التعليم إلى أين؟
2ـ وضعية المدرسة بالعالم القروي –تتمة
بمناسبة الدخول المدرسي الجديد، للموسم الدراسي 2008/09، نشرع في إشراك القراء معنا حول هموم التربية والتعليم، أولا لنبسط أهم المشاكل، وبعد ذلك يمكن أن نقترح حلولا لها، في ظل وضع تعليمي متأزم باعتراف الجميع، سنسعى حسب المستطاع الوقوف على بعض التفاصيل الصغيرة، والتي قلما يتم الانتباه لها، ونخص بالأساس التعليم الابتدائي، قاطرةالسلسلة وركنها الأساسي، كل ما له علاقة بهذا المستوى التعليمي، علما أننا راكمنا تجربة ميدانية وعملية في مهنة التربية والتعليم لما يقرب من ربع قرن من الزمن، وقد عايشنا بعض التجارب والتحولات، وشاهدنا نجاحات وإخفاقات، غير أن ملاحظات القراء عموما وانتقاداتهم وتوجيهاتهم تدعم كلما سنأتي على ذكره.
كما ذكرنا سابقا فقد بدلت مجهودات كبيرة من أجل تقريب المدرسة من القرى المغربية المتناثرة عبر تجمعات صغيرة، وبما أن العالم القروي لم يعرف كبير عناية أو اهتمام من لدن الحكومات المتعاقبة، وما تزال القرى كسالف عهدها لم يطرأ عليها تغيير ملحوظ، خاصة من جانب تجميع المتقارب منها، وإحداث قفزة نوعية في بنيات الإنتاج المحلية، مما سينعكس على البنية الذهنية لساكنة معروف عنها الطابع المحافظ والحذر من كل ما هو جديد، وهو ما تنبهت له الأطراف الحاكمة، مما جعلها تتلكأ في أي إصلاح زراعي حقيقي منذ عقود خلت، اعتقدت أنه قد يقود إلى المجهول، أو إلى ما لا يمكن التحكم فيه على المستوى السياسي. لكن للحقيقة، فقد تنبه الحاكمون لوضعيةالإهمال التي يعيشها العالم القروي، على الأقل منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، خاصة مع تفاقم الهجرة القروية إلى المدن، وما ترتب عليها من مظاهر سلبية مثل السكن العشوائي، وظهور بعض الانتفاضات المطالبة بتحسين ظروف العيش، علما أن المنطق الديموغرافي السليم يقود نحو توسع القاعدة السكانيةبالمدن، لهذا بدأت الدولة تتنبه لحالة العالم القروي، وقد فضلت ترك كل شيء على حالته، دون رؤية مستقبلية استشرافية، وأمدت الكثير من القرى لأول مرة وبعد تأخر طويل، بالماء والكهرباء وبعض المسالك الطرقية، اعتمادا علىتضامن وطني يساهم فيه كافة المغاربة عن طريق فرض رسوم ضرائبية تستخلص منواجبات استهلاك الماء والكهرباء والبترول، ومساهمة سكان العالم القروي أنفسهم والجماعات المحلية، وإذا كان ذلك قد أعاد الاعتبار لنصف المغاربة، فإن الفئة الشابة منهم لا يقنعها ذلك، وبالتالي فهي لا ترى مستقبلها في العيش ضمن أحضان القرية، وبالتالي فإن الاستثمارات الضخمة العشوائية التي صرفت بالعالم القروي دون تخطيط سيظهر بعد عقود قليلة أنها ذهبت سدى، عندما ستفرغ بعض القرى من ساكنتها، أمام انسداد الأفاق بها…
قبل هذه التحولات كانت المدرسة أول زائر للقرية، فقد بنيت أغلب المدارس في العالم القروي قبل وصول كل المتطلبات الضرورية للحياة، جاءت قبل المستوصف والطريق والكهرباء…
كل المدارس بنيت بالتدرج، ومنها من ما يزال كذلك، في غير إتمام إن لم نقل أغلبها، يُستنب قسم في أول الأمر، وبشكل عشوائي من حيث المكان، يلعب في بعض الأحيان الحظ دورا في ذلك، حسب اختيار أول العمال القادمين لوضع أرضية الحجرة المقرر بناؤها، وبعد ذلك وعبر سنوات كانت تضاف حجرة تلو الأخرى، ليتوقف الأمر عند ذلك.
ما هي مواصفات المدرسة القروية؟
أغلب المدارس في العالم القروي هي حجرات متقاربة من البناء المفكك، بدون سور، أو حارس، أو مراحيض، أما الحديث عن بقية المرافق الضرورية لإنجاز مهام التدريس كما يجب فذلك يعتبر ترفا لا معنى له في عقول البعض، لا يمكنالحديث عن ملعب (أو ملاعب الرياضة)، أو عن قاعة متعددة التخصصات، تتضمن مكتبة وقاعة للإعلاميات، وتنجز بها الأنشطة ذات الطابع الجماعي مثل العروض الثقافية والفنية، أما ربطها بشبكة الانترنيت فنعتقد أن ذلك من سابعالمستحيلات حتى في مستقبل منظور… بعض المدارس بها حد أدنى من المتطلبات، قد تكون متواجدة ببعض المراكز القروية، أو بجانب طريق وطنية، يحرص بعض المسؤولين على العناية بها، حتى تعطي انطباعا مقبولا لعابري الطريق! أماالفرعيات والمؤسسات التعليمية المتواجدة بأعماق البادية فهي في وضعية غير مناسبة.
للحقيقة التاريخية التي لا يمكن إجحادها فقد ربطت عدد من المدارس بالشبكة الكهربائية، وقد كان لحكومة التناوب التوافقي الفضل في إعطاء الضوء الأخضر لذلك، فما أن تصل أسلاك الكهرباء لقرية بها مدرسة، حتى يكون لهذه الأخيرة نصيب من نعمة الكهرباء، لكن للأسف ضاعت تلك التجهيزات في عدد من المؤسسات، انتشلت الأسلاك وكل التجهيزات، وذهبت كل التضحيات دون طائل، لغياب متعهدين للمدارس، حيث تبقى باستمرار عرضة للسرقة والتخريب.
الجميع يتعجب من ترك المؤسسات التعليمية دون حراس، رغم تكلفتها المالية المهمة، سواء لتشييد البنايات، ومدها بمختلف التجهيزات، خاصة الأساسي منها كالطاولات والسبورات، وربطها بالكهرباء، لكن ذلك يتعرض للنهب والتخريب دون أي رادع، وكان حري بالوزارة الوصية أن تتعاقد مع حراس للفرعيات غيرمتفرغين من سكان العالم القروي، خاصة المجاورين للمدرسة، مقابل تعويض رمزي يقبله الحارس، عوض تعيين نواب للمدير بالفرعيات بتعويض قيل أنه قد يصل إلى 400 درهم في الشهر، مما يبين تركيز المسؤولين على الجانب الإداري وتضخيمه على حساب جوانب أخرى، منها توفير متطلبات التدريس والحفاظ عليها.
من الضروري جعل المدرسة في الخدمة الشاملة لسكان القرى، ولتسد النقص الحاصل في المرافق لديهم، بحيث يجب أن تعتبر كذلك بمثابة دار الشباب، ومقر اجتماعات وعقد ندوات، وتقديم بعض الأوراش التكوينية والتثقيفية لجميع الساكنة حسب مختلف الأعمار، وأن تنشط بشكل مكثف في المساءات وأثناء العطل الدراسية، ولن يحصل ذلك سوى بحصول قناعةلدى الحكومة لتغير نظرتها نحو سكان العالم القروي، وتتحمل مسؤوليتها في العناية بهم، وتخصص لهم ما يكفي من الدعم المالي والأطر، ونفس الشيء بالنسبة للجماعات المحلية وجمعيات المجتمع المدني المدينية التي تنشطبالحواضر، وبعض هذه الجمعيات اهتمامها بالقرى مناسباتي…إن حصل كل ذلك يمكن اعتباره بمثابة ثورة ثقافية لا يمكن حصولها في الوقت الراهن لعدة اعتبارات حسب وجهة نظرنا.
لن تنجح المدرسة في مهامها بالعالم القروي سوى باحتضانها من طرف السكان أنفسهم، وقبولهم لها، ودمجهم إياها ضمن فضاءاتهم واهتماماتهم الخاصة، لكن ماهو المانع دون ذلك؟
مصطفى لمودن
بمناسبة الدخول المدرسي الجديد، للموسم الدراسي 2008/09، نشرع في إشراك القراء معنا حول هموم التربية والتعليم، أولا لنبسط أهم المشاكل، وبعد ذلك يمكن أن نقترح حلولا لها، في ظل وضع تعليمي متأزم باعتراف الجميع، سنسعى حسب المستطاع الوقوف على بعض التفاصيل الصغيرة، والتي قلما يتم الانتباه لها، ونخص بالأساس التعليم الابتدائي، قاطرةالسلسلة وركنها الأساسي، كل ما له علاقة بهذا المستوى التعليمي، علما أننا راكمنا تجربة ميدانية وعملية في مهنة التربية والتعليم لما يقرب من ربع قرن من الزمن، وقد عايشنا بعض التجارب والتحولات، وشاهدنا نجاحات وإخفاقات، غير أن ملاحظات القراء عموما وانتقاداتهم وتوجيهاتهم تدعم كلما سنأتي على ذكره.
كما ذكرنا سابقا فقد بدلت مجهودات كبيرة من أجل تقريب المدرسة من القرى المغربية المتناثرة عبر تجمعات صغيرة، وبما أن العالم القروي لم يعرف كبير عناية أو اهتمام من لدن الحكومات المتعاقبة، وما تزال القرى كسالف عهدها لم يطرأ عليها تغيير ملحوظ، خاصة من جانب تجميع المتقارب منها، وإحداث قفزة نوعية في بنيات الإنتاج المحلية، مما سينعكس على البنية الذهنية لساكنة معروف عنها الطابع المحافظ والحذر من كل ما هو جديد، وهو ما تنبهت له الأطراف الحاكمة، مما جعلها تتلكأ في أي إصلاح زراعي حقيقي منذ عقود خلت، اعتقدت أنه قد يقود إلى المجهول، أو إلى ما لا يمكن التحكم فيه على المستوى السياسي. لكن للحقيقة، فقد تنبه الحاكمون لوضعيةالإهمال التي يعيشها العالم القروي، على الأقل منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، خاصة مع تفاقم الهجرة القروية إلى المدن، وما ترتب عليها من مظاهر سلبية مثل السكن العشوائي، وظهور بعض الانتفاضات المطالبة بتحسين ظروف العيش، علما أن المنطق الديموغرافي السليم يقود نحو توسع القاعدة السكانيةبالمدن، لهذا بدأت الدولة تتنبه لحالة العالم القروي، وقد فضلت ترك كل شيء على حالته، دون رؤية مستقبلية استشرافية، وأمدت الكثير من القرى لأول مرة وبعد تأخر طويل، بالماء والكهرباء وبعض المسالك الطرقية، اعتمادا علىتضامن وطني يساهم فيه كافة المغاربة عن طريق فرض رسوم ضرائبية تستخلص منواجبات استهلاك الماء والكهرباء والبترول، ومساهمة سكان العالم القروي أنفسهم والجماعات المحلية، وإذا كان ذلك قد أعاد الاعتبار لنصف المغاربة، فإن الفئة الشابة منهم لا يقنعها ذلك، وبالتالي فهي لا ترى مستقبلها في العيش ضمن أحضان القرية، وبالتالي فإن الاستثمارات الضخمة العشوائية التي صرفت بالعالم القروي دون تخطيط سيظهر بعد عقود قليلة أنها ذهبت سدى، عندما ستفرغ بعض القرى من ساكنتها، أمام انسداد الأفاق بها…
قبل هذه التحولات كانت المدرسة أول زائر للقرية، فقد بنيت أغلب المدارس في العالم القروي قبل وصول كل المتطلبات الضرورية للحياة، جاءت قبل المستوصف والطريق والكهرباء…
كل المدارس بنيت بالتدرج، ومنها من ما يزال كذلك، في غير إتمام إن لم نقل أغلبها، يُستنب قسم في أول الأمر، وبشكل عشوائي من حيث المكان، يلعب في بعض الأحيان الحظ دورا في ذلك، حسب اختيار أول العمال القادمين لوضع أرضية الحجرة المقرر بناؤها، وبعد ذلك وعبر سنوات كانت تضاف حجرة تلو الأخرى، ليتوقف الأمر عند ذلك.
ما هي مواصفات المدرسة القروية؟
أغلب المدارس في العالم القروي هي حجرات متقاربة من البناء المفكك، بدون سور، أو حارس، أو مراحيض، أما الحديث عن بقية المرافق الضرورية لإنجاز مهام التدريس كما يجب فذلك يعتبر ترفا لا معنى له في عقول البعض، لا يمكنالحديث عن ملعب (أو ملاعب الرياضة)، أو عن قاعة متعددة التخصصات، تتضمن مكتبة وقاعة للإعلاميات، وتنجز بها الأنشطة ذات الطابع الجماعي مثل العروض الثقافية والفنية، أما ربطها بشبكة الانترنيت فنعتقد أن ذلك من سابعالمستحيلات حتى في مستقبل منظور… بعض المدارس بها حد أدنى من المتطلبات، قد تكون متواجدة ببعض المراكز القروية، أو بجانب طريق وطنية، يحرص بعض المسؤولين على العناية بها، حتى تعطي انطباعا مقبولا لعابري الطريق! أماالفرعيات والمؤسسات التعليمية المتواجدة بأعماق البادية فهي في وضعية غير مناسبة.
للحقيقة التاريخية التي لا يمكن إجحادها فقد ربطت عدد من المدارس بالشبكة الكهربائية، وقد كان لحكومة التناوب التوافقي الفضل في إعطاء الضوء الأخضر لذلك، فما أن تصل أسلاك الكهرباء لقرية بها مدرسة، حتى يكون لهذه الأخيرة نصيب من نعمة الكهرباء، لكن للأسف ضاعت تلك التجهيزات في عدد من المؤسسات، انتشلت الأسلاك وكل التجهيزات، وذهبت كل التضحيات دون طائل، لغياب متعهدين للمدارس، حيث تبقى باستمرار عرضة للسرقة والتخريب.
الجميع يتعجب من ترك المؤسسات التعليمية دون حراس، رغم تكلفتها المالية المهمة، سواء لتشييد البنايات، ومدها بمختلف التجهيزات، خاصة الأساسي منها كالطاولات والسبورات، وربطها بالكهرباء، لكن ذلك يتعرض للنهب والتخريب دون أي رادع، وكان حري بالوزارة الوصية أن تتعاقد مع حراس للفرعيات غيرمتفرغين من سكان العالم القروي، خاصة المجاورين للمدرسة، مقابل تعويض رمزي يقبله الحارس، عوض تعيين نواب للمدير بالفرعيات بتعويض قيل أنه قد يصل إلى 400 درهم في الشهر، مما يبين تركيز المسؤولين على الجانب الإداري وتضخيمه على حساب جوانب أخرى، منها توفير متطلبات التدريس والحفاظ عليها.
من الضروري جعل المدرسة في الخدمة الشاملة لسكان القرى، ولتسد النقص الحاصل في المرافق لديهم، بحيث يجب أن تعتبر كذلك بمثابة دار الشباب، ومقر اجتماعات وعقد ندوات، وتقديم بعض الأوراش التكوينية والتثقيفية لجميع الساكنة حسب مختلف الأعمار، وأن تنشط بشكل مكثف في المساءات وأثناء العطل الدراسية، ولن يحصل ذلك سوى بحصول قناعةلدى الحكومة لتغير نظرتها نحو سكان العالم القروي، وتتحمل مسؤوليتها في العناية بهم، وتخصص لهم ما يكفي من الدعم المالي والأطر، ونفس الشيء بالنسبة للجماعات المحلية وجمعيات المجتمع المدني المدينية التي تنشطبالحواضر، وبعض هذه الجمعيات اهتمامها بالقرى مناسباتي…إن حصل كل ذلك يمكن اعتباره بمثابة ثورة ثقافية لا يمكن حصولها في الوقت الراهن لعدة اعتبارات حسب وجهة نظرنا.
لن تنجح المدرسة في مهامها بالعالم القروي سوى باحتضانها من طرف السكان أنفسهم، وقبولهم لها، ودمجهم إياها ضمن فضاءاتهم واهتماماتهم الخاصة، لكن ماهو المانع دون ذلك؟
مصطفى لمودن