الأربعاء، 13 فبراير 2008

قصة: لو أن الحمار يدافع عن نفسه


   قصة:                  لو أن الحمار يدافع عن نفسه
مصطفى لمودن

   كان لإدريس حمارٌ قويُّ العضلاتِ يساعده في جميع أعماله، طول النهار وهو إما يجرُّ عربة صغيرةً يجلب عليها إدريس أو ابنه يوسف الحطب أو الماء… أو تراه  يجر محراثا خشبيا عتيقا، يقلب الأرض لتعطي منتوجا وافرا، والحمار يعمل بجدٍ وتفانٍ دون كلل أو شكوى، لا يتلقى أجرا عن عمله، لا يطالب بأي شيء، سوى ما يجود به إدريس أحيانا من حفنات شعير، أو حزمة من التبن يُجلب من الحقول على العربة الصغيرة التي يجرها الحمار نفسُهُ، أما بقية غذائه الضروري لاستمراره على قيد الحياة، وتوفير الطاقة الضرورية لجسمه، فهو من يسعى إليه عندما يطلقه من رباطه إدريس أو يوسف على أربع، فيسرح مرحًا بَيْن السواقي وفي المساحات الفارغة من المزروعات، ينتف بشدقيه نبتة من هنا ونبتة من هناك، وهو سعيد بذلك، مكتف بما هو عليه، إلى أن سمع يوما إدريس وهو في حالة غضبٍ شديدٍ يسب ابنه يوسف، ناعتا إياه بالحمار، والشرر يكاد يتطاير من عينيه، فتساءل مع نفسه، هل اسمي أنا الحمار يصلح للسب بين البشر؟ لماذا اسمي بالضبط ما يستعمل للقًَََدْحِ في كل من يثير حنق(*) الآخرين؟
   أحس الحمار بظلم شديد، وقرر أن يدافع عن اسمه وشرفه، حتى يتوقف استعمال اسمه مقرونا بأقبح النعوت.
    ما كدتُ أكمل كتابة هذه القصة حتى وقف بجانبي إدريس، توقَّفْتُ عن الكتابة، رفعت رأسي، فلمحتُ على وجهه تأجج الغضب، وهو يلتهم بعينيه الجاحظتين ما خططتُ على ورقة، ما أن انتهى من قراءتها بسرعة حتى ثار غاضبا وهو يصيح:
   ـ كيف لك أن تكب عن حماري؟ هل تريد أن تألبه ضدي؟
   وراح يخبط بكلتا يديه على الطاولة، حتى بدأت تتقافز أوراقي، لم أجدْ بُدًّا من الوقوف بدوري، قلت له بعدما تساوت قاماتنا:
   ـ أنا مجرد كاتب أكره الظلم، بل أمقته، وأسعى ألا يبقى العمل به إطلاقا.
   تراجع إدريس إلى الوراء، ونظر إلي شَزَرًا من أخمص قدميّ إلى قمة رأسي، كأنه يزنني بنظراته، أو هو يحاول أن يزن كلماته قبل إخراجها، ثم صاح بصوت مرتفع:
   ـ كن ما شئت ولا تكتب عن حماري.
   وأضاف بعدما خفّظ قليلا من حدة صوته: 
   ـ الحمار وُجِد للعمل والمشقة، وما دخلك أنت؟
   قلت له بهدوء:
   ـ طبعا ليس لي دخل، لن أنزع منك حمارك، ولن أدفعه ليرفع عنك دعوى لدى القضاء، فقط أُنبِّه الناس إلى مساوئ الظلم أينما كان….
    قاطعني: ـ أكتب ما تشاء إلا عن حماري…
    بدأ إدريس يستفزني بملاحظاته الكثيرة، ومحاولته التدخل فيما أكتب، هل يحق له أن يفرض علي المواضيع التي سأكتب فيها؟ أنا كاتب ولستُ مشَغَّلاً عنده، ولا مصداقية لأي كاتب يُخططُ ما يُمْلى عليه، حاولت أن أشرح له، بكل هدوء دور الكاتب في الحديث عن قيم العدل والتسامح والمساواة…لكنه لا يريد أن يسمع، قلت له:
    ـ تصور لو أن كل هؤلاء الحمير الذين يشقون صباح مساء دُون رفع كلمة احتجاج سوى الشهيق بعد الشبع، تصور لو أنهم تنظموا وقادوا حركة احتجاجية ضد مستغلِّيهم، تصور لو أضربوا عن العمل، وقرروا ألا يستأنفوه إلا بعد تلبية مطالبهم العادلة في حرية التعبير والتنظيم والعمل في أوقات محدد قانونيا، وتوفير حقهم في الضمان الاجتماعي والتقاعد والتطبيب والسكن اللائق، والعطلة المؤدى الأجرُ عنها، تصور لو…
    قاطعني  بإشارة من يده، نظر مليا إلى الأرض، وقال:
   ـ أنا إدريس أُحْسَبُ على جنس البشر، وليست لدي مثلُ هذه الحقوق التي تتحدث عنها، لكن يظهر لي أنني أكلّف حماري بأشغال كثيرة، أعدك بأنني سأخفف عنه جزءً من الأتعاب…
    وانصرف بخطى متثاقلة، بينما أنا بقيت جالسا أسعى لإتمام قصتي، لستُ أدري كيف سأنهيها، هل فعلا سيطالب الحمار بحقوقه؟ هل سيتحدث في الموضوع مع رفاقه وزملائه الحمير؟                                 
  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
  (*) غضب
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ملحوظة: إن أي إبداع كيفما كان مستواه، هو نتيجة جهد مضن من طرف منتجه، على الأقل يجب الحفاظ على حقوقه في نسب كل إبداع إلى صاحبه.
رجاء: أتمنى أن يشاركني هذا الركن الخاص بالطفولة رسام يوشح النصوص برسوماته، ويوقعها باسمه طبعا خدمة للطفولة.
عنوان المراسلة: 
lamodene@gmail.com 

بيان إلى من يهمه الأمر


  بيان إلى من يهمه الأمر
                                        إدريس الميموني(*)  
  
إن الأوضاع التي تعرفها مدينة سيدي سليمان، والمتسمة إجمالا بتدهور العديد من القطاعات الحيوية، وتدني مستوى الخدمات الاجتماعية في المؤسسات الإدارية، وفي هذا السياق فإن الوضع الاجتماعي بالمدينة مرشح للمزيد من التدهور باعتبار النزيف الذي لحق العديد من القطاعات الإنتاجية من جراء إغلاق العديد من المؤسسات والوحدات الإنتاجية ( صوبنا ـ فرتيما ـ معمل السكر…)، مما ترتب عن ذلك انعكاسات مباشرة على مئات الأسر ومستقبل أبنائها، وبالمحصلة من اتساع دائرة الفقر والبطالة والتشرد، وتدهور مستمر للقدرات المعيشية لعموم الجماهير الشعبية، ناهيك عن انسداد أفق التشغيل، وانعدام سياسات تنموية حقيقية كفيلة بإخراج المدينة من دائرة التهميش، بالإضافة إلى اتساع أحزمة السكن غير اللائق، لذا يجب وجود حل عادل ومنصف ومناسب لهؤلاء السكان، لإدماجهم في المجتمع، وذلك بمد يد المساعدة، لكونهم يعيشون تحت عتبة الفقر المدقع، ولا يستطيعون توفير المال لبناء سكن لائق، مما يِؤدي إلى تشرد الطفولة والشباب.
   وإذا كانت المعطيات الاقتصادية والطبيعية للمدينة تؤهلها لأن تحتل موقعا متميزا على العديد من المستويات، فإن السياسات المتبعة وطنيا وجهويا لم تعمل إلا على تكريس واقع التهميش، والاستنزاف، لتتحول المدينة بذلك إلى تجمع سكني يفتقد إلى المقومات المجالية والإستراتيجية، وإذا ما استحضرنا بالمقابل تدهور وضعف الخدمات الاجتماعية في العديد من القطاعات ( الصحة ـ البريد ـ التعليم ـ الكهرباء…)، وافتقاد المدينة للعديد من المرافق والمؤسسات الحيوية في العديد من المجالات، فإن الوضع ليؤكد حجم الإفلاس الذي يلحق المدينة سنة بعد سنة، مع ما تعيشه من أصناف الفوضى الناجمة عن استغلال الملك العمومي، والتعامل مع المجال الحضري بعقلية وسلوكات انتخابوية بعيدة عن التدبير العقلاني والمستقبلي للمجال.

 ومن هذا المنطلق وإذ نستحضر الوضع الحالي ونتائجه الوخيمة الآنية والمستقبلية:

 1 ـ إننا نعتبر النهوض بالمدينة يتطلب إنجاز برامج تنموية مستعجلة تستجيب لتطلعات المواطنين وانتظاراتهم، وتترجم فعل إرادتهم في النماء والعيش الكريم، لأن سكان مدينة سيدي سليمان ينتظرون آفاقا واعدة لهذه المدينة، وذلك بإنشاء المعامل والمصانع، وتشجيع الاستثمارات، مع خفض الضرائب، وكذا الزيادة في أجور الموظفين، بغية إعادة الثقة وتحقيق التقدم في شتى المجالات، من أجل بناء مغرب متقدم وحداثي…

   إذا فالنهوض بالمدينة رهين بخلق فرص للشغل، لانتعاش الشباب وإبعادهم عن كل ما يسيء المجتمع كالانحراف، وتناول المخدرات والأقراص المهلوسة، مما يؤدي إلى الجريمة، ليكون السبب قلة الشغل، وانعدام مؤسسات إنتاجية من خلالها ينتعش اقتصاد المدينة، لتعود إلى حيويتها ونشاطها، بدل الركود والجمود ، كما على كل المصالح المسؤولة أن تكثف من عملها وترفع من وثيرة اجتهادها، خدمة للمدينة ولسكانها، مصداقا لقوله تعالى: " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمون".

   2 ـ إن تنمية المدينة لا تنفصل البتة عن التنمية الجهوية والوطنية، وهو ما يفرض إعادة النظر في سياسة التدبير الجهوي لتحقيق لا مركزية عادلة ومتوازنة.
   3 ـ نؤكد أن ضرورة تفعيل آليات العمل السياسي المشترك بين كافة الإطارات الوطنية والديمقراطية والتقدمية من أجل خلق الشروط الكفيلة بتجاوز هذا الوضع، ومجابهة إكراهات المرحلة ومتطلباتها.
  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
     (*)ابن المدينة، مستوى دراسي جامعي، ليس له عمل قار.



        عن المدونة:    لكل مواطن الحق في أن يعبر عن أفكاره.


الأحد، 10 فبراير 2008

حامة مولاي يعقوب السياحة الداخلية المهملة


حامة مولاي يعقوب 
  السياحة الداخلية المهملة
   أيمنا تفجر ينبوع ساخن من باطن الأرض كان يطلق عليه المغاربة حامة  مولاي يعقوب، إلى أن ظهر الإعلام فانتشرت الأخبار، وكثر تنقل المواطنين بفعل تنوع وسائل النقل الحديثة، فلم يعد مستساغا تسمية كل العيون الساخنة بذلك النعت، ما نقصده في هذا الاستطلاع الذي أعددناه هو حامة أخرى صغيرة الحجم من حيث تدفق الماء بالمقارنة مع نظيرتها المشهورة والمتواجدة بضواحي فاس، بدورها قديمة وهي  تعرف إقبالا من طرف عدد من المواطنين، وفي نفس الوقت تعيش إهمالا غير مبرر كما سنعرض لذلك بالصور.
 
حامة مولاي يعقوب في طريق مكناس مرورا ب"عين الجمعة" في فج بين هضبتين
توجد العين المعنية بجماعة "عين الجمعة" إقليم مكناس الإسماعيلية، وهي على بعد سيدي سليمان بما يقارب 20 كيلومترا في اتجاه مكناس طبعا، في قاع فج بين هضبتين، الجماعة القروية المذكورة تقوم كل سنة بكرائها لمن رغب في ذلك، وطبع ايكون هدفه هو الربح ولوكان بسيطا، بها مسبحين صغيرين، واحد للرجال والآخر للنساء، يتدفق الماء الساخن بحوالي 10 ليترات في الثانية، وهو يخرج ساخنا من باطن الأرض، مع ملوحة واضحة، وهو يحتاج إلى تحاليل مختبرية لتحديد نوعية المعادن ومستواها الذائب في الماء.  
إذا كان التوجه إليها يتيح فسحة للتجوال، فإنها كذلك لها فوائد صحية معروفة كالمداواة على الأمراض الصحية وتحسين الدورة الدموية… 
 
الصبيب المائي الساخن بمسبح الرجال
المسبح في 4 أمتار على 3
 
مخرج الماء، ويلاحظ كيس للإغلاق، كما أن كل الأوساخ تعود مباشرة إلى الحوض المائي
لكن أي زائر لهذه العين يشعر بمستوى الإهمال الذي تعانيه، سواء من عدم وجود الماء والكهرباء، انعدام المرافق وكل مستلزمات الاستقبال الضرورية، حتى موقف السيارات ضيق جدا بجانب طريق خطرة منحدرة لها قارعة واحدة بسبب مجاورتها لحافة من جهة، وحائط منحدر من جهة أخرى، يتحمل الإهمال طبعا الجماعة القروية التي توجد الحامة على ترابها، ونعني بها الجماعة القروية "عين الجمعة"، ثم بقية السلطات من عمالة، وجهة، ووزارة السياحة… 
وإذا كانت كل هذه الجهات عاجزة عن تحسين الخدمات هناك، يمكن تفويت ذلك للقطاع الخاص على أساس استغلال عائدات الحامة لفترة زمنية معينة. 
  
البيوت القليلة المقابلة للحامة
 
السلم المؤدي إلى المسبحين في أسفل الوادي
 
الباب الأول تدخل منه النساء والثاني مدخل الرجال
فضاء مغري للزيارة لكنه مجرد خلاء
 
الإقامة الفاخرة بجانب الحامة وهي خارج كل تصنيف!

    إن الحامة المذكورة لو أصلحت بشكل مضبوط، سواء بتوفير كافة المرافق، وبناء مسابح في المستوى المطلوب، فإنها بذلك ستنمي مداخيل الجماعة، وتوجد مناصب شغل، وتكون متنفسا لعد من الأشخاص والعائلات، حيث سيتشجع الجميع أكثر لزيارتها، وربما قضاء ليلة هناك، وهي في مفترق طرق حيث يتعدد مصدر زوارها، سواء من سيدي سليمان، ومن قرى جنوب مكناس، وحتى من سيدي قاسم.
 
المرحاض بدون باب وبلا تنظيف
 
مقابل المرحاض شبه مغارة نثنة يقصد منها مستودعا للملابس
    لا يجب أن نهتم على المستوى الرسمي بالعشرة ملايين سائح أجنبي الذين ننتظرهم كي يدخلوا المغرب سنة 2010، وقد وصلنا لحدود هذه السنة إلى استقبال 7 ملايين حسب الإحصائيات الرسمية، كل ذلك يجب ألا ينسينا حاجة المغاربة بدورهم في الاستفادة من الخدمات السياحية المتنوعة، بحيث ليس من قدرة الجميع الإقامة في أفخم الفنادق والإقامات التي تهيئ أساسا للسائح الأجنبي، وفي انتظار أن يتوفر أغلب المغاربة على مدخول يخولهم تنظيم سياحتهم وبرمجتها حسب قدرتهم ورؤيتهم، يمكن أن نشجع سياحة متوسطة، تعتمد توفير بعض الإقامات التي تناسب القدرة الشرائية للمغاربة في عدد من الجهات، سواء بالشواطئ أو بالجبال أو بالمدن العتيقة وبعض المناطق السياحية المطلوبة، ونسعى لتبديل عادات البعض، حيث تعتبر المواسم التقليدية وزيارة الأضرحة نوعا من السياحة التي ما تزال قائمة، رغم عدد من سلبياتها الثقافية والاجتماعية، ونحن لا ندعو هنا إلى إلغاء هذا المظهر الاحتفالي، ولكن لا بد من تنظيمه بدوره، وإدخاله ضمن المنتوج السياحي، فهل فعلا لدى المسؤولين عامة رؤية لاستفادة كافة المغاربة من حقهم في الترفيه والتجوال وتبديل أجواء عملهم ومسكنهم ولو لفترة وجيزة؟  
                مصطفى لمودن