فلسطين تحتاجنا جميعا
إن الشعب الفلسطيني يعاني حصارا غاشما خاصة على قطاع غزة، حيث يتعرض الفلسطينيون لعقاب جماعي، داخل سجن مغلق اسمه غزة، بدون طاقة ولا حاجيات أساسية تكفل الحد الأدنى للعيش الكريم من دواء وغذاء ، بل حتى الضفة الغربية بدورها تعاني الأمرين رغم مهادنة السلطة الفلسطينية هناك وإجرائها أحيانا لاتصالات ومفاوضات مباشرة مع إسرائيل بزعامة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي أقال حكومة إسماعيل هنية التي فازت في آخر انتخابات حصلت فيها حركة حماس على الأغلبية…وبذلك دخل الإخوة الفلسطينيون في نفق مغلق، بعدما تم تنصيب حكومة جديدة بالضفة، بينما رفضت حماس الانصياع لقرارات الرئيس، واستمرت في تدبير أحادي الجانب لشؤون قطاع غزة الضيق جغرافيا والمكتظ سكانيا، مع مقاطعة واسعة من طرف جل دول العالم… في محاولة لدفع حماس إلى الاعتراف بدولة إسرائيل وتغيير سياستها، وهو ما ترفضه حماس إلى الآن رغم كل المحن، رغم تلويحها أحيانا بإمكانية الجلوس إلى طاولة الحوار مع الإخوة في الضفة.
قبل أيام فقط اجتاحت القوات الإسرائيلية قطاع غزة، مما أسفر عن وفاة مائة شهيد ضمنهم أطفال صغار، وجرح وتشريد العشرات، أمام أنظار العالم الذي لا يحرك ساكنا، بل إن مجلس الأمن وهو تحت رحمة الفيتو الأمريكي لا يستطيع حتى إصدار بيانات الإدانة في حق الهمجية الإسرائيلية، حيث تم إقبار مشروع في ذلك تقدمت به ليبيا، كما تفعل مع كل المشاريع التي تشتم فيها رائحة العدالة والوقوف ولو بالكلام إلى جانب الفلسطينيين،وقد اعترف رئيس الوزراء الإسرائيلي نفسه قبل الاجتياح الأخير لغزة أن جيشه سيقود " محرقة" تجاه الفلسطينيين، عقابا لهم على حقهم المشروع في المقاومة، وإطلاق صواريخ تجاه مستوطنات قريبة من القطاع أو في القطاع نفسه، وقد أثارت كلمة "محرقة" ردود أفعال مختلفة، علما أنها مرتبطة في أذهان الغرب عما تقوله إسرائيل عن " محرقة النازية" لليهود أثناء الحرب العالمية الثانية، فكيف يصبح هذا الصهيوني " المضطهد" يمارس بدوره أبشع اضطهاد في حق شعب أعزل، سوى من وسائل مقاومة شبه بدائية، تبدعها فصائل المقاومة الداخلية دفاعا عن النفس في مواجهة أعتا جيش في المنطقة، يتوفر على ترسانة سلاح يقل نضيرها.
وأمام التغلغل الصهيوني داخل مختلف الأوساط المتنفذة في الغرب، خاصة لدى الحكام وأصحاب القرار الأساسيين، فإن ردود الفعل تكون باهتة تجاه كل أشكال العدوان الذي يمارسه الكيان الصهيوني في حق الفلسطينيين، فالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مثلا قال مؤخرا أنه لن يصافح أحدا لا يعترف بدولة إسرائيل بخلاف ما كان ينهجه سلفه شيراك من الظهور بموقف حيادي في القضية الفلسطينية، وقد شاهد الجميع أنه قرر الذهاب إلى زيارة محمود عباس بالضفة الغربية إلى جانب زيارته للقدس المحتلة وملاقاته للحكام الإسرائيليين قبل مغادرته قصر الإليزيه بباريس. أما عن دور البيت الأبيض داخل الولايات المتحدة الأمريكية فهو منحاز بشكل سافر إلى جانب الإسرائيليين، وقد تفاقم الوضع أكثر مع وصول المحافظين الجدد إلى سدة الحكم مع بوش الابن قبل أزيد من سبع سنوات، وإن كانت الإدارة الأمريكية لا تحيد عموما عن نفس النهج، وليس صدفة أن ينطلق العدوان على العوائل والأسر الفلسطينية من قبل إسرائيل مباشرة بعد عودة "والكر جورج بوش" من جولة قادته إلى المنطقة، من ضمن من زارهم إسرائيل ودولا عربية أخرى. وبالتأكيد فإن إسرائيل تُشعر حليفتها أمريكا بكل تحرك تقوم به، أي أنها تتلقى الضوء الأخضر قبل كل هجوم.
ولعل هجوم يوم الخميس 6 مارس على مدرسة تلمودية بالقدس الغربية خلف ثماني قتلى وجرحى هو ردة فعل ضمن سلسلة من الانتقامات لن تنتهي مادام المشكل الفلسطيني قائما، منه وعنه تنبطق عددا من المشاكل والخلافات، لعل من أبرزها الصراع القائم في جنوب لبنان مع حزب الله، حيث تكبد الجيش الإسرائيلي " الذي لا يقهر" حسب البعض شر هزيمة له في صيف سنة 2006، في أطول حرب اضطر لمجراتها جيش الاحتلال الإسرائيلي لمدة 33 يوما، ومن تبعات ذلك اغتيال عماد مغنية بسوريا خلال الشهر المنصرم، وبذلك تنتقم دولة إسرائي كعادتها بأساليب مخابراتية مقيتة من الرجل القوي في التنظيم العسكري لحزب الله، وقد أكد حسن نصر الله زعيم الحزب الشيعي امكانية انتقام مماثل، وربما يدخل حادث المدرسة التلمودية ضمن ذلك، رغم أن القضية الفلسطينية تبقى هي المحرك الأساسي لكل النزاعات بمنطقة الشرق الوسط منذ غرس الكيان الإسرائيلي بالمنطقة.
يتم الحديث باستمرار عن الصمت العربي المريب تجاه الأحداث والفواجع الفلسطينية وما يترتب عنها دون الوقوف على حقيقة الأنظمة العربية المتخوفة باستمرار من كل ما يثير غضب أمريكا الحليف الاستراتيجي لإسرائيل، علما أنه بالإضافة لضعف أغلب هذه الأنظمة في علاقتها بشعوبها، فإن لكل دولة مشاكلها الخاصة، التي تؤرقها وتهدد كيانها في بعض الأحيان، ولعل نظرة بسيطة على خارطة الوطن العربي تؤكد ما نقوله، لهذا لا يرجى كثير نفع من هذه الدول لدعم الفلسطينيين، سوى ما قد يقوم به المجتمع المدني الضعيف في كثير من هذه الدول أو المنعدم أصلا، لأن نشاط وقوة المجتمع المدني مرتبطة حتما بالفضاء الديمقراطي والحرية، وهما صفتان مصادران في أغلب الدول العربية، نقول أن دعم الشعوب العربية والمجتمع المدني هو آخر حصن مازال قائما تجاه الاستمرار في سياسة مقاطعة إسرائيل والتنديد بتقتيلها لفلسطينيين.
ماتزال فئة عريضة من الشعوب العربية تبرز دعمها اللامشروط للقضية الفلسطينية، غير أن تحول الخلافات الفلسطينية الداخلية إلى احتراب بين الإخوة في الوطن الواحد جعل البعض يثير أكثر من سؤال حول ذلك… ما نتمناه هو عودة الصف الفلسطيني إلى سابق عهده من التوهج والوحدة كما عهدناه داخل منظمة التحرير الفلسطينية ـ رغم كل الخلافات ـ الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين كما كنا نسمع أو نقول على عهد جيلين. ونقول أنه لمصلحة العرب جميعا يجب تجديد أساليب العمل الدبلوماسي والانتقال إلى العمل المنظم على شاكلة اللوبي الإسرائيلي بأمريكا، فللعرب من القوة المالية والاقتصادية ما يجعلهم قادرين على إسماع صوتهم، لكن غياب الإرادة الرسمية لدى الحكام يحول دون ذلك.
ستظل فلسطين تحتاجنا لندعمها قصد خلق دولتها المستقلة حسب إرادة الفلسطينيين أنفسهم، بدون وصاية من أي جهة كانت.
مصطفى لمودن