الاثنين، 27 أكتوبر 2014

الانتخابات التشريعية التونسية: تونس تنتصر على نفسها

الانتخابات التشريعية التونسية: تونس تنتصر على نفسها

بظهور نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت أمس الأحد 26 أكتوبر تضع تونس نفسها على سكة البناء الديمقراطي الطويلة.. ولعل أهم خلاصة ليست في النتائج، بل في توجه مختلف الفرقاء إلى المواطنين وإلى صناديق الاقتراع، حيث يكون الحسم للناخب في اختيار التوجه الذي يرغب فيه، ثم كيفية اجراء الحملة الانتخابية التي اتسمت على العموم بالهدوء والمواجهة البرامجية رغم بعض الهفوات التي حدثت هنا او هناك وهو أمر عادي في دولة تعرف لاول مرة حملة انتخابية حقيقية، لكن أهم ما ميز ذلك هو احباط محاولات إرهابية كانت تروم تعكير الجو الديمقراطي الفتي.. وأخيرا كيفية إجراء الانتخابات في حد ذاتها، فرغم بعض التجاوزات كمحاولات للتقليل من تأثير النساء وحضورهن في المشهد (نساء بدون بطائق، تحكم رجال في تصويتهن، تمييز جنسي في مكاتب التصويت البعيدة عن العاصمة..)، لكن على العموم عبّر التونسيون عن نضج ملحوظ وقد حضر ما يقارب 60% إلى مكاتب التصويت.. 
حصلت مجموعة "نداء تونس" على المرتبة الأولى اي بنسبة 38% من الأصوات المعبر عنها (80 مقعد).. ودخل "حزب النهضة" في الرتبة الثانية بنسبة 31% (67 مقعد).. وجاء "حزب تيار المحبة" ثالثا ب26 مقعد، وهذا الحزب ينتسب لشخص الهاشمي الحامدي صاحب قناتين فضائتين تبثان من بريطانيا. وحل "حزب الجبهة الشعبية" اليساري القومي رابعا..
ولعل أهم النتائج التي يمكن استخلاصها من التجربة التونسية:
ـ رغم ما حملته الثورة من نسائم، فإن المتنفذين السابقين في نظام بنعلي بقي لهم شيء من القوة، حيث يمكن اعتبار "نداء تونس" حضنا لهم، وقد اطلقت على هذا الحزب اسم "مجموعة" لانه خليط من الليبراليين ومن المتشبعين بالهوية التونسية المحلية المكتسبة منذ الاستقلال، وهذا الحزب هو تيارات ماتزال لم تعلن عن ذاتها بشكل واضح، يتزعم هذا الحزب وجه قديم وهو الباجي قايد السبسي..
ـ حصول "حزب النهضة" ذي التوجه الاسلامي على الرتبة الثانية يعكس تخوف التونسيين من اي انتكاسة ديمقراطية قد تحدث تتأتى من هذا الحزب، رغم كل رسائل الطمأنة التي وجهها قياديوه مؤخرا، ورغم تخليهم على ترشيح مباشر من حزبهم للرئاسيات التي ستجرى في 23 من نونبر (الشهر القادم) (*). ولعل النتائج التي حصل عليها هذا الحزب تؤكد أمرين:
ـ1 استمرار حضوره، وعدم تجاهل ذلك../ 2ـ يأخذ الحزب مع الوقت حجمه العادي ضمن التشكيلة الحزبية داخل تونس..
ـ بالنتائج المتحصلة، يظهر ان التونسيين يسعون للاستقرار أمام كل المشاكل التي حلت بهم (الارهاب والاغتيالات، التدهور الاقتصادي)، ولم تعد تهمهم الإيديولوجيات كيفما كانت..
ـ حضور الأحزاب المنتسبة لليسار والداعية للعلمانية على نتائج مناسبة بالمقارنة مع وضعها السابق تخول لها دخول مجلس الشعب، وهي أمام امتحان، ، فعليها الآن تشكيل جبهة معارضة قوية داخل المجلس التشريعي وطرح بدائلها الممكنة في ارتباط مع الشارع. (الجبهة الشعبية جمعت في صفوفها كلا من حزب العمال الشيوعي، حركة الوطنيين الديمقراطيين، حركة الشعب، حركة البعث، حزب النضال التقدمي، الحزب الشعبي للحرية والتقدم..) وليس لها من خيار سوى التوحد والاندماج الفعلي..
ـ رغم هذه الانتخابات لم يتوضح بعد بما يكفي الشمهد السياسي، وذلك من سيمات المراحل الانتقالية بعد سنوات من الديكتاثورية المطلقة، بحيث يمكن للتحالفات القادمة ان تهيء تشكيلا قويا يتسلم زمام الحكومة..
ـ إذا ظهرت في تونس تحالفات هجينة، كدخول الحزبين الأولين "نداء تونس" و"النهضة" في تكتل مشترك.. فسيكون ذلك ضربا للفرز الموضوعي بين تيارين وتوجهين مختلفين، مما سينعكس سلبا على المستقبل الديمقراطي في تنوس..
ـ ختاما ما تزال تنتظر تونس محطتين انتخابيتين، الأولى لاختيار رئيس، وهو بسلطات أقل من الحكومة، ثم بعد ذلك الانتخابات المحلية لتشكيل المجالس المحلية.. وحينها يمكن تحديد خريطة نهائية للمجال السياسي في زمن تونس الحالي..
وكما كتبت سابقا، فهناك عيون تنظر بالريبة والحذر للتجربة التونسية، وتتمنى لها الخيبة إذا لم تتدخل فعليا لافساد كل شيء.. وخاصة من أعداء الديمقراطية في محيط تونس القريب والبعيد والذين لا يرغبون في نجاح أي مسار ديمقراطي يعطي انطباعا حسنا لدى شعوب مقهورة من طرف حكامها المستبدين، وهنا يجب ان تحضر نباهة التونسيين للحفاظ على تجربتهم المتميزة..
-----------
(*)
من المفارقات،الموجود على قائمة صفاقس في حزب النهضة مرشح للرئاسيات باسم حزب آخر!