عامل إقليم يتصرف كأنه إمبراطور صغير
مصطفى لمودن
مازال بعض خدام الإدارة أو سدنة المخزن بتعبير واضح يحنون للزمن
الغابر حيث السلطة ترهب الناس وتحضر في كل تفاصيل حياتهم بالقوة، ويكون الحضور المادي
للسلطة بكل الطرق، لأن في ذلك حسبها له تأثير يدخل الرهبة والخوف، ويجعل الناس يعتقدون
أن كل الخير وكل الشر يأتي من الإدارة السلطوية حسب اعتقادها طبعا.. ويكون الغرض السياسي
لذلك واضحا، حيث الرغبة العارمة في الإخضاع وتعويد الناس على الخنوع وعدم مناقشة أي
قرار أو المساهمة في صنعه.. ذلك ما يلخص تصرف أحد العمال على إقليم صغير منسي تقل فيه
التنمية أو تنعدم بالمطلق، وتتوسع فيه دائرة البطالة وتعم حواضره فوضى عارمة وتنتشر
الرشوة بين الإدارات التي توجد بهذا الإقليم بشكل فضيع..
ورغم ذلك فالمسؤول الأول على الإقليم كأنه غير معني، ويسعى لتكريس
مفهوم السلطوية عوض أن تكون السلطة مواطنة في خدمة الوطن والمواطنين.. وحتى لا يظل
كلامنا نظريا نسرد قصة واقعية من تصرف هذا العامل أو على الأقل الإدارة التي تحت إمرته،
ولا نعتقد أنها تجتهد من تلقاء نفسها.. قد تبدو للبعض أن الواقعة خيالية ولا علاقة
لها باليومي، لكن للأسف هي واقعية أكثر من الواقع الفاقع نفسه..
تلقى مجموعة من المواطنين والمواطنات أمرا من المقدمين في غضون
شهر فبراير المنصرم (2013)، وهم أعوان السلطة وعيونها التي لا تنام، حيث يكونون منبثين
في رقع صغيرة وقريبين من الناس يعرفون كل صغيرة وكبيرة عنهم، ويطلعون على حاجاتهم وأوضاعهم
ومتطلباتهم وحتى آرائهم وتوجهاتهم..
الأمر الذي نزل وكان حبكة غاية في البلاهة وسوء التقدير بل الاحتقار؛
وهو أن يتوجه المأمورون إلى مقر إدارة جديدة لتسلم بطاقة "الرميد"، وهي وثيقة
تخول لحاملها الاستفادة من بعض الخدمات الصحية في المستشفيات العمومية بشروط..
توجه المواطنون إلى المكان المحدد لهم على الساعة التاسعة صباحا
كما قيل لهم.. ليجدوا أن المكان أعد على إخراج معين، حضور مكثف لأجهزة الأمن وأعوان
السلطة.. ومجموعة من النساء يؤدين الأهازيج ويزغردن ويستعمل آلات إيقاعية (طعاريج ودفوف)
وفرق الغياطة والطبالة تطلق معزوفاتها..
كل من يحضر سواء رجل أو امرأة يأخذ مكانه مع الجموع التي وقفت
بمدخل الإدارة الجديدة، وكلهم متلهفين لنيل البطاقة "السحرية".
في هذا الخضم من "الحفل الباذخ" وصلت قافلة من السيارات
المختلفة أغلبها من الطراز الغالي الثمن، وكالعادة تحدث جلبة ويرتفع الصياح، ربما سعادة
العامل مغرم بالضجيج، حيث تختلط "الأغاني" والإيقاعات وتصبح بدون معنى وسط
"موسيقى" فرق الغياطة..
ولم تظهر معالم "الحيلة" التي بموجبها استقدم أعوان
السلطة المواطنين إلا حينما غادر العامل والوفد المرافق له المكان، حيث كان الأمر مجرد
"تدشين" ملحقة لباشوية المدينة.. وذلك في حدود الحادية عشر صباحا.. لقد شعر
بعض الحضور بشمتة لا حد لها كما قال "مشارك" رغم أنفه، ولم يتسلم أحد أية
بطاقة "الرميد" أو غيرها، وذكر "المشارك" رغم أنفه أن المقدم آتاه
بها بعد ذلك إلى المنزل..
قد يتساءل البعض؛ كيف يفكر هذا العامل؟ هل تدشين بناية صغيرة
إنجاز مهم يتطلب كل هذه "الأتعاب"؟ كيف تتصرف السلطة مع المواطنين وهي تحط
من كرامتهم؟ كيف يكون دائما للسلطة احتياط بشري تستخدمه في مثل هذه الحالة(التدشين،
استقبالات رسمية)، بل وتستقدم من يؤدي "الأهازيج" من نساء ورجال؟ كيف لا
يريد بعض رجال السلطة ألا يتبدلوا ولا ينسلخوا عن جلد السلطة التي تنتقص من قيمة المواطنة؟
بل وأين ما يسمى بالمجتمع المدني ليكرس فعلا سلوكا مدنيا في المحيط، ويجبر السلطة على
أن تكون مواطنة، في هذه المدينة قائمة من الجمعيات وغيرها، لكنها في غالبها تسبح بحمد
العامل والسلطة وأموال "التنمية البشرية" قبل أن تكون إلى جانب المواطنين
البسطاء..
--------------
ملاحظة: لا يخص الأمر إقليم سيدي سليمان