ذ. محمد سبيلا وذ. محمد محيفظ في "زمن السياسة"
تقييم "الحراك العربي"
ذ. محمد سبيلا--- ذ. محمد محيفظ
مصطفى لمودن
شارك ذ. محمد
سبيلا وذ. محمد محيفظ في البرنامج الإذاعي "زمن السياسة" الذي قدمته
مساء الأربعاء 12 يونيو إذاعة الرباط حول "الحراك العربي" تقويما
واستعراضا للآفاق..
اعتبر ذ. محمد سبيلا أستاذ الفلسفة بجامعة محمد
الخامس أن "الحراك العربي" اتخذ مسارا آخر ليس ما كان منتظرا منه، أي من
طرف الشباب وبعض التنظيمات السياسية (مصر ، تونس..)، وقد استولى الإسلاميون بعد
ذلك على السلطة، وهم يرومون الحفاظ على نفس البنيات التقليدية مع بعض الإصلاحات
الخفيفة، ورأى أن الواقع أو ما سماه التاريخ العيني لا يتوافق مع المتمثلات
الذهنية للمثقف الذي يشتغل بالفكر، واستنتج أن هناك حديث عن "الحراك"
فقط، بينما لا نبارح مكاننا بحكم ثقل الموروث التقليدي.. والأنظمة بدورها في حيرة،
فهي تريد تحقيق دولة مدنية، لكن مع بنيات تقليدية عتيقة، فالإخوان في مصر مثلا
"يريدون خونجة" الدولة، وهناك مزواجة بين التقليد والتحديث، لكن الثقل
يعود للتقليد..
تساءل ذ. محمد محيفظ أستاذ الفلسفة السياسية
بجامعة ابن طفيل عن أسباب غياب مسارات التغيير كما عرفتها شعوب مختلفة في كل بقاع
الأرض وأعطى مثلا بالثورة الفرنسية، ويرى أن العائق يعود لاستمرار تواجد بنيات تقليدية
في المجتمع كالقبيلة والعشيرة، لكنه اعتبر ذلك مرحلة من التاريخ ستمر، رابطا ذلك
ب"تشاؤم الفكر وتفاؤل الإرادة" حسب قوله، فالمطالب التي حملها الشباب
كانت حداثية، لكن القوى المنظمة (الإسلاميون) هي التي استفادت، والتغيير لا يأتي
دفعة واحدة بل عبر طفرات، والمجتمعات العربية الآن تعيش بين نقطتي جذب، من جهة
سطوة التقليد وتعثر الحداثة، ومن جهة ثانية العيش في عصر العولمة والتدخلات
الخارجية، وأعطى مثلا بليبيا التي عاشت في ظل نظام عسكري ورغم الحديث عن
"الكتاب الأخضر"، فقد بقيت نفس البنى الاجتماعية والثقافية طيلة أربعين
سنة، وهي معرضة للتدخلات وفرض "دفاتر التحملات"..
وانتقل بعد ذلك الصافي الناصري الصحفي المشرف
على البرنامج بضيفيه إلى الحديث عن نماذج محددة.. فالأستاذ محمد سبيلا يرى في تونس
الدولة التي عرفت "الحداثة" والإصلاح منذ فترة زمنية مبكرة، منذ عهد
الدولة العثمانية (ق19م)، حيث عرفت الدستور، بالإضافة إلى مصر سواء مع العثمانيين
أو بعد غزو نابوليون.. وتميزت تونس حسب رأيه بنظام سياسي كانت اختياراته حداثية مع بورقيبة في مجال التعليم وحقوق المرأة والتحديث الثقافي..
لكن في عهد بنعلي وقعت انزلاقات نحو الفاشستية والاستبداد.. وحول "حزب
النهضة"، الذي ظهر كرد فعل ضد إصلاحات بورقيبة، فإن هذا الحزب الإسلامي حسب
سبيلا "إسلامي تحديثي"، فرئيس هذا الحزب درس الفلسفة، ونخبه تعلمت في
انجلترا، لكن هناك مزايادات تفرضها السياسة بينه وبين السلفيين..
وافق الأستاذ محمد محيفظ أستاذه السابق فيما
جاء به حول تونس، وكل ما وقع من "تحديث" في تونس، فقد ظهر تأثيره فيما
بعد (الآن)، حيث يعرف المجتمع تجانسا باستثناءات بسيطة في "المناطقية"،
(جهات بعيدة عن المركز)، وليست بالمجتمع التونسي انقسامات طائفية ومذهبية.. وحول
"حزب النهضة" يذكر أستاذ الفلسفة السياسية أنها جزء من الطيف الإسلامي
وتحاول أن تمتح من الحداثة، لكن بعد
تسلمها السلطة بدأت تظهر التناقضات.. ومع ذلك فمساهمة "النهضة" حسبه
تبقى محدودة، لأن الثقافة الإسلامية لم تعرف عمليات إصلاح ديني، والسياسيون لا
يجدون (عموما) مخارج دينية للمشاكل التي تعرفها المجتمعات.. ورأى بأن مسألة
الإصلاح الديني قضية مفصلية..
حول مصر، قال ذ. سبيلا إن القوى المعارضة
للإسلاميين وخاصة "جبهة الإنقاذ" تكاد تعادل القوى الإسلامية.. وعمليات
التحديث التي عرفتها مصر لم تذهب سدى، رغم أن خطوات التحديث بطيئة.
في حالة مصر توقف الأستاذ محيفظ عند بعض الصعوبات، منها المسألة الديمغرافية
غير المتحكم فيها، شح الموارد، ظروف اجتماعية مأساوية، تأثيرات الصراع العربي
الإسرائيلي، نتائج النظام الاقتصادي والسياسي الذي انطلق منذ عهد السادات، وظهور
طبقة طفيلية استفادت مما سمي بالانفتاح.. واستنتج بأن مصر ستعرف مشاكل أكثر وكوابح
ضد التغيير أمام "تغول الاتجاه
السلفي"، وقد نتج هذا "التغول" عن عودة العمالة التي كانت في دول
الخليج، مما أدى إلى ابتلاع مظاهر التحديث التي كانت منذ النظام الملكي..
وخص البرنامج الإذاعي حيزا للمغرب، فالأستاذ
سبيلا تحدث عن "تحول تاريخي تلقائي بعد موت الحسن الثاني، تحول من نظام الأب
إلى نظام الابن، ولم يكن نتيجة أحداث، وصاحب ذلك انفراج سياسي صمات، وقع التمهيد
له منذ عهد الحسن الثاني مع حكومة التناوب، وحدث تنفيس سياسي، مما قلل من حالة
الاحتقان السياسي..
من جانبه توقف الأستاذ محيفظ عند "موقع
المؤسسة الملكية في النظام السياسي ككل"، حيث هناك بعض التمييز قياسا للتجارب
السياسية الأخرى، فالتجاذب الذي يقع حول الدين له وصفة خاصة مع وجود "أمير
المؤمنين".. ورغم كل ما يقال عن سنوات الرصاص، فمع ذلك يجب الإقرار بأنه بعد
الاستقلال لم يتم إعدام السياسة بالمطلق.. وقد بقي مد وجزر، ما يعني استمرار
الحياة السياسية، وهو ما ينعكس (إيجابا) على خبرة الشعوب.. لكنه توقف عن معضلتين؛
أولهما مشكلة التعليم، حيث سيجني المغرب من ذلك المزيد من التخلف. أما الثانية فهي
في نظره "ضمور العقلانية" في تصرف النخب الاقتصادية والسياسية، وغياب
"صراع عقلاني" في السياسة، واستمرار الريع في الاقتصاد وعدم الانخراط في
التحديات التي يفرضها العصر..