حوارات حول الجدوى من "موازين"
تساؤلات عن الدعم الحقيقي للمهرجانات والثقافات
صومعة حسان بالرباط
مصطفى لمودن
تثير بعض المهرجانات المقامة بالمغرب وعلى رأسها "موازين" الذي يقام خلال شهر ماي من كل سنة جدلا واسعا، وتكون المواقع الاجتماعية حبلى بالأخذ والرد، في إحداها فتحت "نافذة" بما يلي:
"حملة إعلامية قوية من أجل "جيل موازين" في مختلف وسائل الإعلام، وبهتان باسم "مغرب الثقافات"، ومؤسسات تمنح المال بدون حساب، هل يمكن أن يحدث مثل هذا مع أي "مهرجان" آخر صغير أو كبير له حمولة فكرية وثقافية حقيقية؟".
وكان الإجماع من قبل المتدخلين على رفض الصيغة التي يقام بها المهرجان، خاصة الإنفاق المبالغ فيه من الأموال لصالح المغنين والمغنيات.. إلا رأيا واحدا اعتبر أن انتقاد مهرجان الرباط فهي دعم لموقف الإسلاميين/ الظلاميين حسب صيغته من طرف خدم وحشم للظلاميين، وأن المهرجان يتيح لنا رؤية أعظم الفنانين العالميين (انتهى).
فكتبت الرد التالي الذي أود به إشراك قراء "مدونة سيدي سليمان" بما يروج في مكان آخر من الانترنيت (العظيم)، مع الإشارة إلى الطرف الآخر وهو صديق على كل حال برموز من اسمه فقط.
الرفيق أ. ن.، بعد التحية والتقدير، لو تسمح أود الإدلاء بالملاحظات التالية:
ـ بداية، وبصفتي "يساري" لست ضد الغناء والرقص والموسيقى والمسرح والكتابة والسينما…
لأن ذلك من تجليات حرية التعبير عند الإنسان، بل ومن أجل ما يعبر به العقل والوجدان الإنسانين.
ـ لست ضد المهرجانات بالمطلق، بل يجب أن أكون ضمن الداعين لها، لكن وفق مواصفات محددة سآتي على ذكرها.
ـ وبصفتي مواطن مغربي من حقي أن أدلي برأيي ولا أفرضه على أحد، فأنا أعترض على منح مغنية لوحدها أو مع فرقتها 700 مليون سنيتم من اجل حفلة في الهواء الطلق.
ـ من حقي أن أبدي رأيي اعتراضا على تبذير أموال مغربية طائلة (لاحظ لم اقل عمومية) من أجل مهرجان غنائي في العاصمة،بحجة دعم "الثقافة"، بينما هناك مكان آخر ومجالات أخرى ثقافية حقيقية لا أحد يرعاها أو يهتم بها.
ـ ليس من أجل "الثقافة" تساهم مؤسسات مختلفة في مهرجان الرباط، وليس من أجل عيون الثقافة.
ـ لن يكون مهرجان الرباط هو الأداة التي تواجه الحركات الإسلامية، بل إنه وسيلة يستغلها هؤلاء متعذرين بالبذخ والإسراف من أجل الرفع من سومتهم الشعبية.
ـ لم تكن يوما "الثقافة" هي رفع الأصوات بالغناء وعرض الأجساد المتراقصة فقط، بل هناك تعابير أخرى، وحتى في مجال الرقص والغناء فإن المغيب الأول هو كل ما هو شعبي ومحلي.
ـ لنفترض لو كانت قد أنفقت الأموال التي "ذهبت مع الريح" منذ بداية مهرجان الرباط في تشييد المسارح ودور الشباب والثقافة والمكتبات في كافة ربوع المغرب وفق برنامج مضبوط، وتأسيس معاهد الموسيقى وبقية الفنون وتزويدها بالأطر.. لنتصور حينها "الثورة الثقافية" الحقيقية التي كان سيدخلها المغرب.
ـ لنتصور لو أنفق مما أنفق في رعاية المسرح ونشر الكتاب واقتناء قاعات السينما التي تغلق وتهدم، لنتخيل لو دعم المساهمون في مهرجان الرباط بالأموال الطائلة التي ضاعت مسالك دراسية في الجامعة تهتم بمختلف فنون التعبير بالمغرب من الرسم على الخزف إلى الرقص والفلكلور والموسيقى والتشكيل والتعابير الشفوية من حكايات وغيرها.. وإعادة النظر في طريقة تقديمها للجمهور.. لنتصور كيف حينها سيصبح وجه المغرب الفني والثقافي.
ـ لنتصور لو أن ممولي مهرجان الرباط قرروا بناء قاعة أوبرا أو مسرح كبير متعدد التخصصات، أو قاعة مؤتمرات دولية… عوض أن تقام مهرجانات الرقص والغناء في الهواء الطلق، مع متمنيات المنظمين ألا تسقط الأمطار.
ـ لنتصور لو أن للرباط مهرجانا حقيقيا، يجمع بين الفنون المغربية من مختلف المناطق مع الانفتاح على فنون العالم المختلفة، حينها سنساهم في دعم فنوننا كذلك.
ـ لنتصور أن فاعلا مثلكم قرر وحده أو مع آخرين إقامة مهرجان في اليوسفية أو سيدي سليمان أو تازة… ويتقدم لإحدى الشركات التي تساهم في مهرجان الرباط طالبا دعما ولو ألف درهم، فيسمع الرد الذي لن يروق. (نعطي مثلا بإحدى شركات الاتصال المشهورة)
ـ وبنفس المنطق، لنتساءل عن بقية المهرجانات البسيطة التي "يتجرأ" البعض على تنظيمها هنا وهناك، فإذا كانت تجد الدعم من قبل بعض الجهات في السلطة فإنها لن تقام أبدا(مثلا ما يقام بمدينة الصويرة).
ـ لأعطي مثلا آخر، في مدينتي أقيم "مهرجان للهيت" لمدة ثلاث دورات وانتهى به الأمر إلى الإهمال، (وقد رافقه سوء التنظيم وضحالة التصور) وهذا الفن هو تعبير محلي راق عن الفرح الشعبي، ويعبر به في مناطق شاسعة، وعلى الأقل فيه أربعة أنواع، لكنه الآن في طريق الانقراض، لأنه لا يدخل في دائرة اهتمام المسؤولين الكبار. وقس على ذلك بقية الفنون الشعبية في مناطق مختلفة.
ـ قد تلفت الرباط العاصمة الانتباه لها لمدة وجيزة ويخفت كل شيء، قد تنقل بعض السهرات قنوات فضائية أجنبية تملأ بذلك فراغاتها، وينتهي كل شيء، ستعرض تلك القنوات ما يراه مشاهدوها باستمرار من مغنين ومغنيات غربيين، وينتهي الأمر، عوض التفكير في تقديم فنونا المحلية بشكل مقبول يبرز تنوعنا الحضاري وسمو تعابيرنا الفنية، مما سيجلب السياح والاحترام للمغرب.
ـ إن ما تقدمه شركات ومؤسسات من مال "بسخاء" يكون على حساب برامجها "الثقافية" الخاصة إن وجدت، وعلى حساب المصالح الاجتماعية (من تخييم أبناء المستخدمين، السكن، الترفيه..)، ويكون على حساب تنافسيتها وعلى حساب المستهلكين والزبناء أولا وأخيرا.
وفي الأخير الرفيق أ.ن. تأكد من خالص محبتي وتقديري لك.