الجمعة، 25 يوليو 2014

أحاولو على الفن، أهيا تا... ذ العباس جدة

  أحاولو على الفن، أهيا تا...

 العباس جدة
  كيف نفسر هذا الكم الهائل من الأفلام والمسلسلات والسيتكومات التلفزيونية المغربية خلال شهر واحد، هو شهر رمضان؟ بماذا يمكن تبرير هذه اليقظة الفنية التلفزية المذهلة، بعد شهور من السبات العميق أو على الأقل الكساد الفني والرداءة التلفزيونية ؟ هل لأن تلفزتنا تغار على الفن على الأقل في هذا الشهر الرمضاني وتسعى جاهدة الى إمتاع المشاهدين والدفع بعجلة الفن التلفزيوني الى الأمام؟  
   الأكيد أن التلفزيون المغربي عودنا منذ سنين على دعم الإنتاجات الوطنية وفسح المجال للفنانين المغاربة للإفصاح عن مواهبهم والتعبير عن قدراتهم الفنية. لكن لماذا بالضبط يقتصر هذا التشجيع والدعم المكثفين على شهر رمضان فحسب؟ وما قيمة المنتوجات الفنية التي تقدم للجمهور الواسع؟ وهل يسهم هذا الكم الهائل من الإنتاج في بلورة وتطوير الفعل الفني الإبداعي؟
 أولا، من العبث الادعاء بأن تفعيل العمل الفني قد يقتصر على شهر واحد في السنة. ومن الغباء والتهور الاعتقاد بأن التلفزة تشجع المنتوج الفني الوطني وتسعى الى النهوض بالثقافة والفن. إن الأمر في الحقيقة مجرد ذر الرماد في العيون  ولا يعدو أن يكون كذبا وبهتانا وتضليلا ونفاقا اجتماعيا ليس إلا.
  ثانيا، صحيح أن أغلب هذه الإنتاجات الدرامية تروم الترويح على النفوس بعد يوم كامل من الإمساك، وتهدف الى تسلية المشاهد وإضحاكه، وبالتالي فإن نوع الكوميديا هو المهيمن على هذه الإنتاجات التلفزيونية. إلا أن ما لا يدركه القيمون على التلفزة الوطنية وكذا الفنانون أنفسهم من مؤلفين ومخرجين وممثلين، أن الكوميديا فن والفن يتطلب الموهبة والممارسة والتكوين والكفاءة  والمهنية والمخيلة الخصبة والقدرة على الإبداع والخلق، ويستلزم  الفن أيضا أخلاقيات فنية عالية، من تعاون وتسامح وعدم الهرولة الى الكسب المادي وعدم اتخاد الفن مجرد وسيلة للاسترزاق...
 والواقع أن ما نشاهده على الشاشة الصغيرة ومنذ عقود هو "الحلقة" بمفهومها القدحي وليس فن الكوميديا. والغريب في الأمر أن  المسؤولين على التلفزيون وكذا الفنانين يتمادون في تجاهلهم بأن ما يقدم للمشاهد دون المستوى، بل يصرون كل سنة  على  ممارسة جميع أشكال التعذيب على المشاهد المغربي من "تهراس الراس" و"شقيقة" و"صداع" و"بسالة" وإرهاب كوميدي؛ ويمعنون كل شهر رمضان في الاستخفاف بالمشاهد واستبلاده والضحك عليه. وقبل ذلك فهم يشوهون الممارسة الفنية ويحرفون مفهوم الفن بل يغتالونه ويجهزون على ما تبقى منه، إن كان بالفعل قد وجد "فن الكوميديا"  من قبل في هذه البلاد.
  إن الفنان الذي ينتظر شهر رمضان من أجل العمل ولا يفكر سوى في "الكاشي" والتكسب والتسابق للمشاركة في أكبر عدد من المسلسلات والسيتكومات والأفلام التليفزيونية ويلهث وراء الشهرة ولا يفكر سوى في إبهار الجمهور ويجد لذة في التباهي أمام زملائه الذين لم يحالفهم الحظ، بل يلجأ الى المحاباة والمجاملة وإقامة علاقات مشبوهة مع الفنانين والمسؤولين وجميع أشكال المحسوبية والزبونية، لا يعد فنانا. إنه مجرد "حلايقي" بل مرتزق من المرتزقة الكبار.
يقول المخرج الروسي الكبير ستانيسلافسكي : " عليكم أن تحبوا الفن فيكم لا أن  تحبوا أنفسكم في الفن."  ويضيف قائلا: "إذا كان المسرح  لا يهذب سلوككم ولا يسمو بمشعاركم فعليكم أن تتجنبوه." فالفنان الحقيقي هو الذي يعمل من أجل الفن لذاته وليس من أجل التكسب والاسترزاق، وهو الذي يحترم عمله الى حد القداسة، وهو الذي يحارب فيه الغرور والإغراء والفظاظة.
  لنأخد نموذجا من نماذج الكوميديا كما يتصورها السواد الأعظم من الفنانين المغاربة وتزكيها التلفزة الوطنية، وهو سيتكوم "حاولو على مستور". إن فريق التأليف يتكون من أربعة أشخاص من بينهم دكتور وفنان تلقى فن المسرح بالسوربون كما بلغني مؤخرا، علاوة على أنه المسؤول الأول في النقابة المغربية لمحترفي المسرح. إن هذا الدكتور والفنان المبرز والمسؤول على حقوق المسرحيين وإعادة الاعتبار للفن المسرحي، يشارك يا سادة يا كرام،  في المهزلة بكل أسى وأسف. ألا يدرك فريق التأليف ومن ضمنه الدكتور بأن أزمة الإبداع الفني عندنا تنطلق أولا من الصياغة النصية للفيلم  التلفزيوني أو السينمائي؟ ألا يعلم هذا الفريق أن المشكل يتمثل بالدرجة الأولى في "السيناريو"، إذ يمكن لي أن أجزم بأن كتاب السيناريو لا وجود لهم في بلادنا. كما يمكن لي أن أجزم بأن الشريط التلفزيوني أو السينمائي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون مؤثرا وجذابا، إذا لم يستند الى سيناريو مكتوب بمهارة وإتقان وتماسك فني. لنعد الى نموذجنا، فأي تأليف هذا وأية شخصيات وأية وضعيات ساخرة وأية أحداث، أبدعها هذا الفريق واستوحاها من نسيج خياله؟ فالشخصيات مرسومة بشكل سطحي وفج والوضعيات الساخرة مفتعلة ومصطنعة والحوارات سوقية ومبتذلة الى حد الغثيان. ماذا إذن يبقى في السيناريو إذا لم نعتني برسم الشخصيات والعلاقات المتوترة بينها، وصياغة وضعيات ومشاهد فنية سلسة ومتماسكة، وما تتلفظ به الشخصيات من عبارات وحوارات بليغة وذكية ؟
 صحيح أن السيتكوم يروم الترويح عن النفس والتسلية، ولكن هل الكوميديا هي افتعال للوضعيات الساخرة، وإقحام لمشاهد لا مبرر لها، ورسم لشخصيات نمطية فجة لا حياة لها، وجعلها تنطق بألفاظ وعبارات شعبوية ؟ هل فن الكوميديا هو الإصرار على انتزاع الضحكات من أفواه المشاهدين كيف ما اتفق وبأية وسيلة ولو على حساب الفن؟ اعلم أيها الفريق (كتاب السيناريو) بأنه يكفي أن أبتسم وأحس بالانشراح والمتعة وأنا أشاهد موقفا ساخرا أو وضعية مسرحية أو سينمائية أو تلفزيونية، لكي يتحقق الهدف الفني. هل كان شارلي شابلين أو وودي ألين أو الممثلين الإيطاليين كمارسيللو ماسترواني ونينو مانفريدي وفيتوريو غاسمان  يتصنعون ويجهدون أنفسهم، لا أقول لإضحاك المشاهد، وإنما فقط جعله يبتسم ويشعر بالسعادة؟؟؟ إن الكوميديا أيها السادة هو فن والفن منزه عن الافتعال والضحالة والسوقية والارتجال. ولكن فاقد الشيء لا يعطيه. فالأكيد أننا  نعيش أزمة ابداع حادة  في المسرح والتلفزيون والسينما والتي تتجسد بالدرجة الأولى في غياب كتابة نصية درامية مشرقة.
  والإخراج يلعب الدور الحاسم في انجاح الشريط أو فشله، والمخرج عندما يفتقر للموهبة والتكوين وينقصه المراس والتجربة، لا ينتظر منه شيئا. وهذا النموذج يجسده بالذات مخرج هذه السلسلة ، الذي أعرف عنه بأنه إعلامي في القناة الأولى لأكثر من عشرين سنة، وقبل ذلك كان يهتم بالمسرح في إطار رواد الخشبة بمكناس. فكيف للتلفزة المغربية أن تعهد لأناس، لا تجربة لهم ولا دراية لهم بفن الإخراج  التلفزيوني، بمسؤولية جسيمة كهذه ؟
   أما الممثلون فقد جعلونا نصاب بخيبة أمل، خصوصا الممثلين الرئيسيين، من حيث أنهما ممثلان مقتدران ويتمتعان بموهبة وقدرات تعبيرية لا بأس بها. غير أنهما يهدران موهبتهما الفنية في التهريج والأداء المبالغ فيه وفي اللعب النمطي وإجهاد نفسيهما في بلوغ الهدف الفني المنعدم أصلا في الكتابة النصية وفي الإخراج. والحال أن هذا النوع من الممثلين - وهم كثر- يسيؤون للفن ولا يحترمون أنفسهم. ناهيك عن الممثلين الآخرين المشاركين في نفس السيتكوم وبكيفية خاصة ممثلة معروفة منذ الثمانينات من القرن الماضي، التي أدت دورها بشكل مغلوط ومتكلف تماما، حيث كانت "تتقطع" المسكينة  لإضحاك المشاهد. وهذا يثير بالطبع شيئا من الشفقة الممزوجة بشيء من الأسى والحزن . فأين هي اللجنة التي ترخص لهذا النوع من الإنتاجات الرخيصة، المبتذلة والساقطة؟ أقصد فنيا وليس أخلاقيا. وقبل ذلك وهذا هو الأهم أين هم كتاب السيناريو الحقيقيون؟ وأين هم المخرجون المقتدرون الذين يحسنون إدارة الممثلين ويكبحون جماح الممثلين والممثلات المندفعين، لكي لا يتمادوا في التصنع والمبالغة في اللعب وتشويه فن التشخيص والضحك على المشاهد؟
 لكن يبدو بأن فنانينا (عفوا غالبيتهم) يفضلون المشاركة  في هذه الإنتاجات/ المهازل فقط من أجل الهروب من الاحتياج والفقر بالنسبة للبعض ومن أجل تنمية الرصيد البنكي بالنسبة للبعض الآخر. وفي كلتي الحالتين يضيع الفن ويغيب لتحضر المصلحة الشخصية الضيقة الكابحة للفعل الفني بل القاتلة لكل محاولة خلق وإبداع. وهذا يثير الحسرة والحزن العميق في النفوس الغيورة.

هكذا يبيع الفقراء كرامتهم!!

هكذا يبيع الفقراء كرامتهم!!
 
كتابة مصطفى لمودن
أوقفت السيارة تحت ظل شجرة، وبقيت انتظر رفيقي حتى يتمم أشغالا يقوم بها، طال انتظاري لما يفوق الساعة، لكن، يا هول ما اكتشفت..
لاحظت على غير المعتاد وقبل منتصف نهار رمضاني ساخن مجموعات نسائية تحمن في المنطقة، هناك من تتمشى، هناك من تروح ثم تؤوب، هناك من هن تحت ظل سور أو شجرة.. قلت، لعل هؤلاء ينتظرن الصدقات أو زكاة الفطر.. لكن، من ضمن النسوة من هن على هيأة لا تبعث على الحاجة، واحدة تجر عربة يدوية اعتادت السيدات جرها إلى السواق..
للصدفة، كنت متوقفا مباشرة أمام الجهة التي ينوين قصدها.. تقدمت سيدة، دقت على الباب، لم يخرج أحد، هي تدق على باب بناية قديمة، كانت معملا، وقد اقتناه أحدهم في بداية ثمانينيات القرن الماضي، وبعد ذلك أغلقه وسرح العمال واكتفى بالعقار في انتظار ارتفاع سومة الأرض..
كدت أتدخل لأقول للسيدة التي تدق، إن هذه البناية مهجورة ولا أحد بها، وفعلا يبدو ذلك، فالباب متسخ وقديم، وكل من يقف امامه يعتقد أنه موصد إلى تاريخ غير محدد..
لكن، وبعد ارتفاع منسوب قرع السيدة للباب، خرج رجل متوسط القامة، واضح انه استيقظ بصعوبة.. مدته المرأة بورقة بيضاء في حجم الكف.. وإذا بالنسوة الأخريات يتسارعن ليمددن الرجل بورقة مماثلة.. كل مرة يدخل اثنتين، فتعودان محملاتان بكيس بلاستيكي أسود (هذه الأكياس السوداء تم توقيف صنعها منذ سنيتين!!).. أسمع ما يدور من حديث، الرجل يبدي مرة تأففا، ومرة يرحب بالنسوة.. رأيت أن كل كيس بلاستيكي به كيس دقيق من 10 كيلوغرامات وقنينات زيت وسكر مسحوق..
قدم رجل نحيف على دراجته الهوائية التي تتكون فقط من إطار وعجلتين ودواسة ومقود.. يبدو على الرجل بؤس واضح.. اشتكى للرجل الذي يدفع للنساء بكونه لم ينل "وصلا"، ويريد رؤية السيد (...)، قال الرجل بصوت مرتفع بما يشبه الغضب "إنه يعطي لمن لا يستحق، يزيد الشحم في..، السنة المنصرمة لم أتسلم شيء..". رد الرجل الأول السبب لآخرين، يبدو أنه يتحدث عن "ممثلي" السيد(..) في الأحياء الشعبية.. وقال إنهم هم من يختارون من يعجبهم، واقترح على مخاطبه البحث عن السيد (..) والحديث إليه مباشرة.. حضرت امرأتان كذلك بدون "وصل"، وشرعتا تشتكيان وضعهما للرجل، لكن رفض مدهما بأي شيء..
قد ينمحي العجب إذا عرفنا أن السيد (..) منتخب مشهور، تسيطر أسرته على المجلس الحضري فيما يشبه الإرث، وتراقب عدة جماعات قروية مجاورة، ولا تمر أي فترة برلمانية دون أن يكون أحد أفراد الأسرة ممثلا في الرباط..
هكذا اصبحت السياسة تجرى في المغرب، حيث يتم "الاستثمار" في الفقر وتوسيع قاعدته، وإشاعة الجهل بين الناس، حتى يتم التلاعب بهم، وبمصالحهم الحقيقية.. وحسب التجارب الانتخابية السابقة، فهذه الأحياء الفقيرة هي المكان المفضل لعائلة السيد (..) حيث منها يكتسحون الانتخابات بنوعيها المحلي والوطني، بينما يزداد التهميش والفقر المنطقة رغم مواردها الكثيرة.. ولا يغرب عن بال أحد، أن هؤلاء هم حلفاء المخزن الأثيرون، حيث يقع تبادل المصالح، فلا يمكن مثلا التدخل لتوقيف هذه "الصدقات"، ودعوة صاحبنا كي يودع أموالا في مؤسسة عمومية مختصة كالتعاون الوطني هي من تتكفل بتوزيع ذلك.. لكن صاحبنا ليس غبيا حتى يفعل ذلك.. الأغبياء هم من مازالوا ينتظرون شيء من هذا "المسلسل الديمقراطي" العقيم.. ولا أظن أن هناك "كرامة" تخص أحدا دون غيره في ظل هكذا أوضاع..