حوار مترجَم
أُمبيرطو إيكُّو: " بدون كُتب؛ الحياة أَقصر".
ترجمة جواد المومني
تقديم و تنويه لا بد منهما :
إستضافتْ أسبوعية لوپوان الفرنسية الروائي والأديب والمفكر الكبير: أُمبيرطو
إيكُّو، وقام الصِّحافيان طوماس ماهلر وكريسطوف أُونو دي بْوا باستجواب صاحب " إسم الوردة " (المُترجِم: الرواية
الهائلة الحائزة على عدة جوائز عالمية منذ صدورها سنة: 1980، والتي
بيع منها لحد الساعة أكثر من 17 مليون نسخة
! )
وما سأقوم بعرضه خلال السطور التالية؛ إنما هو ترجمة مقتضبة وبتصرف لِأهم ما
جاء في الحوار الشيق، حيث تفاديتُ عن قصد مجموعة
شذرات تدخل ضمن التسلسل الحواري، لم أَرَ جدوى لِإدراجها ما دامت تندرج في إطار
الإستطرادات وليس المواقف والرؤى الشخصية للمُحاوَرِ
.
1ـــ يقول إيكـــــو : " وأنا في سن 82 من عمري، أُشير إلى آخر إبداعاتي،
كتاب بعنوان " إعترافات روائي شاب
"وهو في الحقيقة عبارة عن تجميع لعدد من المحاضرات الملقاة بجامعة أَطَلَنْطا عام
2008 . أمَّا عن العنوان وعن إيحاءاتِهِ، فوَجَبَ
التنويه إلى أن أولى رواياتي صدرت أواخر 1980 ( وكان عمري لحظتئذ 52 عاماً ) ،عندها ٱعتبرتُ نفسي روائيا شابا.
2 ـــ وقد طرحتُ في مؤلَّفي المشار إليه أعلاه تساؤلا أدبيا عميقا: ـــ لماذا
يَصدمنا موت " آنَّا كارِنِينْ " رغم كونها بطلة من صنع الخيال، مقارَنَةً مع فجيعة
مقتل أو موت أطفال وضحايا مدنيين عندما يتعرض الإعلام لذلك؟
( المُترجم: " آنَّا
كارِنِينْ " عمل روائي عظيم للكاتب الروسي: ليون تولستوي سنة 1877 )، أجبْتُ
على الأمر من منطلق أن صيرورة الحدث في العمل الروائي تتطلب تقمُّصاً للدور وحُلولاً
في بعض جزئياته، ما يجعلنا ــ كقراء ــ نحْيا الهوية المفترضة،
للشخصية عبر ما يُسميه العلماء ب " الْخَلايا المِرْآة "؛ بعيداً عن
الخبر الذي يبثه الإعلام بشكل سريع، ما يدفعنا
إلى النفور منه. وقد أذهب إلى أبعد من ذلك؛ فالخيال يبقى دائما أقوى رغم "
جاذبية
الواقع "... وبين ثنايا المؤلَّــــف المتحدَّث عنه تعثرون على تساؤل آخر:
" ـــ لماذا نبكي الشخوص الروائية بتفاعل،
رغم يَقينِنا كونها من صنع الخيال ؟
"
يجد التساؤل مشروعيته من خلال النَّظم الأنطولوجي للشخصية الروائية ومن خلال
" واقعية " تواجدها ! وهكذا تتحصَّــلُ لدينا
قناعاتٌ وشبه يقينيَّــــات ضمن عالمٍ كله خيالٌ ( فَيَقيناً أنَّ " آنَّا
كارِنينْ " قد ٱنتحرتْ ) في الوقت الذي
تُساوِرُنا فيه شُكوك ضمن عالم " الحقيقة " ( هناك ٱحتمال أن يكون
" ناپوليون " قد مات يوم 5 ماي 1821،
ما لم يُفَنَّذ الزعم عبر مجموعة وثائق أخرى تُثبت العكس ! ) إذاً... فالحقيقة
المُطلقة هي الحقيقة الروائية
.
3 ــ يستمر إيكو في تبنيه للموقف الرامي إلى أنَّ " الكتاب شيء كامل "
وأنه لن يتلاشى في العالم الرقمي . ويستطرد
في تفاؤله رغم ٱعترافه بضراوة النزال! لكنه، يؤكد بالمقابل أنّ إغلاق عدد من
دور النشر ليس نتيجة لذلك فقط، إنما للأزمة العالمية
الحالية يد أيضا. وهذا ما حاول إبرازه بمعية: " جانْ كْلودْ كارْييرْ "
من خلال كتابهما المشترك
:" لا تُراهِنوا أَنَّكم
سَتُقْصُونَ الكُتُب ! "
(المترجم: ـــ صدر هذا المؤَلَّف عام 2009 عن دار النشر كْراسّي ) .
يقول أمبرطو إيكو في هذا الصدد
:
" كنتُ أعلم أنه من الأسهل تحميل موسوعة: " لاروسْ
" على جهاز الْآيْپادْ على تَحَمُّلِ عِبْءِ ضخامة الكتاب... لكن، أَيُعْقَلُ
مُقارنة ذلك مع متعة القراءة وتصفح الأوراق المطبوعة ؟
"
و قد حاول الصِّحافيان المستجوِبان ربط رأي إيكـــــو السابق بما كان قد
ٱعتبره الفيلسوف الفرنسي: " ميشال سِيرّْ
"
" مأساةً وبلاهةً " عندما تم تدشين " المكتبة الوطنية الفرنسية "،
في زمن التطور الرقمي السريع والأنترنيت ! كان ردُّ " إيكــــــو " مقتضباً وعميقا، يقول:
" أنا متأكد أن صديقي ميشال سِيرّْ يعشق التجوال بين مرافق ورِدَاهِ مكتبةٍ
قديمة مثلي تماماً، وفي نفس الوقت، هذا لا
يمنعني شخصيا من تحميل عشرين كتابا قَيِّماً على لوحتي الإلكترونية / الْآيْپَّادْ
حين أهمُّ بالسفر لمدة أسبوعين أو أكثر، بدلاً من وضعها في حقيبتي ! " (
... ) و أنا أظن أن الأجيال الحالية
ستستعمل ـــ و بدون حدود ـــ وسائل الاتصال المعاصرة دون التغاضي عن مثيلتها
التقليدية ! "
4 ـــ و في سؤال حول مصدر المكانة العلمية المُمَيَّزة التي يحظى بها "
إيكـــو "، كان جوابه كالآتي
:
ـــــ " دائماً أردد أنّ الإنسان الذي لم يقرأ كتابا واحداً طيلة حياته،
سيموت حزيناً، ولن يتذكر وقائع حقيقية، أو ذات قيمة، كما لو أن حياته
كانت أَقْصَرَ ." وهكذا ، فعندما سأُودع حياتي، وأنا قد عشتُ مقتل يوليوز
قيصر، أو معركة واتِرْلُو، أو الرحلة إلى الجحيم ( لِ:
دانْتي ) .. سأكون سعيداً بحياتي الغنية و الطويلة
! "
5 ـــ وحول آخر نصيحة يُسْديها في مُواجهة الآلة الجهنمية لعصرنا، قال أمبرطو
إيكـــــو: " أظن أنه يجب علينا
تطبيق ما قال به غْرامشي: ـــ تشَاؤميَّةُ العقل، دون التغاضي عن تفاؤُليّة الإرادة .. "
أَنجزَ الترجمة و بتصرف:
جواد المومني
پـــــــــيــــــرپـــــــيــــــنــــــيـــــــان
/ فرنسا في: 1 أبريل 2013
---------------------------
عن المجلة الأسبوعية الفرنسية: لُوپْوان ــ 14 مارس 2013 ــ العدد: 2113 ــ ص:
108،109 .
الصحافيان المستجوِبان: طوماس ماهلر وكريسطوف أُونو دي بْوا .