السبت، 6 سبتمبر 2008

التعليم إلى أين؟ مدرسة قروية نموذج المؤسسات التي يلجها أولاد الشعب


التعليم إلى أين؟
مدرسة قروية نموذج المؤسسات التي يلجها أولاد الشعب
لاتكاد تختلف مواصفات المدارس في العالم القروي كما أسلفنا في أوصافنا في المواضيع السابقة، هذه المرة نعرض دليلا بالصور الملموسة، غرضنا ليس هو التشفي في الواقع المزري للمدارس بالبادية، ولكن للفت الانتباه، عسى ينزل بعض المسؤولين من أبراج إداراتهم، ليصلحوا حقيقة واقع الحال، حال مؤسسات تعليمية ترزح تحت كم من المشاكل والمعوقات…
 الأبواب: علامات الدار على باب الدار
dsc023 
dsc023 
dsc023
dsc023
أبواب شبه مفتوحة أو تظل دائما مفتوحة، هذا إن كانت هناك أبواب، وإن سمينا ما في الصورة تجاوزا أبوابا.
الأقسام من الداخل: فراغ غبار وهواء يصفر

dsc023
dsc023
شقوق في الأرض والجدران
dsc023
غبار على غبار!
 dsc023 
بلا سقف كامل !

  النوافذ: لم تبق سوى ذكرى نوافذ!
dsc023
dsc023
dsc023
dsc023
dsc023
يحق للرياح أن تتنقل كما تشاء عبر النوافذ!
dsc023 
dsc023
  dsc023
ويحق للمعلمات والمعلمين والتلاميذ أن يقاوموا الرياح العاتية بما يجدون!
الساحة: فارغة مفتوحة على الفراغ
dsc023 
dsc023 
dsc023
ساحة المدرسة مجرد خلاء، بدون سور أو مكان لممارسة التربية البدنية، وفي فصل الشتاء وحل إلى الكوعين
 الماء والكهرباء: بالجوار لكن لا حق للمدرسة فيه
!
dsc023
لم تربط المدرسة بالشبكة، وتخريب ما يوجد من أجهزة  
dsc023
بجانب المدسة بئر وخزان مائي يزود القرى بالماء  الصالح للشرب إلا المدرسة! 
السكن الوظيفي: من البناء المفكك بدون تجهيزات لايفضل أحد سكنه إلا من اضطر وهو مكره
dsc023 
خراب: جزء قديم من المدرسة أهمل وأصبح خرابا، يسبب الأذى للجميع، مرتع للحشرات، ومصدر لروائح كريهة
dsc023
dsc023 
dsc023
dsc023 
dsc023 
dsc023 
لا تحتاج الصور إلى تعليق، كان من الأجدر إصلاح هذه الجدران وجعلها المدرسة الحقيقية، حجارة وإسمنت أفيد وأمتن من البناء المفكك الموبوء، يتمنى الآن الجميع إزالة هذا الخراب من المدرسة، على الأقل ليتنفس الجميع هواء نقيا.
عود إلى السطر:
هذا نموذج لمدارس العالم القروي، لمن أراد المزيد من الإطلاع على خلفية الأمور يرجى الرجوع إلى المواضيع السابقة التي كتبناها في نفس السياق، ولما سيأتي إن توفرت الظروف. 
لمن تفتقت أريحيته لمد يد العون لهذه المؤسسة، ورد الإعتبار لها أو زيارتها، فهي توجد ضمن إقليم القنيطرة، دائرة سيدي سليمان، تسمى فرعية أولاد بن حمادي، تابعة لمجموعة مارس أولاد بلعيد.
كل سنة تستقبل ما يناهز مائة طفل وطفلة، عدد الأساتذة بها يصل إلى ستة…
ذكر لنا مطلعون أن أغلب المسؤولين على علم بوضعيةهذه المؤسسة…
 فهل يقبل بعض مسؤولينا بأن يتعلم أولادهم في مثل هذه المؤسسة والتي لها أشباه كثر؟ وهل يقبل مسؤول العمل في مثل هذه الظروف التي يعمل فيها الأساتذة؟
يلاحظ غياب مراحيض ومرافق أخرى ضرورية لأي مدرسة حقيقية…
أكيد أن المسؤولية يتحملها الجميع، لكن بدرجات متفاوتة، وبالتالي على الكل  أن يتحمل مسؤوليته الفعلية، ويقوم بما يستطيع فعله، أن يخرج آباء وأولياء التلاميذ من سلبيتهم، أن يشارك الأساتذة والإدارة بكل ما يستطيعون فعله أوإنجازه، أما أعضاء الجماعات المحلية فلا أعتقد أنهم يبالون أو يهتمون، وتبقى المسؤولية الكبرى ملقاة على الوزارة الوصية والأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين ونيابة التربية الوطنية وكل سلطة لها تدخل قريب أو بعيد في مجال البنايات المدرسية.
صبرا يا تلميذات وتلاميذ ومدرسات ومدرسي العالم القروي، يكفيكم أنكم مشتغلون بالعلم والمعرفة،ولن تضيع مجهوداتكم وأتعابكم سدى…
مصطفى لمودن

رسالة مفتوحة إلى أحيزون الرئيس المدير العام لاتصالات المغرب


رسالة مفتوحة إلى أحيزون الرئيس المدير العام لاتصالات المغرب  
Lettre ouverte pour Ahizoune
     السيد المدير العام لشركة اتصالات المغرب، انقطع عن منزلي صبيب الانترنيت لأزيد من أسبوع، اتصلت مرارا بالرقم 115، كل مرة أتلقى وعدا بالإصلاح وتدخل التقنيين، هل تقدرون ماذا يعني لنا الانترنيت؟ لقد اخترنا طواعية اللجوء لخدمات شركتكم، نتعجل عند نهاية كل شهر أداء الواجب المالي المطلوب منا صاغرين ، فلماذا كل هذه « الخدمة » المتدنية؟ انقطاعات مستمرة، وتجاوب بطيء أو منعدم للتدخل قصد إصلاح الأعطاب، حضر تقنيوكم، وأي تقنيين؟ خيرونني بين أن أفرغ محتوايت الحاسوب وأرجعه كما ولدته أمه فارغا من ذاكرته ومحتوياته، وبين أن أغير«الموديم»!وهم في حيرة من أمرهم أو يتصنعون ذلك… ولا يعرفون من أين يبدؤون ولا أين ينتهون،  حتى بدأت أشك في حركاتهم التي لا علاقة لها بإصلاح الحواسيب، أفهَمهم أو أعرفَهم ربط حاسوبه المحمول بالأسلاك المتدلية، ودخل إلى موقعين معروفين خاصين بالبحث، واعتبر ذلك دليلا حلى أن الربط قائم، لكن بعد «غسل أحشاء حاسوبي» عند تقني خاص بتكلفة إضافية، وتضييع بعض محتوياته، وتجريبه في إحدى مقاهي الأنترنيت، وبعد رجوعي إلى المنزل احتفظ حاسوبي بالصفحات الأولى من كل ما جربته من مواقع بالمقهى المذكور، تماما كما ذكر تقنيوك، فظهر لي أنني كنت ضحية خداع أو مزحة سمجة غير مناسبة إطلاقا، في اليوم السابع عن الانقطاع صعد لحسن حظي تقني لبق أجاب عبر الخط 115، فطلب مني عبر الهاتف أن أتتبع عدة مراحل، لكن شيئا من الشبكة العنكبوتية لم يعد، فظهر له هو كذلك صعوبة حل المشكل، وقد أبدى تعجبه من مقترحات التقنين الذين زاروني في منزلي، وذكر أنه سيسجل طلبا قصد تدخل التقنيين، إنه الطلب الثالث، وكم من طلب سيتكرر؟ كما زرت لنفس المشكل الإدارة المحلية بسيدي سليمان التابعة لكم، فوجدتها غارقة في مشاكلها حتى الأدنين، ولا وقت لها للنظر في مشكلتي «الخاصة»، اقترح علي المدير المحلي أن أغير«الموديم» بآخر، وذلك من إدارتكم طبعا، فهي تحتكر حتى بيع الأجهزة، لكن بعد طول اتظاري مساء الجمعة، لم تصل نوبتي، وها أنا أنتظر إلى ما لا نهاية!
     السيد الرئيس المدير العام لأقوى شركة اتصال بالمغرب، بما أنني أؤدي جميع ما يطلب مني، على إدارتكم أن تصلح مشاكل الربط، وترجع الحياة إلى الشبكة، وليكن في علمكم أنني مداوم على الكتابة في مدونة يزورها يوميا العشرات، وعبر الانترنيت أشارك في مواقع أخرى، وأقوم بمراسلة جريدة وطنية، ولبقية أفراد أسرتي في الشبكة مآرب أخرى، ولا أعتقد أنكم أنتم في منزلكم وعملكم قد تصبرون يوما بدون الدخول إلى الانترنيت، فكيف يمكن أن نتحمل نحن ذلك لأزيد من أسبوع؟ خاصة أمام تماطل مستخدميكم في الإصلاح. 
     الأمر بين إثنين؛ إما أن إدارتكم تماطل، أو أنها عاجزة عن إيجاد الحلول للمشاكل التقنية. 
122073 عبد السلام أحيزون

  
  مصطفى لمودن.   
 ملحوظة: أرسلت نسخة عنها إلى بعض المواقع الإلكترونية، وارتأيت إخبار القراء بذلك حتى يقدروا أسباب تأخرنا في الكتابة باستمرار…

الأربعاء، 3 سبتمبر 2008

التعليم إلى أين؟ 4ـ وضعية الحجرة الدراسية بالعالم القروي


التعليم إلى أين؟
4ـ وضعية الحجرة الدراسية بالعالم القروي
    بمناسبة الدخول المدرسي الجديد، للموسم الدراسي 2008/09، نشرع في إشراك القراءمعنا حول هموم التربية والتعليم، أولا لنبسط أهم المشاكل، وبعد ذلك يمكن أن نقترح حلولا لها، في ظل وضع تعليمي متأزم باعتراف الجميع، سنسعى حسب المستطاع  الوقوف على بعض التفاصيل الصغيرة، والتي قلما يتم الانتباه لها،ونخص بالأساس التعليم الابتدائي، قاطرة السلسلة وركنها الأساسي، كل ما له علاقة بهذا المستوى التعليمي، علما أننا راكمنا تجربة ميدانية وعملية في مهنة التربية والتعليم لما يقرب من ربع قرن من الزمن، وقد عايشنا بعضالتجارب والتحولات، وشاهدنا نجاحات وإخفاقات، غير أن ملاحظات القراء عموما وانتقاداتهم وتوجيهاتهم تدعم كل ما سنأتي على ذكره.
           تكاد تتشابه الحجرات الدراسية بالعالمالقروي، باستثناءات قليلة كما سلف الذكر، كما هو عليه الحال في مدارس محظوظة توجد بمراكز قروية في جوار مقر القيادة أو الجماعةالقروية… على العموم تكون الحجرة في الغالب من البناء المفكك، نقطة ضعفه الباب والنوافذ والسقف، الباب قد يكون مهشما أو بقيت أطراف منه عالقة بالإطار، إن سلم ومازال في مكانه فقفله الأصلي فاسد أو أزيل، وقد عوض المدرس أو المدرسة ذلك بسلسلة حديدية أو أسلاك، أول ما يُفقد النوافذُ في الحجرات المفككة ، إن كان بها الزجاج يكسر، أو ألواح بلاستيكية تقلع، فيحمي المدرس نفسه وتلاميذه من الرياح والأمطار بوضع أكياس بلاستيكية على ما تبقى من إطارات لاصقة بالجدران، السقف المكون منطبقتين تحتمي به العصافير وتبني فيه أعشاشا لها، مما يخلق روائح كريهة، وتتسرب منه الحشرات المضرة، في بعض الحالات يتعاون المدرس وتلاميذه من أجل إغلاق فجوات السقف بواسطة الطين والقش، من أجل منع العصافير من الولوج إليه.
        يؤكد خبراء البناء أن الحجرات المتكونة من القطع المفككة التي يركب بعضها على بعض  تصلح للاستعمال خلال عشر سنوات فقط، وبعدها تتحول إلى مصدر خطورة، خاصة ما تنفثه من  مادة لاميانط (L’amiante)التي تضر بالجهاز التنفسي، كما أن السقف يتحول مع مرور السنين إلى شلال من المياه التي تتساقط على رؤوس التلاميذ بفعل المطر، كما هو حال الحجرة التي أدرس بها منذ سنوات، وكذلك حجرات بعض الزملاء، رغم إشعار المعنيين بالأمر بذلك، وتكون بعض الجدران بها شقوق  بارزة والأرضية كذلك، وقد عرفت بعض المدارس قبل سنوات قليلة بعض الترميمات، حيث أعيد تبليط الأرضية ووضعشبابيك على النوافذ وإصلاح الأبواب أو وضع أخرى، لكن ذلك لم يكن بالجودة والمتانة المطلوبة خاصة الشبابيك ذات السمك الضعيف والتي انتشل بعضها مع الوقت وأصابها الصدأ، وبما أنها دون حراس تتعرض للنهب والتكسير.
     تحافظ الحجرات الدراسية في المدارس العمومية المغربية على طابعها التقليدي الموروث منذ بدايات ظهور التعليم الرسمي، سبورة سوداء أو خضراء في مواجهة صفوف التلاميذ ومدرس يعتمد على كلامه وحركاته وكتب مقررة ويستعمل  الطباشير من أجل التدريس، علما أن تلك الوسائل ستبقى دائما ولدى كل الشعوبالأداة الأساسية للتربية والتعليم، أي لا بد من «حرارة» إنسانية تجعل تيار المعرفة يمر من إنسان/مدرس إلى آخر/تلميذ، لكن الاعتماد على تقنيات ووسائل حديثة أصبحت من الضروريات ، نقصد بها مختلف الوسائل الديداكتيكية وأهمها الحواسيب وشاشات العرض
    تفتقد الحجرات إلى خزانة يمكن أن تجمع عددا من الأغراض، كبعض الوسائل التعليميةالضرورية، وما يمكن أن يجلبه التلاميذ لدعم بعض المواد وما يدخل في نشاطهم المعرفي والبحوث التي ينجزونها في بعض الدروس، كما يمكن أن توضع بخزانة القسم كراريس التمارين، لكن لغياب الخزانة يضطر التلاميذ  إضافتها  إلىحملهم الثقيل من الكتب والدفاتر الأخرى، وأصلا لا يمكن ترك دفاتر التلاميذ بالأقسام الدراسية، حيث ستتعرض للإتلاف والنهب بمجرد مغادرة المدرسة.
     ينتقص بعض المدرسين طاولة أو أكثر من عدد الطاولات المتوفرة، يضعونها في مؤخر الحجرة خلف الصفوف، ويراكمون فوقها أشياء  مختلفة، منها ما يفيد وكثير منها لا معنى لوجوده، هذا إن كان للحجرة باب ويمكن إغلاقه، يسمون ذلك «متحف القسم» أو «خزانته» درءا لملاحظات المفتشين الذين يتساءل بعضهم على ذلك، ويلح في التوفر عليه بمجرد وضع قدميه في الحجرة الدراسية!
     كما لا يفوتنا الحديث عن غياب سبورة إضافية توضع عليها بعض إنجازات التلاميذ، مثل البحوث والإنشاءات المختارة، وعرض أهم برامج وفقرات المقرر الدراسي، وإشراك التلاميذ وأوليائهم في ذلك ولو على مستوى الإخبار والتحسيس،  أماالصور- إن وجدت – فغالبا ما تحمل طابعا «ثراتيا» تحيل في مضمونها ومعناها على أحداث تاريخية، أكثر مما تساعد على التعلم، موروثة منذ أزيد من خمسة عقود، ويتم إعادة طبعها باستمرار، وهي ما يجده المدرسون متوفرا لاقتنائه ووضعه على الجدران، مثل الصور المعروفة للحلاق، والقناص وابنه،  ومحطة أكدال للقطار بالرباط  حيث يصعد إليه قرويون، وشاحنة رجال الإطفاء التي لم يبق لها أثر حتى في متلاشيات السيارات القديمة، وجزار بمديتهالطويلة!!…مما يعد فعلا  صورا ذات طابع «ضريف» وغرائبي،  أو متحفا تاريخيا يفرض على الصغار تخيل الماضي باستمرار عوض التطلع للمسقبل والإطلاع على الحاضر بمخترعاته واكتشافاته المبهرة. أو يضطر  بعض المدرسين إلى جلب صور ملونة براقة تدخلت الحواسيب في وضع ألوانها وتركيب أجزائها، تبهر الأطفال ولا تفيدهم بشيء، وكثير منها يصلح لتزيين المقاهي وبعض الصالات الخاصة… بينما تتوفر بعض النيابات التعليمية على مصلحة تختص بإعداد الوسائل التعليمية، تسمى «مكتب الأعمال التكميلة» لكن إنجازاتها )المصلحة المختصة) ضعيفة أو منعدمة، و لا يهما الحاجيات اليومية للتدريس الجاد والهادف، وفي حديثنا عن الصور، نعتقد أنه يجب توفرها مع محاور الكتبالمدرسية المقررة، وأن تجدد على الجدران باستمرار طول السنة حسب تجدد محاور المقرر وتسلسله، في انتظار تزويد المدارس بالوسائل السمعية البصرية التي يمكن أن تعوض عددا من النواقص إن تم استعمالها بشكل جيد.
  كما أنه من الواجب توفير الوسائل التعليمية لجميع الوحدات المدرسية بما فيها الفرعيات، ويجب أن توضع رهن إشارة المدرسين، يستعملونها بدون عراقيل من طرف إدارة يكون هاجسها الأول الحفاظ على «الممتلكات»  ناصعة جديدة براقة دون استعمالها من طرف المتعلمين والمدرسين! إلى حين تسليمها إلى مدير جديد يحل خلفا لسابقه.
     عند زيارة أحد معلمي أو معلمات العالمالقروي لإدارة معينة، قد تكون إحدى نيابات وزارة التربية الوطنية، أو مقر إحدى الأكاديميات، أو إدارة مركزية تابعة للوزارة الوصية، يتفاجأ الزائر(ة) بحجم التجهيزات المتوفرة، بينما هو لايتوفر في قسمه حتى على كرسي أو مكتب، وهو ما يؤكد انقلاب المفاهيم، فعوض أن يكون الجميع في خدمة لحظة تواجد التلميذ بحجرة الدراسة وتوفير كافة المتطلبات لذلك، يظهر أن التلاميذ والمدرسة وجدوا لينعم الإداريونوالمشتغلون بالإدارات وحدهم بالتجهيزات، التي تتوفر طبعا بشكل متفاوت للموظفين حسب تراتبيتهم داخل إدارتهم؛ يتوفر مثلا مكتب النائب الإقليمي على الزرابي والأرائك ومكيفات الهواء… ، وذلك من حقه حتى يقوم بواجبه في كامل الراحة، لكن بالمقابل لماذا كل هذا الإهمال للمدارس والحجرات الدراسية ؟ وهل في مثل هذه الوضعية يمكن الحديث عن وجود تربية وتعليم، خاصة في العالم القروي أمام ضعف التجهيزات أو انعدامها؟
مصطفى لمودن

الأحد، 31 أغسطس 2008

التعليم إلى أين؟ 2ـ وضعية المدرسة بالعالم القروي –تتمة بمناسبة الدخول المدرسي الجديد، للموسم الدراسي 2008/09، نشرع في إشراك القراء معنا حول هموم التربية والتعليم، أولا لنبسط أهم المشاكل، وبعد ذلك يمكن أن نقترح حلولا لها، في ظل وضع تعليمي متأزم باعتراف الجميع، سنسعى حسب المستطاع الوقوف على بعض التفاصيل الصغيرة، والتي قلما يتم الانتباه لها، ونخص بالأساس التعليم الابتدائي، قاطرة السلسلة وركنها الأساسي، كل ما له علاقة بهذا المستوى التعليمي، علما أننا راكمنا تجربة ميدانية وعملية في مهنة التربية والتعليم لما يقرب من ربع قرن من الزمن، وقد عايشنا بعض التجارب والتحولات، وشاهدنا نجاحات وإخفاقات، غير أن ملاحظات القراء عموما وانتقاداتهم وتوجيهاتهم تدعم كلما سنأتي على ذكره. كما ذكرنا سابقا فقد بدلت مجهودات كبيرة من أجل تقريب المدرسة من القرى المغربية المتناثرة عبر تجمعات صغيرة، وبما أن العالم القروي لم يعرف كبير عناية أو اهتمام من لدن الحكومات المتعاقبة، وما تزال القرى كسالف عهدها لم يطرأ عليها تغيير ملحوظ، خاصة من جانب تجميع المتقارب منها، وإحداث قفزة نوعية في بنيات الإنتاج المحلية، مما سينعكس على البنية الذهنية لساكنة معروف عنها الطابع المحافظ والحذر من كل ما هو جديد، وهو ما تنبهت له الأطراف الحاكمة، مما جعلها تتلكأ في أي إصلاح زراعي حقيقي منذ عقود خلت، اعتقدت أنه قد يقود إلى المجهول، أو إلى ما لا يمكن التحكم فيه على المستوى السياسي. لكن للحقيقة، فقد تنبه الحاكمون لوضعية الإهمال التي يعيشها العالم القروي، على الأقل منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، خاصة مع تفاقم الهجرة القروية إلى المدن، وما ترتب عليها من مظاهر سلبية مثل السكن العشوائي، وظهور بعض الانتفاضات المطالبة بتحسين ظروف العيش، علما أن المنطق الديموغرافي السليم يقود نحو توسع القاعدة السكانية بالمدن، لهذا بدأت الدولة تتنبه لحالة العالم القروي، وقد فضلت ترك كل شيء على حالته، دون رؤية مستقبلية استشرافية، وأمدت الكثير من القرى لأول مرة وبعد تأخر طويل، بالماء والكهرباء وبعض المسالك الطرقية، اعتمادا على تضامن وطني يساهم فيه كافة المغاربة عن طريق فرض رسوم ضرائبية تستخلص من واجبات استهلاك الماء والكهرباء والبترول، ومساهمة سكان العالم القروي أنفسهم والجماعات المحلية، وإذا كان ذلك قد أعاد الاعتبار لنصف المغاربة، فإن الفئة الشابة منهم لا يقنعها ذلك، وبالتالي فهي لا ترى مستقبلها في العيش ضمن أحضان القرية، وبالتالي فإن الاستثمارات الضخمة العشوائية التي صرفت بالعالم القروي دون تخطيط سيظهر بعد عقود قليلة أنها ذهبت سدى، عندما ستفرغ بعض القرى من ساكنتها، أمام انسداد الأفاق بها… قبل هذه التحولات كانت المدرسة أول زائر للقرية، فقد بنيت أغلب المدارس في العالم القروي قبل وصول كل المتطلبات الضرورية للحياة، جاءت قبل المستوصف والطريق والكهرباء… كل المدارس بنيت بالتدرج، ومنها من ما يزال كذلك، في غير إتمام إن لم نقل أغلبها، يُستنب قسم في أول الأمر، وبشكل عشوائي من حيث المكان، يلعب في بعض الأحيان الحظ دورا في ذلك، حسب اختيار أول العمال القادمين لوضع أرضية الحجرة المقرر بناؤها، وبعد ذلك وعبر سنوات كانت تضاف حجرة تلو الأخرى، ليتوقف الأمر عند ذلك. ما هي مواصفات المدرسة القروية؟ أغلب المدارس في العالم القروي هي حجرات متقاربة من البناء المفكك، بدون سور، أو حارس، أو مراحيض، أما الحديث عن بقية المرافق الضرورية لإنجاز مهام التدريس كما يجب فذلك يعتبر ترفا لا معنى له في عقول البعض، لا يمكن الحديث عن ملعب (أو ملاعب الرياضة)، أو عن قاعة متعددة التخصصات، تتضمن مكتبة وقاعة للإعلاميات، وتنجز بها الأنشطة ذات الطابع الجماعي مثل العروض الثقافية والفنية، أما ربطها بشبكة الانترنيت فنعتقد أن ذلك من سابع المستحيلات حتى في مستقبل منظور… بعض المدارس بها حد أدنى من المتطلبات، قد تكون متواجدة ببعض المراكز القروية، أو بجانب طريق وطنية، يحرص بعض المسؤولين على العناية بها، حتى تعطي انطباعا مقبولا لعابري الطريق! أما الفرعيات والمؤسسات التعليمية المتواجدة بأعماق البادية فهي في وضعية غير مناسبة. للحقيقة التاريخية التي لا يمكن إجحادها فقد ربطت عدد من المدارس بالشبكة الكهربائية، وقد كان لحكومة التناوب التوافقي الفضل في إعطاء الضوء الأخضر لذلك، فما أن تصل أسلاك الكهرباء لقرية بها مدرسة، حتى يكون لهذه الأخيرة نصيب من نعمة الكهرباء، لكن للأسف ضاعت تلك التجهيزات في عدد من المؤسسات، انتشلت الأسلاك وكل التجهيزات، وذهبت كل التضحيات دون طائل، لغياب متعهدين للمدارس، حيث تبقى باستمرار عرضة للسرقة والتخريب. الجميع يتعجب من ترك المؤسسات التعليمية دون حراس، رغم تكلفتها المالية المهمة، سواء لتشييد البنايات، ومدها بمختلف التجهيزات، خاصة الأساسي منها كالطاولات والسبورات، وربطها بالكهرباء، لكن ذلك يتعرض للنهب والتخريب دون أي رادع، وكان حري بالوزارة الوصية أن تتعاقد مع حراس للفرعيات غير متفرغين من سكان العالم القروي، خاصة المجاورين للمدرسة، مقابل تعويض رمزي يقبله الحارس، عوض تعيين نواب للمدير بالفرعيات بتعويض قيل أنه قد يصل إلى 400 درهم في الشهر، مما يبين تركيز المسؤولين على الجانب الإداري وتضخيمه على حساب جوانب أخرى، منها توفير متطلبات التدريس والحفاظ عليها. من الضروري جعل المدرسة في الخدمة الشاملة لسكان القرى، ولتسد النقص الحاصل في المرافق لديهم، بحيث يجب أن تعتبر كذلك بمثابة دار الشباب، ومقر اجتماعات وعقد ندوات، وتقديم بعض الأوراش التكوينية والتثقيفية لجميع الساكنة حسب مختلف الأعمار، وأن تنشط بشكل مكثف في المساءات وأثناء العطل الدراسية، ولن يحصل ذلك سوى بحصول قناعة لدى الحكومة لتغير نظرتها نحو سكان العالم القروي، وتتحمل مسؤوليتها في العناية بهم، وتخصص لهم ما يكفي من الدعم المالي والأطر، ونفس الشيء بالنسبة للجماعات المحلية وجمعيات المجتمع المدني المدينية التي تنشط بالحواضر، وبعض هذه الجمعيات اهتمامها بالقرى مناسباتي…إن حصل كل ذلك يمكن اعتباره بمثابة ثورة ثقافية لا يمكن حصولها في الوقت الراهن لعدة اعتبارات حسب وجهة نظرنا. لن تنجح المدرسة في مهامها بالعالم القروي سوى باحتضانها من طرف السكان أنفسهم، وقبولهم لها، ودمجهم إياها ضمن فضاءاتهم واهتماماتهم الخاصة، لكن ماهو المانع دون ذلك؟ مصطفى لمودن


        التعليم إلى أين؟  


2ـ وضعية المدرسة بالعالم القروي تتمة


  بمناسبة الدخول المدرسي الجديد، للموسم الدراسي 2008/09، نشرع في إشراك القراء معنا حول هموم التربية والتعليم، أولا لنبسط أهم المشاكل، وبعد ذلك يمكن أن نقترح حلولا لها، في ظل وضع تعليمي متأزم باعتراف الجميع، سنسعى حسب المستطاع  الوقوف على بعض التفاصيل الصغيرة، والتي قلما يتم الانتباه لها، ونخص بالأساس التعليم الابتدائي، قاطرةالسلسلة وركنها الأساسي، كل ما له علاقة بهذا المستوى التعليمي، علما أننا راكمنا تجربة ميدانية وعملية في مهنة التربية والتعليم لما يقرب من ربع قرن من الزمن، وقد عايشنا بعض التجارب والتحولات، وشاهدنا نجاحات وإخفاقات، غير أن ملاحظات القراء عموما وانتقاداتهم وتوجيهاتهم تدعم كلما سنأتي على ذكره.

     كما ذكرنا سابقا فقد بدلت مجهودات كبيرة من أجل تقريب المدرسة من القرى المغربية المتناثرة عبر تجمعات صغيرة، وبما أن العالم القروي لم يعرف كبير عناية أو اهتمام من لدن الحكومات المتعاقبة، وما تزال القرى كسالف عهدها لم يطرأ عليها تغيير ملحوظ، خاصة من جانب تجميع المتقارب منها، وإحداث قفزة نوعية في بنيات الإنتاج المحلية، مما سينعكس على البنية الذهنية  لساكنة معروف عنها الطابع المحافظ والحذر من كل ما هو  جديد، وهو ما تنبهت له الأطراف الحاكمة، مما جعلها تتلكأ في أي إصلاح زراعي حقيقي منذ عقود خلت، اعتقدت أنه قد يقود إلى المجهول، أو إلى ما لا يمكن التحكم فيه على المستوى السياسي. لكن للحقيقة، فقد تنبه الحاكمون لوضعيةالإهمال التي يعيشها العالم القروي، على الأقل منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، خاصة مع تفاقم الهجرة القروية إلى المدن، وما ترتب عليها من مظاهر سلبية مثل السكن العشوائي، وظهور بعض الانتفاضات المطالبة بتحسين ظروف العيش، علما أن المنطق الديموغرافي السليم يقود نحو توسع القاعدة السكانيةبالمدن، لهذا بدأت الدولة تتنبه لحالة العالم القروي، وقد فضلت ترك كل شيء على حالته، دون رؤية مستقبلية استشرافية، وأمدت الكثير من القرى لأول مرة وبعد تأخر طويل، بالماء والكهرباء وبعض المسالك الطرقية، اعتمادا علىتضامن وطني يساهم فيه كافة المغاربة عن طريق فرض رسوم ضرائبية تستخلص منواجبات استهلاك الماء والكهرباء والبترول، ومساهمة سكان العالم القروي أنفسهم والجماعات المحلية، وإذا كان ذلك قد أعاد الاعتبار لنصف المغاربة، فإن الفئة الشابة منهم لا يقنعها ذلك، وبالتالي فهي لا ترى مستقبلها في العيش ضمن أحضان القرية، وبالتالي فإن الاستثمارات الضخمة العشوائية التي صرفت بالعالم القروي دون تخطيط سيظهر بعد عقود قليلة أنها ذهبت سدى، عندما ستفرغ بعض القرى من ساكنتها، أمام انسداد الأفاق بها… 

        قبل هذه التحولات كانت المدرسة أول زائر للقرية، فقد بنيت أغلب المدارس في العالم القروي قبل وصول كل المتطلبات الضرورية للحياة، جاءت قبل المستوصف والطريق والكهرباء…  
كل المدارس بنيت بالتدرج، ومنها من ما يزال كذلك، في غير إتمام إن لم نقل أغلبها، يُستنب قسم في أول الأمر، وبشكل عشوائي من حيث المكان، يلعب في بعض الأحيان الحظ دورا في ذلك، حسب اختيار أول العمال القادمين لوضع أرضية الحجرة المقرر بناؤها، وبعد ذلك وعبر سنوات كانت تضاف حجرة تلو الأخرى، ليتوقف الأمر عند ذلك
ما هي مواصفات المدرسة القروية؟
أغلب المدارس في العالم القروي هي حجرات متقاربة من البناء المفكك، بدون سور، أو حارس، أو مراحيض، أما الحديث عن بقية المرافق الضرورية لإنجاز مهام التدريس كما يجب فذلك يعتبر ترفا لا معنى له في عقول البعض، لا يمكنالحديث عن ملعب (أو ملاعب الرياضة)، أو عن قاعة متعددة التخصصات، تتضمن مكتبة وقاعة للإعلاميات، وتنجز بها الأنشطة ذات الطابع الجماعي مثل العروض الثقافية والفنية، أما ربطها بشبكة الانترنيت فنعتقد أن ذلك من سابعالمستحيلات حتى في مستقبل منظور… بعض المدارس بها حد أدنى من المتطلبات، قد تكون متواجدة ببعض المراكز القروية، أو بجانب طريق وطنية، يحرص بعض المسؤولين على العناية بها، حتى تعطي انطباعا مقبولا لعابري الطريق! أماالفرعيات والمؤسسات التعليمية المتواجدة بأعماق البادية فهي في وضعية غير مناسبة
  للحقيقة التاريخية التي لا يمكن إجحادها فقد ربطت عدد من المدارس بالشبكة الكهربائية، وقد كان لحكومة التناوب التوافقي الفضل في إعطاء الضوء الأخضر لذلك، فما أن تصل أسلاك الكهرباء لقرية بها مدرسة، حتى يكون لهذه الأخيرة نصيب من نعمة الكهرباء، لكن للأسف ضاعت تلك التجهيزات في عدد من المؤسسات، انتشلت الأسلاك وكل التجهيزات، وذهبت كل التضحيات دون طائل، لغياب متعهدين للمدارس، حيث تبقى باستمرار عرضة للسرقة والتخريب.
 الجميع يتعجب من ترك المؤسسات التعليمية دون حراس، رغم تكلفتها المالية المهمة، سواء لتشييد البنايات، ومدها بمختلف التجهيزات، خاصة الأساسي منها كالطاولات والسبورات، وربطها بالكهرباء، لكن ذلك يتعرض للنهب والتخريب دون أي رادع، وكان حري بالوزارة الوصية أن تتعاقد مع حراس للفرعيات غيرمتفرغين من سكان العالم القروي، خاصة المجاورين للمدرسة، مقابل تعويض رمزي يقبله الحارس، عوض تعيين نواب للمدير بالفرعيات بتعويض قيل أنه قد يصل إلى 400 درهم في الشهر، مما يبين تركيز المسؤولين على الجانب الإداري وتضخيمه على حساب جوانب أخرى، منها توفير متطلبات التدريس والحفاظ عليها.
من الضروري جعل المدرسة في الخدمة الشاملة لسكان القرى، ولتسد النقص الحاصل في المرافق لديهم، بحيث يجب أن تعتبر كذلك بمثابة دار الشباب، ومقر اجتماعات وعقد ندوات، وتقديم بعض الأوراش التكوينية والتثقيفية لجميع الساكنة حسب مختلف الأعمار، وأن تنشط بشكل مكثف في المساءات وأثناء العطل الدراسية، ولن يحصل ذلك سوى بحصول قناعةلدى الحكومة لتغير نظرتها نحو سكان العالم القروي، وتتحمل مسؤوليتها في العناية بهم، وتخصص لهم ما يكفي من الدعم المالي والأطر، ونفس الشيء بالنسبة للجماعات المحلية وجمعيات المجتمع المدني المدينية التي تنشطبالحواضر، وبعض هذه الجمعيات اهتمامها بالقرى مناسباتي…إن حصل كل ذلك  يمكن اعتباره بمثابة ثورة ثقافية لا يمكن حصولها في الوقت الراهن لعدة اعتبارات حسب وجهة نظرنا.
 لن تنجح المدرسة في مهامها بالعالم القروي سوى باحتضانها من طرف السكان أنفسهم، وقبولهم لها، ودمجهم إياها ضمن فضاءاتهم واهتماماتهم الخاصة، لكن ماهو المانع دون ذلك؟
مصطفى لمودن



  بمناسبة الدخول المدرسي الجديد، للموسم الدراسي 2008/09، نشرع في إشراك القراء معنا حول هموم التربية والتعليم، أولا لنبسط أهم المشاكل، وبعد ذلك يمكن أن نقترح حلولا لها، في ظل وضع تعليمي متأزم باعتراف الجميع، سنسعى حسب المستطاع  الوقوف على بعض التفاصيل الصغيرة، والتي قلما يتم الانتباه لها، ونخص بالأساس التعليم الابتدائي، قاطرةالسلسلة وركنها الأساسي، كل ما له علاقة بهذا المستوى التعليمي، علما أننا راكمنا تجربة ميدانية وعملية في مهنة التربية والتعليم لما يقرب من ربع قرن من الزمن، وقد عايشنا بعض التجارب والتحولات، وشاهدنا نجاحات وإخفاقات، غير أن ملاحظات القراء عموما وانتقاداتهم وتوجيهاتهم تدعم كلما سنأتي على ذكره.

     كما ذكرنا سابقا فقد بدلت مجهودات كبيرة من أجل تقريب المدرسة من القرى المغربية المتناثرة عبر تجمعات صغيرة، وبما أن العالم القروي لم يعرف كبير عناية أو اهتمام من لدن الحكومات المتعاقبة، وما تزال القرى كسالف عهدها لم يطرأ عليها تغيير ملحوظ، خاصة من جانب تجميع المتقارب منها، وإحداث قفزة نوعية في بنيات الإنتاج المحلية، مما سينعكس على البنية الذهنية  لساكنة معروف عنها الطابع المحافظ والحذر من كل ما هو  جديد، وهو ما تنبهت له الأطراف الحاكمة، مما جعلها تتلكأ في أي إصلاح زراعي حقيقي منذ عقود خلت، اعتقدت أنه قد يقود إلى المجهول، أو إلى ما لا يمكن التحكم فيه على المستوى السياسي. لكن للحقيقة، فقد تنبه الحاكمون لوضعيةالإهمال التي يعيشها العالم القروي، على الأقل منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، خاصة مع تفاقم الهجرة القروية إلى المدن، وما ترتب عليها من مظاهر سلبية مثل السكن العشوائي، وظهور بعض الانتفاضات المطالبة بتحسين ظروف العيش، علما أن المنطق الديموغرافي السليم يقود نحو توسع القاعدة السكانيةبالمدن، لهذا بدأت الدولة تتنبه لحالة العالم القروي، وقد فضلت ترك كل شيء على حالته، دون رؤية مستقبلية استشرافية، وأمدت الكثير من القرى لأول مرة وبعد تأخر طويل، بالماء والكهرباء وبعض المسالك الطرقية، اعتمادا علىتضامن وطني يساهم فيه كافة المغاربة عن طريق فرض رسوم ضرائبية تستخلص منواجبات استهلاك الماء والكهرباء والبترول، ومساهمة سكان العالم القروي أنفسهم والجماعات المحلية، وإذا كان ذلك قد أعاد الاعتبار لنصف المغاربة، فإن الفئة الشابة منهم لا يقنعها ذلك، وبالتالي فهي لا ترى مستقبلها في العيش ضمن أحضان القرية، وبالتالي فإن الاستثمارات الضخمة العشوائية التي صرفت بالعالم القروي دون تخطيط سيظهر بعد عقود قليلة أنها ذهبت سدى، عندما ستفرغ بعض القرى من ساكنتها، أمام انسداد الأفاق بها… 

        قبل هذه التحولات كانت المدرسة أول زائر للقرية، فقد بنيت أغلب المدارس في العالم القروي قبل وصول كل المتطلبات الضرورية للحياة، جاءت قبل المستوصف والطريق والكهرباء…  
كل المدارس بنيت بالتدرج، ومنها من ما يزال كذلك، في غير إتمام إن لم نقل أغلبها، يُستنب قسم في أول الأمر، وبشكل عشوائي من حيث المكان، يلعب في بعض الأحيان الحظ دورا في ذلك، حسب اختيار أول العمال القادمين لوضع أرضية الحجرة المقرر بناؤها، وبعد ذلك وعبر سنوات كانت تضاف حجرة تلو الأخرى، ليتوقف الأمر عند ذلك
ما هي مواصفات المدرسة القروية؟
أغلب المدارس في العالم القروي هي حجرات متقاربة من البناء المفكك، بدون سور، أو حارس، أو مراحيض، أما الحديث عن بقية المرافق الضرورية لإنجاز مهام التدريس كما يجب فذلك يعتبر ترفا لا معنى له في عقول البعض، لا يمكنالحديث عن ملعب (أو ملاعب الرياضة)، أو عن قاعة متعددة التخصصات، تتضمن مكتبة وقاعة للإعلاميات، وتنجز بها الأنشطة ذات الطابع الجماعي مثل العروض الثقافية والفنية، أما ربطها بشبكة الانترنيت فنعتقد أن ذلك من سابعالمستحيلات حتى في مستقبل منظور… بعض المدارس بها حد أدنى من المتطلبات، قد تكون متواجدة ببعض المراكز القروية، أو بجانب طريق وطنية، يحرص بعض المسؤولين على العناية بها، حتى تعطي انطباعا مقبولا لعابري الطريق! أماالفرعيات والمؤسسات التعليمية المتواجدة بأعماق البادية فهي في وضعية غير مناسبة
  للحقيقة التاريخية التي لا يمكن إجحادها فقد ربطت عدد من المدارس بالشبكة الكهربائية، وقد كان لحكومة التناوب التوافقي الفضل في إعطاء الضوء الأخضر لذلك، فما أن تصل أسلاك الكهرباء لقرية بها مدرسة، حتى يكون لهذه الأخيرة نصيب من نعمة الكهرباء، لكن للأسف ضاعت تلك التجهيزات في عدد من المؤسسات، انتشلت الأسلاك وكل التجهيزات، وذهبت كل التضحيات دون طائل، لغياب متعهدين للمدارس، حيث تبقى باستمرار عرضة للسرقة والتخريب.
 الجميع يتعجب من ترك المؤسسات التعليمية دون حراس، رغم تكلفتها المالية المهمة، سواء لتشييد البنايات، ومدها بمختلف التجهيزات، خاصة الأساسي منها كالطاولات والسبورات، وربطها بالكهرباء، لكن ذلك يتعرض للنهب والتخريب دون أي رادع، وكان حري بالوزارة الوصية أن تتعاقد مع حراس للفرعيات غيرمتفرغين من سكان العالم القروي، خاصة المجاورين للمدرسة، مقابل تعويض رمزي يقبله الحارس، عوض تعيين نواب للمدير بالفرعيات بتعويض قيل أنه قد يصل إلى 400 درهم في الشهر، مما يبين تركيز المسؤولين على الجانب الإداري وتضخيمه على حساب جوانب أخرى، منها توفير متطلبات التدريس والحفاظ عليها.
من الضروري جعل المدرسة في الخدمة الشاملة لسكان القرى، ولتسد النقص الحاصل في المرافق لديهم، بحيث يجب أن تعتبر كذلك بمثابة دار الشباب، ومقر اجتماعات وعقد ندوات، وتقديم بعض الأوراش التكوينية والتثقيفية لجميع الساكنة حسب مختلف الأعمار، وأن تنشط بشكل مكثف في المساءات وأثناء العطل الدراسية، ولن يحصل ذلك سوى بحصول قناعةلدى الحكومة لتغير نظرتها نحو سكان العالم القروي، وتتحمل مسؤوليتها في العناية بهم، وتخصص لهم ما يكفي من الدعم المالي والأطر، ونفس الشيء بالنسبة للجماعات المحلية وجمعيات المجتمع المدني المدينية التي تنشطبالحواضر، وبعض هذه الجمعيات اهتمامها بالقرى مناسباتي…إن حصل كل ذلك  يمكن اعتباره بمثابة ثورة ثقافية لا يمكن حصولها في الوقت الراهن لعدة اعتبارات حسب وجهة نظرنا.
 لن تنجح المدرسة في مهامها بالعالم القروي سوى باحتضانها من طرف السكان أنفسهم، وقبولهم لها، ودمجهم إياها ضمن فضاءاتهم واهتماماتهم الخاصة، لكن ماهو المانع دون ذلك؟
مصطفى لمودن