الانتخابات الجماعية بسيدي سليمان
قراءة في واقع انتخابي مخدوم
الإدريسي الحسين
التحضير القبلي لا يخلو من زرع الألغام
في خضم تركيب اللوائح الانتخابية الجماعية تفاجأت الساحة السياسية المحلية بالاستقالات من عدة أحزاب، إما للاعتزال أم للانخراط في أحزاب قائمة الذات وإما لتأسيس أخرى للمشاركة في معركة الانتخابات الجماعية ل 12 يونيو، كما تفاجأت بانتقالات وفق نظام الترحال المبتكر وسط المشهد السياسي المحلي، وهي انتقالات لا تحكمها أهداف وبرامج عمل، بقدر ما يحكمها البحث عن مطية كفيلة بضمان المشاركة في التنافس على35مقعد المخصصة هذه المرة لمجلس مدينتنا في التقطيع الانتخابي الجديد.
ففي هذا السياق استقالت أسماء وازنة (اللائحة طويلة تتداولها الألسن بالمدينة بسخرية واستغراب بالنظر إلى المترشحين لتحمل مسؤولية تتجاوز قدراتهم وكفاءاتهم لتدبير شؤون المدينة في الوضع الراهن) من حزبي الاستقلال و الاتحاد الاشتراكي، ليظهروا على لوائح الحزب المغربي الليبرالي حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية وحزب الأصالة و المعاصرة و حزب البيئة والتنمية المستدامة وحزب الوحدة والديمقراطية، على أن غالبية الاستقالات تبرر ذاتها بعدم الرضى على الطريقة اللاديمقراطية المتحكمة في تركيب اللوائح, أو بالتشبث برئاسة اللائحة بدل المشروحي (الاتحاد الاشتراكي) أو الدواجي (الاستقلال) فهل هذا يعكس داخل الإطارات الصراع السياسي أم صراع الأجيال؟ كما يقول البعض، أم هو فقط تكتيك مخدوم في إطار الصراع حول الأصوات؟ كيفما كان الحال فإن المستقبل القريب سيفضح كل الحسابات المعلن عنها او المخفية، أو بالعكس كان من وراء كل ذلك البحث عن التجديد وتجاوز الثنائية المعتادة؛ التناوب ما بين الاتحاد و الاستقلال على رئاسة المجلس البلدي…
حول هذه الرهانات انطلقت فترة الانتخابات الجماعية بسيدي سليمان على خلفية تقديم قيمة مضافة نوعية في المسلسل الانتخابي المستقطب لفئتين أساسيتين في المجتمع، النساء والشباب ربما لتكسير وتيرة العزوف السلبية.
اللوائح منفتحة على أسئلة اللحظة و ليس على أي مستقبل واعد
النتيجة المباشرة هي تعدد اللوائح (18 لائحة ـ 35 عضو ) تنذر فيها الكفاءات والأسماء الوازنة بالمدينة كما تنذر فيها تصورات مستقبلية للمدينة، لقد تجاوزت اللوائح كل التوقعات بانخراط أحزاب جديدة في المشهد السياسي المحلي في الصراع الانتخابي لاستمالة أصوات الناخبين، ويتعلق الأمر بحزب الأصالة والمعاصرة وحزب الوحدة والديمقراطية والحركة الديمقراطية الاجتماعية وحزب التجديد والإنصاف والحزب العمالي، و كلها أحزاب ظهرت ليلة الدخول في مرحلة تحضير اللوائح. سبب ذلك الارتجال وإقحام أي كان في اللائحة لاستكمالها بعجالة، العدد المطلوب 35، بل في بعضها أفراد من عائلة واحدة،وقد نجحت "لوائح" في "جر"عدد من المواطنين إلى ممارسة حقهم في الترشح وفي "قضم" من قائمة العزوف.
ما يعاب على كل اللوائح أنها لم تأت ببرامج في مستوى تطلعات المدينة، هذا إذا توفرت أصلا على برنامج تقدمه للمواطنين، و يعاب عليها أيضا عدم قدرتها على إقناع الفعاليات الثقافية والسياسية ذات الكفاءة العالية في تدبير الشأن المحلي.
لماذا؟ الإجابة عند أصحاب الكفاءات طبعا، لكن في تقديري يمكن إرجاع أسباب ذلك إلى الخوف من الآتي الذي لم يأت، وربما من السؤوليات الثقيلة أو الممارسة الفعلية للشأن المحلي، أي النزول إلى العمل المباشر وتمتين العلاقات والتواصل مع المواطنين والمواطنات، وخاصة المتضررين منهم في مواجهة مشاكلهم اليومية.
فلا غرابة أن تتجه أنظار الشارع السليماني إلى لائحة الاتحاد الاشتراكي، التي تضم بجانب المشروحي، الرئيس المنتهية ولايته، عددا من الوجوه الانتخابية وفعاليات ذات إمكانيات مهمة في التنظيم والتسيير، خاصة وأن الداخلية ترى بعين الرضا التجربة الاتحادية في المدينة، في غياب الأحسن حسب ما يذكر مطلعون
إلا أن دخول الوافدين الجدد إلى الساحة السياسية المحلية، قد قلب الحسابات،لأنها قدمت نفسها كبديل لمواجهة المشرروحي بنسف استراتيجيته للوصول إلىرئاسة المجلس البلدي.
لذا وبقليل من التجاوز، يمكن القول أن اللوائح تعكس اتجاهين:اتجاه يميني واتجاه يساري و ديمقراطي.
أباطرة المال الجدد يقتحمون الساحة الانتخابية بشعار التغيير
امتطى أباطرة المال كفصيل من الأعيان عدة إطارات حزبية، طبعا من اليمين، لخوض معركة الانتخابات الجماعية، مستهدفين في ذلك الإحياء المهمشة، الشباب المعطل، أو السائر في طريق العطالة، بالإضافة إلى بعض التجار والفلاحين ورجال ونساء التعليم، الذين اكتووا بالأزمة و تضرروا من عواقب الممارسات الانتهازية لبعض المستشارين الجماعيين، وهي الشرائح الاجتماعية المستقطبة عادة من لدن أحزاب اليسار، بل الفئات التي تتجند لتنفيذ الوقفات الاحتجاجية ضد غلاء المعيشة وضد الحرب على عزة.
لماذا هذا الانتقال الجماعي؟ لا شك أن وراء ذلك دوافع معقدة، يمكن إرجاعها إلى الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتأزمة، إن محليا أو وطنيا. الأمر لم يكن اعتباطيا إذن، ولا هو موجها فقط ضد المشروحي، بل يندرج في العمق في مخطط التلويح بالديمقراطية لمناهضة الديمقراطية، نصرة لسيادة النظام الرأسمالي المعولم، و تكريس هيمنة المال والاستفراد بالاستغلال للثروات والبشر بشكل شرعي مطبوخ.
نزل الأباطرة الجدد إلى الساحة الانتخابية بفخر ك "مهديين منتظرين" و كوافدين جدد مؤمنين بالبرغماية والمكيافيلية، في الممارسة كما في العلاقات، ما دام أن الدرهم قد أصبح يقاس بالماء مصدر الحياة.
لقد تحرك المال فحقق المعجزة في سيدي سليمان، كما في عدة أماكن أخرى لذر الرماد في الأعين، وإغراء المستضعفين وإرشاء الكثير من الأقلام، بما فيهم صانعي القرار، النتائج واضحة مع بداية الحملة الانتخابية:
ـ زعزة الوضع القائم على الساحة الانتخابية المحلية بإحداث هجرة كبيرة في اتجاه أحزاب اليمين محليا، وإحداث ارتباك في الاستراتيجيات الانتخابية لدى الأحزاب المنافسة، بفضل ما قدمته من إسهامات مالية قذرة، قدرها البعض بملايين السنتيمات (ما بين 100 إلى 250 مليون في فترة لا تتجاو 20يوما)
ـ تحقيق انتصار أولي على اليسار بالاستحواذ على أحياء برمتها، التي كانت تحسب لصالح اليسار، فآلاف الأصوات أصبحت مضمونة لصالح اليمين، مما جعل أحزاب اليسار والاتحاد الاشتراكي في طليعتها تعيد النظر في خططها الدعائية، وفي حساباتها وتحالفاتها الممكنة لدرء أثر المفاجأة.
ـ فعالية الطعم المقدم بسخاء للفئات المتضررة من الأوضاع المتردية بالمدينة، وفي ظل الحياد السلبي للسلطات، الشيء الذي يشجع على متابعة الخطة لشراء الأصوات على عينك يا ابن عدي, لقد وزعت الأموال بالملايين إلى درجة أن ظهر خصاص لدى بعض الأباطرة، اضطروا معه إلى البحث عن موارد بأي ثمن كان، أو الاختفاء ريتما تنطلق عملية الاقتراع.
الإكراهات حاضرة، لكن الخطة نجحت رغم ذلك؛ استمالة الكتلة الناخبة بالدرهم الملموس عوض الوعود والمشاريع الملموسة، وإن كانت مطلوبة فعلا للنهوض بأحوال المدينة، .يا لها من مفارقة عجيبة قائمة على التضليل وامتهان الضحك على ذقون المواطنين المحرومين.
المنتصر إذن هو المتحكم في الحقائب المالية المسخرة لتدبير الانتخابات الجماعية بكل مراحلها، تحضيرا ودعاية واقتراعا، لكل محطة غلافها الخاص بقيم تتجاوز الإثمان السائدة، لأن فترة الصرف محدودة، ولا تتطلب المساومة والمزايدة، سواء لكراء المقرات أو لطبع اللوائح أو لتوزيعها أو النقل والتغذية.
السخاء لشراء الأصوات لصالح الأعيان الذين فضلوا دعم السياسة اللاشعبية لتحقيق مصالحهم و تنميتها في ظل الأزمة القائمة اقتصاديا واجتماعيا.
ومن تم يمكن استنتاج أن الانتخابات الحالية شكلت الخط الفاصل بين فصيلين داخل فئة الأعيان، فصيل من الطبقات الوسطى ارتمى في أحضان اليمين وفصيل يدعم اليسار، وبذلك يكون انتصار أحزاب اليمين تجسيدا واضحا لانتصار يمين الأعيان على أعيان اليسار، كما شكل انتصار البرجوازية الكبيرة في الانتخابات التشريعية انتصارا على البرجوازية المتوسطة عامة، فهل وصلنا إلى نوع من تقسيم العمل في تدبير الشأن السياسي عبر الانتخابات التشريعية والجماعية؟
قالت الصناديق الزجاجية كلمتها بدون مفاجأة
المنتوج الانتخابي يرى النور بعد الفرزو جمع النتائج الجزئية؛ غالبية الأصوات المعبر عنها (12736على46247 من المسجلين) ذهبت إلى أحزاب اليمين، وفي مقدمتها حزب الاتحاد الدستوري، الذي انتزع ثمانية مقاعد، ويأتي حزب الوحدة والديمقراطية بعده بأربعة مقاعد، والحركة الديمقراطية الاجتماعية بأربعة كذلك، فإذا أضفنا ما حصل عليه الحزب الليبرالي(3 مقاعد) و العدالة والتنمية(3مقاعد) يتضح أن اليمين قد حصد 22معقعدا المشكلة لأغلبية مريحة لرئاسة المجلس البلدي.
وترتب عن ذلك:
ـ تتويج لإستراتيجية قائمة على استعمال المال من طرف أحزاب أبانت عن نفاذ الدور الذي وضعت من أجله، ولعل ظهور الأصالة و المعاصرة قد حفزها لاسترجاع نفسها على الساحة السياسية، مبرهنة بذلك أنها لم تنته بعد و متشبثة بحقها في التسيير والتدبير
ـ إبراز القوة السياسية واللوجستيكية لنسف أحلام اليسار في تجنيد الجماهير الشعبية كقوة الضغط لكسب المواقع الأمامية في القرار والتسيير والتدبير، لقد تمكنت أحزاب اليمين هنا من التكتل حول هدف الإطاحة بالمشروحي وكيل لائحة الاتحاد الاشتراكي مستغلة الأخطاء و غير الأخطاء(مشكل المسبح الأولمبي ومنع استعمال العربات ومشكل الجوطية و مشكل الصرف الصحي والنافورات بالأحياء المهمشة ومشكل المناصب … ناهيك عن الملاسنات الشهيرة), و رغم كل هذا فإن المشروحي لم يكن في الواقع إلا ذريعة، فمخطط اليمين كان واضحا، الهدف اليسار برمته و ليس المشروحي وحده، لقد تمكن اليمين من قطع الطريق على الاتحاد الاشتراكي كجزء من اليسار، لأسباب استراتيجية تروم تمسك اليمين بزمام الأمور في الوقت الذي تتزعزع قواعد النظام الرأسمالي النيوليبرالي.
ـ ضمان الأغلبية للاستحواذ على الرئاسة بالمجلس البلدي، يطرح التساؤل حول الإمكانيات المتوفرة لمواجهة المتطلبات المحلية والإقليمية والوطنية للنهوض بالمدينة على كل المستويات، إن الرهانات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية المرتبطة بالحكامة الجيدة وبالتنمية المستدامة في ظل أزمة العولمة، لتشكل تحد يتجاوز الإمكانيات الحقيقية للقوى المتكتلة لتدبير شؤون المدينة بشكل راق ضمانا لأي تغيير منشود.
- خلاصة: من جديد وخلال الانتخابات الجماعية اتضح أن الصراع ما بين اليسار واليمين لازال مستمرا، وإمكانيات الهجوم لا زالت بيد اليمين للتمركز أساسا حول استعمال المال واستغلال الفقر والوضع الدفاعي لليسار، فمتى يغير اليسار من خططه لكسب رهان الديمقراطية الحقة؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المدونة: يحق لكل من له رأي مخالف أو وجهة نظر أخرى في هذا الموضوع وغيره أن ينشر على صفحات هذه المدونة، هدفنا فتح نقاش حول قضايانا المختلفة.