بن صميم القرية والمحيط
مسيرة العطش، وإهمال المستشفى دليل على اللامبالاة
ربورتاج مصور في أزيد من مائة صورة
كما سبق أن تطرقنا إلى ذلك، نظمت قرية بنصميم في 20 يناير 2008مسيرة من القرية إلى العين، قصد الدفاع عنها ضد قرار تفويتها إلى إحدى الشركات الأجنبية، لتعبئة الماء وبيعه في قنينات، نعرض صورا عن المسيرة، ونتحدث مع بعض السكان عن أحوال القرية، كما أعددنا ربورتاجا عما كان يسمى أكبر مستشفى في إفريقيا للأمراض الصدرية، وهو الآن يشهد على حقيقة ضعف الرؤية، وتضايق البعض من أي تنمية تخدم البلد، ومن المنتظر أن ينظم السكان مسيرة ثانية لإفران، عاصمة الإقليم يوم الأحد 27 يناير 2007
أهم الشعارات المرفوعة
ـ رفضنا الجماعي لتنمية القراعي ( القنينات)
ـ المواطن كون على بال الخوصصة كلها استغلال
ـ هذا المغرب الجديد، مغرب العطش والتشريد
ـ باركة من النفاق را الشعب عاق وفاق
ـ الحكوماة الجديدة، فينا هي الفائدة
ـ حقنا ما رجع لينا، والاحتجاج طال علينا
ـ يدك فيدينا الما يرجع لينا
ـ بنصميم عين حرة ماشي للبيع ماشي للشرا
ـ واش من حق واش من قانون اللصوص محميون
ـ عليك أمان عليك أمان، لا حكومة لا برلمان
ـ الحكومة محكومة والحقوق مهضومة
ـ التنمية البشرية، بيع الما بيع الغابة
ـ نكيولا(٭) برة برة، هاد الأرض تبقى حرة
بالإضافة إلى شعارات تندد بما اعتبروه "خيانة من طرف بعضهم" منهم ربما من خرجوا عن الإجماع فيما يخص الدفاع عن الماء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٭) نيكولا الإسم الشخصي لرجل الأعمال صاحب المشروع، أو من يتكلم باسم آخرين لا يظهرون
ورفعت كذلك شعارات باللغة الأمازيغية، كانت أجمل إيقاعا، وربما الأفصح حيث تفاعل معها الجميع بحماس، للأسف لم تتح لي الفرصة لترجمتها
مسعودة ميلود أحد المفرج عنهم
مسعودة ميلود، 32 سنة، من سكان القرية، يمتهن التجارة في الخضر والفواكه، قال أنه منذ بداية المشكل توقف عن ممارسة مهنته، ليتفرغ رفقة آخرين لهذا الموضوع، كما أنه متابع باستمرار، فقد ألقي عليه القبض في فاتح رمضان، 16 شتنبر من السنة المنصرمة، بتهمة إهانة موظف حسب قوله، وبقي في السجن المحلي بمكناس لمدة 45 يوما، وقدم للمحاكمة، حيث آزره 14 محاميا، لتتحول التهمة إلى التجمع دون ترخيص، حسب قوله، ومن المنتظر أن تتم محاكمته في 18ـ 2ـ 2008، وهو مجرد حالة ضمن ثمانية آخرين لقوا نفس المعاملة، وهم الآن جميعا في السراح المؤقت. مسعودة ميلود شارك في المسيرة، وقد قال:" نطالب بأن يبقى لنا الماء "، وهو نفس المطلب الذي من أجله تحتج القرية
مطلب آخر انضاف إلى المطلب الأصلي حول الماء !
بن صميم قرية أطلسية نموذج في التآزر
تقع قرية بنصميم بإقليم إفران دائرة أزرو، وهي في منحدر بين الجبال، في طريق ثانوية تربط المدخل الشمالي لأزرو بمدينة إيفران، عدد سكانها يقدر بأزيد من 3000 نسمة، سكانها يمتهنون تربية المواشي والزراعة أساسا، تعتبر عين بنصميم موردا مائيا للشرب، منها يتم ملء خزان مائي بجانب القرية، حيث أن أغلب البيوت مرتبطة به، وماء العين كذلك يستخدم لسقي حقول على المنحدر بالتناوب كل سنتين، نظرا لضعف الصبيب، وبن صميم من أول القرى في الأطلس كما ذكر لنا السيد علي الطاهري التي أدخلت الكهرباء، ليس من طرف الحكومة، ففي ذلك الوقت لا أحد كان يفكر في سكان العالم القروي، ولكن كان الفضل في ذلك لأجانب، فقد باعت القرية أراض تابعة لها لإقامة مطار إيفران، وقد اقترح هؤلاء الأجانب بأن تقيم القرية مشروعا جماعيا، فتم إدخال الكهرباء وبناء حمام سنة 1962، وفي هذا الأمر يطالب السيد محمد رابح من سكان القرية بتجديد أسلاك الربط الكهربائي المتهالكة لقدمها، وهي تسبب انقطاعات متتالية.
أما السيد عبد السلام أوطالب فقد ذكر أن قريته، تتميز بتسيير متميز يقل مثيله في عدد من القرى، فهي لها مداخيل تصل إلى خمسة ملايين سنتيم من عائد كراء الحمام وأراض تابعة للقرية، وموقع هوائي أحد شركات الاتصالات، ويضيف أنهم لا ينفقون من ذلك المدخول فيما يخص مصاريف الدفاع عن الماء، وللقرية جمعية، لكن يتم رفض تجديد مكتبها، في إطار الضغط على القرية لتسلم بالأمر الواقع.
مستشفى بن صميم للأمراض الصدرية
سمعت لأول مرة عن هذا المستشفى عند تأسيس أكمي ـ المغرب بالجديدة في الثاني من دجنبر2007، من طرف ممثلي القرية، ولم أكن أتصور إطلاقا أنه بهذا الحجم والضخامة والرونق الهندسي، بالإضافة إلى ما أصبغته عنه روعة المكان بين القمم والغابة والماء المتدفق، وقد هالني هذا الموقع العجيب، بقدر ما أفزعني التخريب والإهمال الذي تعانيه مثل هذه المعلمة الفريدة، فبدأت أطرح الأسئلة على بعض السكان، ممن لا يحسون بما أحس به أنا بسبب تعودهم على ما يرونه بكرة وأصيلا، فأرشدني بعضهم إلى من يمكن أن يشفي غليلي، ويمدكم ـ أيها القراء والمهتمون ـ بكم غزير من المعلومات.
السيد مولاي علي الطاهري في مقر جمعية القرية مع ممثلي المجتمع المدني المدعم لقضية القرية الأولى
إنه السيد مولاي علي الطاهري كما يسميه السكان، بينما هو يفضل أن ينطق باسمه مجردا من كل الألقاب، في جعبته التفاصيل الدقيقة، بحكم خبرته الميدانية، فقد كان مكلفا بتموين المستشفى بكل حاجياته، منذ بنائه إلى توقفه عن العمل، فقد شرع في بنائه عام 1948 على مساحة 40 هكتارا، وانتهي من وضع آخر اللمسات على المستشفى في سنة 1954 ، كان يضم 400 سرير، وأربع أطباء مختصين، وطبيبا رئيسيا، و32 ممرضا، كانوا جميعا يقيمون في عين المكان، يسكنون 26 دارا، وعمارة بها 40 مسكنا، علما أن إيفران لا تبعد عن المكان سوى بست كيلومترات، كان المستشفى يستقبل المعتلين بالأمراض الصدرية، من المغاربة والأجانب، وظل يعمل باستقلال ذاتي إلى سنة 1965، ومن حينها ستبدأ المشاكل، وقد صدق عليه القول إذا "مُغربت خربت"، رغم أننا لا نؤمن بهذه المقولة إلا في حالة وجود الدليل الكافي مثل ما نتحدث عنه، وقد تم إغلاق المستشفى سنة 1973، يقول مولاي علي الطاهري بحسرة حدث ذلك في عهد الدكتور محمد العلمي الذي كان الطبيب الجهوي بمكناس، ووزير الصحة أنذلك الدكتور بلماحي، وقد كنت ـ يضيف ـ مسؤولا نقابيا رافضا لإغلاق المستشفى، وقد تعمدوا طردي من العمل بطرق وحيل غير قانونية، إذ تركوني اشتغل وأتلقى أجري، بينما هم يعتبرونني لا ألتحق بالشغل، عملت ـ يقول ـ لمدة 17 سنة، ولم أستفد أي شيء، فسألناه عن التقاعد أو الضمان الاجتماعي فنفى أن يكون قد استفاد شيء رغم توفره على كل الوثائق، وزاد قائلا؛ بعد ذلك كانت تأتي شاحنة وزارة الصحة وتأخذ الآليات، وليس صدفة أن تزامن الإغلاق مع بناء أحدهم لعيادة خاصة بمكناس للأمراض الصدرية، وقد باعها صاحبها الأصلي بعد ذلك.
موقع متميز بين الغابة على بعد 6 كيلومترات من إيفران
وبما أن السيد علي الطاهري أصبح مقاولا ذا خبرة فقد طلب منه أن يضع تقويما قصد إصلاح المستشفى سنة 1975، وتحويله إلى مقر للأعمال الاجتماعية التابع للمطارات، ليستعمل خاصة للتخييم، فهو بجانب موقع تخييمي يستوعب سنويا 2000 طفل، فقدر الإصلاح آنذاك في 250 مليون سنتيم، بينما مقاولة أخرى طلبت 2 مليار لتهيئته، وهو يقول أنه الآن يحتاج إلى 30 مليار، خاصة بعد نهب أغلب تجهيزاته.
من المبررات التي قيلت حينذاك كي يغلق المستشفى؛ هو أن الأمراض الصدرية أصبحت قليلة، وغير صعبة الاستشفاء، لكن كان يمكن تحويله إلى مستشفى متعدد الخدمات، أو إلى مركز تعليمي أو تكويني، أو للقطاع السياحي، وليس تركه للاهمال والتخريب
هناك أكثر من طابق أرضي حسب ما يبدو
أسرة تظهر من شباك إحدى النوافذ بقيت في مكانها منذ 1973 سنة الإغلاق!
وهو يعتقد مثل آخرين أن عملية السطو على الماء قد يكون من ورائها رأسمال مغربي متسترا داخل شركة أجنبية، كما أعطى مثلا لذلك بأحد العمال الذي رخص لنفسه باستغلال مقلع رملي، يمكن أن يدر عليه يوميا ما يقارب 10 ملايين سنتيم، دون أن ينفق هو شيء على ذلك.
يطالب كل السكان بإصلاح المستشفى، وتحويله إلى بناية ذات خدمات سياحية، ويضيف السيد علي الطاهري بخبرته قائلا: يمكن تحويله إلى مستشفى للأمراض السرطانية وأمراض أخرى. لكن هل تجد هذه المقترحات الآذان الصاغية؟
**********************
بداية تجمع السكان المحتجين
حضور مدعمين من أكمي ـ المغرب
مطالب مكتوبة على لافتات
انطلاق المسيرة من القرية نحو العين إلى أعلى الجبل
مشاركة شباب ينتمي لأكمي المغرب وأطاك المغرب
مشاركان تتوسطهما صورة الحسن الثاني
ممثلون عن المجتمع المدني على يسار الصورة د. المهدي لحلو رئيس أكمي المغرب
أمهات وأطفال يشاركون في المسيرة
مشاركة أجيال مختلفة
كان الشباب الأكثر تعبيرا عن الحتجاج والغضب
وتستمر قافلة الاحتجاج…
النساء والأطفال في المقدمة
رغم كل العراقيل الهدف هو الوصول إلى العين والحفاظ على الماء
في الطريق ملتحقون بالمسيرة
رغم كل شيء الأعمال جارية لبناء معمل تعبئة القنينات
فقد أحد الآطفال السيطرة على أعصابه وتوجه في سرعة خارقة نحو ورشة البناء، وقد التحق به كبار لرده عن أي عمل قد يسيء لأهداف المسيرة السلمية، وقد تمالك الحاضرون أعصابهم بصوبة، وصدورهم ملآى بالغضب
ترقب من المشاركين لأذنى حركة
الوصول إلى موقع العين
عين بنصميم مصدر الماء والحياة
الصبيب المائي في شهر يناير والثلوج تذوب، أما في الصيف فيقل كثيرا حسب ما ذكر لنا السكان
د. المهدي لحلو وأحد ساكن القرية بمكان العين
إلقاء كلمة ختامية تلي خلالها بيان من طرف أحد شباب القرية وقرأت سورة الفاتحة ورفعت الأدعية عسى الله أن يفك كربتهم
مسنون طال بهم العمر إلى أن عاشوا مرحلة خوصصة الماء
في طريق العودة
أي خطر أكثر من الاستحواذ على الماء
فعلا السبل منعرجة، ويظهر في الخلف بقايا مستشفى كان الأعظم في إفريقيا
ما أشبهه بعودة المحاربين
ضيوف القرية عن المجتمع المدني كما سماهم السكان
محيط القرية الزاخر بروعة المكان
جانب من القرية على ضفة مقابلة
مدرسة القرية بناية جديدة عوضت الأقسام القديمة
أهم نشاط اقتصادي الرعي
وفلاحة على السفوح والمنحدرات المناسبة للحرث
نموذج عن قنوات السقي الممتدة من العين والتي شيدها السكان، وهم يتناوبون على استغلالها
مكان يغري بالسكن، هناك منازل جميلة، ومسابح تابعة للمخيم…
أعد التقرير والصور مصطفى لمودن، للأسف ضاعت بعض الصور، وهي قليلة خاصة لحظة الوصول للمستشفى أثناء الذهاب
إضافة: علمنا أن المسيرة التي كان مقررا لها يوم الأحد27 يناير 2008، قد أجلت لوقت لاحق
ملحوظة: يحق لكل من أراد أن يبدي موقفا أو رأيا، أو وجهة نظر مخالفة لما كتبناه، أن يسجل ذلك في هذه المدونة…
للمزيد من التفاصيل انظر إدراجات سابقة في نفس الموضوع
ــــــــــــ
بعد هذا التقرير وقعت مستجدات كثيرة، تحول جزء من سكان القرية مع"المشروع" دون استطاعتنا معرفة الدوافع الحقيقية، ومازال بعض السكان الذين شاركوا في احتجاجات قبل ذلك يعرضون أمام محكمة الاستيناف بمكناس، وقيل أن وكالة حوض ماء سبو تعيد النظر في تقييمها للوضعية المائية بالمنطقة، السلطات تقول أنها تفوت نصيبها من العين والشركة ستحرص على عدم تجاوز نسبة معينة، وأنها ستدفع ضرائب لصندوق الجماعة القروية، الموضوع وصل إلى قبة البرلمان، وكان جواب الحكومة لا يخرج عما خطه بيروقراطيون، كما كتبت عن الموضوع وسائل إعلام وطنية وأجنبية كثيرة، وأرسل مواطنون مغاربة وفرنسيون عرائض إلى المسؤولين المغاربة عبر سفارة المغرب بباريس، ودعمت السكان على طول سنوات عديدة جمعيات ك"العقد العالمي للماء، وأطاك المغرب، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وحضرت في إحدى الوقفات المنظمة المغربية لحوق الإنسان، وجمعية المحامين الشباب… (إضافة في 26ـ 6ـ 2010)