الجمعة، 22 يناير 2010

حتى لا يستفحل الإجرام


حتى لا يستفحل الإجرام
طفت على السطح مؤخرا بسيدي سليمان بعض الحوادث ذات الطابع الإجرامي، ورغم أن الموضوع لم يتحول إلى ظاهرة ملفتة ومقلقة، فإن تواتر بعضها يدق ناقوس الخطر، لتنتبه كل الأطراف المعنية للأمر، وتوليه ما يستحقه من عناية واهتمام.
 ولعل أبرز حدث ملفت في الموضوع هو قتل شاب لصديق له وهو في نفس الوقت من الجيران، الضحية في أقل من 16 سنة من عمره، وقد تعرض لطعنات قاتلة في عدة أجزاء بجسمه يوم الاثنين 11 يناير 2010، وقد اعترف الجاني بجريمته وقدم للعدالة.
وتقع حوادث نشل للمارة خاصة النساء منهم، كما وقع لسيدة تعمل مدرسة، وقد اعترضها أحدهم وهي قرب بباب منزلها بحي رضا مساء الأحد 17 يناير، وقد هددها بمدية، وسبب لها جرحا ورضوضا في يدها ومزق لها جزء من معطفها، لينزع منها حقيبتها اليدوية بما فيها من وثائق ونقود، وفر هاربا، ليتم إلقاء القبض عليه بعد ذلك من طرف الأمن بالمدينة وهو ما زال يتوفر على المسروق بعدما قفز سور مؤسسة تعليمية وشرع يفرغ محتويات الحقيبة، وظهر فيما بعد أن الجاني قد استفاد مؤخرا من عفو قبل أن يستوفي المدة المحكوم بها.
 أما الحالة الثانية في نفس الموضوع فتعني شابة في مقتبل العمر (رانية ر.)، فقد تعرض لها أحدهم بعد العاشرة صباحا بشارع المقاومة أمام حمام عمومي هناك، وقد كانت متوجهة إلى معهد للتكوين، وانتزع منها حقيبتها بالقوة تحث التهديد بالسلاح الأبيض.. وقد ألقي عليه القبض بدوره بعد ذلك، وظهر أنه من المبحوث عنهم.
وفيما يخص السرقة الموصوفة فقد تعرضت إحدى الأسر بحي رضا لسرقة تممت من أعلى سطح المنزل وفق قول أفراد الأسرة، ليلة الأربعاء 20 يناير الحالي ما بين السابعة والتاسعة ليلا حسب إفادة نفس الأفراد، وقد كان بعضهم بالمنزل نفسه، بينما استطاع المهاجم المجهول سرقة مقدار مالي وأدوات مطبخ من حجرة بالسطح، ولازال إلى الآن لم يفك لغز هذه العملية…
ونشير إلى أن استثبات الأمن بالمدينة لا يحتاج فقط إلى مقاربة أمنية وقضائية فقط، فهذه الجوانب ضرورية ومن أجل هذا الغرض وجدت، وبالأخص التواجد بمختلف الأماكن بالمدينة، وتدبير الطاقم البشري المتوفر بالكيفية المطلوبة، والقيام بدوريات مكثفة، والاستجابة لطلبات النجدة بالفعالية المطلوبة… مع ضرورة توفير كل المستلزمات الضرورية  ليقوم الجهاز الأمني بواجبه… بل من المعروف أن للأمن امتدادات أكبر، تشمل مجالات عديدة وتدخل فاعلين آخرين، فإذا كان لا يوجد إطلاقا أي مبرر للمجرم ليقترف فعله المنافي للقانون والماس بسلامة الآخرين، غير أن مقاربات أخرى تبقى ضرورية لإشاعة الأمن، منها طبعا توفير المتطلبات الضرورية لتجمع بشري كما هو عليه الحال في سيدي سليمان، من بنيات ثقافية ورياضية واقتصادية…
ومن اللائق كذلك توفير جهاز أو مصلحة أو إدارة (قد تختلف التسميات) تعنى بإدماج السجناء السابقين في المجتمع، بعد حصولهم على عفو أو إتمام المدة المحكوم بها عليهم، تقوم بتتبع كل حالة وتبحث عن أنجع وسيلة حتى لا يحسوا بالإحباط و"يختاروا" العودة إلى السجن عن طريق جرم جديد، وكل ميزانية تخصص لذلك لن تذهب سدا أمام بقية الخسائر التي تقع على مستوى الجناة أنفسهم وحياتهم الشخصية والأضرار التي قد تحدث للمجتمع بأسره.  
       

الخميس، 21 يناير 2010

"بروسينيوم للمسرح والتنشيط الثقافي" تقدم عرضا مسرحيا بسيدي سليمان شباب طموح ينتظر دعم الجمهور


"بروسينيوم للمسرح والتنشيط الثقافي" تقدم عرضا مسرحيا بسيدي سليمان 
شباب طموح ينتظر دعم الجمهور
تقدم فرقة نادي "بروسينيوم للمسرح والتنشيط الثقافي" عرضا لمسرحية "بلاغ هام" بدار الشباب يوم السبت 23 يناير 2010 ابتداء من الساعة الخامسة مساء، المسرحية من تأليف كريم البلغيثي وإخراج يونس بوكرين. 
 
من اليمين: أيمن الزهراوي، كمال قجوان، محمد مرغاد (بالطربوش)، خالد شكري، كريم البلغيثي، يونس بوكرين (المخرج) ـ من أعضاء الفرقة المسرحية ـ

ومن المرتقب أن تشارك الفرقة بهذه المسرحية في الثالث من الشهر القادم ضمن الاقصائيات الإقليمية المؤدية إلى المهرجان الوطني لمسرح الشباب للمرة الثالثة، بحيث أن لهذه المجموعة المسرحية مساهمات في تمثيل المدينة ضمن نفس المسابقات، وتحتل مراتب مشرفة حسب ما أكده للمدونة مخرج المسرحية يونس بوكرين، وقد أضاف في حديثه أن فرقته نالت المرتبة الأولى السنة الماضية ضمن 13 فرقة مشاركة.
وكما وقع في السنة الماضية يخشى أعضاء الفرقة المسرحية إقصاء مبكرا في المسابقات الجهوية التي تأتي بعد ذلك، بسبب ضعف الإمكانيات التي تجعل العرض المسرحي يعرف نواقص، خاصة على المستوى السينوغرافي، وعن سؤال عن التكلفة المنتظرة أجاب المخرج يونس بوكرين:"إذا أردنا أن نعد سينوغرافيا احترافية نحتاج إلى 7 آلاف درهم"
في هذا الصدد قال كمال قجوان عضو الفرقة:" عولنا على التمويل الذاتي لعرضنا المسرحي، وبما أن المنح تكون ضعيفة جدا، والإقصائيات تقتضي تقديم عروض متكاملة، وهذا يتطلب نفقات، لهذا نطلب من الجمهور السليماني تفهم الأمر ومساعدتنا لنمثل المدينة أحسن تمثيل"، يقصد بذلك الدعم المادي من خلال اقتناء تذكرة الدخول… ويتحدث هؤلاء الشباب عن ذلك بتردد، بينما من حقهم تحصيل مقابل عن عروضهم المسرحية. 
  
ملصق خاص بالعرض المسرحي "بلاغ هام"
يضيف كمال قجوان وهو مشارك بتشخيص دور داخل المسرحية:" لقد طلبنا من المسؤولين مساعدتنا، لكن لم نجد آذانا صاغية"، وبينما يصر بعض رفاقه على ذكر المسؤولين بأسمائهم، يقترح بعض آخر الاكتفاء الآن بالدعوة لمساندة الفرقة.
يتدخل من جانبه المخرج الشاب يونس بوكرين واصفا الوضع الثقافي والمسرحي بالمدينة بالكارثي والمعرض للفناء والاندثار وخاصة المسرح، موجها لومه لكل مهتم بالثقافة على الإهمال الموجود، وقد ذكر بالخصوص النقص في التجهيزات؛ "نفتقر إلى إنارة احترافية بالقاعة، ونجد صعوبات في التنقل إلى مدن أخرى لتقديم عروضنا، ونسجل عدم تقديم أي مساعدة للمسؤولين في المدينة"، وقد ذكروا جميعا بحسرة موقف مسؤول تحفظوا على ذكر صفته كان رده حينما طلبوا منه مساعدة أن " يتوجهوا إلى السوق لبيع تذاكرهم"!
وقد ركز جميع أعضاء الفرقة الحاضرون لحظة إجراء الحوار على توجيه الدعوة من أجل مساندتهم سواء من قبل الجمهور المهتم بالمسرح أو المسؤولين، وقد ختم المخرج بقوله:"إننا نشتغل طيلة خمس سنوات، ولم نجد أي مساعدة، كما نفتقر إلى نصوص  مسرحية من كتاب خاصة المنتمين لسيدي سليمان، ونحن نسمع أو نقرأ عنهم فقط".
نشير أن ثمن تذكرة الدخول حدد في 15 درهما، وهو فقط دعم بسيط لشباب لجؤوا إلى المسرح أب الفنون ليفجروا طاقتهم الابداعية، ليتوجهوا عبره إلى جمهور يرغب في فرجة مسرحية، لكن أي عرض مسرحي من المفترض أن يتوفر على حد أدنى من الفرجة والمضمون المناسبين، وهو ما سنحاول مقاربته بعد مشاهدة العرض.
وللتذكير، تتوفر دار الشباب 11 يناير بسيدي سليمان على مواصفات حد أدنى لتقديم عرض مسرحي. 

الثلاثاء، 19 يناير 2010

دور أطر التربية البدنية في الإقلاع الرياضي مجرد رأي للنقاش…


دور أطر التربية البدنية في الإقلاع الرياضي
مجرد رأي للنقاش…
 
مصطفى تيدار(*)
سبق أن أشرنا إلى الأزمة التي تتخبط فيها رياضتنا، والتي فاقهما ضعف  الخبرة التنظيمية وضعف التراكم العلمي والعملي والنظري والفكري. وبداية الحلول تكمن في محاولة الإجابة عن تساؤلات كثيرة سنتطرق اليوم إلى البعض منها من قبيل هل لأطر التربية البدنية دور مع باقي الفاعلين الرياضيين في هذا الإصلاح المراد؟
يمكن اعتبار أطر التربية البدنية (خريجي مراكز التكوين والمدارس والمعاهد العليا) دما جديدا لابد أن يسري في عروق المسيرة الرياضية وقنواتها، بإضافة  ما لدى الخريج الجديد إلى ذلك، لكي يستقيم خط رياضتنا خارج المؤسسات التعليمية ودور الشباب. فهذه الدماء الجديدة سيظهر آثارها المباشرة في عطاءات الرياضة  خاصة حين تتجه بعض فرق الإحياء والأندية إلى الاستعانة بخدماتهم، فوجود هؤلاء الأطر يمثل إضافة نوعية مضيئة في مجال الرياضة، على الرغم من أنها محدودة نسبيا. ولكن العمل الجاد والجيد هو الذي  يجدد ويحدد في النهاية الموهبة الأصلية للخريج والممارس بالخبرة.  
هناك اعتقاد خاطئ لدى بعض المسيرين بأن أطر التربية لبدنية والشبيبة والرياضة متعالون، يرفضون العمل من خلال الفرق المحلية الصغيرة أو الكبيرة، والبعض الآخر يرفض التعامل معهم بحجة أن هذا النوع غير مرغوب فيه. بعضهم يرجح الأسباب التي تقلل من دور هذه الأطر في أداء أدوارهم  المأمولة والمنتظرة منها للارتقاء بمستوى الحركة الرياضية إلى عدم توفر الإمكانات،من ملاعب، وغياب المستلزمات الأساسية…ما يحول دون تحقيق الطموحات.
في غياب التواصل بين أطر التربية البدنية والشبيبة والرياضة وبين المسيرين الرياضيين بالفطرة من حيت الأخد والعطاء، وتبادل وجهات النظر وتحديد الرأي حول قضية محددة، والعمل الجاد على دراسة الواقع الرياضي وطرح تصوراته وتوصياته بشكل واضح ومحدد يساعد على حل مشاكل هذا الواقع: وقد قيل:"إذا كان المعلم  يصنع الإنسان اختصاصيا، فان الرياضة بالمقابل تجعل من هذا الاختصاصي أنسانا، لأنها تضيف إلى معارفه شكلا جديدا من أشكال الوعي الرياضي."
إن حل المشكلات التي تتخبط قيها رياضتنا تبدأ من وضع خطط إستراتيجية، وتحديد الأهداف والكفايات اللازمة  للرقي بالرياضة والرياضيين، وتغير الواقع السائد بمفهومه المتخلف على الرياضة العالمية المتنامية والمتطورة والمتحركة… وذلك بوضع تصور جديد وصياغة حداثية لتطوير العمل الرياضي والخروج على المألوف واكتشاف أبعاد جديدة وتعميق للفكر واستيعاب لواقع الرياضة وقناعة الجميع بالإصلاح المراد الوصول إليه، متجهين به إلى تأسيس إصلاح جوهري بإدخال كل التغيرات التي تتطلبها تقوية صلاحيات الجامعات والهيئات المشرفة على الشأن الرياضي في البلاد حتى تكون واضحة المعالم،  في1970  كنا البلد الوحيد الذي مثل إفريقيا في كأـس العالم وكنا منتصرين على ألمانيا1/ 0 ولم تكن لا أنغولا ولا الغابون  ولا كوريا ولا اليابان ولا ميريكان ….فيما هي عليه اليوم، فماذا جرى ولما كل هذا التقهقر؟
يجب الارتباط الفعلي بالأطر الرياضية الشابة ذات المصلحة الحقيقية في الإصلاح، إن فعلنا الرياضي بهذه الآليات وبهذا المنظور يهدف إلى جعل رياضتنا تعبر عن طموحنا، وأن نعمل بكل جدية على فتح جسور الحوار وكل أشكال العمل الرياضي المشترك، حتى يتسنى لنا تطهير دواليب الجامعات وإدارتها من بؤر الفساد، ووضع آليات قانونية للعمل وإلغاء نظام الامتيازات و المصالح من أجل تحديث وعقلنة النظام الإداري والتسيري،( كما جاء مؤخرا في الرسالة الملكية للمناظرة الوطنية لرياضة )
استنادا إلى البرمجة والتخطيط والمراقبة وفتح الجامعات الرياضية على الطاقات الشابة والكفاءات، لإرساء ثقافة رياضية ترسخ قيم الحرية والإبداع والتسامح، وتمكن مكونات الرياضة المغربية من التعبير عن نفسها، لتيسير سبل الممارسة وفق برامج مدققة مبنية على المعرفة الواقعية وعلى الدراسة، ومحددة في زمن انجاز البدائل الممكنة.
إن اتخاذ الأساليب العلمية المبنية على التخطيط والعمل بالأهداف والكفايات هو إحدى مداخل التجديد في الحقل الرياضي…
                                                        يتبع                                                        
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*)أستاذ التربية البدنية وفاعل جمعوي

قراءة في كتاب "من ديوان السياسة" إلى من يوجه عبد الله العروي خطابه؟


قراءة في كتاب "من ديوان السياسة"
  إلى من يوجه عبد الله العروي خطابه؟   
 
ذ. حميد باجو
الكل يجمع على قيمة وغنى الكتاب الأخير لعبد الله العروي:  "من ديوان السياسة" وعلى كثافة ما يحمله من أفكار، وأعتقد شخصيا أن لا محيد لكل من يعتبر نفسه سياسيا أو يمارس السياسة في بلادنا بمفهومها المحترم، إلا أن يطلع عليه ويقف عند مغازيه العميقة. فهو وحده قد يغني لمن فاته ذلك، عن قراءة العديد من أمهات الكتب في هذا الميدان.
أمام هذه الكثافة في الأفكار سيقف كل من يحاول قراءة الكتاب أو مناقشته  عاجزا بدون شك، عن الإحاطة بكل ما ورد فيه، ولهذا نعترف مسبقا بأن ما نحاول القيام به من خلال هذه الورقة، فيه كثير من المجازفة واحتمالات الخطأ أو عدم الفهم، وعذرنا في ذلك أننا فقط قد نساهم في إثارة النقاش حول الكتاب واستفزاز البعض ربما لكي يدلوا هم أيضا بدلوهم في الموضوع. 
1
وقبل التطرق إلى مضمون الكتاب نفسه، لا بأس من عرض بعض ما عرفته عن فكر العروي، حتى تتوضح الزاوية التي من خلالها قد أتناول الموضوع.
فعبد الله العروي قد انفتحت أعينه بداية وهو يحاول تلمس طريقه الإيديولوجي والفكري   في أواخر الخمسينات وبداية الستينات، على الصراع الدائر آنذاك بين قادة الحركة الوطنية والقصر حول طبيعة الدولة المغربية لما بعد الاستقلال. وقد احتك بالمهدي بن بركة و ساهم بجانبه في صياغة وثيقة "الاختيار الثوري"، تلك التي لخصت أهم إشكاليات  ذلك الصراع.
ولأنه كان شاهدا على فشل المشروع البديل للحركة الاتحادية الطامح إلى بناء الدولة العصرية، فإنه وجه جهده بعد ذلك للبحث في الأسباب العميقة لذلك الفشل، فجاءت كتبه الأولى حول تاريخ المغرب وأصول الحركة الوطنية، ثم الإيديولوجية العربية المعاصرة والوعي التاريخي عند العرب … ليربط من خلالها هذا الفشل بالعقلية التقليدية أو التراثية المهيمنة في المحيط العربي أو المغربي، ويؤسس لأطروحته التاريخانية الداعية إلى القطيعة مع هذا التراث، مستلهما في ذلك نموذج ماكس فيبر بالخصوص في تفسير كيفية المرور من الدولة ما قبل الليبرالية إلى الدولة الليبرالية الحديثة في المجتمعات الأوروبية.  وفي هذا الإطار جاءت أيضا سلسلة كتبه حول المفاهيم المؤسسة للإيديولوجية الليبرالية كمفهوم الدولة أو العقل أو الأدلوجة … (مع الإشارة إلى أنه لم يخصص أي شيء لمفهوم الديمقراطية ولا لمفهوم الاشتراكية اللذين كانا هما الشعارين الأساسيين  في  تلك المرحلة بالنسبة لليساريين المغاربة، وهو  ما يفسر ربما من بين أشياء أخرى، علاقته  التي بقيت دائما مترددة مع حزب الاتحاد الاشتراكي).
وبما أن نموذج الانتقال الليبرالي في أوروبا الغربية قد اعتمد في الكثير من التجارب على دور المستبد العادل، كما في نموذج الأمير لميكيافيلي أو نموذج بسمارك في بروسيا الألمانية بالنسبة لهيجل …ألخ، فقد يكون أحد الدوافع التي جعلته يقبل عرض الحسن الثاني لتدريس ولي العهد محمد السادس، لعل ذلك يساهم في إيجاد ملك عادل مغربي، يسهل حين يأتي وقته، عملية الانتقال الليبرالي في بلادنا.
لكن ما وقع من تطورات لاحقا في المغرب أو العالم العربي ككل، من صعود للمد الأصولي وتهميش لكل المفاهيم الليبرالية التي نظر لها، لصالح مفاهيم سلفية، وعودة الفقيه بقوة إلى الساحة على حساب المثقف العصري على عكس ما توقعه في كتاب الإيديولوجية العربية المعاصرة، جعله يقف حائرا ويبتعد لمدة زمنية عن التنظير حتى يستوعب ما يحدث.
وبالفعل فنحن لم يتسن لنا الالتقاء بالعروي مجددا إلا حين جاء لإلقاء محاضرته المشهورة منذ سنوات قليلة في قاعة سمية بالرباط، ليكشف لنا أن صعود الأصولية ليس في الحقيقة رجوع إلى الماضي ولا عودة للفقيه التقليدي، وإنما هي الحداثة أو الليبرالية تشق لنفسها طرقا ملتوية بما فيها اختراق هذه الحركات الأصولية نفسها، رغم مظاهرها الرجعية الخارجية.
بعد ذلك بمدة جاء كتاب "الإصلاح والسنة"، كمحاولة لتفكيك المنطق السلفي السني ويكشف حدوده أو تناقضه مع متطلبات العصر. أو بعبارة أخرى ليعلن نهاية وإغلاق هذا القوس من الـتأثير الأصولي الذي عرقل لمدة مسيرة التحديث أو اللبرلة في تطور المغرب، ويمهد بذلك للعودة لاستكمال مشروعه الأصلي.
في هذا السياق إذن يأتي كتاب "من ديوان السياسة"، كمحاولة منه لإعادة لوضع خارطة طريق جديدة لبناء الدولة الديمقراطية الحديثة. 
2
يضم الكتاب مدخلا و13 بابا، موزعة على 70 فصل، يستهل فيها كل فصل بسرد حكاية ممهدة على الطريقة الأنكلوساكسونية، وباستعمال جمل قصيرة في كثير من الأحيان ومصطلحات جديدة من إبداعه الخاص.
لكن الكتاب قد يمكن تقسيمه على العموم، إلى خمسة أجزاء:  
  • في الجزء الأول يعرف بالمنطلقات الأولية للسياسة المتمثلة في النوازع التي يرثها الإنسان عن أصله الحيواني، هاته النوازع التي تتكلف تربية الأم أو التربية الأولى بنقلها إلى الفرد منذ البداية، أو هي ما يمثل الصيغة الأولى للإدماج الاجتماعي من داخل الأسرة والعشيرة. مع التمييز بين الإدماج بناءا على مصلحة وهو ما يمثله تقليديا إطار القبيلة، أو بناءا على قيم ثقافية وهو ما تتكلف به عموما الزاوية والفقهاء.
  • في الجزء الثاني يتطرق إلى التربية الاجتماعية النظامية التي تؤهل الفرد لمرحلة الفطام وتجاوز ثقافة الأم. هذه التربية تسمح بالانتقال إلى مجال أرحب أو تفتح أفقا يتجاوز القبيلة والزاوية معا، وهو يمثله إطار السلطة السياسية أو الدولة. وعلى هذا المستوى الأخير يقدم العروي خطاطة لتطور أنماط الحكم أو السلط السياسية المعروفة تاريخيا: حكم الفرد وحكم القلة وحكم الجمهور، مع الإشارة إلى أن كل واحد من هذه الأنماط قد يتأرجح ما بين الفضيلة والرذيلة،  ما بين العدل والاستبداد. وهذه الأشكال تتعاقب فيما بينها في دورة متكاملة تنتهي لتعود من حيث بدأت. ويبدو هنا أن العروي قد جعل من تجربة أثينا قبل القرن الخامس ما قبل الميلاد، نموذجه المفضل الذي يقيس عليه باقي التجارب الأخرى.
     لكنه يتساءل مع ذلك، إن كان يمكن كسر هذه الدورة والخروج منها، كما بشرت بذلك الإيديولوجية الاشتراكية منذ القرن التاسع عشر. هذه الأخيرة التي انطلقت من اعتبار أنه ما دامت الثورة الصناعية تعمل على تحرير الفرد اقتصاديا، فذلك يكفي لنقله من حالة الأمية (ثقافة الأم) إلى حالة الفطام أو التهذيب، وفسح المجال إلى إقامة حكم الجمهور حيث تصبح الحاجة إلى الدولة لاغية أصلا، وبالتالي التخلص نهائيا من حكم الفرد أو حكم الأقلية.  وذلك على عكس الإيديولوجية الليبرالية التقليدية القائلة بضرورة التنوير أو التهذيب الثقافي، والتي لا يمكن أن تؤدي في آخر المطاف، عبر نظام التمثيلية البرلمانية، إلا إلى إقامة حكم الأقلية البرجوازية. إلا أنه يتكلم عن هذه الفكرة باعتبارها فقط الطوبى الجديدة التي جاءت تعوض ما روج له أفلاطون في "الجمهورية"  الفاضلة، والتي لم تكن تدافع في الحقيقة سوى عن حكم الأقلية المتمثلة في جماعة الفلاسفة.
  • في الجزء الثالث ينتقل العروي للتحدث عن النموذج المغربي أو الدولة المخزنية. ويمهد لذلك بالتعرض إلى الدولة الإسلامية التي لا يخرجها عن النموذج العام لتعاقب الدول، حتى وإن حاول أصحابها إخفاء ذلك وراء مصطلحات إسلامية خاصة، و يعرفها بأنها دولة مزيجة أو هي تمثل مرحلة ما بين الدولة الهيليستينية كمزيج من كل الدول السابقة إغريقية أو رومانية أو فارسية… وبين الدولة الأوروبية الحديثة.
أما عن دولة المخزن فهي قد تميزت على العموم بالاعتماد على ثلاثة أركان: السلطان والإمام والأمير ، وأنها لم تبق متماثلة مع نفسها طوال الوقت، بل متغيرة من عهد إلى آخر بحسب الأولية التي يعطيها كل سلطان لهذا الركن أو ذاك، فمخزن مولاي سليمان مثلا اعتمد أكثر على الزاوية ووظيفة الإمامة  في مقابل اعتماد مخزن مولاي اسماعيل على القبيلة ووظيفة الإمارة. 
  • في الجزء الرابع ينتقل العروي إلى الدولة المغربية الحديثة، مشيرا إلى قيام الحماية بالفصل بين مقومات الدولة المخزنية، حيث تركت وظيفة الإمامة للسلطان بينما احتكرت هي سلطة الإمارة، أي كل ما يتعلق بالجيش والإدارة والإقتصاد.
غير أن دولة ما بعد الاستقلال، ستعمل على إعادة تجميع كل هذه السلط في يد الملك، أو التوليف بين دولة المخزن القديمة ودولة الحماية الحديثة، وهو ما أنتج وضعا مركبا تتنازع داخله شرعيتان هما ما يعرف بالأصالة والمعاصرة. وهذا ما يوضحه العروي من خلال عرضه للقراءتين المتنافستين للدستور الملكي منذ سنة 1961: القراءة السلفية التي توظف مصطلحات من قبيل البيعة والشرع والشورى… وأخرى توظف المصطلحات الحديثة من قبل التعاقد والقانون والانتخاب…
  • أخيرا في الجزء الخامس وهو الذي يهمنا هنا أكثر، يتحدث العروي عن الآفاق المفتوحة لتجاوز الوضع الراهن. وهو إذ يشير إلى الصراع القائم بين ثقافة الأم والثقافة الحديثة أو ثقافة المواطنة، أو بين الأصالة والمعاصرة، ويقف عند العودة القوية في السنوات الأخيرة لظاهرة البدونة التي ترجع بالمجتمع إلى الثقافة الأولى و تغلب النوازع على العقل، يقترح أن الحل من أجل تطوير المواطنة أو ما يعبر عنه بالفطام، هو في اعتماد سياسة للإصلاح وليس للتغيير الجذري أو الثورة، فننطلق من الدستور الملكي الراهن في محاولة لتغليب القراءة أو التأويل الديمقراطي له على حساب القراءة أو التأويل السلفي. وهو ينصح بأن تكون الجهوية هي المدخل الأفضل لذلك، أي أن يتم البدء في تأسيس المواطنة عبر الإشراك الفعلي  للنخب المحلية في تدبير القضايا القريبة منها، على أن يتدرج ذلك حتى الوصول إلى القضايا الوطنية. والعروي يقدم هنا مقترحات ملموسة كأن يعاد النظر مثلا في التقسيم الجهوي الحالي باختزاله إلى عشر جهات فقط بما يجعل التوافق حاصلا بين البعدين التاريخي والسوسيولوجي لكل جهة، أو كأن تتحول الغرفة الثانية إلى المجلس الاستشاري الخاص للملك بدلا عن الدواوين و المجالس الأخرى المتعددة…ألخ
3 
بعد هذا العرض المركز لمضمون الكتاب والذي لا يمكن بأية حال أن يلم بكل غنى الأفكار التي يحملها، نطرح بعض الملاحظات أو التساؤلات الآتية:
إن العروي وهو يقترح هذا البرنامج العملي، يبقى وفيا في النهاية للخطاطة التي وضعها حول تطور أنظمة الحكم عبر العصور، أي الانتقال من حكم الفرد إلى حكم الأقلية ومنها إلى حكم الأغلبية أو حكم الجمهور، ثم العودة مجددا من حيث بدأت الدورة. وفي هذا الإطار فهو يضع المغرب حاليا في المحطة الأولى من الدورة أي حكم الفرد، مع الإشارة إلى التأرجح الذي لا يزال يطبع هذا الأخير بين تغليب القهر أو الإقناع، أو بين استعمال التخويف واستعمال الترغيب. ولذلك بحسب هذا المنطق، فإن المهمة التاريخية المطروحة حاليا، هي كيف مساعدة البلاد في الانتقال من حكم الفرد إلى حكم الأقلية، بالتركيز أولا على النخب المحلية، وتوسيع دائرة المشاركة السياسية أو دور الفاعلين السياسيين بجانب الملك في كل جهة. وهذا يعني ضمنيا أن ما نتكلم عنه من بناء نظام ديمقراطي حقيقي وفصل واضح للسلط وحكم الشعب من طرف نفسه… هو طرح غير جدي بالنسبة للعروي أو أن شروطه لا زالت بعيدة. أو هو في أحسن الأحوال سيعتبر ذلك من باب الطوبى ووسيلة للتعبئة لا غير. أي أن العروي لا يؤمن هنا بسياسة حرق المراحل ولا بتحقيق القطائع، فالدورة السياسية الثلاثية هي أقوى من أن تتجاوزها الإرادات الذاتية للفاعلين السياسيين.
إن العروي  وانطلاقا من تجارب الشعوب السابقة، قد ينظر إلى تطور التاريخ وكأنه تطور دائري يبدأ دائما من حيث ينتهي، بحيث حتى ولو افترضنا مثلا أن الديمقراطية أو حكم الجمهور قد يتحقق يوما، فسيبقى هناك احتمال كبير لأن تعم الفوضى بعده، أو ما يعبر عنه بخطر الديماغوجية، وبالتالي يعود حكم المستبد من جديد. فالثورة العمالية البلشفية مثلا في روسيا، قد أنتجت في النهاية حكم الاستبداد مع ستالين، والثورة الفرنسية أعطت الحكم الفردي مع نابوليون… وأن أحسن ما أنتجه التاريخ لحد الآن، وبعد عملية تهذيب وتثقيف طويلة المدى هو ما نعرفه بالنموذج الديمقراطي الغربي، الذي ليس في نظر العروي أكثر من حكم أقلية من الملاكين الرأسماليين، لا يختلف كثيرا  في العمق عن حكم الأقلية الأرستقراطية في اسبرطة القديمة.
وكأن العروي يريد أن ينبهنا هنا، أن ما نجري وراءه كديمقراطيين، من ديمقراطية حقيقية وحكم الشعب نفسه بنفسه، يبقى مجرد وهم أو سراب قد نقترب منه أحيانا لكننا لن ندركه أبدا. كل ما نستطيع أن نحققه في الواقع، هذا إذا ما نجحنا في مهمتنا، هو توسيع دائرة المشاركة السياسية ونقل البلاد من حكم الفرد إلى حكم الأقلية، أما أن نصل إلى حكم الشعب أو الجمهور فذلك من باب المستحيلات بمنطق العروي.
لكن حتى إذا قبلنا بمسايرة العروي في منطقه هذا، ما الذي يمكن لنا أن نفعله أو ما العمل؟ الجواب هو تغليب ما سماه بالتأويل الديمقراطي للدستور الملكي على حساب التأويل السلفي.  ولكن لمن يمكن أن توكل هذه المهمة؟  ربما  الذي في ذهن العروي هي تلك النخبة أو النخب المهمشة حاليا، والطامحة لأن تلتحق بدائرة القرار السياسي بجانب الملك. فهذا ما نجحت فيه نخبة الحركة الوطنية سابقا، وهو ما بقيت بعض النخب اللاحقة تناضل من أجله بعد الاستقلال بدون جدوى، باسم شعارات الديمقراطية تارة وشعارات الاشتراكية تارة أخرى، وحتى باسم الشعارات الإسلامية في مرحلة ثالثة.
ولكن أليس من المفروض  حتى تنجح  هذه النخب  في مهمتها وتفرض على الملك أن يتقاسم معها بعض السلط، أن تعبأ حولها أكثر ما يمكن من فئات الشعب؟ وفي هذه الحالة، حول ماذا ستعبئ، أو ما هو برنامجها أو الشعارات التي يمكن أن تقنع بها هذه الفئات؟ هل ستدعوها فقط إلى الالتفاف حول مطلب تغليب التأويل الديمقراطي بما سيسمح بتوسيع دائرة المشاركة السياسية؟ و لكن من يمكن أن يستفيد من ذلك التوسيع غير النخبة نفسها؟ ماذا ستجنيه باقي الفئات الشعبية من ذلك؟ أو بعبارة أوضح، كيف يمكن للنخية الديمقراطية أن تقنع فئات واسعة من الشعب بالالتفاف حول مطلب هي تعرف أن المستفيد الوحيد منه هي تلك النخبة لوحدها؟
هذا ما لا تجيب عنه أطروحة العروي، لسبب بسيط هو أن التعبئة الجماهيرية تفترض وجود طوبى معبئة، والعروي لا يقترح علينا أية طوبى. وكأن العروي ينحاز هنا إلى واقعية أرسطو في مواجهة جمهورية أفلاطون المثالية، وإلى دروس ابن خلدون الجافة في مقابل مدينة الفارابي الفاضلة، أو إلى واقعية أمير ماكيافيلي البغيضة في وجه حلم روسو حول العقد الاجتماعي…
والخلاصة، ماذا قد يستفيد المناضلون الديمقراطيون واليساريون من هذه الأطروحة (من غير فائدتها العلمية بالطبع) في صياغة مشروعهم النضالي؟ أو بتعبير آخر لمن يوجه العروي خطابه هذا؟ أليس المخاطب الأساسي هنا هو الأمير أو الملك نفسه قبل الديمقراطيين؟ ألا يدخل هذا في أخر الأمر في إطار ما يعرف بالنصائح السلطانية التي كان العلماء والفقهاء يسدونها للسلاطين والملوك، أو أليس هذا هو نفسه المشروع الأصلي للعروي الذي بقي يشتغل عليه منذ نهاية الستينات بغرض المساعدة في إفراز المستبد العادل على الطريقة المغربية؟
لكن إذا كان الملك هو مخاطبه فعلا، ألا يكون قد أخطأ الهدف؟  لأنه متى كان السلاطين يقبلون العمل بالنصيحة الموجهة إليهم إن لم يكن هناك من مبرر جدي يدفعهم لذلك، أي أن يكونوا مضطرين لذلك بسبب تهديد أو ضغط سواء خارجي أو داخلي؟ من الذي سيرغم الملك محمد السادس على العمل بنصيحة العروي وتغليب الـتأويل الديمقراطي على حساب التأويل السلفي؟ هل هناك فعلا من ضغط خارجي أو داخلي؟ وإذا استثنينا ربما الضغط الخارجي بسبب قضية الصحراء، هل يوجد أي ضغط داخلي يجعله يوسع من الدائرة الضيقة المحيطة به بإشراك نخب أخرى في صنع القرار السياسي بجانبه؟ هل توجد أدنى معارضة  ديمقراطية جدية في البلاد حتى تدفعه إلى ذلك؟ وكيف يمكن أن توجد معارضة ديمقراطية حقيقية وهي فاقدة الآن لأي طوبى معبئة؟
إنه المأزق الذي تكشف عنه أطروحة العروي هذه: كيف يمكن بناء الديمقراطية في غياب الديمقراطيين وكيف يمكن أن يوجد ديمقراطيون في غياب الطوبى المعبئة؟ 
4 
لقد سبق وأن كتبنا مقالا من قبل تحت عنوان "ماذا بعد العروي؟" اعتبرنا فيه أن هذا الأخير قد استنفذ دوره بالنسبة إلينا كيساريين أو ديمقراطيين بشكل عام، وأننا أصبحنا في حاجة لمنظر بديل من عيار العروي نفسه ليقترح علينا أفقا للمستقبل. وهذا ما ازددنا اقتناعا به أكثر بعد قراءة كتاب "من ديوان السياسة". فقد تنفع قراءة العروي في فهم التاريخ والاستفادة من دروسه، ولكن ذلك لا يكفي لآن يفتح أفقا جديدا، لأن الحديث عن أفق هو حديث عن مشروع للمستقبل وعن الطوبى،  والتاريخ قبل أن يسجله المؤرخون ويقرأه المحللون إنما يصنعه أولا الطوباويون والحالمون.
أعتقد أن الذي يمنع العروي من الانفتاح أكثر على المستقبل وعلى الطوبى، وهذه ليست مشكلته وحده وإنما مشكلة كل مفكر مهما كانت قيمته، هو الآستمرار في الارتباط بمرجعية فكرية أو باراديغم يكون الفرد قد تلقنه في بداية مشواره الفكري، ويصعب عليه بعد ذلك الانعتاق منه. وباراديغم العروي هو ما سبق أن صاغه ماكس فيبر ومعه مفكرو القرن التاسع عشر، حول نموذج التحول الليبرالي في المجتمعات الأوروبية آنذاك.
من خاصيات ذلك الباراديغم، أنه حصر متابعة التحول الليبرالي في الإطار الوطني  لكل دولة على حدة، أي بمعزل أو باستقلال عما يحدث خارج هذا الإطار. فما يمكن أن يحدث داخل كل دولة هو شأن داخلي خاص لا علاقة له بالتحولات الخارجية، وإنما نتاج محض للعوامل الداخلية.
هذا ما نستنتجه من الطريقة التي يعالج بها العروي إمكانيات الإصلاح الديمقراطي في المغرب، فيتحدث عن ذلك وكأننا نعيش في جزيرة منعزلة لا حق ولا إمكانية للغير أن يتدخل في شؤوننا.
ونحن هنا إذ نستلهم من مرجعية فكرية مغايرة  أو باراديغم غير باراديغم الإطار الوطني الضيق، هو ما تؤسس له "النظرية العامة للأنظمة المعقدة المتكيفة"، نخلص إلى أن ما لم يهتم به العروي، ولم يدخله لحد الآن في اعتباراته، هو أن العالم قد دخل منذ بداية التوسع الأمبريالي آواخر القرن التاسع عشر، في مرحلة العولمة التي تعني بين ما تعنيه، أن لا استقلالية  لأي مجتمع عما يحدث في محيطه أو في النظام العالمي الشامل، وأن لا فرصة بقيت للعوامل الداخلية لأن تشتغل بمعزل عن العالم الخارجي أو أن تقرر بمفردها في مصير أي بلد. فالعولمة إنما تعني أنه بإمكان العامل الخارجي أن يكون حاسما في التطور الداخلي لأي بلد أكثر مما تسمح به الظروف الداخلية أحيانا. و للإشارة فإن العروي قد وظف هذا المعطى نفسه حين حديثه عن دور الحماية في تطوير المخزن المغربي، لكنه يقف عند الاستقلال، ويتعامل مع ذلك وكأنه مجرد قوس انفتح في لحظة معينة من تاريخ المغرب ُثم أغلق بعد ذلك.
لهذا فنحن نتساءل: إن كان ما حدث من تطور داخل دولة الحسن الثاني، يمكن تفسيره فقط بالعوامل الداخلية أو على ضوء خطاطة العروي عن الدورة الثلاثية للسلط، أم يجب البحث عن أسبابه في تأثيرات الصراعات الدولية لتلك الفترة والمتمثلة في التنافس الشيوعي الرأسمالي إلى حدود آواخر الثمانينات، ثم في تزايد المد الأصولي على الصعيد العالمي بعد ذلك؟
أو بعبارة أخرى، ألم يكن للأمبريالية الأمريكية التي كان المغرب واقعا تحت نفوذها، دور أساسي في إجهاض أي تحول ديمقراطي بالبلاد في إطار محاصرة المد التحرري والشيوعي عبر العالم؟ ألم يكن الحسن الثاني يستغل فقط ذلك الصراع الدولي الخارجي ليثبت حكمه الفردي ويستأصل كل النخب المعارضة له؟ ثم ألم يكن ذلك التأثير الخارجي نفسه ما حدث منذ التسعينات متمثلا مع تصاعد المد الأصولي، هو ما ساعد مرة أخرى على عزل النخب الديمقراطية في البلاد لصالح النخب السلفية، وجعل الحسن وبعده محمد السادس يلعب على التناقض بينها ليضرب هذا الطرف بذاك؟  بل ألم يكن ما تحدث عنه العروي من عودة قوية لمظاهر البدونة في السنوات الأخيرة، وتباطؤ عملية الفطام أو المواطنة، هو فقط الصيغة التي اختارها الحسن الثاني عبر وزيره ادريس البصري، في إطار محاربته للنخب أعلاه، لتشجيع فئات معينة من أعيان البادية على حساب فئات مدينية أخرى خاصة من أصل فاسي أو سوسي، كانت قد بدأت تخرج من تحت مراقبته؟ أو بعبارة أخرى، ألم يكن ذلك التحول نحو البدونة هو مجرد استغلال لعوامل خارجية وتوظيفها في الصراع الداخلي وليس تطورا طبيعيا أو مستقلا للمجتمع المغربي؟
إن العروي حين يقترح خطاطته أعلاه، وكأنه يعيد فقط إحياء النموذج الخلدوني حول المراحل الثلاث لتطور الدول، حسب دائرة متكررة تبدأ دائما من حيث تنتهي. أي وكأنه يلغي المفهوم التقدمي أو التصاعدي لحركة التاريخ حسب التصور الهيجيلي، وبالتالي لا يعير أي اهتمام لما كتبه ماركس مثلا، عن التمرحل والانتقال من نمط إنتاج إلى آخر أرقى منه. إنه هنا يماثل النموذج المغربي الحالي في القرن الواحد العشرين بنموذج أثينا أو اسبرطة قرون قبل الميلاد.
العروي لا يريد أن يعترف أن المرحلة التي نعيشها الآن هي مرحلة عولمة شاملة، وأن المغرب اليوم لا يمكن أن يكون مغرب القرن الماضي، وأن الدورة السياسية حتى وإن تكررت وتماثلت ظاهريا مع بعض المظاهر من المراحل السابقة، فإنها تبقى مختلفة  في العمق عن كل ما سبقها. وتجليات هذا الاختلاف هي ملموسة بقوة، سواء نظرنا إلى ذلك من زاوية المقاربة الاقتصادوية الماركسية التقليدية، حيث الاقتصاد المغربي هو الآن جزء لا يتجزأ من الاقتصاد العالمي، وأن رزق المغاربة أكثر ارتباطا بالرأسمال العالمي، أكثر منه برأسمال "وطني" أو محلي مفترض،  أو نظرنا لذلك من زاوية مقاربة "ثقافوية" تعطي الأسبقية للعامل الثقافي، حيث لم يعد ممكنا الحديث عن فضاء أو هوية ثقافية محلية مستقلة في ظل الاختراق الذي تمارسه الفضائيات أو الأنترنيت، هذا الأخير الذي فتح أمام الناشئة المغربية آفاقا تتجاوز كل ما يمكن أن يعتبر وطنيا محضا أو مما يحسب على الخصوصية والثوابت.
إننا الآن نعيش عصر عولمة كاسحة، اقتصاديا وإعلاميا وثقافيا، وبالتالي سيصعب على الحقل السياسي في بلادنا أن يبقى بمعزل عن هذه العولمة ومحكوما فقط بالعوامل الداخلية الخاصة به.
لهذا السبب بالضبط فإننا نعتبر أن ما يقدمه العروي من اقتراحات للإصلاح، أو ما يعبر عنه بتغليب التأويل الديمقراطي للدستور الملكي، يبقى في نظرنا دون مستوى المرحلة الراهنة، وغير كاف للاستجابة لتطلعات أبناء القرن الواحد والعشرين، ولا يمنحهم أية طوبى أو مشروعا تعبويا يقودهم نحو المستقبل.

هاته الطوبى  التي لا يمكن أن تنزل في نظرنا عن أقل ما أصبح متعارف عليه كونيا في هذا المجال، أي بالنسبة حالة المغرب، عن ملكية برلمانية كاملة الصفات. 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
نشر هذا المقال بموافقة كاتبه

حــــتى لا نـــنـــسى


 حــــتى لا نـــنـــسى 
سيدي سليمان: رضا سكحال
"إن الذين يغتالون أصحاب الكلمة، إنما يختارونهم للقتل فإذا كانت كلماتهم تخيف وهم أحياء، صارت أكثر مدعاة للخوف وهم شهداء"
اغتالوا حسين مروة بلبنان بكاتم للصوت ظنا منهم أن كاتم الصوت سيكتم الجريمة، واغتالوا عبد الله حمدان الملقب بالمهدي عامل مفكر الحزب الشيوعي اللبناني بطلقات من مسدس الخيانة، واغتالوا فرج فوده بمصر، وعبد القادر علولة بالجزائر، وعمر بن جلون بالمغرب، والمعطي بومالي بجامعة  بالمغرب بوجدة سنة 1991. هته عينة من جرائم القوى العدمية الصفرية التي تطاولت يداها المتسختان لاغتيال الأصوات التقدمية  والمفكرين التقدميين من داخل الوطن العربي الجريح. هته بعض الدماء التي سفكتها الجماعات المتطرفة التي تتستر وراء الدين لتنفيذ جرائمها البشعة في حق المناضلين، فهؤلاء يردون على تحديات الكتب بالنار، ويغتالون شدو العندليب إذا طغى يوما على نهيق الحمار، مهما اشتعلت لتنير لهم الدجى اغتالوك في واضح النهار.
إذا لم يكن غريبا أن تمتد أيادي أحفاد هولاكو لتغتال الرفيق آيت الجيد محمد بنعيسى شهيد اللجان الانتقالية والإتحاد الوطني لطلبة المغرب بجامعة ظهر المهراز بفاس، فبعد اغتيال الرفيق المعطي بومالي بوجدة، ستقتحم عصابات عبد السلام كسوس الملقب بياسين مرشد جماعة العدل والإحسان، الحي الجامعي بفاس وتشبع الجماهير الطلابية ركلا ورفسا، وتحاول اغتيال الرفيق نور الدين جرير، حيت سيختلف مجرموا العدل والإحسان وعصابات الوحدة والتواصل التابعة للواء العدالة والتنمية (الإخوة الأعداء)، على كيفية ذبح نور الدين جرير، وكأنه خروف ينحر يوم العيد، ليتم كسر رجله وفكه وتسليمه لجهاز القمع، حيت حوكم ب 10 سنوات نافدة.
لما فشلت الغدر والإحسان في تنفيذ مخططها الشيطاني، شاط عبد السلام كسوس غضبا وهندس عملية اغتيال الشهيد آيت الجيد محمد بنعيسى شهيد اللجان الانتقالية بفاس سنة 1993. سأحاول من خلال هته الورقة التعريف بالشهيد آيت الجيد وكيف اغتالته القوى الظلامية.
ورقة تعريفية بالشهيد
 
محمد بنعيسى آيت الجيد
في قرية صغيرة بدوار تزكى أدوبلول بإقليم طاطا، ومن عائلة فقيرة أزداد أصغر إخوته آيت الجيد محمد بنعيسى  سنة 1964، التحق بمدينة فاس، حيت مكان إقامة كبير إخوته، لمتابعة دراسته الابتدائية بمدرسة المعلمين (ابن الخطيب سابقا) مع بداية الثمانينات التحق بالتعليم الثانوي بثانوية ابن خلدون، حيث ابتدأ نشاطه النضالي في القطاع التلاميذي منذ سنة 1983، وفي سنة 1984 تم نقله تعسفيا من تلك الثانوية ليلتحق بثانوية "القرويين"، وكان ذلك في خضم الحركة الاحتجاجية ليناير 1984، والتي ساهم فيها الرفيق بنعيسى بقسط وافر.
وتحت ضغط الإدارة على عائلته، سينقل إلى ثانوية "ابن الهيثم" حيث حصل على شهادة الباكلوريا سنة 1986.
    بالموازاة مع نشاطه النضالي في صفوف الحركة التلاميذية، ساهم الرفيق مساهمة جادة في العمل الجمعوي، وظل إلى حدود استشهاده عضوا نشيطا بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان.
 كان التحاق بنعيسى بالجامعة خلال 1986-1987، التحاقا نضاليا، عكسه حضوره النشيط داخل الحركة الطلابية، حيث ظهر اسمه إلى جانب مجموعة من رفاقه ضمن لائحة الموقوفين ( وعددهم 39) خلال الموسم الدراسي 87-88، عقب تظاهرة 20 يناير المجيدة، والتي سقط على إثرها الشهيدان: عادل الأجراوي وزبيدة خليفة.
وقد كانت هذه الأحداث وراء وجود بنعيسى في حالة متابعة قضائية،هذه المتابعة التي ستتعمق أكثر على إثر معركة مقاطعة الامتحانات لسنة 1989 ، حيث ظل البوليس يلاحقه بشكل مكشوف ومسعور.
ويأبى الشهيد إلا أن يواصل التحامه بقضايا الجماهير الطلابية ضمن فصيل: الطلبة القاعديين التقدميين، وقد كان عضوا بلجنة القسم للسنة الثانية أدب عربي، مشرفا على تنظيم اللقاءات والتجمعات، هذا الخيار كلفه ضريبة السجن سنة 1990، وحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية، تعرض بنعيسى في مخفر الشرطة لأبشع أنواع التعذيب، وحوكم بتهمة المشاركة والقيادة لأحداث 20 يناير 1988 بمدة حددت في ثمانية أشهر سجنا نافذة، بعدما كان قد قضى تسعة أشهر في السجن المدني بفاس.
في أبريل من سنة 1991، وبعد خروجه من السجن، التحق مجددا بصفوف الطلبة القاعديين التقدميين، وأصبح عضوا في اللجنة الانتقالية للإتحاد الوطني لطلبة المغرب بفاس.
في شهر نونبر من سنة 1991، فوجئ الرفيق بنعيسى بعصابة من الظلاميين تتكون من حوالي 70 شخصا تحاصر مقر سكناه محاولة اختطافه، لكن التعاطف الذي كان يحظى به من طرف سكان الحي دفع بهؤلاء إلى مواجهة وطرد المجرمين دون تنفيذ إجرامهم المزمع.
لم يكن السجن كافيا للانتقام من نضالية الرفيق أيت الجيد محمد، بل إن عقلية تجريم العمل النقابي المسؤول، صادرت منحته خلال موسم 91-92، وهو القرار الذي ظل ساري المفعول طيلة الموسم 92-93 أي إلى حدود الاستشهاد.
في يوم الخميس الأسود 25 فبراير 1993، بينما كان الرفيق بنعيسى متجها إلى حي "ليراك" مع أحد رفاقه المسمى الخمار الحديوي على متن سيارة أجرة رقم رخصتها 445، فوجئ بعصابة ظلامية فاشية تحاصر السيارة، وتكسر الزجاج لتخرجاهما منها قسرا، وتنهال عليهما بالضرب مستعملة العصي المصفحة بالمسامير والسلاسل، والقضبان الحديدية والسكاكين، ولم تكتفي تلك العناصر التاتارية بذلك، بل أسقطت بنعيسى أرضا، وأوقعت عليه حجرا كبيرا يستعمل عادة للرصيف، وأدت الضربة إلى إحداث كسر كبير في جمجمته وكتفه.
أمضى الرفيق بنعيسى أربعة أيام في مستشفى الغساني بفاس دون عناية، وفي حراسة أمنية لأجل محاكمته بعد شفائه الذي لم يتم، خصوصا وأنه ظل متابعا قضائيا إلى يوم استشهاده.
يوم السبت 27 فبراير، تمكن رفاقه على نفقتهم الخاصة، وبحضور الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، من نقله إلى عيادة خاصة للفحص بالأشعة"سكانير"، وكان الشرطي يرافقهم في كل تحركاتهم، وجاء التقرير ليؤكد أن بنعيسى يعاني من كسر عميق بالجبهة اليمنى من الرأس، ومن نزيف دماغي داخلي،
يوم الاثنين فاتح مارس سنة 1993 ، على الساعة الثامنة إلا ربع صباحا، لفظ آيت الجيد محمد بنعيسى آخر أنفاسه، فشاع الخبر بسرعة الضوء في صفوف الجماهير الطلابية التي تجمهرت أمام مستشفى الغساني للمطالبة بتسليم الجثمان، إلا أن السلطات رفضت وأعطت وعدا بتسليمها على الساعة الحادية عشر من صباح اليوم الموالي.
وفي الموعد المحدد الثلاثاء 2 مارس 1993 تجمع حوالي 17.000 طالب وطالبة لتسلم الجثمان وتشييع الجنازة، إلا أن الحضور يفاجأ بالخبر/الفاجعة: اختطفت السلطات الجثة وهربتها إلى مكان مجهول في ساعة متأخرة من الليلة الماضية.
هذا هو قدر المناضل الصلب، أزعجهم حيا ثم أفزعهم مستشهدا…


لا للحزبية الإمتيازية!


  لا للحزبية الإمتيازية!


وزان: محمد حمضي  
 ماذا حدث بوزان يوم الأحد 17 يناير طيلة اليوم لتعيش دار الضمانة حالة غير مألوفة؟ هل تعلق الأمر بحضور وفد أكثر من رسمي جاء ليطلع على أحوال السكان بعد الأمطار الغزيرة التي تهاطلت عليها في الأسابيع الأخيرة وخلفت أضرارا كبيرة في البنية التحتية؟ هل الوفد الذي تجندت لاستقباله بشكل ملتو أكثر من جهة رسمية، واستغلت فيه سيارات الجماعات القروية أبشع استغلال، حضر ليقف على مآل الأوراش التي سبق لملك البلاد أن أشرف على إعطاء انطلاقتها  منذ ثلاث سنوات، ومتابعة من كان وراء عرقلتها وتعطيلها، مما شوه وجه المدينة وعرضها لأكثر من خطر؟ هل الأمر يتعلق بحضور وزير أم الوزارات لتنصيب أول عامل على إقليم وزان المحدث بقرار ملكي؟- ولو أن أكثر من وزير زار المدينة في الشهور الأخيرة لم يثر شهية بعض الأجهزة الأمنية والإدارية ولم تستنفر لاستقبالهم بالثقل الذي حدث اليوم – بلى، ولكن من خلال مراجعتنا لوكالة المغرب العربي للأنباء لم نعثر على أي قصاصة تتحدث عن أي نشاط ملكي حدث في الأيام الأخيرة يتعلق بتعين عمال على رأس الأقاليم الجديدة؟
   كل افتراضاتنا تبخرت لما انتصبت الحقيقة أمامنا صادمة الجميع. الأمر يتعلق بيوم استثنائي في التاريخ السياسي للمدينة منذ حصول المغرب على استقلاله…
  الأمر يتعلق بالحزبية الإمتيازية ضدا على الدستور والقوانين ذات العلاقة بالموضوع… الأمر يتعلق بتنظيم حزب الأصالة والمعاصرة لقاءا تواصليا بين أمينه العام، ومناصريه وأعضائه وساكنة المنطقة، والإشراف على افتتاح مقره والمصادقة على هيكلة الأمانة العامة الإقليمية، وهذا واجبه الدستوري الذي فعله ونصفق له، ونأمل أن تحدو حدوه مختلف الأحزاب السياسية… لكنه لقاء حمل إلى الجميع، إشارة قوية تقول بأن الأمر يتعلق بحزب الدولة، وأن الحضور الاستثنائي للسلطة المحلية والأجهزة الأمنية بمختلف أنواعها، واصطفاف رجال الأمن على طول الطريق وعند مداخل المدينة، والتحرك المثير لرؤساء الإدارة الترابية والأمنية، والحماس الذي تحلت به شركة النظافة وهي تنظف شوارع بعينها تاركة المدينة تغرق في الأزبال، كانت الغاية من ورائه تسويق صورة عن هذا الحزب بأنه مصنف لوحده ضمن خانة خمسة نجوم، وأن ما تبقى من الأحزاب يقع تحت عتبة التصنيف!والدعوة الصريحة إلى أنه حزب 2012 بامتياز، وما على الجميع إلا ركوب الجرار قبل فوات الأوان، وبالتالي لا يهم أن تحتقن البلاد سياسيا، ولا أن يستمر التباعد أو الصدام بين المواطنين والسياسة والفاعلين السياسيين، ولا يهم أن يتبخر مسسلسل المصالحة والإنصاف الذي طال التاريخ والجغرافية والسياسة، مسلسل فتح في وجهنا نوافذ رغم ضيقها، تسرب منها إلى أنوفنا نسيم الديمقراطية والأمل، في المستقبل…
   هل كانت مختلف هذه الأجهزة الإدارية والأمنية ستلفت نظر السكان، وتنزل بثقلها، لو لم تكن تلقت تعليمات عليا؟ وإلا لماذا لم تتصرف بنفس الحماس والإثارة عندما استقبلت المدينة أكثر من قائد حزب، واكتفت بحصر حضورها في زرع "بلالة ومن معه" بين الصفوف لتدوين الشاذة والفادة.