ندوة حقوقية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان بسيدي سليمان
خديجة الرياضي تستعرض المعايير والمرجعيات الحقوقية
أحمد عصيد يحلل أوجه التعثر الديمقراطي
حسان اكرويض يناقش مسببات الفقر
مصطفى لمودن
نظمت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بسيدي سليمان ندوة في موضوع " لا قضاء على الفقر في ظل الفساد والاستبداد"، وذلك بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على الفقر، ساهم بعرض في الندوة خديجة الرياضي رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وأحمد عصيد الذي قدم كباحث، وحسان أكرويض عضو "أطاك"..
قدم مصطفى بريول رئيس فرع الجمعية بسيدي سيلمان للندوة بوقوفه عند ما وصفه بمظاهر اختلالات حقوقية، خاصة على المستوى المحلي، من انتشار البطالة، وتزايد الباعة المتجولين جراء ذلك، واشتغال فتيات من المنطقة في مدن أخرى كخادمات، ومتابعة العمال بسبب العمل النقابي على حد قوله.
أعلنت في البداية خديجة الرايضي تضامنها مع سكان مدينة سيدي سيلمان، وأوردت بعض مظاهر الاحتجاجات على الصعيد الوطني.. لتنتقل إلى الحديث حول المراجع المعتمدة لدى الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لتقييم الحقوق السياسية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المغرب، كمختلف الاتفاقيات الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية منظمة العمل الدولية الصادرة سنة 1919، ومعايير منظمة الصحة العالمية، ومقررات وتوصيات اليونسكو، والإعلان العالمي للتنمية (وهو ليس ملزما)، ومنظمة الإنماء الاجتماعي، اتفاقية حقوق الطفل، اتفاقية مناهضة التمييز ضد المرأة، اتفاقية محاربة الرشوة، ومبادئ أخرى في نفس الشأن قررتها الهيآت الأممية.. وفي نظر رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان كذلك، أن"المغرب ملزم معنويا بكل إعلانات الجمعية العامة للأمم المتحدة"، كما هو معني بضمان الحقوق المدنية وحقوق النساء وحقوق المهاجرين.. لترى أنه بعد مؤتمر فيينا سنة 1993، سيعرف مجال الحقوق توسعا لتشمل الحقوق المدنية والسياسية إلى جانب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهو الأمر الذي سارت عليه الجمعية حسب الرياضي منذ 1994..
لتنتقل بعد ذلك المحاضرة إلى "نماذج من انتهاكات الحقوق"، كاستثناء حقوق الخادمات والمشتغلين في الصناعة التقليدية من "مدونة" الشغل الصادرة سنة 2003، عدم التنصيص على كامل حقوق النساء العاملات، غياب التعويض عن البطالة، قلة المقاولات التي تحترم بنود مدونة الشغل، وقد حصرتها في 15% وممن تشغل أكثر من خمسين عاملا/عاملة، واتهمت الحكومة بغض الطرف عن تجاوزات أرباب الشغل، ولم يتم متابعة أي مسؤول أغلق مقاولة بدون مبرر، أو طرد العمال، واعتبرت محاصرة العمل النقابي بمثابة جريمة، واعتبرت كذلك مذكرة صادرة عن وزير الصحة سنة 2004 تراجعا خطيرا عن مجانية العلاج وانتهاك خطير للحق في الحياة، "حتى أنه في المستعجلات أصبح يؤدى عن ذلك"، وطالبت الدولة بملاءمة القوانين مع العهود والمواثيق والاتفاقيات الدولية.. وتوقفت كذلك عند القضاء الذي اعتبرته حسب قولها "غير مستقل، وغير نزيه، وغير كفء".. لتسرد جملة من الالتزامات الموضوعة على عاتق الدولة، كالامتناع عن عرقلة الحقوق، وحماية حقوق العمال، وحسن الأداء وتحقيق النتائج المرجوة (محو الأمية…). وذكرت أن المغرب يعرف تراجعا في مؤشر التنمية حسب ترتيب صندوق الأمم المتحدة للتنمية رغم "المبادرة الوطنية لتنمية البشرية"، وذا تذرعت الدولة بصعوبات فعليها تقديم المبررات، وهو ما لا يمكن مع استمرار سوء توزيع الثروة، وغياب الديمقراطية. لهذا فالجمعية المغربية لحقوق الإنسان حسب رئيستها، تناضل ضد التراجع عن المعايير المعتمدة، وهي ليست وحدها في ذلك، وتعتبر أن الفقر هو أخطر مؤشر عن تراجع الحقوق، وفي ختام كلتها وصفت حركة 20 فبراير بأنها "قد لعبت دورا أساسيا وهي أمل الشعب المغربي، ونحن نناضل كي تسترجع مكانتها ونضاليتها".
المحاضر الثاني حسان اكرويض، أثار مجموعة من القضايا السياسية والاقتصادية، بعدما ندد بالاعتقال السياسي، وانتقد السياسات التي ينتج عنها الفقر والبطالة وضعف الخدمات الصحية، والردوخ لإملاءات الصناديق الدولية المقرضة للمغرب.. وعارض بشدة إلغاء صندوق المقاصة، واعتبره من "المكتسبات التاريخية للشعب المغربي"، ورأى أن محاربة الفقر لا تتم عبر طرق تقليدية، بل إقرار سياسة ضريبية عادلة، "فهناك حوالي 32 مليار تذهب هباء بسبب الإعفاءات الضريبية"، كما أن خدمة الدين جد مرتفعة، وقد قدرها ب 600 مليار درهم منذ 1985، واعترض على رد الديون لأنها وفقه "غير مشروعة وهي لا تعنينا"، واعترض على توظيف المجتمع المدني للقضاء على الفقر، وعلى الزيادة في الضريبة على القيمة المضافة التي تضرب حسبه القدرة الشرائية للمواطنين، ودعا الدولة لتتحمل كامل مسؤوليتها في القضاء على الفقر، وربط حصول التنمية بإقرار الديمقراطية..
اختار أحمد عصيد لمداخلته محاور لخصها في " رهانات السلطة والنظام، ودور الأحزاب السياسية، وصعود الفاعل الإسلامي، ودور المجتمع المدني"، واستعرض في حديثه الجوانب المتعلقة بكل طرف على حدة، ولعل أهم ما أثار الانتباه وصفه الأحزاب بالحامية للسطلة ضد الشارع أثناء عنفوان حركة 20 فبراير، وقد ضحت الأحزاب بشرعيتها لصالح السلطة، وأثناء مداخلة بعض الحاضرين المتتبعين للندوة، هناك من نبه المتحدث إلى ضرورة الفرز فيما بين الأحزاب، وهو ما اقره بعد ذلك في رده، مستثنيا أحزاب النهج والطليعة والاشتراكي الموحد.. ويرى عصيد أن الحركات الإسلامية استغلت الفراغ الذي تركته الهيئات الأخرى، لتشتغل في عمق المجتمع، مستفيدة من الخدمة التي قدمتها لها الدولة بطريقة غير مباشرة عبر استخدام الدين في السياسة والتعليم والإعلام.. لتنشر الحركات الدينية حسبه وعيا مغلوطا وسط المجتمع، مفاده أن القاضء على الفقر يتم عبر التضامن، عوض الوعي السياسي، وتحديد المسببات، وربط حصول أي تغيير بضرورة ربط الوعي بالسياسة والعمل على المستوى الثقافي.. ودعا مختلف الهيآت الديمقراطية على العمل على وضع آليات التنسيق والاشتغال الجماعي..
وقد ساهم عدد لا بأس به من المتتبعين للندوة بمداخلات قيمة، أبدوا فيها وجهات نظر مختلفة..