المدينة التي تنام على العمالة وتستيقظ على التأهيل
وزان: محمد حمضي
عاد من جديد الحديث عن ترقية وزان إلى عمالة إلى واجهة انشغالات أبناء وزان، وغيمت سحبه سماءهم، واقتحمت راهنية الموضوع حميميتهم. بحيث يمكن الجزم وبدون مبالغة بأنه أنسى الساكنة شظف العيش، وضيق اليد، وفظاعة واقعهم الاجتماعي، وقيض الصيف، وأصبح التعامل معه بهذه الحساسية المفرطة ،وفي هذا الوقت بالذات قضية أن تكون وزان على موعد مع التاريخ أو لا تكون.
وزان
فلماذا يشغل الموضوع ساكنة وزان ويضعونه على رأس أولويات مطالبهم ؟ أليس هناك خلط عند أبناء دار الضمانة بين ترقية مدينتهم إلى عمالة، وتنميتها لتدارك الركب الذي فاتها بفعل التهميش والإقصاء الذي لحقها ؟هل هذا الانشغال مرده في نهاية المطاف رد الاعتبار لمدينة كانت لها كلمتها في صناعة تاريخ المغرب، لتجد نفسها في النصف الثاني من القرن الماضي تؤدي فاتورة صراع المصالح في مراكز القرار؟
كل هذه الأسئلة وغيرها كثير، يستمد مشروعية طرحه من الواقع المأسوي الذي أضحت عليه المدينة، حيث دكت معالمها بفعل إرادي، وتبدونت بشكل خطير، ولم تعد تذكر، وهي التي كانت إلى زمن قريب تعتبر واحدة من المدن الكبرى، من العشر الأوائل بالمغرب، ووصل إشعاعها الرمزي إلى أبعد منطقة على سطح الكرة الأرضية، وكانت محج الزوار(المسلمون واليهود)من كل بقاع العالم، مدينة شكلت نموذجا لتعايش الديانات، ومشتلا لغرس قيم التسامح الذي لم يكن أحد يتجرأ على مجرد النطق به في الغابر من الأزمان.
هناك سببين آخرين بالإضافة إلى ما سبق ذكره يرتكز عليهما أبناء وزان في إقناع غيرهم بمشروعية ترقية مدينتهم إلى عمالة، أولهما أن إلحاقها في بداية الثمانينات بإقليم سيدي قاسم كانت الغاية منه هو إذلالهم على يد من كانوا يجثمون على مواقع القرار في مغرب زمن الرصاص، والإساءة لثوابت الأمة المغربية، وقد كشف التاريخ القريب عن هذه الحقيقة.
كل المؤشرات تضع وزان ضمن منقطة الشمال
فما معنى اقتطاع جزء من الجسد (الشمال) وإلحاقه بجسد آخر (الغرب)، حيث القاسم المشترك الوحيد بينهما هو الاعتزاز بالانتماء إلى المغرب الغني بتنوعه، بينما التوازي بارز للعيان في التاريخ، والجغرافيا، والأصول، واللهجات… أما السبب الثاني وهو اقتناع الجميع بأن المغرب في زمن الملك محمد السادس، دشن مرحلة الإنصاف والمصالحة. فكانت هناك أكثر من إشارة قوية، تعلق الأمر بإنصاف مناطق ومصالحتها بعد أن ظلت طيلة المرحلة الماضية معاقبة، كما كانت هناك مصالحة مع التاريخ، والذاكرة المغربية المشتركة، والتنوع الثقافي …
وزان ترشح بعبق التاريخ… صورة من الذاكرة.
ففي هذا السياق اكتسى مطلب إنصاف وزان والاستجابة لانتظارات أبنائها قوته، ولعل الزيارتين التاريخيتين للملك لوزان خريف 2006 بعد قطيعة دامت نصف قرن بسبب الخرافات والأساطير، وربما اعتبارات أخرى، واختياره دخوله إليها ومغادرته لها من جهة شفشاون، ومنحها حق أسبقية الزيارة الملكية على عاصمة الإقليم، وإشرافه على إعطاء انطلاق مخطط تأهيل المدينة الذي يعتبر أحد الممرات الضرورية لتنميتها، وهي كلها إشارات نتمنى أن تكون الإدارة المركزية قد التقطتها وأعدت مشروع ترقية وزان إلى عمالة لتشكل جزءا من شمال المغرب، ويدخل حيز الواقع قبل الانتخابات الجماعية المقبلة التي تم الشروع في الإعداد لها على أكثر من مستوى.
تجدر الإشارة بأن الغلاف المالي المخصص لتأهيل المدينة يقارب العشرين مليارا، فإذا ما تم التقيد به كما جاء في الوثائق الرسمية التي قدمت للملك، وإذا عرفت الميزانية المرصودة السلامة في الصرف بعيدا عن أي اختلال، وإذا صاحبت المراقبة النزيهة الأشغال ميدانيا، وإذا حصل تحول ديمقراطي في الاستحقاق المقبل، يمكن الجزم بأن وزان في السنوات الثلاث المقبلة ستصبح قبلة مآت الآلاف من الزوار من المغرب ومن خارجه وستنتعش فيها الحركة الاقتصادية بشكل كبير،مما سيكون له الأثر الايجابي على الأوضاع الاجتماعية للسكان.
لكل هذا ومن أجل وزان لا تسقطوا غصن الأمل من يد أبنائها.