السبت، 11 سبتمبر 2010

قراءة في فيلم" فاميلة جنب الحيط"


قراءة في فيلم" فاميلة جنب الحيط"


لقطة من الفيلم

عرضت القناة الثانية ليلة الجمعة فلما تلفزيا بعنوان فاميلة جنب الحيط"، سناريو يوسف كرمي، وإخراج هشام العسري، وبما أنه يتوفر على كثير من مقومات الجدية في التصور والطرح، نعرض هذه القراء الأولية حوله:
يثير في مجمله قضايا جديرة بالنقاش، وباستثناء بعض الهفوات البسيطة، كالصدف العجيبة لالتقاء أفراد بعينهم في كازى الكبيرة، ووقوع أحداث طويلة قبل مجئ الليل، وقصة الذهاب من "ايت ورير" إلى فاس عبر الدار البيضاء (سؤال حول مغزر المنطلق والمسار)، لكن كل ما تبقى جيد، يحيل على السرعة الكبيرة التي تسير بها الدار البيضاء، ليس نحو التقدم طبعا ولكن نحو الاستغراب عن بقية الوطن، ثم هناك محاكمة صريحة لقاطاعات عمومية خاصة جهاز الشرطة، وقد ظهر أنه déconnecté ولا يعرف ما يجري، بل ومسؤول عما يجري… الفيلم جدير بقراءة خاصة سوسيولوجيا ومجاليا وسينمائيا..، وأود تهنئة الطاقم المشرف على الفيلم، فأحداثه تبدو في الغالب مقنعة، اللقطات وزاويا التصويرة فيها دقة مناسبة، حضور أجواء الدار البيضاء، سرعة التنقل، وباختصار فالفيلم بمتابة صرخة (عبر أسلوب مرح) تجاه تنامي الانجراف الهوياتي نحو هاوية يضعف فيها الحس الإنساني بين بشر يجمعهم فقط مكان واسع وقاس. فعن أي حائط يريد الفيلم الحديث (إحالة على العنوان)، هل عن الاختلاف بين المجالات (مديني - شبه حضري)، أم بين الأجيال (الأب والأب ـ الولدان)، أم اختلاف قيمي يجمع عدة مواقف ومبادئ في نفس الوقت ( الطيبويةـ القساوة والعنف) ولعل اعتراف البطل بضعفه وانكشافه في آخر عمره أمام هول وقائع ما كانت لتقع أهم لحظة في الفيلم، حيث يتركز مجمل "الخطاب" le message  ، فهذا الموظف القروي طول حياته وهو خائف، يخاف من كل الكائنات الإدارية ومن نفسه. لكن فرقعة الدلاحة بما تعنيه من رمزية لم تنفعه أمام الشرطة، فقد عاد لعاداته القديمة.. 
مجمل قصة الفيلم تحكي عن داوود الموظف البسيط الذي يتوفر على سيارة قديمة، ولأول مرة سيحل بالدار البيضاء مارا بها، لتضيع منه سيارته ويتيه كل أفراد أسرته (الزوجة، البنت، الولد)، ويعيش كل واحد "محنته" الخاصة بحثا عن الأب الذي ذهب لقتني قنينة ماء ولم يعد! إلا أن يلتقي الجميع لدى الشرطة…
 ملاحظة تشترك فيها أغلب الأفلام المغربية، وهي أنها لا تشجع على المغامرة وحب الاكتشاف.. فعودة الولدين إلى حضن الأم والأب في نظري ذلك تصور غير موفق.. رغم أن الأب ارتأى أن يعود وهو القادم من الماضي إلى الدار البيضاء معتقدا أنه قادر رغم مزاحه على المشاركة في ماراطون وتحقيق أحلامه التي صارت من التاريخ.. بينما كان الإعجاب بالدار البيضاء رغم "محنها" يجب أن يأتي من الولدان/الشابان وقد اكتشفا عالما جديدا مغريا بالعيش والمغامرة، فالحياة مجرد مغامرة لا يجب أن تعاش كما عاشها داوود (محمد خيي) وقد ندم على ذلك بعدما لم يعدم للندم من فائدة 
لقطة من الفيلم

الجمعة، 10 سبتمبر 2010

حرية الإعلام والتعبير محط تخوفات تقرير عن ندوة "منظمة حريات الإعلام والتعبير"


 حرية الإعلام والتعبير محط تخوفات 
تقرير عن ندوة "منظمة حريات الإعلام والتعبير"
 

إعداد مصطفى لمودن 

نظمت "منظمة حريات الإعلام والتعبير" ندوة "الإعلام والسلطة، أية علاقة؟ أية رهانات؟" ليلة الخميس 2 شتنبر بالرباط، وبعد تقديم ذ. علال البصرواي عضو المكتب التنفيذي للجمعية ورقة تقديمية، تناوب على أخذ الكلمة عدة فاعلين إعلاميين ومختصين، كان أولهم ذ. يحيى اليحياوي الباحث في الإعلام والتواصل وقد نشر أزيد من عشرين كتابا في مجالات لها علاقة بالموضوع، ثم أعطيت الكلمة لصحفيين ممارسين ليدلوا بشهاداتاهم، فتحدث توفيق بوعشرين مدير نشر ورئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم المغربية"، وعبد الرحيم تافنوت الذي يشتغل حاليا في القناة الثانية، وعلي أنوزلا الصحفي المتخصص الذي اشتغل مع عدة منابر قبل أن يصدر جرائد كان آخرها "الجريدة الأولى" المتوقفة، ثم أنس بنصالح الذي اشتغل مع الإعلام العمومي في وكالة المغرب العربي للأنباء والقناة الثانية قبل أن يتعاقد مع قناة"الجزيرة". كما تدخل ذ. عبد العزيز النويضي بعدما حضر متأخرا إلى الندوة، وقد تحدث باعتباره رجل قانون ومطلع على عدة معطيات عايشها كمستشار لدى الوزير الأول الأسبق ذ. عبد الرحمان اليوسفي. تطارح الجميع بشجاعة ومسؤولية قضايا تهم حرية التعبير في المغرب، وقد أجمعوا على أن هناك تراجعا في حرية التعبير وأن تضييقا بدأ يمارس على السلطة الرابعة… 
 
محمد العوني رئيس "منظمة حريات الإعلام والتعبير" صحفي بالإذاعة الوطنية بالرباط

 
يحيى اليحياوي:
 
انتقد بحدة الجسم الصحفي في المغرب وطالب بسن قانون واضح للصحافة

  أبدى في مقدمة عرضه غياب عنصر المعادلة (الإعلام السلطة) وهو عدم تمثيل السلطة في القاعة، ورأى أن الموضوع يحتمل عدة قراءات حول "علاقة الإعلام والسلطة" و"علاقة الإعلام بالسلطة" و" وعلاقة الإعلام مع السلطة". وأضاف قائلا:"أزعم أن علاقة الإعلام والسلطة على الأقل من الزاوية النظرية هي علاقة معروفة ووثق لها بدراسات ميدانية، ولم تعد تستهوي الباحثين كثيرا أو بالمرة بالنسبة للغرب". بينما إثارة إشكالية "العلاقة بين السلطة والإعلام" في المغرب تبين على أن هناك حالة من التوتر والممانعة والتجاذب بين الإعلام والسلطة، بين السلطة وبعض روافد الصحافة المكتوبة غير المتحزبة خاصة في السنوات الخمس الأخيرة. وعن مفهوم الاستقلالية قال:"أنا لا أومن باستقلالية وحيادية الإعلام والتكنولوجيا، ولا أومن باستقلالية بعض الإعلاميين عن مراكز النفوذ السياسية والمالية والاقتصادية". وتساءل عن الصياغة المناسبة للإشكالية المطروحة بين الإعلام والسلطة حتى تكون أكثر دقة، معتبرا أنه لا مشكل للإعلام مع المجتمع أو المجتمع مع الإعلام، حتى لا يتم تعويم الإشكالية أو تمييع المشكل، "بل هناك علاقة تجاذب بين الإعلام والسلطة"، والتجاذب الحقيقي الموجود بين الصحافة غير المتحزبة والسلطة.. أما التلفزيون فهو محتكر من قبل السلطة وهو نموذج احتكار الصورة من قبل السلطة التي تحتل الصورة عبر القنوات الماسخة كما قال. وعليه هناك أطروحتان للتدقيق في الخلفيات والمرجعيات.
 ـ الأولى وهي عدم نعت الصحافة بمهنة المتاعب (رغم تسليمه نظريا بذلك)، ففي المغرب لا توجد صحافة التحقيق، بل لا توجد صحافة غير متحزبة لها مراسلين في مناطق متوترة كالصومال أو أفغانستان أو فلسطين.. وهم غالبا(الصحافيون) لا يقفون في وجه السلطة.
ـ الثانية وهي أن الفاعل الإعلامي لا يجب أن يعتبر نفسه ليس كبقية الفاعلين وبالتالي لا تجب محاسبته لأن هناك من يزعم أن ذلك يدخل ضمن حرية التعبير (رغم تسليمه بذلك من الناحية الحقوقية)، لكن من جانب الواجبات فالصحفي يعطي معلومة حقيقية ودقيقة وموثقة.. وعليه فمهنته كباقي المهن.
ورغم نسبية العلاقة بين الإعلام والسلطة فإن الإعلام هو الحلقة الأضعف في هذه المعادلة، ولذلك مداخل ومخارج متعددة…

 من زاوية اهتمامه بالحقل المعرفي كما قال يرى الباحث يحيى اليحياوي للخروج من حالة الاحتقان القائمة بين السلطة وبعض روافد الصحافة المكتوبة غير المتحزبة، هو أن كل جهة تقوم بعملها، فالسلطة لا يمكن أن تسلم هذا الحل الحساس خصوصا بالنسبة للصورة (التلفزة) وبعض المنابر، وأضاف في نفس الإطار:"أعتقد كمهتم وأريد أن أكون عمليا، اعتقد أنه لتجاوز حالة الاحتقان والممانعة…"يجب سن قانون للصحافة واضح، تكون غايته هو تأطير وظيفة الإعلام، تحديد الممنوع والباقي كله متاح، وأن يكون القانون توجيهيا وليس سالبا للحرية، إلا إذا وقع تطاول على حرمة الأفراد والجماعات واستعمل السب والقذف.. ثم وضع قانون أسمى للنفاذ إلى المعلومات، وذلك للوصول إلى الأرشيفات وبنوك المعلومات، وبالتالي سنخرج من المزايدة والتظليل والسقوط في متابعات قضائية مجانية.  
 فما المطلوب من الإعلام؟
 مطلوب من الإعلام بمختلف أشكاله أن يخرج من الاعتقاد الكاذب والخاطئ بأنه سلطة رابعة، أو بعض المدونين بأنهم سلطة خامسة.. لا يمكن للإعلام أن يعوض الدولة أو الأحزاب أو النقابات… لا يمكن لبعض الجرائد "المستقلة" أن تقوم بمعاداة بقية السلط والأحزاب والنقابات… ثم الخروج من ادعاء الاستقلالية،"الدولة تعرف كل شيء، تعرف من يمد بالمعلومة، ومن يمد بالمال، ومن يحكم عليه ولا يدخل السجن، ومن عليه غرامات ولا يؤديها، ومن يمده أحيزون بالإشهار…" ويجب أن "نخرج من بعض الممارسات العنترية لبعض الصحفيين، هناك من يبحث عن الإثارة ليدخل السجن، ثم يطلب الاستعطاف والعفو، وهو يقول إنه يمثل السلطة الرابعة! كان من الأول عدم الدخول في هذا من قبل هؤلاء… من هنا يكون الوضع الاعتباري للصحفيين غير سليم". وختم مداخلته باستنتاجه أن "الرهان مستقبلا سيكون على المهنية وأخلاقيات المهنة" مذكرا الإعلام بإدراك حدوده كما قال، بحيث منذ أربع أو خمس سنوات "الإعلام لا يدرك حدوده لا بالنسبة للأحزاب ولا للنقابات ولا للسلطة…"

وقد أجاب في حصة الردود عن بعض مداخلات الحضور أو ما أثاره بقية المساهمين في الندوة، فتحدث عن قرارات تؤخذ من قبل الدولة دون أن"يحتج أو يعارض" أحد،  ف"الكل طبل للظهير المنشئ الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري"، وأكد قوله بأن كل الصحف الحزبية وغير الحزبية تتسلم المال من جهات معينة وبأنه ضد دعم الدولة للصحافة، وبأي حق تعطيها من المال العام وهناك من لا يبيع حتى عشر أو خمسة أعداد؟ وأضاف بأن هناك خلل في الجسم الإعلامي ولم يعجبه ما وقع من خصامات ومشادات بين الصحافيين..كما أنه ـ كما قال ـ ضد أن تكتب أخلاقيات المهنة، وتساءل عن جدوى الإعلام عموما في مجتمع لا يقرأ، عن سؤال من أحد المتدخلين حول إزدواجية الخطاب من قبل النخبة المغربية حيث أنها تتحدث بمعيارين مختلفين؛ ففي الندوات الخاصة تكلم بشفافية ولما تمر بالإعلام العمومي تظهر أكثر لطفا ووداعة، أجاب يحيى اليحياوي بأنه لا يتعامل مع التلفزة المغربية، ويتحدث فقط في برامج محمد العوني عبر الإذاعة الوطنية.. ليختم بقوله إن الموضوع لا يحتاج إلى تفكيك، بل إلى وضع بدائل، ورد المسؤولية إلى الصحفي، ودعا إلى الاستفادة مما جاء به الجابري حول "التكتل التاريخي" أو أي شيء للخروج من هذا الاحتقان.  
ذ.عبد العزيز النويضي:
 
الإعلام العمومي لا يحترم دفتر التحملات ودعم الصحف لم يعد شفافا

اعتذر في البداية للحاضرين بسبب تأخره الناتج عن استغراقه في نوم لم يحسب له، ولم يستيقظ رغم وضعه منبها كما قال!.. فقدم عرضه بعد كل العروض الأخرى، واختصاره الشديد أثر على ما كان سيفيد به.. فتحدث في البداية عن أدور وسائل الإعلام في الإخبار والترفيه وتكوين المواطن والرأي العام، مما يقود إلى تطور المجتمع والديمقراطية.. وركز على ضرورة "واجب حماية التعددية" وإتاحة الفرصة لجميع التوجهات كي تعبر عن رأيها، ومن واجب الدولة تنظيم ذلك وضمان حرية الصحافة والإعلام، عبر مجموعة من الإجراءات منها حماية حقوق الآخرين وسمعتهم، وحماية المجتمع ككل.. كمنع نشر مجريات التحقيق ومنع نشر معلومات تمس الأمن بالمعنى الدقيق، وأكد أن ذلك يتم عبر قوانين الصحافة وحدها، وتحدث عن الفترة التي عاشها كمستشار لدى الوزير الأول الأسبق ذ. عبد الرحمان اليوسفي، خاصة ما سماها "معركة حول إصلاح الصحافة"، ولاحظ دفاع الوزراء عن الإصلاح بما فيهم الأحرار لأنهم قادمون من صناديق الاقتراع وسيحاسبون، وأضاف أن القانون كان يناقش بتدقيق، وجاء فيه إقرار المنع والتوقيف من قبل القضاء، يمكن للداخلية حجز عدد واحد فقط، وأضاف أن من كان يمانع هي وزارة الداخلية والعدل والأمانة العامة للحكومة بمبرر حماية الدولة وأن المجتمع لم يتقدم بعد. وقال إن السلطة الحكومية لم تكن منسجمة، فقد كانت مع الوزير الأول أربع حكومات، والداخلية وحدها يمكن أن تحكم المغرب، وكان هناك تشويش، وقد ذكر العربي المساري وزير الاتصال آنذاك أن الإعلام مسألة بسيطة، لكن ظهر بعد ذلك ظهر العكس… ليتوقف المحاضر بدوره عند وسائل تحكم الدولة في الإعلام المكتوب حسب ما جاء في تقارير من منظمات دولية (…) وقد ذكرت هذه التقارير عشرة يطبق منها ثمانية في المغرب، أولها مراقبة الولوج إلى الصحافة، فرغم أن ذلك يبدو سهلا ومتاحا عند تأسيس منبر إعلامي، لكن يمكن منع ذلك بذرائع أخرى، فأبو بكر الجامعي خاض إضرابا عن الطعام من أجل ذلك، وعلي لمرابط منع من الممارسة لمدة 10 سنوات لأنه كان يريد إخراج جريدة.
 وثانيها ما سماها "التعسف بوضع القيود بالقانون… ثالثها "توجيه السلطة القضائية" رابعها عدم تكافؤ الفرص للوصول إلى المعلومة.. لكنه لم يضف بقية النقط الأخرى، لينتقل إلى ملاحظة ثانية مفادها قوله إن "الإعلام السمعي البصري تحت الوصاية السياسية… فرغم وجود دفاتر تحملات تفرض عليه أن يكون خدمة عامة ويعرض وجهات نظر الطيف السياسي، لكنه لا يقوم بذلك"، و"الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري" لا تستطيع فعل أي شيء لأنها أضعف كما ذكر. 
 حاول في حصته من خلال الردود تدارك ما فاته من تدقيق أكثر حول مواقفه، فبالنسبة لتمويل الصحف يراه "إيجابيا إذا كان يؤدي إلى تطوير مهنة الصحافة وحماية الجانب الاجتماعي للصحافيين"، لكن استدرك بالقول:" لكن لم يعد التمويل شفافا كما كان في عهد نبيل بن عبد الله (وزير الاتصال السابق)، وتساءل عن إعطاء دعم لعدد من المنابر التابعة للدولة مثل Le Matin، وصحف حزبية لا تتوفر على الشروط الموجودة في العقد، رغم أن هذا العقد فيه عيوب كثيرة ولا سيما عدم مساعدة الصحف الناشئة، لأن القوية منها لا تحتاج إلى دعم : مثل"الصباح" وليكونوميست كما قال ذ. عبد العزيز النويض، أما القناة الثانية فقد وجدت حسب نظره لتعزيز السياسة الخارجية بالمغرب خاصة بحوض الأبيض المتوسط وإبراز "كوارث الجزائر" وهو يعتقد أن لشيراك دخل في الأمر بالاتفاق مع الحسن الثاني، (في رده عن رأي أنس بصالح الذي يرى أنها جاءت لخدمة فكرة التناوب) لكن هذه القناة الآن أصبح يتحكم فيها المستشهرون وهي عمومية ولا تتسلم الدعم! وحول مفهوم"الانتقال الديمقراطي" قال إن ذلك لا ينطبق على المغرب، كما "لا يمكن من الصحفي أن يصبح سياسيا، وهو فقط يعطي الخبر والرأي (الرأي حسب المعايير الدولية)، إذا كان عدد القراء هو 300 ألف(يخالف توفيق بوعشرين)، فهذا لا يستهان به، هناك تعطش من قبل عدة فئات للقراءة، وهناك نخبة مهتمة، وإلا "لماذا ضاق صدر الدولة؟" يتساءل  ذ. عبد العزيز النويضي.. فعلا ضعف عدد القراء يبين الفقر وهذا من مسؤولية الدولة، وكذلك قتل بعض المنابر مما يقضي على التعددية، الأحزاب تتحمل مسؤولية ولكن ماذا نفعل نحن كصحافيين وكمواطنين؟ وهناك أحزاب عندها شرعية وتناضل  وكل الظروف ضدها لتكون في تلك الحالة التي هي عليها، والتعميم يخدم الجهات التي لها مصلحة في ذلك (رد عن بنصالح) وتوجه بسؤال عن جدوى نقابة الصحافيين، بقوله:"يجب اتخاذ معركة لدمقرطة هذه المؤسسات" وفي حالة اليأس كما ذكر يمكن للصحافيين تأسيس أجهزة تمثيلية أخرى وتفادي تكرار الأعطاب.. وحول بعض الممارسات الصحفية قال:" يجب التصدي لتحول بعض الصحف لوسائل قمع خطيرة ضد الصحافة، وهذه صارت أخطر، فهي منابر اكتسبت توسعا، ولكن بالفن ولات في خدمة القمع"…


الشهــــــــادات
توفيق بوعشرين:   
أنا متشائم جدا بمستقبل الصحافة الحرة بالمغرب

فضل في البداية التعليق على ما جاء به يحيى اليحياوي بقوله:"مداخلة يحيى اليحياوي مستفزة، ولكن الاختلاف في الرأي هو ما يخلق النقاش، ولكنه كان قاسيا في وجه الصحافيين، وهذا ليس بسوء نية، ولكن لعدم الاطلاع عن قرب، وقد أخطأ في عدد من القضايا". 
علاقة الصحافة بالسلطة في نظره علاقة معقدة في كل الأنظمة حتى الديمقراطية منها، وقد أعطى أمثلة من بريطانيا أثناء حرب الخليج، ونشر وثائق الحرب، والحديث عن فضيحة أبو غريب وكيف تم تعذيب السجناء، وكيف تدخل الرئيس الفرنسي الحالي في  قضايا لها علاقة بالإعلام والنشر الإلكتروني والتحكم عبر الإشهار في القنوات التلفزية..
واعتبر التوتر في العلاقة مسألة طبيعية، لأنه في نظره هناك سلطتين، وقد دافع على أن الإعلام سلطة رابعة، لكن رمزية وليست كبقية السلط، وأداؤها له تأثير في الحقل العام، والعلاقة متبادلة بين السلطة والإعلام وكل طرف يحتاج إلى الآخر، لكن عندما توفر الديمقراطية "يسمح بالاشتغال في ظروف عادية"، وعندما تغيب "يبدأ الحصار". وتحدث بنبرة حادة عن قول البعض بأن الصحافي يمارس السياسة بقوله:"عندما يعبر الصحافي عن الرأي يقال ها هو تيدير السياسة"، وهل كل من يقوم بأشغال أخرى (الباحث..) يمارس السياسة؟ ويرى بأن رغبة الوصول إلى السلطة في الحكومة أو البرلمان قليلة لدى الصحافيين، فأبو بكر الجامعي لم يفكر في الترشيح، و"أنا لم أفكر في ذلك، أنا أقول رأيا فيما يجري". واعتبر اقتناء الصحف من طرف المواطنين بمثابة استفتاء يومي،ليثير تحكم الدولة في الإعلام بل وتفرها عليه، رغم أن ذلك غير ممكن في الدول الديمقراطية، كما طرح مشكل تطبيق القوانين (متقدمة كما قال)من طرف القضاء وقد اعتبره "مشكل"، وأضاف أن الدولة "خلال السنوات الأخيرة لا تحترم هذا القانون وشكلياته… ولم يبق هناك تحول أو انتقال ديمقراطي"، وتساءل عن طبيعة "التراجع الموجود في المغرب، في الوقت الذي لا يوجد فيه توثر مع أحزاب المعارضة" ولا توجد قوة إعلامية مؤثرة، كل ما هناك 250 ألف قارئ يوميا!  ووقف عند معاملة الدولة لعدد من المنابر الصحفية الوطنية وقناة "الجزيرة"، وأصبحت لدى الصحافيين رقابة ذاتية أكثر، ويعتقد أن الصحف تواجهها عدة سلط ومراقبات مختلفة، ليس من قبل القضاء وحده الذي وصفه ب"الأرحم"؛ من ذلك ما أسماه "الرقابة الناعمة" عبر "منع الإعلانات عن الجرائد"(وصفها كذلك بالإعلانات المسيسة)، و"تدخل السلطة لوضع الخط التحريري"، عوض أن تترك الفرصة للصحافيين كي يمارسوا مهنتهم، وتوجه بسؤال إلى السلطة قائلا:"لماذا لا تحرص الدولة على تطبيق أخلاقيات المهنة في القنوات العمومية"؟ "أهم حق هو حق المواطنين في معرفة ما يجري" مادامت عدة إحداث لا تذكر بالتلفزة والراديو وضرب في ذلك مثلا بما تناقلته عدة وسائل إعلام حول اتهام المغرب بممارسة التعذيب بالتوافق مع أجهزة أمريكية، متسائلا عمن يشوه سمعة المغرب هل من سمح بذلك أم من نشر الخبر،وألا يمس هذا بمصالح المغرب العليا؟ وهو يرى بأن "التقدم الحاصل في الديمقراطية لم يحصل مثله في حرية التعبير"، ليثير من جديد القضاء معتبرا إياه غير حكم وفاسد ويخضع للتعليمات والتوجيهات كما قال.
 وقبل أن يختم مداخلته قدم استنتاجه الخاص باعتباره عاملا في الحقل الصحفي بقوله" أنا متشائم جدا بمستقبل الصحافة الحرة بالمغرب". وقد غادر القاعة بعد إلقاء كلمته بقليل. 

عبــد الرحيم تـفنــوت  
 
لمن نعلن الولاء في هيئة التحرير مع نظام الغموض السائد؟

عمل في جرائد وطنية كالصحيفة الأسبوعية،وأصدر جريدة Casablanca، ليشتغل بعد ذلك في القناة الثانية، وقد بدأ تدخله بقوله إنه استمتع بما جاء به يحيى اليحياوي وسمع باهتمام إلى ذلك، وأقر بأنه هناك مشكل في الإعلام مع الدولة ومع المجتمع… وربط علاقة الإعلام بالسلطة باللحظة التأسيسية التي يعيشها المغرب في نظره، خاصة بالنسبة للتأسيس للديمقراطية، وذلك يفرض حق الجميع أن يعبروا عن رأيهم وكيف يرون ذلك(التأسيس)، وأضاف قائلا:"هذه لحظة تأسيسية في المغرب ولا يمكن بناء دولة تقول إنها ديمقراطية بدون وعي نقدي"، وأحد وسائل إنتاج فكر النقد هو الإعلام والصحافة التي هي السلطة الرابعة، ولو تطلب الأمر، علينا أن ندعي أنها سلطة رابعة.. عندما نتحدث عن السلطة، نحن أمام سلطة الملك. واختزل أوجه الصراع حسب نظره منذ 1958 بين المؤسسة الملكية من جهة والأحزاب والصحافة المستقلة من جهة ثانية… ودعا لإعمال فكر نقدي محلي في الموضوع"لاستخراج القواعد"، ثم اللجوء إلى "الجانب النضالي"، ورأى أن "هناك عدد من الفاعلين لم يعودوا يناضلون…"، وحول الإعلام الرسمي قال بأن حتى المنطق لم يعد يحترم في هذا المجال، وأبدى ملاحظات حول التغطية الإعلامية لزيارة الملك للدار البيضاء، وقال في هذا الصدد:"إما أن نطبل أو نصمت"، بينما هناك مشاكل حقيقية لا يتحدث عنها أحد..
وعن قصور الإعلام في إثارة القضايا الملحة تساءل قائلا:" عندما نتحدث عن مراكز المال والنفوذ، ليس هناك عدم تحقيقات، ولكن هناك حصار"فالتحقيقات ليست رغبة خاصة من طرف الصحفي، بل هي قضية مجتمعية، وضرب مثلا بعدم معرفته بما يجري في صندوق الإيداع والتدبير مثلا، وأضاف أن الصراع ليس كما تحاول وضعه المؤسسة الرسمية وبعض الزملاء، بل يجب أن "نعفس على السبع" كما قال، وأكد من جديد أن الإعلام عنده مشكل مع الدولة والمجتمع، ويعتبر أنه ليس مطلوبا وضع خط تحريري وطني شوفيني نعته بكلب الحراسة، بل يجب وضع تصور مهني وحقوقي، وممارسة الإعلام لدوره التثقيفي والمعرفي وضمان حرية الرأي وتعدده، ووصف الإعلام العمومي بأنه "إعلام تسلطي"، أو إعلام مخزني رسمي، ورأى مثل هذه "النعوتات فيها مشكل"، ففي المؤسسة التي يشتغل بها يقول:"نطرح سؤالا بليدا في هيئة التحرير، نقول لمن نقدم الولاء؟" لكنهم لا يلقون جوابا، ووصف ذلك ب"نظام الغموض" السائد، وأضاف:"لأنهم إذا وضحوا نطالب بتدقيقات ورفع الغموض"، عندما نتفاوض نجد وزير الاتصال بدون صلاحيات، وعند الحديث سياسيا أو إداريا مع مدير عام للقناة أو أي مؤسسة  نجد أن فوق كل مدير مدير آخر… ولا أحد يجيب، ووصف ذلك ب"نظام زراعي عتيق!" يتحكم فيه المزاج والنفاق، ووصف من أوكل لهم مهمة الإشراف على الإعلام بالأميين، وذكر أمثلة حيث أن هناك  من لا يعرف بعض الرموز الوطنية كابن سعيد آيت يدر ومن كان مع اليازغي في السجن كما قال. ودعا إلى عقلة الإعلام واتهم بعض الأطراف دون تحديدها بتكوين ثروة شخصية من مال الدولة رغم صناعة الرداءة من قبلهم، وتساءل عن جدية الدولة وعن وجودها أصلا.. وقال إن "مدير القطب العمومي لا يريد القناة الثانية" وهو يكتفي بالقنوات السبع الأخرى، ليخلص إلى قوله "مملكة الإعلام مملكة معطوبة"، وربط أي حل بالإصلاح الديمقراطي والنضالي.(وقد غادر بعد ذلك دون أن يستمع لمداخلات وتساؤلات المتتبعين داخل القاعة)
 
عـلي أنـوزلا:
وصلنا إلى خريف الصحافة المستقلة

طلب في بداية تدخله إبداء ملاحظة نظرية حول علاقة السلطة بالصحافة، وقد وصفها بالملتبسة (العلاقة) منذ ظهور الصحافة، وصنفها إلى ثلاث أنواع من العلائق حسب طبيعة الأنظمة، وذهب إلى أن الصحافة هي فعلا سلطة رابعة وهذا دورها ويجب أن تكون مضادة.
وقد ظهرت كسلطة رابعة في القرن 18م. بانجلترا عندما كان الصحافيون يجلسون في مكان خاص بهم داخل مجلس البرلمان، وكانت لهم سلطة مضادة لبقية السلط، سلطة رمزية وسياسية.
أنواع العلائق ثلاث:
ـ علاقة خضوع، تكون الصحافة تابعة للدولة كما هو عليه الحال في الدول الشمولية.
ـ علاقة تضاد وصدام وصراع في الدول الديمقراطية والليبرالية، حيث حرية التعبير وممارسة السلطة المضادة، وتعتبر الصحافة محامي الشعب في الدول الأنجلوساكسونية..
ـ علاقة "تعاون" (معنى قدحي) كما توجد في الدول النامية…
الديمقراطية تعني حضور البرلمان والنقابات والأحزاب والحق والقانون..وذلك أساس النظام الديمقراطي، وهناك دول فيها انتخابات كسوريا وتونس، لكن علاقة الصحافة بالسلطة في هذه الدول هي الأكثر التباسا، فتتحول الصحافة إلى خدمة السلطة، وتستغل فقر وأمية الشعب لتتحول الصحافة إلى أداة للتوجيه والأدلجة.  
وبما أننا نتحدث عن المغرب ندرجه في هذا النوع الثالث، لكن الصحافة في المغرب لم تستطع في يوم من الأيام أن تشكل سلطة، حتى عندما كانت توجد صحافة حزبية قوية، لأنها كانت في علاقة مع الأحزاب وليست سلطة قائمة بذاتها، لكن بدأت تظهر بوادر ذلك عند ظهور"الصحافة المستقلة"..وقد أرجع ظروف وجودها إلى الحاجة إليها أثناء فترة انتقال الحكم بين الملك السابق والعهد الجديد، و"كان من ضرورات ذلك الانتقال فتح المجال للرأي والتعبير" في ظل ما يعرف بحكومة التناوب والتوافق، وانتقال سلس للسلطة من عهد لعهد، وأعطى مثلا بجريدة "لوجورنال" التي لم تكن نابعة من  حاجة لدى المجتمع، بل كانت من إيحاء جيهات رسمية، وهذا من ضعف هذه الصحف كما قال، وافترض لو كان لها رأي وتعاكس السلطة وكان لها صدى لدى المجتمع فإن هذا الأخير كان سيحميها.. اكتشفت السلطة أن هذه الصحافة انتهى دورها داخل المجتمع، لما استعاد الحكم في العهد الجديد ضبط مجالات تدبير شؤون الحكم من خلال المجال السياسي وتدجين الأحزاب السياسية.. وجدت الصحافة نفسها وجها لوجه مع سلطة المواجهة، سلطة القصر، وهو ما سماه علي عمار سوء الفهم الكبير.  
في وقت كانت السلطة في حاجة لصحافة مستقلة للترويج لصورة الحكم وضمان الانتقال.. ولما أصبحت هذه الصحافة تقوم بأدوار مزعجة، وصلنا إلى خريف الصحافة المستقلة، وقد بدأ مع إغلاق "لوجورنال" وما واكب ذلك من محاكمات.. ما يعتبر إيذانا بنهاية عهد فترة الصحافة المستقلة.
وأخشى ـ يقول أنوزلا ـ  أن يكون هذا انحراف نحو تأسيس حكم تيوقراطي لا يريد أصواتا مزعجة، ونخشى ألا يُسمع صوت من يدق الجرس في وجه هذا الحكم، ونتمنى ألا يصل هذا الوقت الذي لا تكون فيه أصوات حرة، وأن تظل الصحافة المستقلة قادرة على أن تنبه إلى هذا الانحراف. 
  أجاب في حصة الردود عن بعض مداخلات الحضور أو ما أثاره بقية المساهمين في الندوة فأكد على أن الحديث عن الاستقلالية يعني الاستقلالية عن الدولة وعن الأحزاب وعن السلطة.. ورفض ما أسماه "الاتهامات المجانية" (في إشارة إلى بعض الآراء حول الاستقلالية والدعم، خاصة أراء يحيى اليحياوي وقد وقعت مشادة مباشرة بينهما)، وأضاف بأن في ذلك تعميم غير مبرر، و"مسألة الأخلاقيات" يجب أن تكون في أي مهنة، ولا تثار فقط عندما نريد معاقبة بعض الصحفيين.
وقال إنه حتى في فرنسا هناك دعم للصحافة، و"أنا لم يسبق لي أن تلقيت دعما"، ولماذا لا نتحدث عن الدعم المقدم للإعلام العمومي؟ وقال كذلك أنه سبق أن أثار رفقة محمد حفيظ وأبي بكر الجامعي ما مدى شرعية المطالبة بالدعم للصحف، ولم يكن عندنا رفض، ولكن يجب أن يكون ذلك وفق أسس الشفافية، حتى لا نُعتبر كمن يقبض رشاوى والمال العام دون حق.. وحول الإعلام الإلكتروني ذكر بأنه لا ينتقص من قوته واعتبره سلطة خامسة من جانبه، وأضاف بأن رواد الفايسبوك هم أكبر حزب مغربي وقد وصل عددهم إلى 3 ملايين، ورأى بأن مستقبل الإعلام في الإعلام الإلكتروني.

أنـس بــنصـالـح: 
 

السلطة لم تعد تهتم بصورتها في الخارج ولم يعد يزعجها أن تصنف ضمن البلدان التي تضيق على الحريات

هو الآن معطل كما قال محمد العوني في تقديمه سبب عدم تجديد اعتماده من طرف وزارة الاتصال، ونفس الشيء كذلك بالنسبة لمحمد البقالي وهما معا متعاقدان مع قناة "الجزيرة" القطرية، وذكّر رئيس "منظمة حريات الإعلام والتعبير" الحاضرين بالقرار الحكومي القاضي بمنع كل القنوات الأجنبية من التصوير خارج الرباط إلا برخصة خاصة!
علق أنس بصالح في بداية تدخله بقوله إن الاحتجاج عن واقع مهني رديء، وأن سبب الهجرة إلى الخارج يرجع لما ينغص الممارسة في البلد، وأضاف بأن هناك علاقة متوترة بين الإعلام والسلطة، وذلك من نتائج سوء تدبير الانتقال الديمقراطي، وقد تم استغلال الإعلام سياسيا لخدمة أغراض السلطة في الزمان والمكان، وتم التراجع عن كل المكتسبات بعد ذلك.. فالإعلام تم توظيفه لأغراض الانتقال، وحالة الإعلام مؤشر فعلي على هذه الحقيقة، الدولة توسلت بالإعلام ومنحته مساحة من الحرية حتى تروّج على أن البلاد تعيش حرية، وأن الإعلام يشتغل في إطار ديمقراطي، لكن بعد 10 سنوات وجدنا أنفسنا أمام حائق جديدة.  
ـ هناك شيطنة الإعلام، لا أريد أن أدخل في توصيفات، ولكن هناك ما يؤكد ذلك على الأرض.
ـ الإعلام وجد نفسه بحكم الطبيعة الانتقالية يطلع بدور المعارضة في غياب معارضة حقيقية، بعدما تحولت المعارضة إلى السلطة والكراسي الوثيرة. وقد وجد الإعلام نفسه يقوم بدور المعارضة قصرا، بينما دوره هو الإخبار.
ـ الإعلام العمومي كان له دور مهم في الانتقال، فالقناة الثانية مثلا وجدت بقرار سياسي لمصاحبة الانتقال الديمقراطي وإتاحة النقاش(ما لا يوافق عليه عبد العزيز النويضي). ولما استنفدت القناة مهمتها لم تعد تعلب هذا الدور، وأصبحت نسخة هجينة للقناة الأولى، وهي تعيش حالة من الاندحار المهني.. وأعطى معلومة من داخل الدار توضح خلفية التحكم، بحيث أن القناة قررت استضافة أحد وجوه اليسار بعدما تشكل حزب سياسي يحمل اسم "اليسار الموحد" فوقع الاختيار على أحمد حرزني(الرئيس الحالي للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان)، وفرض بالقوة رغم معارضة البعض..
 واسترسل في سرد بعض الحقائق (كما طلب منه أثناء التقديم) بقوله إن الإعلام العمومي لعب دورا خطيرا في الانتقال الديمقراطي، وقد اصطف إلى جانب قوى معينة، ووقع استبداد وشط في السلطة في إطار معركة بين متصارعين، وكان التلفزيون ملحقة لوزارة الداخلية، وتم تصريف مواقف سياسية وتصفية حسابات سياسية، وقد كان أحد جيوب المقاوم، ومن هنا نفهم قوة الإعلام والسيطرة على المعلومة، لقد كان يشوش على الانتقال الديمقراطي، لكن من كان وراءه ومن المستفيد بخلاف ما كانت تدعو له الدولة؟ فهل نحن أمام عدة سلط متعددة؟
ومن خلال سياق حديثه تبقى نفس الممارسات كذلك بوكالة المغرب العربي للأنباء التي اشتغل فيها ما بين أواخر 1994 ويولوز 2000.
وفي خضم حديثه عن تجربته في "الجزيرة" وصف الواقع المغربي بالردة الحقوقية، واعتبر ذلك نتيجة قناعة لدى السلطة، مفادها أنها لم تعد تهتم بصورتها في الخارج، ولا ما تكتبه المنظمات الحقوقية، ولم يعد يزعجها أن تصنف ضمن البلدان التي تضيّـق على الحريات… ونعت هذا التراجع بالإساءة إلى التجربة ككل، ورأى بأن التعددية الحزبية والإعلامية هي تعددية شكلية، وفي ظل هذا الجو المشحون والمحتقن، الدولة لم يعد بإمكانها الاطمئنان لهذه العناوين (الصحافة) وبالتالي لجأت إلى التضييق، وخلص إلى أن "الدولة تعيش حالة من الإفلاس"، واستدل على ذلك بأمثلة منها عدم القدرة على رد الاعتبار للعمل السياسي… وفي نفس السياق وصف تجربة الانتقال الديمقراطي بالمنقوصة، بحيث تم التراجع عن كثير من المكتسبات، وقال عن الإعلامي العمومي إنه ممخزن وحربائي وممانع وهو ضد كل تغيير جوهري.
وعند رده عن التساؤلات شاطر البعض تشاؤمهم كما قال حول البدائل المكنة على المستوى العملي، واعتبر على أن القصور كذلك نابع من الفاعل السياسي، وتساءل كيف يمكن أن نطلب من الصحافة أن ترتقي في مهامها، وفي نفس الوقت لا يوجد حزب مطوق بسند شعبي؟.. (ما اختلف معه فيه كذلك عبد العزيز النويضي).
ووصف الدولة بانفصام الشخصية في الإعلام، ففي الوقت الذي سمحت بإصدار عناوين تطرح مواضيع بجرأة، وهي نسبية كما قال، لكن لم ينعكس ذلك على مستوى الصورة (التلفزة)، فالإعلام التلفزي لم يواكب الطفرة، والدولة تخاف من صدمة الصورة، قوة الصورة أقوى من المكتوب.  
 

خلاصة

تجدر الإشارة أن ذ. علال البصرواي عضو "منظمة حريات الإعلام والتعبير" قرأ ورقة تقديمية باسم الجمعية، تحدث فيها عن أوجه وآليات السلطة المواجهة للإعلام، واستعرض الحاجة إلى الإعلام ومتطلبات ذلك والعراقيل التي تواجهه، من ذلك انغلاق المحيط ونقص الوعي في المجتمع والنخبة، نقص في تطارح القضايا، وضعف الجسم الإعلامي نفسه، وأزمة الفعل الديمقراطي، وطغيان التدخل البوليسي والأمني… واعتبرت الورقة أن كل أشكال الوصاية دليل عن العجز في التواصل.  

 
علال البصراوي، عضو "منظمة حريات الإعلام والتواصل"

وكانت مداخلات المتتبعين من القاعة من طرف صحافيين وباحثين ومدونين تعبر عن القلق من الظروف الجديدة التي تسعى للحد من حرية التعبير، كما طرح البعض تساؤلات عن الأفق والممانعة الممكنة… وقد امتلأت القاعة المخصصة للندوة عن آخرها.
وقد تأسست ""منظمة حريات الإعلام والتعبير" في 10 أبريل 2010 بالرباط من طرف عدة فاعلين إعلاميين وجمعويين وحقوقيين وباحثين.. وهي تهدف حسب قانونها الأساسي إلى الدفاع عن المشتغلين بالإعلام وضمان الوصول إلى المعلومات والتحسيس بالدور الإيجابي لذلك، و"العمل على تطوير المنظومة التشريعيةلوسائل الإعلام والصحافة، وإلغاء كل ما يمس باستقلالية الصحافيين والإعلاميين وحريتهم خاصة العقوبات الحبسية والغرامات والتعويضات المبالغ في قيمتها" 
ــــــــــــــــــــــ 

الأربعاء، 8 سبتمبر 2010

بين ذ. سعيد لكحل وذ.عبد الرحمان بنعمرو اختلاف حول خلفيات مراسلة مؤسسات دينية رسمية من أجل اللغة العربية


بين ذ. سعيد لكحل وذ.عبد الرحمان بنعمرو
اختلاف حول خلفيات مراسلة مؤسسات دينية رسمية من أجل اللغة العربية 
  
ذ. سعيد لكحل           ذ. عبد الرحمان بنعمرو

ذ. سعيد لكحل ينتقد لجوء عبد الرحمان بنعمرو إلى طلب استصدار فتوى من المجالس العلمية من أجل الدفاع عن اللغة العربية ضد الدولة، ويعتبر أن ذلك سيفتح المجال لولاية الفقيه عوض ولاية الأمة، وأن هذا الموقف مخالف لتوجهات اليسار ودولة الحداثة، فكتب تحت عنوان"هل ستصير الفتوى سلاح اليساريين؟"…وفي رده المعنون ب " عندما يكون التضليل والجهل بالحقائق وبالقانون من أسباب محاربة اليسار" يرى ذ. عبد الرحمان بنعمرو أن مرجعه فيما ذهب إليه هو الدستور والقانون، وهو فقط أراد معرفة رأي المجلس العلمي الأعلى والرابطة المحمدية للعلماء ولم يكن راغبا في فتوى رغم تأكيده على أن المجلسين يدعمان اختيارات الدولة لاستغلال الدين، وليس من اختصاصهما إصدار قانون أو مرسوم، وهدف كذلك إلى الإشارة إلى كثير من التناقضات التي يحبل بها الواقع بين القوانين والممارسة، وتعرض في الختام إلى العراقيل التي تحول دون استعمال العربية وذكر ببعض المطالب في ذلك… ارتأينا في مدونة سيدي سليمان أن نطلع قراءها على موضوعين أثارا نقاشا واسعا على صفحات أحد المواقع الاجتماعية (كنا وراء الإشارة لذلك)، اختلفت الردود بين مفسر ومعارض أو مدافع عن هذا الطرف أو ذاك  في فضاء يتيح "الحرية المطلقة" للإدلاء بالرأي.. وللتذكير فمعروف عن الأستاذ سعيد لكحل رده عن طروحات بعض الجماعات "الدينية" وتفكيك خطابها، بينما الأستاذ النقيب عبد الرحمان بنعمرو المحامي ينطلق من توجهه السياسي باعتباره عضوا في حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي وتحضر لديه كذلك الخلفية الحقوقية، فقد سبق له أن ترأس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    

 *************

هل ستصير الفتوى سلاح اليساريين ؟

 
 ذ. سعيد لكحل
وجه الأستاذ عبد الرحمن بنعمرو، بداية شهر غشت 2010، رسالة إلى كل من المجلس العلمي الأعلى والرابطة المحمدية لعلماء المغرب يستفتيهما في موضوع "عدم تحمل الدولة المغربية مسؤوليتها القانونية والوطنية والإسلامية والعربية في حماية اللغة العربية من المتآمرين عليها وعدم العمل على تنميتها ونشرها واستعمالها في جميع المجالات والميادين الرسمية ". وحسب ما جاء في جريدة التجديد التي نشرت فقرات من الرسالة ، فإن الأستاذ بنعمرو برر لجوءه إلى استفتاء المجلس العلمي الأعلى بوجود "اعتبارين اثنين: الأول هو أن مبادئ وأهداف المجلس مستمدة من مبادئوأهداف الإسلام السمحة، وهي أهداف مستمدة من القرآن الكريم الذي نزل باللغة العربية، والثاني يتمثل في أن الدستور ينص في تصديره على أن المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، لغتها الرسمية هي اللغة العربية، وهي جزء من المغرب العربي الكبير. وبناء على هذا ، يريد الأستاذ بنعمرو استصدار فتوى تحدد الموقف الشرعي للهيئتين العلميتين من موضوع"تهميش" الدولة المغربية للغة العربية وعدم حمايتها والوقوف "سدا منيعا ضد جميع المحاولات الرامية إلى إصدار قوانين ، عبر البرلمان ، تنص وتؤكد على رسمية اللغة العربية ولزوم استعمالها، تحت طائلة توقيع جزاءات، في جميع المجالات، بما فيها مجال التعليم العالي بجميع فروعه، والإدارة والمؤسسات العمومية و الإعلام العمومي، وهل عدم تحمل المسؤولية فيما ذكر يجد له سندا شرعيا أم لا؟. بالتأكيد لا يشكك أحد في صدق مشاعر الانتماء القومي العربي للأستاذ بنعمرو ، واعتزازه بلغة القرآن الكريم وحرصه على حمايتها وتنميتها. لكن نبل الهدف تشوش عليه الوسيلة المعتمدة من جوانب عدة أبرزها :
ـ إن استعمال الفتوى في موضوع الدفاع عن اللغة العربية من أجل تعميم استعمالها في التعليم العالي والإدارات العمومية، هو إقحامللدين في الأمور السياسية المتعلقة بتدبير الشأن العام. وهذا يتنافى مع قناعة اليساريين وكل الديمقراطيين الذين يطالبون بالفصل بين المجال الديني والمجال السياسي وينتقدون توظيف الدين لأهداف سياسية . فكل إقحام للدين في السياسات العمومية سيقوض أسس الدولة الديمقراطية وقيمها ومبادئها. ومن شأن هذا التوجه أن يُفشل المشروع المجتمعي الحداثي والديمقراطي الذي ناضلت وضحت من أجله أجيال المناضلين، والتقت بشأنه إرادة القوى السياسية بإرادة الملك الذي وضع نفسه، في طليعة المدافعين عنه كما جاء في خطاب 29 ماي 2003 (ولشعبنا العزيز الواثق بثوابته الحضارية المتشبث بمقدساته وبمكاسبهالديمقراطية أقول.. إن الإرهاب لن ينال منا. وسيظل المغرب وفيا لالتزاماته الدولية مواصلا بقيادتنا مسيرة إنجاز مشروعنا المجتمعي الديمقراطي الحداثي بإيمان وثبات وإصرار. وسيجد خديمه الأول في مقدمة المتصدين لكل من يريد الرجوع به إلى الوراء، وفي طليعة السائرين به إلى الأمام، لكسب معركتنا الحقيقية ضد التخلف والجهل والانغلاق).
ـ إن من شأن استصدار فتوى في موضع كهذا يهم الشأن العام أن يشجع التيارات الدينية على شرعنة توجهاتها وتقوية مواقفها ضد الدولة وتشريعاتها التي تعتبرها ــ هذه التيارات ــ لادينية ومنافية للشرع. ومتى تم هذا، فسيكون المغرب أمام تجربة سياسية تعطي سلطة القرار والحسم والاختيار للفقهاء بعد أن تسلبها منممثلي الشعب في المؤسسات الدستورية. بحيث لا تأخذ التشريعات والاختيارات السياسية طريقها إلى التنفيذ إلا بعد إجازتها من طرف الفقهاء ، أي هيئة الإفتاء. وها نحن أمام "ولاية الفقيه" بدل ولاية الأمة. وهذا ما تطالب به تنظيمات الإسلام السياسي، سواء من داخل البرلمان أو من خارجه. فمصلحة المجتمع يقررها الفقيه ويحدد سبل إدراكها لا الناخب أو الأحزاب .
ـ إن محاكمة السياسات العمومية على ضوء الفتاوى الفقهية ستفجر حرب الفتاوى بين التيارات الدينية نفسها التي يتمسك فيها كل تيار بعقائده ويرمي غيره بالضلال والردة والخسران. وفي هذه الحالة الدولة ستخضع لأي تيار وستعمل بأي فتاوى ؟ وأي هذه التيارات يمثل الشرع ؟
ـ من شأن هذا الإجراء) الفتوى) أن يتولد عنه اتهام الدولة بمحاربة الدين من خلال محاربتها للغة القرآن وتهميشها وعدم حمايتها. والتركيز على عبارة "لغة القرآن" يجعل أحد طرفي العبارة يتداعى بما يصيب الطرف الأخر من إهمال أو تهميش. وهذا من الأمور التي لا تحمد عقباها لما يجتره من اتهامات الأصوليين والسلفيينللدولة والنظام المغربيين بكونهما "يحاربان" الدين. فالأستاذ بنعمرو يريد أن يجعل الدولة في حكم من يحارب الدين لأنها تحارب لغة القرآن وتهمشها ولا تحميها. وهكذا يلتحق الأستاذ بنعمرو بخندق الأصوليين والسلفيين والمتطرفين في موقفهم من الدولة ومحاكمة سياساتها العمومية بمنطق الفقه والشرع، أي بمنطق الحلال والحرام الذي لا يؤمن بالمنزلة الوسطى وصراع المصالح وتدافع القوى السياسية. في حين أن الأمر ينبغي أن يظل من اختصاصالبرلمان ومحصورا داخل قبته وبين فرقائه .
ـ إن وضع اللغة العربية الحالي هو نتيجة لحسابات سياسية ضيقة حكمت اختيارات الدولة في مرحلة تاريخية معينة، مما أفقدها ــ الاختيارات ــ جديتها ومصداقيتها وجعلها ضحية الارتباك والتردد. ولعل واقع التعليم في المغرب والضعف الذي يطبع مردوديته، يجسد فشل السياسات الرسمية وتخبطها ؛ مما يعطل طاقات الشباب ويمنع تنميتها وتطويرها وحسن استثمارها . وطالما ظلت الدولة في ترددهاوارتباكها إزاء موضوع لغة التعليم والتدريس ومناهجهما، فإن مسلسل انحطاط التعليم وتردي مستواه لن يتوقف إلا إذا امتلكت الحكومة الجرأة الكافية والشجاعة المطلوبة للقطع مع الاختيارات السابقة ( وبدون ذلك، فإن النظام التعليمي، الذي طالما واجه عراقيل ديماغوجية، حالت دون تفعيل الإصلاحات البناءة، سيظل يستنزف طاقات الدولة، ومواهب الفئات الشعبية، في أنماطعقيمة من التعليم، تنذر بجعل رصيدنا البشري عائقا للتنمية، بدل أن يكون قاطرة لها ) (خطاب العرش 2010) .
ـ إن الاستفتاء، في هذه الحالة، لا يتوخى بيان حكم شرعي في قضية سياسية /وطنية لا تهم الدين في شيء ، وإلا لكانت شعوب العجم التي تدين بالإسلام ملزمة "شرعا" باعتماد اللغة العربية وحمايتها ونشرها حتى يصح إسلام مواطنيها ويستقيم إيمانهم. بل هو إجراء يروم الضغط على الدولة باستعمال سلاح "الشرع" لحملها على اعتماد اللغة العربية في كل مرافقها . وكل ما يخشاه المرء أن يتحول هذا الإجراء ــالاستفتاء ــ إلى حلقة ضمن الطوق الذي تحاول قوى متشددة ( دينية ، يسارية ، إثنية ) ضربه حول النظام والدولة لأهداف متباينة تتقاطع عند نقطة "العداء" للنظام والسعي لإضعافه وفق شعار: "الضرب معا والسير على حدى" . فليحذر الديمقراطيون من مزالق اللعب بسلاح الفتاوى الفقهية الذي سيكونون أولى ضحاياه، فضلا عن كونه سيفتح باب الفتن على شعب آمن ووطن مستقر .
*********************
عندما يكون التضليل والجهل بالحقائق وبالقانون من أسباب محاربة اليسار
 
 
للنقيب عبد الرحمن بن عمرو – محام بهيئة الرباط

نشر موقع الحوار المتمدن – العدد 3106 – يوم 26 غشت 2010 في نطاق محور: " اليسار، الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي" – تعليقا منسوبا للسيد سعيد الكحل.
ومما جاء في التعليق ما يلي:
وجه الأستاذ عبد الرحمن بن عمرو، بداية شهر غشت 2010 رسالة إلى كل من المجلس العلمي الأعلى والرابطة المحمدية لعلماء المغرب يستفتيهما في موضوع: - عدم تحمل الدولة المغربية مسؤوليتها القانونية والوطنية والإسلامية والمغربية في حماية اللغة العربية من المتآمرين عليها وعدم العمل على تنميتها ونشرها واستعمالها في جميع المجالات والميادين الرسمية…"
بعد ذلك ينتقل المعلق إلى ما يلي:
بالتأكيد لا يشك أحد في صدق مشاعر الانتماء القومي العربي للأستاذ بنعمرو، واعتزازه بلغة القرآن الكريم وحرصه على حمايتها وتنميتها لكن نبل الهدف، يقول التعليق-  تشوش عليه الوسيلة المستعملة من جوانب عدة أبرزها:
1-   إن استعمال الفتوى في موضوع الدفاع عن اللغة العربية من أجل تعميم استعمالها في التعليم العالي والإدارات العمومية هو إقحام للدين في الأمور السياسية المتعلقة بتدبير الشأن العام، وهذا يتنافى – يقول التعليق – مع قناعة اليساريين وكل الديمقراطيين الذين يطالبون بالفصل بين المجال الديني والمجال السياسي وينتقدون توظيف الدين لأهداف سياسية…، ومن شأن هذا التوجه أن يفشل المشروع المجتمعي الحداثي والديمقراطي الذي ناضلت وضحت من أجله أجيال المناضلين
2-   إن من شأن استصدار فتوى في موضوع كهذا يهم الشأن العام أن يشجع التيارات الدينية على شرعنة توجهاتها وتقوية مواقفها ضد الدولة وتشريعاتها التي تعتبرها، هذه التيارات، لادينية.. ومتى تم هذا، فسيكون المغرب أمام تجربة سياسية تعطي سلطة القرار والحسم والاختيار للفقهاء بعد أن تسلبها من ممثلي الشعب في المؤسسات الدستورية… وها نحن أمام – ولاية الفقيه – بدل ولايةالأمة. وهذا ما تطالب به تنظيمات الإسلام السياسي،
3-   إن محاكمة السياسات العمومية على ضوء الفتاوى الفقهية ستفجر حرب الفتاوى الفقهية بين التيارات الدينية نفسها، وفي هذه الحالة الدولة ستخضع لأي تيار وستعمل بأي فتوى ؟
4-   من شأن هذا الإجراء – الفتوى – أن يتولد عنه اتهام الدولة بمحاربة الدين من خلال محاربتها للغة القرآن، وتهميشها وعدم حمايتها…، فالأستاذ بنعمرو يريد أن يجعل الدولة في حكم من يحارب الدين لأنها تحارب لغة القرآن وتهميشها ولا تحميها. وهكذا يلتحق الأستاذ بنعمرو بخندق الأصوليين والسلفيين والمتطرفين في موقفهم من الدولة ومحاكمة سياستها العمومية بمنطق الفقه والشرع…في حين أن الأمر ينبغي أن يظل من اختصاص البرلمان
5-   إن وضع اللغة العربية الحالي، حسب التعليق، هو نتيجة لحسابات سياسية ضيقة حكمت اختيارات الدولة في مرحلة تاريخية معينة مما أفقدها- الاختيارات – جديتها ومصداقيتها،
6-   إن الاستفتاء في هذه الحالة،يتوخى – يقول التعليق – بيان حكم شرعي في قضية سياسية وطنية لا تهم الدين في شيء، وإلا لكانت شعوب العجم التي تدين بالإسلام ملزمة – شرعا – باعتماد اللغة العربية وحمايتها ونشرها حتى يصح إسلام مواطنيها ويستقيم إيمانهم بل هو إجراء يروم الضغط على الدولة باستعمال سلاح – الشرع – لحملها على اعتماد اللغة العربية في كل مرافقها…، فليحذر، يقول التعليق، الديمقراطيون من مزالق اللعب بسلاح الفتاوى الفقهية الذي سيكونون أولى ضحاياه، فضلا عن كونه سيفتح باب الفتن على شعب آمن ووطن مستقر."

     هذه مجمل ما جاء في المحاور الستة من تعليق السيد سعيد الكحل، حسب ما ورد فيالحوار المتمدن، والتي سنتولى الرد عليها:
-   وقبل الجواب على كل محور على حدة، أحب أن أؤكد اعتزازي بالدفاع عن الحضارة العربية الإسلامية في جوانبها التقدمية المضيئة، واعتزازي بالدفاع عن اللغة العربية كوسيلة لنشر هذه الحضارة في المعمور ماضيا وحاضرا، وإن كنت، أعتمد، أساسا، في وجوب استعمال اللغة العربية في جميع مرافق الدولة، على الدستور، الذي هو أعلى درجة من درجات القانون وتعتبر مقتضياته من النظام العام الذي لا يجوز مخالفتها حتى ولو جاءت هذه المخالفة عن طريق القانونالذي يصدره البرلمان.
-  ومن المعلوم أن الدستور المغربي ينص صراحة في تصديره على أن اللغة الرسمية في المغرب، هي اللغة العربية، وحدها دون غيرها، وينص في مادته الرابعة على أن  القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، ويجب على الجميع الامتثال له..
 -  ومفهوم الرسمية، يعني، من الناحية القانونية، أن ترسيم لغة من اللغات، ينتج عنهوجوب استعمالها في جميع المرافق العمومية: الإدارية والتعليمية والقضائية والإعلامية،
-   وترسيم لغة من اللغات لا علاقة له، من الناحية القانونية، بالتاريخ ولا بالدين ولا بالوطنية، وإنما له علاقة أساسا بقدرة اللغة المرسمة، أكثر من غيرها، على ربط التوصل، داخليا، بين فئات المواطنين المتعددة اللهجات، وخارجيا، على التواصل الدولي،
    ـ ومن المعلوم كذلك أن هيئة الأمم المتحدة، التي تضم أكثر من 197 دولة عضوا فيها، أغلبها دول علمانية، هذه الهيئة الدولية العلمانية، اعتمدت في الاستعمال، بمختلف أجهزتها المركزية والجهوية والإقليمية، ستة لغات فقطكلغات رسمية، من بينها اللغة العربية، ولم تعتمدها، باعتبارها لغة القرآن، أي على أساس ديني، وإنما باعتبارها، في تاريخ الاعتماد لغة 19 دولة عربية أعضاء فيها، هذا بالإضافة إلى كونها، كما جاء في حيثيات قرار الاعتماد بالإجماع، وهو القرار المؤرخ في 18 دجنبر 1973 تحت رقم 2206كون اللغة العربية تلعب دورا مهما في نشر حضارة الإنسان وثقافته، وتطويرهما والمحافظة عليهما…، وإحدى اللغات المستخدمة في المنظماتالمتخصصة التابعة للأمم المتحدة، مثل منظمة التربية والعلوم والثقافة، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة العمل الدولية، وأيضا كونها إحدى اللغات الرسمية ولغة التخاطب، في منظمة الوحدة الإفريقية…"   
-  وجميع الدول العلمانية، بأوروبا وأمريكا وآسيا، تنص على رسمية إحدى لغاتها، الأمر الذي يؤكد عدم علاقة الدين بترسيم اللغة، وإن كان هذاالأخير (الدين) قد يكون حافزا، لترسيم لغة دين الأغلبية متى توفرت فيها شروط القدرة على التواصل، كما ونوعا، وداخليا وخارجيا، وهو أمر محبذ وليس مكروه ويساهم في التنمية الشاملة وليس في الجمود أو التأخر، وتتوفر مثل هذه الشروط في اللغة العربية..
-  والأغلبية الساحقة من الدول العربية، إن لم نقل جميعها تقريبا، وبما فيها تلك المحسوبة على الاتجاه اليساري الاشتراكي تنص في دساتيرها على رسمية اللغة العربية وعلى أنالإسلام دين الدولة، وتذهب بعض الدساتير العربية إلى النص على أن الشريعة الإسلامية مصدر "رئيسي للتشريع"…
-  وعندما نقول أن  العربية هي لغة القرآن، فهذا أمر واقعي ومعاين ولا علاقة له باستغلال الدين، ولا يستطيع أي جاحد الإدعاء بأن لغة القرآن هي الفرنسية أو الإنجليزية مثلا، وإن كان من المتصور الترجمة إليهما وإلى غيرهما، ولا يستطيع منكر الزعم بأن حروفه ليس حروف عربية وإنما هي حروف لاتينية أو صينية أو يابانية أو هندية
-  والواقع يقول بأن الدستور المغربي ينص في تصديره على أن المملكة المغربية دولة إسلامية…، لغتها الرسمية هي اللغة العربية وهي جزء من المغرب العربي الكبير…"
-  وإذا كنا نستند على الدستور في القول برسمية اللغة العربية وعلى أن المغرب دولة إسلامية، فلأن الدستور نفسه، وهو أعلى درجة في القانون، يسمح لنا بذلك ولا يسمح لنا بقول العكس وإلا كنا ضد سيادة القانون
-  ومع ذلك فإن استنادنا على مقتضيات الدستور لا يعني أننا، مع كافة الديمقراطيين، راضون عن هذا الدستور وعن الذي سبقه، بل إننا نطالب ونناضل مع غيرنا من الديمقراطيين من أجل مراجعته مراجعة شاملة، سواء على مستوىالمبادئ والاختيارات أو على مستوى اختصاصات السلط، أو على مستوى علاقات السلط بعضها ببعض
-  وإلى أن تتم المراجعة الشاملة لنصوصه، فإنه يجب الالتزام بتطبيق هذه النصوص بما فيها تلك المتعلقة برسمية اللغة العربية
-  وإذا أسفرت المراجعة، عبر استفتاء نزيه وحر عن حذف رسمية اللغة العربية وبترسيم اللغة الفرنسية، فما علينا إلا القبول بهذه النتيجة والعمل بها، وإنما الذي لا يمكن قبوله أن تكون العربية رسمية ومع ذلك لا تستعمل في المرافق العمومية للدولة، وأن تكون اللغة الفرنسية غير مرسمة ومع ذلك يتم استعمالها في جميع المرافق العمومية للدولة
-   بعد هذه المعطيات، التي قد نحيل عليها فيما بعد، ننتقل للرد، بتركيز، على كل محور من المحاور الستة التي تحدث في نطاقها السيدسعيد الكحل:
أولا: الرد على ما جاء في المحور الأول:
-  على خلاف ما جاء في هذا المحور، فإن المراسلة الموجهة إلى كل من المجلس العلميالأعلى والرابطة المحمدية للعلماء لا تستهدف استغلال الدين في السياسة، وإنما معرفة رأيهما وموقفهما، بصفتهما جهازين من أجهزة الدولة، من التناقض المطلق بين ما جاء في دستور، الذي صنعته الدولة والذي ينص على رسمية اللغةالعربية، وعلى أن المملكة المغربية دولة إسلامية، وإنها جزء من المغرب العربي الكبير، وبين ما يحدث من ممارسات عملية في الواقع، من طرف نفس الدولة والأجهزة التابعة لها.
-   والارتكاز على مقتضيات الدستور، لا يمكن تفسيره بأنه ارتكاز على الدين أو إقحام لهذا الأخير في السياسة، وإنما هو ارتكاز على القانون، لأنه كما قلنا أعلاه، فإن الدستور هو أعلى درجة من درجات القانون وحسب الفقرة السادسة من الفصل 81 منه، فإنه لا يجوز إصدار أو تطبيق أي نص يخالف الدستور.
-  وكما أشرنا إلى ذلك أعلاه، فإن كلا من المجلس العلمي الأعلى والرابطة المحمدية للعلماء ليسا بجمعيتين تم إنشاؤهما بمحض إرادة مجموعتين من العلماء أو الفقهاء، وأن كل مجموعة هي التي حددت أهداف الجمعية وشروط الانضمام إليها، وكيفية تسييرها واختيار المسيرين بكيفية ديمقراطية ومصادر تمويلها، وإنما هما (المجلس العلمي الأعلى، والرابطةالمحمدية للعلماء) مؤسستان عموميتان خلقتهما الدولة بدافع استغلال الدين لتدعيم اختياراتها في الشؤون والمجالات الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
-  ومن أجل تحقيق الهدف المذكور فإن الدولةالمخزنية، هي التي وضعت المؤسستين المذكورتين تحت وصايتها وأخضعتها لتوجيهاتها وحددت في القانونين المنشئين لهما أهدافهما، والأعضاء المكونين لهما وكيفية تسييرهما، وتمويلهما وعينت، بمقتضى ظهائر، أسماء الأعضاء المكونين والمسيرين لهما، وهكذا فإنه:
على مستوى المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية الإقليمية:
-  فقد أحدثت الدولة هذه المجالس بمقتضى ظهير 270. 180 بتاريخ 3 جمادى الأول 1401 (8/4/1981). والذي نص في مادته الأولى على أنه"يحدث مجلس علمي أعلى يتولى جلالة ملك المغرب أمير المؤمنين رئاسته"، ويشمل هذا الظهير على ثلاثة أقسام:
القسم الأول يخص المجلس العلمي الأعلى: يضم بابين الأول:  يتعلق بالتأليف والاختصاصات،والثاني، بالتسيير. 
القسم الثاني:  ويخص المجالس العلمية الإقليمية ويضم بابين: الأول: يتعلق بالتأليف والاختصاصاتوالثاني: بالتسيير.
القسم الثالث:  وينص على أنه تحدد، عند الضرورة، بمقتضى مرسوم يتخذ باقتراح من السلطة الحكومية المكلفة بالشؤون الإسلامية، كيفية تطبيق هذا الظهير.
-  إن الظهير المذكور تم نسخه بالظهير رقم 300 . 03 . 1 الصادر في ربيع الأول 1425 (12/04/2004) وهو الظهير الخاص بإعادة تنظيم المجالس العلمية.
-   وقد نصت المادة الأولى على أن المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية الإقليمية توضع تحت وصاية الملك ويعاد تنظيمها وفقا لهذا الظهير.
-  ونصت المادة الثانية منه، على أن المجلس العلمي الأعلى يرأسه الملك، ويتكون من وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، ومن بعض كبار العلماء الذين يعينون من طرف الملك، ومن الكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى ومن رؤساء المجالس العلمية المحلية.
-  ومن بين اختصاصات المجلس العلمي الأعلى، حسب المادة الثالثة من الظهير، دراسة القضايا التي يعرضها عليه الملك، وإعداد النظام الداخلي للهيئة العلمية المكلفة بالإفتاء والمصادقة عليه، وإصدار التوجيهات والتوصيات الرامية إلى ترشيد عمل المجالس العلمية المحلية وتفعيل دورها في تأطير الحياة الدينية للمواطنين والمواطناتالمغاربة من المسلمين، وإحالة طلبات الإفتاء في القضايا المعروضة عليه إلى الهيئة المكلفة بالإفتاء قصد دراستها وإصدار فتاوى في شأنها.
-  وحسب المادة 6 من الظهير، فإن الكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى يعين من طرف الملك ويمارس مهامه بتنسيق مع وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، وأن من بين مهامه:
-  إعداد جدول أعمال المجلس العلمي الأعلى الذي يتضمن، حسب الأولوية،  القضايا التي يعرضها عليه الملك، قصد إبداء الرأي، بالإضافة إلى تلك التي يقترحها أعضاء المجلس والتي يوافق عليها الملك، وتلقي طلبات الإفتاء قصد عرضها، عند الاقتضاء، على المجلس العلمي الأعلىوحسب المادة 7 من الظهير، فإنه تحدث لدى المجلس العلمي الأعلى هيئة علمية تتكون من بين أعضائه، تختص وحدها، دون غيرها، بإصدار الفتاوي الرامية إلى بيان حكم الشريعة الإسلامية في القضايا ذات الصبغة العامة.
-  وطبقا للمادة 9 من الظهير، فإنه تصدر الفتاوي عن الهيئة العلمية المكلفة بالإفتاء إما بطلب من طرف المجلس العلمي الأعلى أو بناء على طلب يعرض على المجلس من لدن الكاتب العام. وحسب المادة 10 من الظهير، فإنه يحدد عددأعضاء الهيئة العلمية المكلفة بالإفتاء وكيفية تعيينهم وطريقة تسيير الهيئة بموجب النظام الداخلي
-  وطبقا للمادة 19 من الظهير فإنه تسجل الاعتمادات المالية اللازمة لسير المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية المحلية وفروعها في ميزانية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ويعين وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى آمرا مساعدا بصرف هذه الاعتمادات .
وطبقا للمادة 20 من الظهير فإنه تضع الإدارات العامة ولاسيما وزارات الأوقاف والشؤون الإسلامية، والتربية الوطنية والتعليم العالي والمالية الوسائل المادية والبشرية اللازمة رهن إشارة المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية المحلية وفروعها التي تمكنها من القيام بالمهام المسندة إليها بموجب الظهير
-  وطبقا للمادة 21 من الظهير، فإنه يرفع إلى الملك تقرير سنوي عن حصيلة أنشطة المجالس العلمية وعن وضعية تسييرها
-  هذا وقد صودق على النظام الداخلي للمجلس العلمي الأعلى بمقتضى الظهير رقم 231-04-1 الصادر في 7 محرم 1426 (16/02/2005).
-  وتؤكد المواد التي استعرضناها أعلاه من ظهير 22/4/2004 المتعلق بإعادة تنظيم المجالس العلمية بأن هذه الأخيرة، ما هي إلا جهاز  من  الأجهزة الرسمية للدولة.
وبالنسبة للرابطة المحمدية للعلماء
-  فإنها محدثة بالظهير رقم 210 . 1 .05 الصادر في 15 من محرم 1427 (14/02/2006)بتحويل جمعية رابطة علماء المغرب صفة مؤسسة ذات نفع عام تحت اسم:"الرابطة المحمدية للعلماء".
-  وحسب المواد: 2 و3 و4 و17 و20 و23 و26 و27 من الظهير، فإن الرابطة المحمدية للعلماء تخضع من حيث مهامها وتكوينها وكيفية تسييرها لأحكام هذا الظهير الذي يعتبر بمثابة نظامهاالأساسي، وأن من بين مهامها التعريف بأحكام الشرع الإسلامي الحنيف ومقاصده السامية والعمل على نشر قيم الإسلام السمحة وتعاليمه السامية والموعظة الحسنة واحترام مبادئ الوسطية والاعتدال…، وأنه تمنح العضوية في الرابطة المحمدية للعلماء للشخصيات العلمية التي يختارها ويعينها الملك…، وأن الأمين العام للرابطة يعين من طرف الملك ويعهد إليه بتسيير شؤون الرابطة والعمل باسمها وتمثيلها إزاء الغير وأمام القضاء والقيام بجميع التصرفات والعمليات الهادفة إلى تحقيق أغراضها… وأن من بين مصادرها المالية، الإعانات المالية الممنوحة لها…، وأنه من أجل التأسيس الأولي لأجهزةالرابطة فإن الملك يعين لجنة تأسيس تتكون من، بالإضافة إلى وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، من أربعة أعضاء يختارون من بين الشخصيات العلمية، وأنه تحدد كيفيات تسيير أجهزة الرابطة واللجان العلمية المنصوص عليها فيالمادة 14 أعلاه بمقتضى نظام داخلي يعرض، قبل العمل به، على الملك للمصادقة عليه.
-  وتؤكد المواد التي استعرضنا بعض مقتضياتها أعلاه ما قلناه سابقا من كون الرابطة المحمدية للعلماء، هي، كالمجلس العلمي الأعلى، جهاز من أجهزة الدولة المخزنية تستعملها، كباقي الأجهزة الرسمية، لتنفيذ اختياراتها اللاشعبية اللاديمقراطية.
-  وتأسيسا على ما ذكر، فإن مكاتبتنا لها وللمجلس العلمي من أجل استخلاص موقف أو فتوى لا ترمي إلى إلزام الدولة المغربية باستعمال اللغة العربية في المرافق العمومية، لأنه مهما كان نوع المواقف والفتاوى الصادرة عنالمؤسستين المذكورتين، فإنها تظل مجرد آراء قد تصيب وقد تخطئ وبالتالي تبقى مجرد مواقف وفتاوى غير ملزمة، لأن الملزم للجميع، وبدون استثناء هو الدستور والقوانين الصادرة من المؤسسات المختصة، وهي الأحكام القضائية النهائية القابلة للتنفيذ والتي تكون ملزمة لجميع من صدرت ضدهم مهما كانت حيثياتهم، بما في ذلك الدولة المغربية وإداراتها ومؤسساتها العمومية. ومن المعلوم أن القضاء سبق أن قال كلمته في موضوع وجوب استعمال اللغة العربية في مرافق الدولة وإداراتها ومكاتبها ومؤسساتها العمومية، وأنها مسؤولة مدنيا عن مخالفة ذلك
-  وترتيبا على ما ذكر ولغيره، فإن مراسلتينا الموجهتين إلى كل من المجلس العلمي الأعلى والرابطة المحمدية للعلماء إنما هما في الحقيقة وفي العمق موجهتان إلى الدولة المغربية عبر جهازين من أجهزتها الرسمية، وذلك من أجل أن تجيب، بواسطة لسان الجهازين المذكورين، على التناقض الذي توجد فيه والمتجلي بين ما تدعيه عبر النصوص القانونية التي تصدرها وبين ما تمارسه في الواقع ضدا على مقتضيات تلك النصوص، فهي على وجه المثال:
-  ترسم اللغة العربية نظريا في الدستور بينما ترسم الفرنسية واقعيا باستعمالها تقريبا في جميع المرافق العمومية
-  وهي تنص في دستورها على أنها دولة إسلامية، بينما واقعيا، وعلى خلاف كافة الدول العربية والإسلامية، لا تعطل مرافقها الرسمية يوم الجمعة ذي الحمولة الدينية الإسلامية وإنما يوم السبت ذي الجذور الدينية اليهودية ويوم الأحد ذي الجذور المسيحية.
-  وهي تحرم التعذيب والاختطاف والحجزوالاعتقالات التعسفية وتعاقب من يرتكب هذه الأفعال، بينما بعض أجهزتها الأمنية والسلطوية ترتكب نفس الجرائم ضد المعارضين السياسيين وتظل هذه الأجهزة، مع ذلك، بعيدة عن أية محاسبة أو متابعة أو عقاب
-  وهي تمنع التزوير والتزييف وتعاقب عليه ومع ذلك لا تتورع عن تزوير الإرادة الشعبية، بمختلف الأساليب، في الاستفتاءات الشعبية والانتخابات العامة
وأخيرا، وليس بالأخير، فهي، تمنع الآخرين من الإفتاء في الشأن الديني، حتى لا يستغل هذا الإفتاء في الميدان السياسي، ومع ذلك تحل لنفسها ما حرمته عن الغير وذلك عندما قررت استغلال الدين في السياسة عبر احتكار الإفتاء في الشأن الديني بحصره في المجلس العلمي الأعلى.
-   ويرى الكثيرون، عن حق، بأن  الفتوى غير ملزمة من الناحية القانونية، لأي أحد، وأنها مجرد رأي من الآراء يحتمل الصواب والخطأ، وأنه باعتبارها كذلك فإنها يجب أن  تكون مباحة للجميع سواء في الميدان الديني أو في غيره من الميادين السياسية والاجتماعية والثقافية، وسواء صدرت هذه الفتوى من رجال الدين أو من غيرهم.
-   وبما أنها (الفتوى) مجرد رأي، فإن تحريمها، في الشأن الديني، على فريق دون فريق آخر، يعتبر مسا بحرية الرأي والتعبير التي تنص عليها المادة 9 من الدستور هذا دون أن ننسى بأن تصدير الدستور ينص على أن المملكة المغربيةتؤكد تشبثها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، وأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية يضمنان حرية الرأي والتعبير واعتناق الآراء دون مضايقة (المادة 19 إعلان والمادة 19من العهد)، ويضمنان حرية الفكر والوجدان والدين (المادة 18 إعلان و18 عهد(..
ثانيا: الرد على ما جاء في المحور الثانــي:
      على خلاف ما جاء في هذا المحور، بأن شرعية الدولة لا تستمد ولا ترتكز على فكر أو مذهب أو تأييد أي تيار من التيارات، سواء كان هذا التيار دينيا، أو علمانيا، يساريا أو يمينيا أو وسطيا، كما لا ينتقص من شرعيتها معارضة أيتيار من التيارات المذكورة
-    إن شرعية الدولة تستمد وتقوم وترتكز على إرادة الغالبية من الشعب. ويجب أن تتجلى هذه الإرادة في :
-  دستور ديمقراطي، في إعداده وفي محتواه، دستور يحدد الاختيارات واختصاصات السلط وعلاقاتها فيما بينها..
-        وانتخابات حرة ونزيهة ينبثق عنها برلمان تكون له سلطة التشريع في جميع الميادين،وحكومة منبثقة عن صناديق الاقتراع تكون بيدها سلطة إدارة الشأن العام في نطاق تنفيذ القوانين
-   وقضاء مستقل استقلالا حقيقيا يختص بحماية الحقوق والحريات
-   إن السلط الثلاث المذكورة، المتوفرة فيها الشروط المشار إليها، هي الموكول إليها، قانونيا، الحسم والفصل في أي شأن من الشؤون، بما في ذلك الشأن الديني، ولا يمكن، قانونا، أن يكون الحسم بيد أي تيار من التيارات أو فئة من الفئات كيفما كانت توجهاتها ووجاهة مطالبها…    
 ثالثا: الرد على ما جاء في المحور الثالـــث:
وعلى خلاف ما جاء في هذا المحور، فإنه، وكما أسلفنا ذلك أعلاه:
1- فإن مراسلتينا، الموجهتين إلى كل من المجلس العلمي الأعلى والرابطة المحمدية للعلماء، معتمدتان، في مطالبهما ومرتكزاتهما، على القانون وحده، وهو الدستور، وليس على أي مصدر من المصادر الدينية.
2- وأن المراسلتين المذكورتين غير موجهتين إلى فقيه أو مجموعة من الفقهاء الدينيين، وإنما إلى مؤسستين حكوميتين منظمتين بمقتضى القانون (الظهير)الذي أسند لأحدهما، وهو المجلس الأعلى العلمي الأعلى، مهمة إصدار الفتاوىوحرمهما على الغير
3- وكما أسلفنا أعلاه، فإن الفتاوى، سواء كانتصادرة عن جهات رسمية أو غير رسمية، لا قيمة لها من الناحية القانونية، الأمر الذي يجعلها غير قابلة للتنفيذ
رابــعـا: الرد على ما جاء في المحور الرابــع:
على خلاف ما جاء في هذا المحور، وكما أسلفنا أعلاه:
1-    أن كون العربية لغة القرآن، فهذا أمر واقع، والواقع المعاين لا يمكن رفعه ولا جحوده من قبل أي كان
2-    إننا نعتمد في وجوبا استعمال اللغة العربية على القانون (الدستور) وليس على أي مصدر ديني، بما في ذلك القرآن.
3-    إن المراسلتين، كما أسلفنا، لا تستهدفان جعل الدولة في حكم من يحارب الدين، وإنما فيحكم من يعيش تناقضا قاتلا بين النظرية والتطبيق، حسب التفاصيل التي سقناها أعلاه
-  وهذا الحكم، الذي أبرزه النقيب عبد الرحمن بن عمرو، لا يضعه في خندق "الأصوليين والسلفيين والمتطرفين" في موقفهم من الدولة ومحاكمة سياستها العمومية…، وإنما يضعه، بغض النظر عن مناقشته مفهوم الأصولية والسلفية والتطرف، في صف التقدميين الديمقراطيين الذين يفضحون طبيعة الدولة المخزنية، واختياراتها اللاشعبية اللاديمقراطية  وسياساتها الفاشلة والعقيمة، وتناقضاتها القاتلة
4-  يقول السيد سعيد الكحل، بأن محاكمة السياسة العمومية للدولة يجب ألا يكون بمنطق الحلال والحرام، في حين أن الأمر ينبغي أن يظل من اختصاص البرلمان
ونحن نرد على ما جاء في هذا الخصوص بما يلي:
-  لا مانع من الارتكاز على مفهوم الحلال إذا كان هذا الحلال مرتكزا على القانون، وعلى مفهوم الحرام إذا كان هذا المفهوم مؤسسا على ما يمنعه القانون
-         وليس البرلمان، هو المخول وحده محاكمة سياسة الدولة، وإنما، طبقا للحق في حرية الرأي والتعبير، التي يضمنها الدستوروالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، فإن محاسبة سياسة الدولة واختياراتها من حق الجميع، فرادى ومجموعات، وبغض النظر عن مختلف توجهات هذا الجميع المذهبية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية.
-  والفرق بين محاكمة البرلمان لسياسة الحكومة، ومحاكمتها من قبل مكونات الشعب، أن الأولى قانونية يمكن أن يترتب عنها، متى توفرت الشروط اللازمة، إسقاط الحكومة…، بينما الثانية ليست كذلك، إذ تظل في حدود التأثير المعنوي
-   لكن، والأهم من ذلك، فعن أي برلمان يتحدث السيد سعيد الكحل ؟
هل عن البرلمان الحالي، الذي لا يمثل الإرادة الشعبية، بسبب ما عرفه من أساليب، قديمة وحديثة، في التزوير والتزييف وشراء الذمم والأصوات…، أم عن البرلمانات التي سبقته والتي عرفت نفس الوصف والمسار؟
-  هل عن البرلمانات، التي لم تستطع في أي ولاية من ولاياتها محاسبة الحكومة ومؤاخذتها، وعند الاقتضاء، إسقاطها وذلك بسبب ما ينخر إدارتها من فساد إداري واقتصادي ومالي، وما ترتكبه أجهزتها الأمنية من جرائم تمس الحق فيالحياة وفي الأمان الشخصي…؟ !
هل عن البرلمانات، التي لم يستطع أي واحد منها، منذ الاستقلال ولغاية تاريخه، أن يحمي مقتضيات الدستور، الذي ينص في تصديره على رسمية اللغة العربية، وذلك عن طريقين:
الأولمحاسبة ومؤاخذة الحكومة على عدم استعمال اللغة العربية في جميع المرافقالعمومية، لإداراتها ومؤسساتها العمومية ضدا على مقتضيات الدستور.
الثانيسن قانون يتضمن فرض جزاءات معينة على مخالفة وجوب استعمال اللغة العربية…
خامسا: الرد على ما جاء في المحور الخامـــس:
-    أنا متفق مع السيد سعيد الكحل، في كون وضع اللغة العربية الحالي هو نتيجة لحسابات سياسية حكمت اختيارات الدولة…، وأن واقع التعليم في المغرب والضعف الذي يطبع مردوديته، يجسد فشل السياسات الرسمية وتخبطها… لكن الذي لا أتفق معه فيه هو: وصف تلك السياسات بالضيقة، أي كأنها جاءت نتيجة خطأ في الحساب…، فبالنسبة لي، فإنني أراهاسياسات محسوبة ومقصودة فرضتها فرنسا على المغرب، عبر الاتفاقات التي رافقت ظروف وشروط الإعلان عن الاستقلال الرسمي، وتضمنت جميع هذه الاتفاقات وجوب المحافظة على المصالح الاقتصادية والمالية والثقافية واللغوية لفرنسا بالمغرب. ولا نحتاج إلى التذكير على ارتباط التوسع في استعمال  اللغة الفرنسية بالمغرب، على المستوى التعليمي والإداري والإعلامي والتجاري والبنكي ..الخ، بالتوسع في حماية ورعاية مصالحها الاقتصادية والمالية والتجارية بنفس البلد (المغرب).
-  ولم تفرض فرنسا مصالحها الاقتصادية والثقافية واللغوية على المغرب عبر الاتفاقيات المرافقة أو الموالية للإعلان عن الاستقلال الناقص أو المبتور، وإنما فرضت كذلك نوعية الحكم الذي سينفذ هذه الاتفاقيات ويحميها منالإهمال أو عدم التنفيذ أو الفسخ، ولم يكن الحكم سوى النظام السياسي الذي كان وما زال قائما منذ الاستقلال، قائما باختياراته على المستوى السياسي والاقتصادي والثقافي والتعليمي والإداري والقضائي والأمني والذي لا زال يقف حجر عثرة أمام أي إصلاح حقيقي جذري في أي ميدان من الميادين المذكورةوهكذا، وعلى وجه المثال:
-  فإنه على مستوى وجوب استعمال اللغةالعربية في جميع المرافق العمومية للدولة، مع وضع جزاءات على المخالفين، فقد تقدم حزب الاستقلال بمشروع مقترح قانون، في هذا الخصوص، أمام البرلمان في أواسط الستينات، لكن النظام السياسي المغربي، عبر حكومته، اعترض على المشروع، مدعيا أن موضوعه يدخل في اختصاص المجال التنظيمي أي في اختصاص الحكومة، ورفع الاعتراض حينها، إلى الغرفة الدستورية بالمجلس الأعلى التي قضت لصالح الحكومة، ورغم مرور أكثر من نصف قرن على قرار الغرفة الدستورية، فإن جميع الحكومات المتوالية لم تعمل على إصدار مرسوم تنظيمي يفرض استعمال اللغة العربية في جميع المرافق العمومية تحت طائلة جزاءات معينة: فلا هي تركت البرلمان يصدر قانونا في الموضوع ولا هي قامت بذلك، وكل ما هنالك أن الوزير الأول، الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي، و الوزير الأول الحالي الأستاذ عباس الفاسي، وهما معا مجرد موظفين ساميين، كباقي الوزراء، مع النظام،أصدرا منشورا موجها إلى كافة الوزراء ومديري المؤسسات العمومية، الأول في سنة 1998، والثاني في سنة 2008، ويتضمن المنشور وجوب استعمال اللغة العربية في جميع المصالح الإدارية التابعة لهم، إلا أن منشوريهما ظلا لغايةتاريخه، حبرا على ورق؟
-  أما على مستوى تعريب التعليم في جميعمراحله، فإن الحركة الوطنية، ممثلة في تنظيماتها السياسية، التي كافحت وضحت من أجل الوصول إلى الاستقلال، اتفقت بالإجماع على مبادئ أربعة يجب أن يقوم عليها إصلاح التعليم، وهي المغربة والتعميم والمجانية والتعريب، ووضعت التوصيات التفصيلية، عبر العديد من اللجان والندوات والمؤتمرات والبيانات الوطنية من أجل تحقيق وتنفيذ تلك المبادئ وما يرتبط بها وكل ذلك لم يجد صدى لدى الحكم.
-  وهكذا على وجه المثال:
-  فقد نظمت وزارة التربية الوطنية، بالمركز الرياضي بغابة معمورة خلال شهر أبريل من سنة 1964، مناظرة وطنية حول التعليم شارك فيها أكثر من 400 شخص من ممثلي مختلف التنظيمات الوطنية. ومما خرجت به المناظرة فيما يخص التعريب:
جعل اللغة العربية لغة التعليم في جميع المراحل.
-  تعليم اللغات الأجنبية، كلغات، ابتداء من الطور الثانوي.
-   مرحلة انتقالية لتعريب الابتدائي والثانوي في عشر سنوات.
-  تعريب الابتدائي الثاني في أكتوبر من سنة 1964.
-  وضع تصميم لتعريب الإدارة مقرونا بتصميم تعريب التعليم.
-  وقد ظهرت معاكسة الحكم المخزني لتوصيات المناظرة من خلال ما صرح به وزيره في التربية، الدكتور محمد بنهيمة في ندوته الصحفية، من التأكيد على إقرار الازدواجية واستحالة التعريب. وقد رد على التصريح المذكور اتحاد جمعيات الآباء لثانويات الرباط وسلا بتاريخ 14 أبريل 1964، ومن بين ما جاء فيها أن صاحب الحق الوحيد في اتخاذ قرار سياسة التعليم هو الشعب المغربيوممثلوه الحقيقيون الذين أعلنوا رأيهم على لسان:
أ‌-  اللجنة الملكية لإصلاح التعليم سنة 1957.
ب‌-  لجنة التربية والثقافة سنة 1959.
ت‌-  المجلس الأعلى للتربية الوطنية سنة 1962.
ث‌-  المناظرة الوطنية حول التعليم سنة 1964.
ج‌-    البرلمان في عدة مناسبات سنة 1964.
وفي شتنبر 1970 صدر بيان من مثقفي  المغرب حول سياسة التعليم والغزو اللغوي الاستعماري الفرانكفوني للمغرب.
وفي 23 ماي من سنة 1973 صدر بيان من علماء ومثقفي المغرب حول سياسة التعليموالغزو اللغوي الاستعماري للمغرب العربي. ومما جاء في هذا البيان:
أولايجددون نصحهم وتحذيرهم من أخطار السياسة القائمة حتى الآن في مجال التعليموالتي لم تحقق غير المزيد من فرنسة الأجيال المغربية الناشئة وفرنسة لغة التخاطب المغربية وترسيخ فرنسة الإدارة والمصالح العمومية والخصوصية بالمغرب المستقل
ثانيايذكرون بأن التعريب الكامل العام في التعليم والإدارة والعمل والشارع، هو مطلب قومي أجمعت عليه الأمة منذ الاستقلال، وهو لا يتعارض، بحال من الأحوال، مع دراسته اللغات الأجنبية الحية كلغات، ولا يتناقض مع رغبتنا جميعا في التفتح على حضارة القرن العشرين
ثالثاينبهون إلى التجني الذي يرتكب في حق اللغة العربية عندما يراد ربطها بالوضع الذي يوجد عليه العالم العربي اليوم والنقص الذي يلاحظ في المصطلحات العلمية الحديثة، والذي لا يرجع إلى عجزها هي، بل لجمود المجتمعات العربية التي عليها أن  تقوم بسد هذا العجز في الميدان اللغوي
رابعايؤكدون بأنه لا حل لمشاكل التعليم المستعصية إلا بوضع المبادئ التي أجمعت عليها الأمة وهي: تعريب التعليم في جميع المراحل وعلى جميع المستويات، ومغربة أطره وتعميمه، وتوحيده موضع التنفيذ المخلص السريع حسب "ميثاق للتعليم" وطبق تصميم محدد، يساهم في وضعها ويصادق عليهما الممثلون الحقيقيون للمؤسسات الوطنية كلها، على أن يكون جاهزا للتطبيق ابتداء من أكتوبر 1970
وقد جاء في البيان الصادر عن المؤتمر الثامن لرابطة علماء المغرب بالناظور المنعقد، خلال شهر يونيو من سنة 1981: "بأن لغة التعليم، في جميع مراحل التعليم، هي اللغة العربية، ولا يشرع في تعليم اللغات الأجنبية، كلغات إلا في التعليم الثانوي، ولذلك فإن المؤتمر يرفض أي مشروع لإصلاح التعليم، لا يقوم على هذا الأساس الوطني…"
وجاء في مشروع سنة 1994 للجنة الوطنية المختصة بقضايا التعليم والمؤلفة من 330عضوا، يمثلون كافة الاتجاهات الوطنية والمعينون من قبل وزارة التربية الوطنية، التأكيد على المبادئ الأربعة
-     ومما جاء بخصوص التعريب، "…اعتبار التعريب مبدأ أساسيا لا رجعة فيه، ينبغي أن يمتد من التعليم الأولي إلى التعليم العالي، بما في ذلك التكوين المهني، والتعليم التقني، عن طريق البرمجة والتدرج وتوفير الوسائل البيداغوجية والبشرية والمادية، مع دعم تطور اللغة العربية تسهيلا لاستجابتها ومواكبتهابمستجدات التطور العلمي والتكنولوجي…"
-   أن جميع تلك التوصيات والمطالب بخصوص استعمال اللغة العربية في جميع المجالات، ظلت تلقى الرفض والمعارضة ومختلف العراقيل من طرف النظام السياسي المخزني بالمغرب وذلكضدا على رغبات الأمة وإرادتها، الأمر الذي يؤكد أن المشكل في المغرب هو قبل كل شيء وبعد كل شيء مشكل سياسي في عمقه مصدره الأساسي هو الحكم المخزني في المغرب، هذا الحكم الذي كان وما زال يرفض الامتثال لإرادةالشعب المغربي، على كافة المستويات.       
سادسا: الرد على ما جاء في المحور السادس والأخير:
-   إن هذا المحور، ما هو إلا تكرار للمحاور السابقة بصيغة جديدة، ولذلك نحيل في الرد عليه على ما قلناه سابقا، مع المزيد من التوضيحات والإضافات التالية:
1-  إننا لم نطلب من الرابطة المحمدية للعلماء والمجلس العلمي الأعلى إصدار حكم شرعي في موضوع استعمال اللغة العربية، كلغةرسمية، لأن ذلك من اختصاص القضاء.
2-    كما أننا لم نتوخ من مراسلة المؤسستين الرسميتين المذكورتين إصدار نص قانوني أومرسوم في الموضوع لأن ذلك من اختصاص الجهات التي خولها الدستور ذلك (البرلمان – المجلس الوزاري – الحكومة)
3-  إن ما توخيناه من المراسلتين، كما وضحنا ذلك سابقا، هو أن تفسر لنا الدولة المغربية، عبرجهازين رسميين تابعين لها،  أسباب التناقض الذي توجد فيه على مستوى النظرية (النص دستوريا على رسمية اللغة العربية) والتطبيق (عدم استعمال اللغة العربية في المرافق العمومية.)
4- إننا لم ندع في المراسلتين المذكورتين ولا في غيرهما بأنه على الدول الإسلامية أن تستعمل اللغة العربية في مرافقها العمومية، باعتبارها لغة القرآن، لأنني أدرك، ويدرك كافة رجال القانون والفقه القانوني ومن له حد أدنى من المعرفة، بأن مصدر وجوب استعمال أي لغة من اللغات في المرافق العمومية إنما هو القانونوليس الدين .
-  وللمعرفة، فإن جميع الدول الإسلامية العجمية، التي تحترم سيادة القانون، بالإضافةإلى التمسك بهويتها، قولا وفعلا، تستعمل لغتها الرسمية في التعليم والإعلام، وبصفة عامة، في جميع المرافق العمومية؛ وذلك مثل إيران وتركياوباكستان وماليزيا واندونيسيا، وجميعها تقطع أشواطا في التنمية الاقتصادية والمالية والصناعية والتكنولوجيا. ويلاحظ، بالنسبة لهذه الدول كونها لا تعيش التناقض الذي يعيشه المغرب على المستوى اللغوي ولا التخلف الاقتصادي الذي يوجد فيه المغرب
-   وهناك، على وجه المثال، دول إسلاميةعجمية بإفريقيا، اختارت التبعية الاقتصادية والثقافية لمراكز الهيمنة الرأسمالية في الخارج، فرسمت لغة أجنبية، بدل أحد لغاتها الوطنية، وهذه اللغة الأجنبية هي التي تستعملها بمرافقها العمومية، ومن نماذج هذه الدولالإسلامية العجمية، دولة السنغال المرسمة للغة الفرنسية، ودولة النيجر المرسمة للغة الإنجليزية وإذا كانت هاتان الدولتان لا تعيشان التناقض الذي يعيشه المغرب على المستوى اللغوي (ترسيم اللغة العربية نظريا واستعمال اللغة الفرنسية بدلها واقعيا)، فإنهما معا تتماهيان معه في كونالثلاثة لا زالوا ينتمون إلى العالم المتخلف على كافة المستويات…
5-   وبغض النظر عن الدخول في مناقشة هل الشعب المغربي يعيش آمنا وفي وطن مستقر، فإن ما ينبغي التأكيد عليه هو أن "الفتن"الشعبية لا تندلع بسبب الفتاوى كيفما كان نوعها ومصدرها، وإنما بسبب مصادرة إرادة الشعب وغياب الديمقراطية الشاملة بمفهومها السياسيوالاقتصادي والاجتماعي والثقافي
-  وقبل أن نترك الرد على آخر محور من محاور تعليق السيد سعيد الكحل، لا بد أن نتساءل كيف غاب عنه، من خلال تعليقه، ألا يعطي رأيه حول استعمال اللغة العربية في جميع المرافقالعمومية:
-   هل هو مع وجوب الاستعمال أم ضده؟
-  أو بعبارة أخرى، هل هو مع تطبيق مقتضيات الدستور المتعلقة برسمية اللغة العربية أم ضدها؟
أو بعبارة أوضح، هل هو مع سيادة القانون نظريا وتطبيقيا أم لا؟
والسلام على من اتبع الهدى
النقيب عبد الرحمن بن عمرو
الرباط في 7 شتنبر 2010