هذا
تكلم الفقيه وسكت الجميع..
كنت راكبا سيارة أجرة كبيرة بين
مدينتين، تأخذ الرحلة ما لا يقل عن ساعة ونصف، أطلق السائق المسن المذياع، فكان
على موجة إذاعة وطنية رسمية متخصصة في الدين.. كان فقيه يبدو أنه محنك في علمه
يتحدث وهو يرد على أسئلة من صحفي يسرد الأسئلة والفقيه يرد، ويظهر من الأجوبة
والإحالات أن كل شيء مخرج ومعد سلفا.. طال الحديث، الصمت يعم بين الركاب، سوى
راكبين كانا يتبادلان الحديث بين الحين والآخر.. تمتمت، ولم ألق بأي كلمة.. أتصور
لو كنت تكلمت، أو تكلم أحد الركاب، أن يعرج السائق على أقرب مركز للسلطة.. في
الحقيقة، استفدنا كثيرا، ومما تكلم عليه وفيه الفقيه الأقلام الخمسة التي تسجل للبشرية
أفعالها.. ولا أعرف كيف يستحضر الفقيه المحنك استشهاداته بسهولة ويـُقـوّلها ما
يبتغيه.. كنت أتصور كم من مستمع (ة) في ربوع الوطن وفي الخارج، قد استخرج قلما وكراسة
وهو يسجل تفاصيل هذه الأقلام الخمسة.. تأسفت أني لم أستعد بدوري لهذه المناسبة ولم
أستحضر ورقة وقلما.. في منتصف الطريق، ولما بدأ الفقيه يتحدث في موضوع نزول المطر
وتفسيراته الخاصة.. غير فجأة السائق المسن المحطة.. وبعد تجوله على ثلاث، اختار
محطة كانت تتحدث فيها سيدة باللغة الفرنسية.. لاحظت أنه لا أحد احتج، أو طالب
بالإبقاء على المحطة السابقة، خاصة وأن الفقيه يعالج الآن إشكالية مهمة تهم كافة
الناس. قلت مع نفسي، لماذا لم يتدخل أحد ليرجع السائق إلى الإذاعة الأولى؟ هل فعلا
أن الجميع لم يكن يرغب في الحديث السابق؟ في هذه الحالة سيكون الجميع عاقون ولا
حول ولا قوة إلا بالله.. أو يمكن اعتبارهم عينة ممن توجه لهم هذه الإذاعة، وهم غير
راضين عن محتواها، أو على الأقل على جزء من محتواها.. ويبدو أن السائق بدوره قد
انتفخ رأسه مما كان يسمع، كدت أحكم عليه بالسوء في دماغي طبعا.
يبدو مع هذه الإذاعة أننا قريبا
سنصل إلى الكشف العظيم، ورفع الستائر والحجب عن حقائق لا تعرفها البشرية هي في
حاجة ماسة إليها لرفع القيود والأغلال وإزالة كل لبس وضلال.. أخيرا، ذكرت إحصائيات
رسمية أن هذه الإذاعة هي المسموعة الأولى، دامت في تألقها إذا..