الخميس، 31 يوليو 2008

بعد انعقاد ثلاث هيئات لمؤتمراتها في وقت واحد دلالات الأبعاد الدينية والسياسية والتنظيمية


      بعد انعقاد ثلاث هيئات لمؤتمراتها في وقت واحد

                دلالات الأبعاد الدينية والسياسية والتنظيمية


 شهد منتصف يوليوز (2008) ثلاثة أحداث تهم ثلاث هيئات متباينة من حيث التوجهات، حزبان سياسيان، هما«العدالة والتنمية» و«النهج الديمقراطي» و«النقابة المستقلة للتعليم الابتدائي»، كلها عقدت مؤتمراتها في نفس الوقت. لماذا الحديث عن هذه التنظيمات؟ وأي رابط بينها؟ بل كيف يمكن إثارة الديني والسياسي والتنظيمي لدى الأطراف الثلاثة؟  
   إذا كان المؤتمر السادس ل«حزب العدالة والتنمية» قد لفت إليه الأنظار وتتبعته مختلف وسائل الإعلام، بل استضافت القناة الثانية زعيمه الجديد عبد الإله بنكيران في أحد نشراتها الإخبارية، بينما المؤتمر الثاني لحزب «النهج الديمقراطي» كان حظه أقل من المتابعة الإعلامية، وهو يصنف  ضمن أقصى اليسار المهيكل في المغرب، ويقول عن نفسه إنه وريث الحركة الماركسية اللينينة، ومنظمة «إلى الأمام » تحديدا، معروف عنه أنه يقاطع «المسلسل الانتخابي»، وله موقف خاص من قضية الصحراء يرتكز «على  مبدأ تقرير المصير» كما جاء في بيانه الختامي.

   أما المؤتمر الأول ل«النقابة المستقلة للتعليم الابتدائي» فقد عرف تجاهلا تاما من قبل وسائط الاتصال بمختل أشكالها، باستثناء جريدة واحدة(*)، قد يكون مرد ذلك اختيار النقابة نفسها عقد مؤتمرها بعيدا عن الأضواء بمكناس عوض المراكز الكبرى حيث تتواجد أغلب وسائل الإعلام، أو قد يعود ذلك لضعف التواصل لدى نقابيي المستقلة، أو استصغار الحدث لدى بعض الإعلاميين، رغم أن هذه النقابة الجديدة تعرف توسعا مضطردا، ويقول بعض مسؤوليها أن الانخراطات بها وصلت إلى 30 ألف، وأثناء المؤتمر كانت تمثيلية مختلف المناطق حاضرة، باستثناء مدن كبيرة هي الرباط والدار البيضاء وطنجة.


     رغم أن القانون لا يجيز لأي حزب سياسي أن يعرف نفسه بأنه إسلامي أو ديني، ويسعى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، بل فقط أن يساهم في تنظيم المواطنين، ويهدف إلى تحمل المسؤولية في الحكومة والجماعات المحلية، غير أن حزب العدالة والتنمية يحاول أن يلعب على الحبلين، فيذكر في أدبياته ويصرح مسؤولوه ببساطة قائلين أن الدولة إسلامية حسب منطوق الدستور، وأن كل الأحزاب المغربية إسلامية، وقد جاء في البيان الختامي الصادر عقب انتهاء المؤتمر الدعوة إلى «تعزيز المرجعية الإسلامية»، لكن لا ينتهي الأمر عند هذا الحد، بل يترك الحزب «ذراعه» ممدودة عبر حشد الأتباع بواسطة «حركة التوحيد والإصلاح»، الجمعية الدعوية التي ينطلق نشاطها من المساجد مرورا باستغلال كل التجمعات واللقاءات العائلية وغيرها(عقيقة، ختان…) إلى مقراتها حيث تقدم التعليم الديني بالطرق العتيقة (الحفظ على الألواح، دروس، ندوات…)، تقديم بعض الخدمات في ظل  الفقر المستشري بين عدد من الأوساط الاجتماعية أمام عجز الدولة عن الإيفاء بمختلف التزاماتها، إلى خلق امتدادات تنظيمية عن طريق الاستثمار غير المباشر في التعليم الخصوصي، واعتبار ذلك منابر للعلاقات العامة، ونشر بعض الأفكار، وتوفير بعض المداخيل أكثر منه تحصيل أرباح حسب المفهوم التجاري الصرف. رغم أن المسؤولين البارزين على مستوى الحزب يقطعون صفتهم التنظيمية بالجمعية المذكورة، لكن ذلك من حيث الشكل فقط، أما في العمق فلا يمكن لأحد التنظيمين (الحزبي والجمعوي/الدعوي) الاستغناء عن الآخر، وتمثل جريدة «التجديد » أسطع مثل على ذلك. 


121750
قياديون من«حزب العدالة والتنمية»

      في الطرف المقابل من المعادلة الحزبية يسعى «النهج الديمقراطي» إلى سيادة ديكتاتورية البروليتاريا، أو ما يسميه «التنظيم السياسي المستقل للطبقة العاملة وعموم الكادحين»، مستمدا أسس مشروعه من الإرث الماركسي اللينيني، وهو ما يعتبره البعض أصولية من نوع آخر، غير أن هناك بعض المتشددين من يتهم الحزب بالتحريفية كلما حاول الاجتهاد وتحيين طروحاته، وأمام ضيق مجال الاشتغال لدى مناضليه، في مجتمع محافظ، يضعف فيه التعليم، وتكثر بين أفراده الأمية البسيطة والمركبة، وأمام التضاؤل المستمر بالنسبة لعدد العمال والفلاحين الذين يمكن أن يكون لهم قبول معين كي يتشبعوا ب«فكر» «النهج الديمقراطي»… لم يبق أما نشطاء الحزب سوى فضاء ضيق يربط بين الفكر والممارسة، من ذلك التدافع مع مناضلي أحزاب اليسار الأخرى، من أجل احتلال مواقع داخل نقابة الكنفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد المغربي للشغل، بينما يسعى «النهج الديمقراطي» بكل ما أوتي من قوة إلى السيطرة على«الجمعية المغربية لحقوق الإنسان»، في صراع محموم مع مناضلي «حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي أساسا».


     «النقابة المستقلة للتعليم الابتدائي» لا طيف سياسي يبسط ألوانه عليها، تقاطعها كل الأحزاب، وهي ليست في علاقة ود مع أي حزب، رغم أن عددا من مسؤوليها يمكن أن نقول صراحة أن لديهم توجهات يسارية، وبينهم فئات متدينة غير منظمة داخل إطار معين، باستثناء قلة قليلة تنتمي أو تتعاطف مع «العدل والإحسان»… والهم الأساسي لأي نقابة هو تحقيق جملة من المطالب الخاصة بمنخرطيها، وإن كان ذلك بدوره لا يبتعد كثيرا عن عمق السياسة، وفي المجال النقابي أغلب الأحزاب السياسية المغربية لها«نقابتها» الخاصة، أو توجه مناضليها قصد العمل داخل نقابة معينة، و«حزب العدالة والتنمية» بدوره له مركزيته النقابية هي «الاتحاد الوطني للشغل».


    تميزت مؤتمرات الهيئات الثلاث بالتجديد الجزئي أو الكلي، فإذا كانت التوجهات العامة في الغالب بقيت كما هي، باستثناء انتخاب مسؤول أول جديد ل«حزب العدالة والتنمية»، عبد الإله بنكيران الذي ينحو نحو السجال ومواجهة خصومه بشكل مباشر، وميله نحو التشدد الديني، ومهادنته للدولة وسعيه إلى المشاركة في الحكومة دون شروط صارمة كالمراجعة الدستورية مثلا رغم أن البيان الختامي لم يخل من إشارة إلى ذلك عبر الدعوة إلى«إصلاحات دستورية وسياسية عميقة ومتوافق عليها».  

121750                   

عبد الإله بنكيران الأمين العام ل«حزب العدالة والتنمية»

   بينما حافظ عبد الله الحريف على زعامته ل«النهج الديمقراطي»، وقد تمت الإشارة بنوع من الفخر إلى تجديد في الكتابة الوطنية لنفس الحزب بنسبة 58%. 

121750 

عبد الله الحريف الكاتب الوطني ل«النهج الديمقراطي»

أما «النقابة المستقلة للتعليم الابتدائي» فقد خلقت الحدث بامتياز بتجديد شبه كامل لمسؤوليها على مستوى أعضاء اللجنة الإدارية، وبنسبة تجديد فاقت 82% لمكتبها المركزي، بما في ذلك الكاتب الوطني، واعتماد أسلوب موغل أكثر في الديمقراطية وذلك بتخصيص كل إقليم وجهة لممثليهما داخل اللجنة الإدارية. 


 121750  

فريد أعديشن الكاتب الوطني ل«النقابة المستقلة للتعليم الابتدائي»

   إذا كانت «النقابة المستقلة للتعليم الابتدائي» قد استطاعت لفت الأنظار إلى إشكاليات تعليمية حقيقة خاصة بالتعليم الابتدائي، كان في السابق يتم تعويمها داخل قطاع التعليم ككل، وإذا كانت النقابة المعنية قد عرفت توسعا تنظيميا ملحوظا في زمن قياسي لا يتعدى السنتين، مما يؤكد حجم الانتظارات لدى مدرسات ومدرسي التعليم الابتدائي، فحسب وثائق النقابة التي تم التداول فيها أثناء مؤتمرها، فهي تتوفر على 112 فرع، و14 جهة مهيكلة، غير أنها إلى حدود المؤتمر الأول لم تستطع الانفتاح على مختلف الفعاليات المجتمعية والسياسية والإعلامية، وعانت من تجاهل تام من قبل المسؤولين المركزيين على التربية الوطنية، مقابل تعامل محتشم من طرف بعض النيابات والأكاديميات التعليمية، وقد جاء في بيانها الختامي دعوة الوزارة إلى فتح حوار مع النقابة «على قاعدة التمثيلية النضالية»، فهل ستستطيع هذه النقابة الفتية اعتماد منهجية أكثر تنظيما وتوثيقا واحترافية في الفترة المقبلة؟ خاصة أمام اعترافها بالقصور في ذلك حين أكدت على أن «مرحلة التأسيس قد ولت بأعطابها وإعاقاتها».  

dsc020

عرف المؤتمر الوطني الأول ل«النقابة المستقلة للتعليم الابتدائي» نقاشات حادة

    وهل سيستطيع «النهج الديمقراطي» الخروج من تقوقعه النظري، وتجاوز خطابه «الصارم» الذي يبدو أنه لا يثير انتباه الكثيرين بما فيهم العمال والفلاحين، حيث لا يمكن اعتبار ذلك أسلوبا ناجعا من أجل التوسع التنظيمي، وجني المكاسب السياسية، في ظل أجواء حزبية متسمة بالتعددية المفرطة، وضعف المصداقية لدى أغلبها، أم أن مثل هذا «الأسلوب الصارم» هو أنجع جواب تقتضيه المرحلة ويتبعه رفاق عبد الله الحريف تجاه حملات تبخيس العمل الحزبي عموما ومحاصرة الأحزاب المناضلة على قلتها؟


    أهم الملاحظات التي يوجهها المهتمون ل«حزب العدالة والتنمية» هي ضبابية توجهاته السياسية، المشوبة بخلط مقصود بين الديني/الدعوي والسياسي، والركوب على خطاب «أخلاقي» شعبوي يدغدغ عواطف بعض قاعدته الانتخابية، يحاول القفز به(الخطاب) عن كل البرامج والخطط التي يمكن أن يقدمها للناخبين.  

    مصطفى لمودن

—————————
(*)«الجريدة الأولى» عدد 57 – الأربعاء 23 يوليوز 2008