نحو
أدبيات مسرحية
العباس
جدة(*)
لما كانت الممارسة
المسرحية بالمغرب غير سليمة وغير طبيعية، لا تخضع لضوابط وتغلب عليها الفوضى
والمزاجية ويغيب عنها الالتزام والجدية، أقترح على الممثلين وخاصة الجدد منهم، هذه
التوجيهات والضوابط الأخلاقية التي يراد لها، أن تنظم الممارسة المسرحية وتجعل
منها مثمرة وفعالة. والتوجيهات هي للمخرج والممثل المسرحي الروسي الكبير
ستانيسلافسكي (1863-1938):
1- يجب أن يحكم النظام والانضباط عمل الممثل وتطلعاته
الفنية.
2- ينبغي أن تحبوا الفن
فيكم وليس أن تحبوا أنفسكم في الفن.
3- إن مهنة الممثل رائعة
بالنسبة لأولئك الذين يفهمونها ويدركون حقيقتها ويكرسون حياتهم لها.
4- إذا كان المسرح لا يسمو
بمشاعركم ولا يهذب سلوككم، فاجتنبوه وابتعدوا عنه. لماذا؟ لأن الكثير من الجراثيم
توجد في المسرح. البعض منها نافع وخير والبعض الآخر ضار وخطير: فالنافع والحسن
منها، هو الذي يعمق شغفكم بما هو نبيل وجميل من الأفكار والصور والمشاعر السامية؛
ويساعدكم على التواصل مع العبقريات المسرحية كشكسبير وغوغول وبوشكين. إن تعاملكم
مع هؤلاء المؤلفين الكبار، هو الذي يقربكم من جوهر الفن ويجعلكم تدركون طبيعة
الفعل الفني، من حيث هو جهد وعمل متواصل، يتمثل أساسا في دراسة وتأمل فنكم والكشف
عن وظائفه ومعانيه وأساليبه؛ وكذا في الوعي بما يرافق الإبداع الفني من قلق ومتاعب
ومن أفراح ونشوة التألق والنجاح والتي تجدد الفكر وتجنح بالروح. وحتى حالات
الخيبات والفشل والإحباط، يجب أن نجد فيها محفزا، يحثنا على مواصلة
عملنا والبحث عن أساليب أخرى وخوض معارك فنية جديدة. والنجاح؟ ماذا عن النجاح والتألق؟؟
5- النجاح عابر، متبخر
وزائل، أما الشغف الحقيقي فيكمن في التوتر والقلق سعيا وراء المعرفة وفي الإرادة في بلورة نشاطنا الفني. وهذا لا ينبغي أن
ينسينا في الجراثيم المسرحية الخبيثة وهي: الإدعاء والغرور والإغراء والتفاهة، كأن
نلهث وراء تصفيقات الجمهور، وأن لا نقرأ سوى المقالات الإيجابية، وأن ننشغل كثيرا بالنجاح والشهرة... كل هذه
الأشياء تشكل غوايات وإغراءات مغالية وقاتلة.
6- لهذا علينا في ميداننا
المسرحي أن نحيا وفق نظام صارم وأن نتعلم كيف نراقب أنفسنا وضبطها باستمرار.
7- لا تلجوا المسرح أبدا
بأتربتكم ووحلكم في أرجلكم. أتركوا أوساخكم خارج المسرح، مشاكلكم الصغيرة ومتاعبكم
السخيفة. إن كل هذا يمنعكم من الانتباه والتركيز على فنكم: " إن القس الحقيقي
هو الذي يكون على وعي تام بقداسه وبجميع الخدمات الكنيسية التي يقوم بها. وكمثل
القس، على الفنان أن يحترم بل يقدس المكان الذي يتواجد فيه، الذي هو المسرح."
8- يتعين على الممثل أن
يجسد كل ما هو جميل ونبيل ليس في المسرح فحسب، وإنما في الحياة اليومية أيضا.
9- في سبيل خلق أجواء
مناسبة وسليمة في المسرح، يجب على الممثل أن يساعد على دعم وتقوية سلطة المخرج
المكلف بتسيير وتنظيم العمل المسرحي: " هنالك، تقريبا في جميع مسارح العالم،
غيرة وحسد وبغض متبادل بين الممثلين والمخرجين وخلافات وتوترات بسبب التألق ونتيجة
عدم المساواة في الأجر وفي الوظائف؛ كل هذا يأخذ حيزا كبيرا في مهنتنا ويشكل جرحها
الأكبر."
10- الممثل الحقيقي هو الذي يعمل ويجتهد ويكد بكيفية منتظمة
ومستمرة، وأدنى إهمال أو تراخ يؤدي إلى إقبار مجهوده وإخماد شعلة الموهبة فيه. فقد
كان الكتاب أمثال تولستوى وتشيكوف وغيرهما يعتبرون أنه من الضروري، ممارسة فعل
الكتابة يوميا وفي وقت محدد. والهدف هو بلورة أساليبنا التعبيرية، كل
يوم، وتطوير قدراتنا الفنية في ترجمة كل تعقيدات المشاعر والأفكار الإنسانية.
11- والممثل هو بدوره يجب أن يشتغل يوميا وأن يعمل على تطوير
تقنيته. فهو المسؤول على يديه، رجليه، عينيه، صوته وكل جسده، على حركاته، تنفسه،
إيقاعه. فالتمارين اليومية لا ينبغي أن تتوقف بالحصول على الشهادة من
معهد التكوين الدرامي.
---------------
(*)
كاتب ومخرج مسرحي أستاذ الفلسفة.. وقد خص مشكورا "مدونة سيدي سليمان"
بهذه المساهمة القيمة..