مصطفى لمودن
قدم رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران التصريح الحكومي منتصف يوم الخميس 19 يناير 2011 أمام أعضاء الغرفين معا، وقد استغرق في تلاوته ما يربو عن ساعة ونصف قسمه على خمسة أبواب رئيسية، أولها ما سماه "تعزيز الهوية الوطنية الموحِدة وصيانة تلاحم وتنوع مكوناتها والانفتاح على الثقافات والحضارات" قدم فيه المرتكزات الأساسية للدولة المغربية، لكن أهم ما يمكن ملاحظته في هذا الصدد ذكره "الملكية الدستورية" بخلاف ما ينص عليه الدستور في ديباجته حيث نجد تعريفا ممططا ضمنه كذلك "الملكية البرلمانية" لنظام الحكم في المغرب، وعليه هل هذا قراءة خاصة برئيس الحكومة وحده أم اجتهاد يهم كل التشكيلات الحزبية المكونة للائتلاف الحكومي، وبالتالي فلن تختلف "تنزيلات الدستور والقوانين التنظيمية عن نفس المخرج؟ وهو ما يعني عودة إلى نقطة الصفر قبل الحراك المجتمعي مع "حركة 20 فبراير".
وحول الخدمات الاجتماعية ركز بكلام عام على التعليم والصحة والسكن… كقوله بضرورة إعادة الثقة في المدرسة العمومية وتفعيل دور الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية، وضمان ولولوج الصحة للجميع خاصة بعد ضمان انخراط 10 ملايين مستفيد من الضمان الاجتماعي، وحصول 30 % من المغاربة المعوزين أي 8.5 مليون شخص على مساعادات طبية، وفي نفس الصدد تحدث عن إصلاح صندوق المقاصة، وربطه بتقديم دعم نقدي للمحتاجين مقرونا بشروط كتعليم الأطفال وهو إجراء بدأت تطبقه الحكومة السابقة… ولم يضف ما يقنع حول السكن سوى ذكره توفير "منتوج جديد" خاصة للطبقة الوسطى والقضاء على دور الصفيح وهي لازمة تتكرر مع جميع الحكومات المتعاقبة.
وفي مجال المرأة وعد بالمساواة في مرتين من مداخلته أمام الاحتجاجات القوية ضد تهميش النساء في الحكومة، لقيت استغرابا من داخل المجلس نفسه، وقد نظمت عدة نساء من تنظيمات مختلفة كانت ضمنهن نبيلة منيب الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد وقفة احتجاجية أمام مجلس النواب.. ورد بنكيران بقوله إنه صادق فيما يعد به. ووعد كذلك بتفعيل صندوق التضامن الأسري الوارد في "مدونة الأسرة".
وحول الشباب ذكر بنكيران بنية حكومته تشكيل "مجالس جهوية للشباب"، والاهتمام بالمسنين..
وفي مجال الشغل ظل التصريح رهين المقاربات التقليدية؛ في مطلب تشغيل المعطلين تحدث عن "الـتأهيل والإدماج" بدون مزيد توضيح، ووعد بتشغيل حاملي الشواهد في جمعيات المجتمع المدني! وتشجيع المبادرة الخاصة..
ولم ينس بنكيران تطمينه للمحيط الذي يقترب منه "فكريا وتنظيميا" ونعني به المكلفون بالجانب الديني والدعوي، رغم حرصه على ربط ذلك في الأخير بمهام الملك.
ولوحظت "لمسة تقدمية" فيما يخص الجانب "الثقافي" والإعلام واللغة (العربية، الأمازيغية، الحسانية..) يتمنى الجميع أن ينفذ ذلك فعلا في إطار احترام التعددية والديمقراطية والحرية (هو يضيف المسؤولية القابلة لعدة تأويلات).
وذكر بنكيران فيما يخص الجهوية عزم الحكومة "إصدار الميثاق الوطني للاتمركز"، ودعم المقاولة، وإخراج صندوق للمخاطرة في الاستثمار، وإصلاح الإدارة ومكافحة الفساد وتقوية مؤسسات الرقابة وتعزيز دور مكانة المجتمع المدني في ذلك، ودعم استقلال القضاء وسيادة القانون وإصلاح عميق للدولة، والاهتمام بالعالم القروي والمناطق النائية والمدينة.
وحافظ التصريح الحكومي كذلك في مجال السياسة الخارجية على نفس دوائر التعامل الخارجي، فأعطى الأسبقية للاتحاد المغربي( تجنب لفظة العربي) وركز على إشارة مهمة وهي السعي من "أجل التطبيع الكامل مع الجزائر"، ثم انتقل إلى العالم العربي والإسلامي ولم يغفل طبعا "الاتحاد الأوربي" ودعم القضية الفلسطينية.. رغم أن هناك آفاقا كثيرة يمكن التعامل معها كأمريكا اللاثينية والتي كانتلحكومة التناوب التوافقي علاقات مثينة ببعض دولها..
لقد حمل التصريح الحكومي الكثير من الأماني والوعود العامة، وهي مجرد "نيات حسنة"، يمكن إنجازها أو تركها في غياب وضع أجندات محددة لذلك وعرض التفاصيل المالية لكل المشاريع ومصادر التمويل…
إن ما حمله بنكيران للشعب المغربي ليس فيه أي جديد، وأي رئيس حكومة يمكن أن يأتي بمثله.. في غياب أي تعاقد صريح، ودون أن يثير أصحاب المنافع والامتيازات غير المشروعة ومتى سيوضع حد لذلك. ولم يتحدث عن عدة مناطق ظل لا يقربها كحال الأجهزة الأمنية..
فهل جاءت حكومة بنكيران "مخدومة" بمقاس محدد في ظل ظرف معين لامتصاص الغضب ومطالب الشارع دون تحول جذري في التعامل الحكومي مع قضايا الوطن والمواطنين؟ و الشهور الأولى القادمة كفيلة بمنح الجواب الشافي.
لوحظ تركيز رئيس الحكومة على إقرانه "المسؤولية بالمحاسبة"، وهو يعلم أن ضمن حكومته عدة وزراء تكنوقراط لا يلزمهم أي شيء بالنزول عند الناخبين في نهاية الولاية الحكومية.
_________________