السلطة " تأكل" أعوانها بوزان
محمد حمضي
يشكل جهاز المقدمين والشيوخ علامة مغربية فريدة من نوعها في العالم؛ فهم الفئة الوحيدة من أعوان السلطة التي لا تتوفر على قانون أساسي يحدد حقوقهم وواجباتهم.. التحاقهم بالعمل يلفه اللبس والغموض، فالعملية غير مفتوحة في وجه جميع المغاربة والمغربيات انطلاقا من الدستور الذي يقر بالمساواة بين جميع المواطنين، وهو ما يعتبر مسا خطيرا بمبدأ تكافؤ الفرص بين أبناء الوطن الواحد، كما أن عدم إخضاع عملية انخراطهم في سلك الإدارة إلى التباري تجسر العلاقة بين الشغل والفساد، وتسلب منهم كرامتهم طيلة مشوارهم الإداري، قبل أن يلقى بهم في براثين الفقر بعد الإحالة على التقاعد، فمصيرهم المأسوي في خريف العمر نفسه يشكل خصوصية مغربية لا نعثر لها على مثيل في كل أرجاء المعمور.
الأمر لا يتعلق بمبالغة في الوصف، فالحالات التي بين أيدينا، وبعد أن كانت كلمة أصحابها لا تعلوها كلمة في مناطق نفوذهم عليها، تدمي القلب، وتدعو إلى الشفقة، فهذا ( م - ز ) وبعد 28 سنة من العمل ليل نهار في عز زمن الرصاص، أقعده الشلل، ونخر جسده مرض السكري، ولن يشكل له مد يده لغيره طلبا للعون أي إحراج، إذا علمنا بأن تقاعده بالكاد يصل إلى 870 درهما في الشهر، وزميله (ع - ه ) لم تشفع له 34 سنة في خدمة السلطة، ليكون له تقاعدا مريحا في نهاية العمر، بل سيجد نفسه قريبا من التسول بعد الحكم عليه بالإفراغ حين عجز عن أداء السومة الكرائية، وكيف له بذلك وما يستخلصه شهريا لا يتعدى 1000 درهما. أما المرحوم ( م – م) فقد كان الشارع سيحتضن أفراد أسرته التي خلفها وراءه لولا تضامنهم مع بعضهم إلى حين تجاوز العاصفة، فكيف كانت أرملته ستدبر شأن أبنائها، وتواجه المتطلبات الدنيا للحياة ودخلها الذي توفره لها الإدارة لا يتجاوز 450 درهما شهريا…
تلكم كانت حالات مأسوية من بين أخرى كثيرة يوجد أصحابها في كل مدينة وقرية، تنكر لخدماتهم أعتا جهاز، وأقوى وزارة، وعندما تململوا بمناسبة الربيع العربي من أجل إسماع صوتهم للمطالبة بحقوق دنيا من أجل الشعور بكرامتهم وإنسانيتهم، كان رد إدارتهم على تحركاتهم المشروعة قاسيا، كما نقلت ذلك بيانات تنسيقيتهم، رد جاء على هامش ورش بناء دولة الحق والقانون، وحماية حقوق الإنسان.