل الفلاحي بأجر زهيد.
          هذا إن كان هناك قرار اتخذ في هذا المنحى، أي إلغاء العمل بالتوقيت المستمر، وعلى الوزارة المعنية أن تؤكد ذلك أو تنفيه، علما أن أية عملية تعليمية وتربوية لن تستقيم إلا بإشراك جميع الفاعلين في اتخاذ القرارات الحاسمة،  أم أن كل الأسئلة والهواجس ستبقى معلقة لتجيب عنها السنة الدراسية المقبلة. وكما ذكر أحد الأساتذة بموقع تربوي في شبكة الإنترنيت، فإن أي تراجع عن التوقيت المستمر يعتبر قرارا اعتباطيا.

                              مصطفى لمودن 

Sidi slimane accueille enfin une maison de jeunes


Sidi slimane accueille enfin une maison de jeunes             (au féminin)
            Le Wali du Gharb-Chrarda-Bni-Hassan a inauguré Mercredi 25-07-07 le projet de bâtir  une maison de jeunes filles à Sidi slimane, tout prés de l’orphelinat. C’est une valeur ajoutée en faveur de notre ville qui souffrait d’un manque flagrant d’infrastructures socioculturelles. Cette inauguration est la concrétisation de la politique gouvernementale, dite de proximité, pour contrecarrer la pauvreté, la précarité aussi bien dans le milieu rural que dans le milieu urbain, dans le cadre de l’INDH.
Pour l’histoire on doit rappeler que le projet de construire une maison de jeunes filles
à Sidi slimane datait des années80 du siècle dernier, quand plusieurs associations dont celle des parents d’élèves avait remarqué que le nombre de filles baissait au fur et à mesure qu’elles avançaient dans leur scolarité (abandon scolaire, phénomène de déscolarisation,au dire des sociologues).Rares sont celles qui arrivent au secondaire, les estimations sont lamentables : une fille sur dix accède seulement  au secondaire. Les filles inscrites aux collèges et lycées de Sidi slimane méritent d’être nommées militantes anti analphabétisme et précarité. Ces militantes là vivent en majorité dans les garages loués ou cédés par des bienfaiteurs émigrés, ou tout simplement chez des proches, faute de centre d’accueil ou d’internat (il existe deux internats à Sidi slimane, l’un au lycée Allal El Fassi, l’autre au collège Essalam, mais ils sont réservés 
aux élèves masculins).
Le projet est donc bien venu comme exigence socioculturelle mais il n’accorde aucun délai pour sa réalisation,  car tout retard aura une néfaste incidence sur les jeunes filles rurales qui attendent d’être libérées des carcans de la précarité et la pauvreté. Souhaitons que le centre d’accueil –Dar Ataliba- soit prêt avant la prochaine entrée scolaire.


                       IDRISSI Houssaine    juillet 2007    

الثلاثاء، 24 يوليو 2007

الرابطة الوطنية للمعطلين حاملي الشهادات الجامعية: التأسيس لم يتم الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين: تتصدى وتصدر بيانا


   الرابطة الوطنية للمعطلين حاملي الشهادات الجامعيةالتأسيس لم يتم
   الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلينتتصدى وتصدر بيانا

      إخبار
      كما كان منتظرا، وكما جاء في دعوة خاصة توصلت بها باعتباري أشتغل على الإعلام، انعقد الجمع العام التأسيسي لجمعية جديدة خاصة بالمعطلين حملة الشواهد الجامعية، ارتأى أصحابها تسميتها بالرابطة الوطنية للمعطلين حاملي الشهادات الجامعية (ر.و.م.ح.ش.ج)، بعد استكمال اللجنة التحضيرية لكافة الشروط، التنظيمية والإدارية، انطلقت الأشغال في حدود الساعة الخامسة، من يومه الاثنين 23 يوليوز 2007 بإحدى قاعات دار الشباب بسيدي سليمان، أطلق شرارة البداية مصطفى الأزهر باعتباره مسيرا، ليليه منسق اللجنة التحضيرية رضوان النجاعي، مستعرضا جدول الأعمال، وعند تطرقه لأول نقطة حول صفة الملاحظ بالنسبة للمدعوين من غير الأعضاء المنتظرين لجمعيته، تتالت طلبات نقطة نظام من عدد من المتدخلين، خاصة من المنتمين لفرع سيدي سليمان، أعضاء الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب، خاضت المداخلات في مدى شرعية القانون الأساسي، وعدم قبول استقالة رضوان النجاعي باعتباره كان الكاتب العام…الخ. لتختلط الأمور بعد ذلك، ويتحول النقاش من قبل البعض إلى تبادل التهم والشتائم، أمام مدير دار الشباب، ومراسل إحدى الجرائد الجهوية، وبعض الأفراد من أسر المعطلين، وبذلك فض الاجتماع، ولم يتم التأسيس لأي تنظيم جديد، وقد وزع فرع ج.و.ح.ش.م بيانا شديد اللهجة، ندرج في آخر هذه التغطية أهم ما جاء فيه، في إطار مهمتنا الإعلامية.
  توضيح
     نسجل أنه إذا كان من حق كل عضو الدفاع عن تنظيمه المقتنع به بكل ما أوتي من قوة مشروعة، فمن حق أي مواطن كذلك أن يؤسس جمعية (أو جمعيات) في ظل القانون الجاري به العمل. ونؤكد كذلك أن دورنا هو الإخبار، وتوضيح وجهات النظر، حتى وإن كانت متناقضة، إذا كنا قد أجرينا حوارا مع رضوان النجاعي، في ظل صفته السابقة قبل الاستقالة، فقد كان ذلك من باب الخدمة الإعلامية، ونضطر إلى توضيح لابد منه، إننا لسنا دافعيه لتأسيس جمعية جديدة، فهو ليس قاصرا، وكذلك من التفوا حوله، كثر عددهم أو قل، وقد قمنا بمسعى بحضور شاهد لرأب الصدع، ويعرف أعضاء من المعطلين أشكال الدعم التي يمكن أن نقدمها لكل راغب فيها حسب استطاعتنا وقدرتنا، وقد ذكر لي عضو من ج.و.ح.ش.م.م، أنهم يعتقدون أن لي يدا فيما وقع، لكن جلستين توضيحيتين، الأولى بطلب مني بحضور رضوان ن. نفسه، قبل هذا اليوم، والثانية بدعوة منهم، ذكرت أنني ليست لي مصلحة في انشقاق الجمعية، كما أنني لا أتدخل لمنع أو تأسيس أخرى، أقوم بدور إعلامي كما أسلفت سابقا، وهي الصفة التي حضرت بها التأسيس.
    يبدو أن مهمة التواصل الإعلامي، ما تزال لم تجد صداها المطلوب داخل أوساط اجتماعية مختلفة، لا نقصد بهم بعض المعطلين، أو ما وقع بالتحديد، رغم حرصنا الشديد على الحياد والصدق في نقل المعلومة ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، ونحن دائما في انتظار المقترحات والملاحظات.
    إن قلة عروض الشغل، خاصة بالنسبة لأصحاب الشواهد، رغم كثير من المجهودات التي بدلت وتبدل، تفرض هذه الوضعية على الجميع مراعاة الحالة النفسية والاجتماعية الصعبة للمعطلين، مما يقتضي تظافر كافة الجهود للرفع من مستوى التشغيل (انظر مقالنا السابق في الموضوع)، واعتبار المعطلين عامة جزء من المجتمع، من الضروري التحاور معهم والاعتراف بتنظيماتهم في أفق تشغيلهم.

البيان

  أورد البيان في مقدمته السياق العام الذي ورد فيه، في إطار ما اعتبره الهجومات الضارية عل جل القطاعات الحيوية ( التعليم، الشغل، الصحة، السكن…)، والمتجسدة في التدمير المعمم لأنظمة الحماية الاجتماعية والخدمات العمومية والمكتسبات التاريخية للطبقة العاملة وفرض سياسات إصلاحية تؤيد الفوارق الطبقية. تناضل الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب من أجل الحق في الشغل والتنظيم، وتعمل على تعميق واقع التناقضات وتأزيم البنية الطبقية السائدة، رغم القمع اليومي والاعتقالات والمحاكمات الصورية والاستشهادات…
    (…)وندد البيان بما سماه تحريك تهمة " المس بالمقدسات"، للزج بالمناضلين الشرفاء في غياهب السجون حسب لغة البيان، الذي اعتبر كذلك أن هناك أياد خفية تسعى لتفريخ عدة إطارات مشبوهة تعبر بشكل مفضوح عن انبطاحها التام وعمالتها المطلقة. وآخرها الدفع ببعض الانتهازيين اليائسين بسيدي سليمان إلى تأسيس جمعية صفراء، تتبنى أطروحة النظام وتنسجم وشعاراته الديماغوجية، الهدف منها ضرب وحدة المعطلين، وبالتالي تمرير سياسات الدولة، وكذا الترويج لحملة انتخابية سابقة لأوانها. 
     وانسجاما مع الهوية الكفاحية والنضالية للجمعية الوطنية نعلن للرأي العام الوطني والدولي ما يلي:
    1 ـ مطالبتنا الاعتراف القانوني بالجمعية والكشف عن قبر الشهيد مصطفى الحمزاوي، ومحاكمة المتورطين في اغتياله        
   2 ـ انحناؤنا إجلالا وإكراما أمام أرواح شهداء الشعب المغربي، وشهيدي الجمعية مصطفى الحمزاوي ونجية أدابا. 
    3 ـ تشبثنا بإطارنا العتيد الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب، الممثل الشرعي والوحيد للمعطلين.
    4 ـ دعوتنا لكل المعطلين بمختلف فئاتهم وشرائحهم للانخراط الفعلي في الجمعية الوطنية من أجل الدفاع على حقهم في الشغل والتنظيم، وعدم الانخداع بالإطارات الوهمية التي تؤطرها الحملة الانتخابوية.
    5 ـ عزمنا التصدي لكل من يحاول يائسا المساس بالجمعية الوطنية.
    6 ـ مطالبتنا بالإفراج الفوري واللامشروط على معتقلي فاتح ماي، وعلى رأسهم رئيس الجمعية الوطنية التهامي الخياط وكافة المعتقلين السياسيين.
   7 ـ مطالبتنا بفتح حوار جاد ومسؤول مع الجمعية الوطنية على أرضية ملفنا المطلبيي.
   8 ـ تحياتنا العالية لكل الإطارات والهيئات السياسية والجمعوية والحقوقية التقدمية على دعمها لإطارنا.
            
            عن الجمع العام
      سيدي سليمان 23/07/2007  
   لكل مواطن الحق في التعبير عن رأيه

الأحد، 22 يوليو 2007

قصة: الثعبان والبيض المسلوق


قصة:
الثعبان والبيض المسلوق
مهداة إلى جميع سكان قريتي… الذين هاجروا، والذين مازالوا صامدين يكابدون. وأي تطابق مع شخوص وأحداث من الواقع ليس محض صدفة…

       كل سنة يعيشون نفس اللحظات المعادة، يصارعون قساوة الطبيعة، أحيانا تجود عليهم، فيهطل المطر مغيثا، يستبشر به سكان القرية جميعهم، يتبادلون بسببه التهاني فيما بينهم، تماما كما يفعلون عند حلول عيد من الأعياد، غير أنهم يتعرضون لتسلط أشخاص لا ينتمون مثلهم للقرى… يدعون أنهم مجرد منفذين للأوامر، ذريعة لا يتقبلها القرويون، كلهم سواسية في نظرهم، من المدير إلى القائم على البوابة، لا فرق… لكل واحد دور في إخراج المأساة التي تكرر نفسها بنَفس بيروقراطي أصيل.
       مباشرة بعد جني المحاصيل الزراعية المبكرة، تبدأ الحملة انطلاقتها العلنية من السوق أولا… ينادي البراح متجولا بين الممرات، متنقلا من رحبة إلى أخرى… تصل الأوامر إلى كل بيت في البوادي:"الأداء، الأداء، والآجال محدودة…!"، يكفي أسبوع للشروع في التنفيذ…
لكل قرية أحداثها، الأبطال الضحايا هم السكان أنفسهم، والمخرجون الحقيقيون وراء الستائر لا يظهرون إلا عند الحاجة الماسة… الخشبة فضاء واسع، يشمل الحقول والوديان والشعاب والأسواق، وممرات الإدارات والدهاليز المظلمة…
     أغلب السكان يعالجون الأمر بحزم خاص، هناك من يوفر مكرها، متخليا عن كثير من الضروريات، كبناء حجرة أو سقيفة، أو مؤجلا عقد قران زيجة… ليبيع المحاصيل وجزء من الماشية، يدفع دينه ويرتاح قليلا… وما أن يحل الخريف وتظهر بوادر القطرات المطرية الأولى حتى يدق بابهم من جديد.
     يقول المدير:"هناك من يحتمي بالهروب واللف، هؤلاء يجب إلقاء القبض عليهم، والضغط عليهم إلى أن يؤدوا…"
      تبدأ الحكاية باستدعاء جميع الفلاحين، يُجمعون في مراكز خاصة، تؤثث جوانبها بآليات متنوعة، وصور مستوردة مبهرة عن حقول فاتنة ..!! يخطب فيهم مسؤولون عديدون، لا يفهم الفلاحون إلا جزء يسيرا من عباراتهم المخلوطة بلغة أجنبية! يميزهم الفلاحون بألوان ربطات أعناقهم واتساع صلعاتهم أو ضيقها، يبدو للفلاحين أنهم يحدثونهم عن مزايا الحرث المبكر، واستعمال البذور المختارة والأسمدة المُخصبة…" كل ذلك متوفر وما عليكم سوى التوقيع، وعندنا لكم مفاجئات أخرى مغرية، مبالغ إضافية من أجل الحرث والتنقية واقتناء المبيدات…"، بذلك ختم الذي يبدو أنه رئيسهم.
 يعيدونهم بمحاصيل وافرة، وسهولة في الأداء تمتد على سنوات عديدة… كل الأثمنة مرتفعة، والفوائد جد عالية، تتراكم الديون، وغالبا ما يؤدي الأبناء ما اقترضه الآباء في حياتهم منذ زمن غير يسير، يرث الأبناء القروض! تماما كما وقع لأحمد.
    دائما على أهبة الاستعداد حتى لا يقع في أيديهم، يوصي جميع أفراد الأسرة أن يجيبوا ـ حين السؤال عنه ـ بأنه مسافر ولو كان بالمنزل… يأمر ابنه سليمان أن يراقب باستمرار الطريق، ويخبره إن رأى حديدا قادما إلى القرية، كي يتدبر أمر اختبائه. رغم كل الاحتياطات يأتون على حين غرة، ويعودون بمن وقع في أيديهم… مرة حينما مروا بجوار منزل الفاطمي، خاطبهم ابنه إبراهيم من فوق الزبالة قائلا:"هل تريدون أبي؟"
     أجاب أحدهم على الفور:"نعم، أين هو يا ولدي؟"
     رد الصبي ببراءة:"إنه تحت كومة التبن"
     أخرجوه، أخذوه من قفاه، وساقوه أمام أنظار أبنائه والعيون المتخفية المطلة من الكوات وشقوق الأبواب والنوافذ… أودعوه سيارتهم الرمادية، ولم يخلفوا غير الغبار المتناثر على وجوه الأطفال الصغار الذين تجمعوا يتفرجون على المشهد.
        لن يذهب أحمد إلى السوق، عادة أسبوعية لا أحد كان يقوى على منعه من تكرارها، تعكر الجو لدى الزوجة والأبناء والأب ـ في قرارة نفسه ـ  كيف سيقضون أسبوعا دون خضر؟ تقول الزوجة، وإن كانت غالبا لا تكفي سوى ليومين أو ثلاثة، واللحم؟ هل ستكون ليلة السوق بعشاء ليس فيه لحم؟
     الأخبار القادمة من السوق، تؤكد إلقاء القبض على الكثيرين ممن سقطوا في شراكهم.
         حل أحمد عند بعض أقاربه بالمدينة، دق أبوابهم مستعطفا عساهم يقرضونه شيئا بينما تلقت الأسرة الإنذار الأخير في الورقة الحمراء هذه المرة مرفقا بالتهديد والوعيد…
        لما تعود عائشة مساء، تجلب الماء من الغدير، تنجز بسرعة الأشغال الضرورية، تعشي الأطفال، ثم تعد الطعام لليوم الموالي، وتهيئ كل ما سيحملونه معهم إلى ملجئهم في الحقول هروبا من الغارات المفاجئة… إذ أن القابضين يقدمون على حين غرة وفي أي وقت، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، بحثا عن أقارب الدائنين، لاحتجازهم كرهائن إلى حين تقديم رب الأسرة لنفسه.
        توقظ الأطفال باكرا، تجرهم وراءها وتسوق البقرة والعجل تفاديا لخطر حجزهما، لترعى الجميع في الحقول.
       عاد أحمد من المدينة خائبا، لم يقرضه أحد، لكل واحد معاذيره، يحس أن كماشة غادرة تكاد تضم فكيها المسننين على ضلوعه… في المساء تحلق حوله أفراد أسرته الصغيرة، الأفواه منفرجة، والآذان مصغية…عائشة تعلم مقدار حزنه وضيقه، لا تتكلم…
      يشد رأسه بكفيه، على ضوء باهت من مصباح بترولي محمّم يحملق في الحصير، تترأى له العويدات المنسوجة كالأمواج المتلاطمة، وهو وسطها يائس من النجاة، هل تتدخل قوة خارقة لتحل المشكل؟ تساءل مع نفسه، حتى لا يبدو عاجزا أمام الأطفال خاطبهم:"لقد كان المحصول ضعيفا هذه السنة "، وكمن وجد حبل نجاة أو لوحا تتقاذفه الأمواج، رفع رأسه، نظر إليهم واحدا واحدا، التقت النظرات، عض شفته، شد من عزيمته، وتصور نفسه قائد كتيبة يتفقد مستوى الاستعداد لدى جنده، وضع يده على كتف سليمان، وخاطب عائشة:" أعط البقرة تبنا وافرا مخلوطا بالشعير هذه الليلة " وقال لسليمان الولد البكر:"وأنت استعد لنذهب باكرا إلى السوق"، وبصوت أعلى خاطبهم جميعا:"سنبيع البقرة، ونكري الأرض لمدة خمس سنوات، لندفع ما علينا من دين ".
       يشد على كيانه بقوة حتى لا تغرورق جفنتاه بأية قطرة دمع، تدخلت عائشة:"كيف؟ والحليب؟ هل تريد أن نبقى بلا كسب ؟ وكيف تكري الأرض لمدة طويلة؟ بماذا سنعيش.."، قاطعها:"هل ننتظر ليقبض علي وأغيّب عن الأبناء، لتبقى أمامك البقرة؟ ثم يأتون ليبيعونها بأبخس ثمن، ويحتجزون الأرض؟"، سكت قليلا تم أضاف :"لن نبيع العجل الآن ". لم تجب، فقط احمرت عيناها وأسالتا دمعتين ساخنتين.
      عند أول تهليلة ربط حبلا إلى رأس البقرة وجرها، سليمان في الخلف، تسللا في غبش الفجر، الكلاب تتنابح، وبيوت القرية ما تزال غارقة في سباتها، يلفها ضباب خفيف…
      عليهما أن يقطعا طريقا طويلة متعرجة بين التلال والشعاب، وصولا إلى السوق الذي يعقد فوق ربوة عالية، خاطب أحمد ابنه:"هل تحس بالبرد؟" أجاب سليمان بصوت رجولي نافيا ذلك، وهو يغالب ارتعاد مفاصله واصطكاك أسنانه، بين الفينة والأخرى يستحث أحدهما البقرة كي ترفع من وتيرة مشيها… لحظة توقف الأب عن المشي، أوقف البقرة، نادى على سليمان، أشار إليه أن ينظر إلى ما بين قدميه المضمومتين، انحنى سليمان، ليجد كثلة صغيرة سوداء في حجم كرة الأطفال. "خد ـ قال الأب ـ احمله إنه قنفذ" لم يستغرب سليمان للأمر، فقد تعود صيد القنافذ ليلا رفقة أبيه.
         ضجيج السوق يصم الآذان، لغط السماسرة، والتجار، والجزارين القادمين من المدينة الباحثين عن الذبائح السمينة… تتساقط لغة التخاطب المختلفة متسارعة على أذني سليمان، يحاول فك ألغاز معانيها… تنتشر أخبار القبض في هذا الصباح الباكر على من لم يرجعوا بعد ما اقترضوه، هم أو آباؤهم، وما تراكم من فوائد ومصاريف على أصل الدين.
       باع أحمد البقرة، وتحصل ثمن كراء الأرض من أحد الأثرياء الحضريين، تعجل أداء ما يفترض بذمته، في المكتب الذي يفتح كل أسبوع لنفس الغرض أثناء فصل الصيف، «كيف يأتون إلى هنا حين قدوم موعد التسديد، بينما نحن من يذهب إليهم حتى المدينة حينما نريد الإستيدانة..؟"، هذا ما يردده القرويون فيما بينهم دون أن يجدوا جوابا شافيا.
       تسوق أحمد الضروريات الملحة، وعاد الاثنان منهوكا القوة إلى القرية، تسلمت الزوجة القفة، علمت أنه أدى، ولن تلجأ مرة أخرى إلى الخلاء، أفرغت محتويات القفة، تناثرت الخضر، بدأت تعزل، رفعت صوتها بنبرة حادة:"أين اللحم؟»، رد أحمد:"إنه عند سليمان". فك سليمان ذراعيه المثنيتين على صدره، ليحل قبضته على قبعة الدوم، وهي تضم في تجويفها الصيد الثمين، ألقى القبعة فتدحرج القنفذ أرضا…
    بعدما تعشى الجميع ونام الأطفال، همس أحمد لعائشة:"لا يمكن أن نحتفظ بالعجل، أبدت استغرابا، اقتربت منه أكثر، أضاف":" لأننا سنرحل إلى المدينة، هناك سأبحث عن شغل، هناك سنعيش في كرامة كالآخرين… واسترسل يمنيها بحياة رغيدة في المدينة حتى تقتنع.
ــــــــــــــ

نشرت بجريدة "العلم" عدد 20083، بتاريخ 22 ماي 2005 

 في كل شهر سأحاول إدراج قصة مما تراكم لدي، أغلبه نشر بصحف وطنية، ونظرا لصعوبة النشر ضمن "مجموعة قصصية" نكتفي الآن بالواجهة الفضية، عبر الشبكة…كما أننا ننتظر مساهمة القراء للنشر…