مصطفى لمودن
لا أقصد بها جماعة لصوص أو قطاع طرق أو مروجي المخدرات.. بل آخرين قد يكونون
على درجة من التعليم، لكن لهم علاقة بالشأن العام، سواء كمشتغلين في الإدارة أو منتخبين
مسؤولين على جماعات منتخبة. غالبية من هؤلاء أصبحوا متمرسين على التلاعب بمصالح المواطنين
وعلى دراية عالية بكيفية الاغتناء غير المشروع وعلى علم بالمساطر الإدارية وكيفية خداعها،
بل والأخطر من كل ذلك التواطؤات البينية (فيما بينهم)في مقابل تبادل الخدمات والمنافع..
حتى لا يبقى كلامنا عاما، نعطي مثلا ببعض الوقائع التي تسمح الصدف بظهورها هنا وهناك،
من ذلك اكتشاف أن رئيس جماعة "الحوافاة" من إقليم سيدي قاسم وهي قريبة من
سيدي سليمان، لم يضع مدخول تفويت السوق الأسبوعي في صندوق الجماعة، بل حوله ببساطة
إلى جيبه وانتهى الأمر.. المبلغ لا ينقص عن 100 مليون سنتيم، ومن أين له "المسكين"
أداء مصاريف الحملة الانتخابية القادمة، حيث تعقد المآدب (الزرود) وتشترى الذمم كالبهائم
وتعطى الرشاوى لبعض "أصحاب الحال" عن التجاوزات.. وقبل هذا بشهور، القي القبض
في كمين على رئيس بلدية سيدي يحيى وهو يتلقى رشوة لا تقل عن 20 مليون سنتيم من مقاول
مقابل التدخل من أجل التأكيد على "صلاحية" من نفذ من "مشاريع"..
للتذكير الأول ينتمي لحزب "التجمع الوطني للأحرار" الذي يرأسه وزير الخارجية
والتعاون الحالي صلاح الدين مزوار والذي سبق أن اتهم بتحويل تعويضات له غير مشروعة
لما كان وزيرا سابقا للمالية، والثاني الذي ضبط يتلقى رشوة ينتمي لحزب "الاتحاد
الدستوري" الذي له رمز الحصان.. كما سبق في نفس المنطقة (الغرب)عرض أربعة رؤساء
على المحاكم بتهمة تزوير "الشهادة الابتدائية"، (سوى الشهادة الابتدائية!!)
التي تخول لحاملها كي يصبح بقدرة قادرة "رئيس جماعة"..
يحدث هذا ومثله الكثير في المغرب الآن، حيث طغى الفساد وانتشرت الرشوة والزبونية
والمحسوبية وقد وصلت حتى إلى التجسيل في الجامعة من أجل "العلم" كما في حدث
في جامعة المحمدية من أجل التجسيل في الدكتوراه (المساء يوم السبت 14 دجنبر)..ويعلم
الجميع أن المغرب تراجع كثيرا على المستوى الدولي في تصنيف الشفافية ومحاربة الفساد،
ولا غرو في ذلك، فقد كان من أول ما أعلن عنه رئيس الحكومة الحالي، هو "عفى الله
عما سلف" من جرائم في هذا الشأن، وهو ما اعتبر إشارة ضوء أخضر لاقتراف المزيد..
ما تعيشه الجماعات المحلية كارثة بكل المقاييس، فليس الأمر يهم سوء التدبير
وضعف التصورات التي تقود نحو "تنمنية" مجالية مفقودة، بل هو نتيجة
"سياسة" دولة انطلقت منذ بداية ما سمي ب"المسلسل الديمقراطي"،
حيث انطلقت "الديمقراطية" مغشوشة ولم تتجاوز "التمثيل" على المغاربة
من أجل تلقينهم درسا يجعلهم يكرهون كل ما يمت للديمقراطية بصلة، وقد كرس غير المأسوف
عليه إدريس البصري ذلك، والنتيجة هذا التخلف المريع على جميع المستويات فيما يخص الجماعات
المحلية، من حيث افتقادها لأي بعد تنموي في مختلف المجالات، ونحن نؤدي الآن ضريبة ذلك..
بقيت إشارة واحدة أريد الإشارة إليها بحكم تجربتي وملاحظاتي، إن ألذ أعداء غالبية الجماعات
المحلية في المغرب هو قطاع التعليم، وخاصة المدرسة، فالجماعات المحلية بالعالم القروي
من الناذر جدا أن تنظر في أحوال المدارس وتدعم التعليم بها.. والغرض واضح، فأغلب المنتخبين
يفضلون الشعب جاهلا للتلاعب به..
لا يجب أن يستمر هذا الوضع، مما يحتم أولا تدخل القضاء لمعاقبة المجرمين أينما
كانوا في الإدارة أو الجماعة المحلية، عدم تخلي "المثقفين" ذوي النية الحسنة
عن الجماعات المحلية كما تخلوا عن المدرسة العمومية، ومواجهة كل "الشناقة"
و"أصاحب الشكارة" من إقطاعيين جدد، تهمهم مصالحهم الضيقة أولا.. لن يرحم
التاريخ أي متخاذل.