السبت، 11 أغسطس 2012


في أي شروط صحية يباع الماء لسكان سيدي قاسم
 
نماذج من عملية بيع الماء بسيدي قاسم
الماء الموزع بأنابيب "المكتب الوطني للماء الصالح للشرب" بسيدي قاسم غير صالح للشرب.. الأمر واضح عند تذوقه، وعند مشاهدة سكان كثيرين كبارا وصغارا بقنيناتهم البلاستيكية يبحثون عن "جغمة" ماء، من آبار "الجنانات" القريبة من المدينة وعيون المرتفعات القريبة كعين "زبزار" بباب تيسرة خاصة أيام رمضان.. لكن ظهر على الخط "لاعبون" آخرون، اهتبلوا الفرصة للمتاجرة بالماء مقابل عائد مرتفع، فيبيعون خمس لترات بدرهمين أو ثلاث، يجلبون الماء إلى سيدي قاسم من عيون بعيدة كعين "الشكور" قرب زرهون، وعين "صدين" المحادية لوزان بواسطة شاحنات صغيرة ومتوسطة، والمشكلة هي ظروف سقي وتنقيل وتوزيع هذا الماء، ومراعاة الجوانب في ذلك.. فقد ذكر مواطنون عاينوا عملية شحن الماء أن بعضهم يغرفونه  من "الساريج"  (حوض)حيث يسبح الأطفال  ويتراكم روث البهائم.. لأن هؤلاء التجار ليس لديهم الوقت لملء الماء من العين مباشرة، ولا يمكن أن ينتظروا "نوبتهم" مع الزحام الذي يكون هناك، وطبعا لاتهم صحة المواطنين.. فما الحل؟ 
 ليس هناك من حل سوى تحمل المسؤولين لمسؤوليتهم كاملة وتوفير ماء صالح للشرب لسيدي قاسم فعلا لا قولا.

الجمعة، 10 أغسطس 2012

بيض الدجاج الحزبي في المغرب!


  بيض الدجاج الحزبي في المغرب!

مصطفى لمودن

بين الفينة والأخرى تنفضح بعض أسرار أحزاب المخزن وأحزاب الأعيان؛ فقد ذكر مثلا حميد شباط في خضم صراعه حول الأمانة العامة لحزب الاستقلال وهو عضو قيادي أنهم لم يطلعوا يوما على حقيقة مالية الحزب، وما ينفق في الحملات الانتخابية، ومقدار الدعم المحصل عليه من  الدولة وما تبقى منه.
وذكر حسن أوريد والي جهة مكناس تافلالت السابق أن "حزب الأصالة والمعاصرة" صناعة مخزنية، وقد تلقى الدعم المالي الوفير، وجرت تغييرات في العمال والولاة لخدمة هذا الحزب..
وقبل ذلك قال امحند العنصر الأمين العام لحزب "الحركة الشعبية" في استجواب مطول بجريدة "الأحداث المغربية" عقب وفاة الحسن الثاني إنهم في أحزاب الإدارة كانوا يتلقون المال من وزارة الداخلية ف الخناشي.. ويقال لهم اذهبوا إنكم تدافعون عن أنفسكم ومصالحكم..
 وذكر محمد عبو الأب أنه مد "حزب الأحرار" بحقيبة مالية غداة الانقلاب الذي خاضه صلاح الدين مزوار ضد خصمه مصطفى المنصوري، وقدمت عائلة عبو وحدها لهذا الحزب 700 مليون سنيتم. ليبدو كم هم أسخياء بعض أغنياء المغرب في مثل هذه الأمور، وذلك للدفاع عن مصالحهم، ولعل أهمها التهرب الضريبي وتحصيل منافع في إطار اقتصاد الريع وعدم أداء مستحقات مستخدميهم لدى الصناديق الاجتماعية وتقديم أجور هزيلة لهم.. 

كما لا يمكن أن نقفز عن مخالفة عبد الإله بنكران أمين عام "حزب العدالة والتنمية" لعوده من أجل "محاربة الفساد والمفسدين" كما جاء في حملته الانتخابية، ولجوء الحكومة إلى الاقتراض، بينما كان مبرره للزيادة في أثمان المحروقات هو تفادي الاقتراض! كما ظهر أن له تفسيرا جد ضيق ولا يتماشى مع الخط الديمقراطي فيما يخص تفسير الدستور ووضع القوانين التنظيمية… لتطرح مصداقية السياسيين على المحك ومسألة ثقة المواطنات والمواطنين بهم..
  مثل هذا هو ما كرس بُعد المواطنات والمواطنين عن السياسة والمشاركة في الشأن العام، والإدلاء بالأصوات أثناء الانتخابات، مادام الغالبية يعتقدون أن كل شيء مخدوم سلفا.. بينما في الواجهة الأخرى أحزاب مناضلة تغلق ضدها أبواب القاعات العمومية والإعلام العمومي ويجرجر مناضلوها، وتنتزع لافتاتها من الشارع.. والغرض معروف، ألا وهو إبعاد كل من له عزف يخالف معزوفات الإدارة التي تهدف إلى التحكم في كل صغيرة وكبيرة.. لكن مصير الوطن يهم كافة المواطنين وليس حفنة من الأحزاب لا تنتج غير البيض الفاسد.. ولم يبق من المستساغ بقاء فئات اجتماعية كثيرة أخرى على الهامش تمارس هواية التفرج والتبرم والتشكي..

الخميس، 9 أغسطس 2012

منيب: بنكيران لا يستحق أن يكون رئيس حكومة .. ولن نغفر لحِزبه


منيب: بنكيران لا يستحق أن يكون رئيس حكومة .. ولن نغفر لحِزبه

إسماعيل عزام 
قالت الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد نبيلة منيب إن عبد الإله بنكيران لا يستحق أن يكون رئيس حكومة، معتبرة أن حزب العدالة والتنمية ليست له لا القدرة ولا الكفاءة لأنه "لا يتوفر على أي مشروع سياسي أو مجتمعي حقيقي، بقدر ما يتوفر على توجهات رجعية ضد حقوق الإنسان وضد الديمقراطية ما دام الكثير من أعضاءه يؤمن بتزويج القاصرات وبضرب حرية المعتقد" في إشارة زعيمة "الاشتراكي الموحد" إلى قضية أمينة الفيلالي ولعملية صياغة الدستور.

وأضافت منيب التي استقبلتها حركة الشبيبة الديمقراطية التقدمية أمس، في جامعتها الصيفية بطنجة، أن السبب في فشل المغرب في التنمية مرتبط بفشله في النظام التعليمي، وأن الإجراءات الثلاث الحالية التي قامت بها الحكومة من رفع للمديونية وقمع للحركات الاحتجاجية وضرب للقدرة الشرائية للمواطن ستزيد من تأزم الأوضاع الاجتماعية أكثر، مشددة أن "الاشتراكي الموحد لن يغفر أبدا لحزب العدالة والتنمية كونه أضاع عن المغرب فرصة ثمينة من أجل الإصلاح عندما استفاد من الحراك الشعبي بالمغرب للوصول إلى الحكومة رغم أنه لم يدعم هذا الحراك يوما"، تقول منيب.
وفي حديثها عن حركة 20 فبراير، أكدت الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد أن هذه الحركة لم تمت، لأن جميع الحركات الاجتماعية بالعالم - حسب منيب- تخضع لخط زمني يتراجع حينا ويتصاعد حينا آخر، كما أشادت بشباب الحركة الذي قالت عنه إنه يمتلك هوية بناءة خاصة عندما أبان عن عدم ثقته بالأقوال والخطابات كما فعل يوم 20 من مارس 2011 لما خرج إلى الشارع بكثافة رغم تطمينات الخطاب الملكي، منددة كذلك بجملة الاعتقالات التي يتعرض لها حاليا هؤلاء الشباب، حيث وصفت الأمر بـ"قمة الوقاحة السياسية أن تعتقل من يطالب بالديمقراطية".
كما انتقدت منيب في نفس الوقت جماعة العدل والإحسان التي وصفتها بالتنظيم القابع في التخلف والخارج عن التاريخ، فـ"سبب انسحابها من حركة 20 فبراير ليس بنفس المبررات التي قدمتها، ولكنه راجع إلى رغبتها في دعم حزب إسلامي له تقريبا نفس مرجعيتها الأصولية والظلامية" تستطرد الأمينة العام للحزب الاشتراكي الموحد.
ودعت أول امرأة تصل إلى منصب أمينة عام لحزب بالمغرب، حركة 20 فبراير إلى وقفة تقييمية من أجل التقدم إلى الأمام، مطالبة الشباب بالدراسة وبالتكوين الذاتي لأن المغرب يحتاج حاليا إلى ثورة ثقافية أكثر من أي ثورة أخرى، وكذلك بالانخراط في العمل السياسي الذي يشكل حسب وجهة نظرها مكونا أساسيا لهوية الإنسان، مبرزة أن مشروع اليسار الديمقراطي في المغرب هو المشروع البديل الذي سيساهم في خروج المغرب من التخلف، من خلال مطلبه بـ"الملكية البرلمانية" التي تضمن -وفق منيب- إمكانية فصل السلط وكذلك تمتيع الحكومة بصلاحيات حقيقية تتيح للشعب إمكانية محاسبتها. 
-—————————– 
 عن موقع هسبريس، الصور خاصة باستثناء الأولى 

الأربعاء، 8 أغسطس 2012

الفيلم التفزي "صفي تشرب" أزمة جيل يصعب عليه الاعتراف بالحب


  الفيلم التفزي "صفي تشرب" 
أزمة جيل يصعب عليه الاعتراف بالحب
 
     
مصطفى لمودن 
 
عرضت القناة الأولى المغربية الفيلم التلفزي "صفي تشرب" ليلة الجمعة 3 غشت 2012، كتب سيناريو الفيلم مصطفى الأزهر (من سيدي سليمان)، وأخرجه إدريس الروخ.. وكان لزاما إلغاء كل الالتزامات والرغبات التي تطفح في ليالي رمضان لمتابعة الفيلم، مادام واضع السيناريو صديق أعلم رغبته الجامحة من مدة طويلة لولوج غمار الكتابة الدرامية، ورغم المشاهدة الوحيدة للفيلم، أحاول هنا إنجاز قراءة متواضعة له..
  أهم شخوص الفيلم إبراهيم (عبد الله ديدان)، الصحفي العامل بإحدى القنوات التلفزية، والذي يُعدّ ويقدم برنامجا شهريا اسمه "صفي تشرب"، يستضيف فيه شخصيات متنوعة الاهتمامات..
ثم رحمة (دونيا بوطازوت)، شابة متعلمة، حاصلة على الإجازة في اللسانيات، بلغت الثلاثين من العمر، معجبة بابن خالتها الصحفي إبراهيم الذي يقيم في الدار البيضاء.. بينما هي تسكن منذ صغرها مع خالتها (عائشة ماهماه)، خالتها هاته تحفزها وتدفعها كي تـُسقط إبراهيم في فخها ليتزوج بها، قالت لها "جيبيه ف الشبكة"!.. وقد أخذت الخالة رحمة إلى منزل إبراهيم وتركتها معه، لكن هذا الأخير لا يكترث بها، بل يعاملها بجفاء وقسوة رغم كل محاولاتها لخدمته في بيته، وقيامها بكل ما هو ممكن أو غير مناسب حتى يلتفت إليها.. كإعداد الأطعمة، وتسميم صديقته التي أحضرها إلى البيت، وحبسه في غرفة وإغلاقها بالمفتاح عنوة، ومنعه بذلك من الذهاب إلى العمل.. لم يزدد إلا بغضا لها، فقطع الماء والكهرباء محاولا بذلك إبعادها عن المنزل..
لكن تدخلات المخرج علي (إدريس الروخ) صديق إبراهيم، ومساهمة زوجته هدى(مريم الزعيمي) فيما بعد، جعلهما يساهمان في محاولة تلطيف الأجواء والتقريب بين إبراهيم ورحمة دون جدوى، كما دخل على الخط شخص ثالث وهو المخرج عماد الذي أبدى عن رغبته في الارتباط برحمة.. 
من اللحظات المفصلية في الفيلم خروج رحمة من المنزل إلى فضاءات الدار البيضاء بحثا عن عمل، وقد وجدته لدى هدى في مقهاها، وكان لهدى دور في "ترشيد" شخصية رحمة، ومساعدتها لتكتشف أنوثتها وتبدو بمظهر آخر جذاب..
   ولعل من أهم المشاهد المميزة في الفيلم، والتي جعلته يقفز عن طابع القصص المستهلكة، عدم استجابة إبراهيم لخطط المافيا السياسية، والتي تسعى للدفاع عن مصالحها بالخداع وشراء الذمم، فقد فضح إبراهيم مباشرة على شاشة التلفزة أحد "منتوجات" هذه المافيا، وهو أحد "الوجوه" التي تريد دخول غمار الانتخابات وتحتاج لتلميع صورتها.. عرض إبراهيم الشيك الذي تسلمه من أحد السماسرة كي يمر كمال كضيف على البرنامج الشهري "صفي تشرب"، وقبل انطلاق البرنامج ولما أُدخل الضيف إلى الأستوديو، قال عنه إبراهيم للسمسار "هاذ كما هو اللي غادي يخدم البلاد؟!"، وانتهى البث المباشر للبرنامج بوصفه لهذا "الكركوز الانتخابي" مخاطبا المشاهدين (نحن) "كمال وأمثالو ما يمكن يشربوا إلا الخواض".. أخبر إبراهيم الشرطة ونسق معها قبل انطلاق الحلقة التلفزية كما ذكر فيما بعد للمخرج، هذا الأخير هنأه على شجاعته وجرأته.. غير أن المافيا السياسية اعترضت إبرايهم بمدخل العمارة التي يقطن فيها، فأشبعه مسخرون غلاظ ضربا إلى أن قارب مغادرة الحياة، وبقي السمسار مستمرا في شغله، وقال لإبراهيم وهو يتضور دما وألما، "إل فضحتي واحد، ما تقدرش تفضح كل شي، أحنا بزاف". ليكون الخطاب واضحا لا لبس فيه حول استحالة القضاء على المافيا السياسية التي تنخر واقع البلد..
لم يجد إبراهيم في محنته غير رحمة التي وقفت إلى جانبه واعتنت به كأنها ممرضة مداومة، لكنه ظل مرتبطا على المستوى العاطفي بصديقته، فتكلم معها عبر الهاتف واتفقا على اللقاء ورحمة تسمع، وتلك من إحدى "الصدمات" التي تتلقاها باستمرار من إبراهيم، مما جعلها تغادر الدار البيضاء وتعود عند خالتها بالعالم القروي..
 لقد كانت حادثة الاعتداء على إبراهيم بمثابة "الصدمة" التي جعلته يستفيق، وذلك ما أكده بنفسه لصديقه المخرج علي.. وظهر أن صديقته التي التقاها بالمقهى لم تعد تثير اهتمامه، مما جعله يرجع بدوره عند أمه، ويخبرها برغبته الزواج (أخيرا!) من رحمة، التي وجدها مشتغلة في قلب الأرض بعتلتها ويدها معفرة (عوض ملطخة) بالتراب.. لينتهي الفيلم على مشهد "طفولي" تجري فيه رحمة بين الأشجار وإبراهيم يتبعها..
وضعت للفيلم حبكة سردية منسجمة، ركزت على التسلسل المنطقي للأحداث، وعلى طابع التشويق ومفاجأة المشاهد بمنعرجات لم يكن ينتظرها، مع نفحة من الفكاهة السوداء..
حبل الفيلم بمجموعة من التيمات التي تكاد تربك المجتمع المغربي في هذه اللحظات من التاريخ، ولعل منها الحضور الملفت للماضي بثقله وبسلبياته وإيجابياته، وقد مثلت الأم ذلك، فلاشيء يكاد يخرج عن أوامرها وعن سلطتها الظاهرة والخفية..
عدم القدرة على البوح وعلى الاعتراف بالحب؛ وكأن ذلك جريمة لا تغتفر، وهنا تظهر الشخصية المهزوزة نفسيا، بحيث ليس من الضروري بناء الفرد على المستوى المعرفي وإغفال الجوانب الأخرى منها العاطفي، وكأننا أمام جيل مشوّه العواطف مستسلم لقدره.. فرحمة تبدو أحيانا كالبهلوانية، وإبراهيم متردد.. لكن هناك المقابل من الحالات السوية التي يمثلها علي وهدى وهما في علاقة زوجية ملؤها الحب والوئام والتقدير..
 صعوبات الوضع السياسي الراهن؛ فإذا كان أحد الوزراء رفض الحضور في برنامج "صفي تشرب" رغم إلحاح المشاهدين عبر الانترنيت، فذلك تعبير عن مشاكل التواصل في المغرب التي تكاد تنعدم، بالمقابل هناك صناعة لكراكيز تـُـمنح لها المناصب والشهرة المزيفة لتسير بالبلد نحو الكبوات..
 أما فيما يخص الجانب التقني في الفيلم، فقد اعتمد المَـشاهد السريعة المتتالية، وهي مناسبة للأحداث المتسارعة وللظروف التي تعيش فيها الشخوص.. إلا في بعض اللقطات التي تتطلب التعبير عن البساطة والهدوء كمشاهد التقاء هدى برحمة، أو ظهور الخالة رفقة البطلة.. وجاءت الموسيقى المصاحبة مناسبة لانفعالات كل مشهد على حدة..
   في فيلم "صفي تشرب" لحظات إنسانية متسمة بالحساسية المفرطة، حيث يشعر المشاهد بالتعاطف مع بعض الشخوص أحيانا، وبرغبته في التدخل لتغيير مسار الحكي نحو وجهة أخرى، كرفض أن يقسو إبراهيم بذلك الشكل، أو أن تعرض رحمة نفسها لمواقف محرجة.. وفي ذلك إبداع قل نظيره..        

الثلاثاء، 7 أغسطس 2012

تشكيل التشكيلي زكرياء القفز أو القفز عاليا فوق حدود البنيات المسكوكة للممارسة التشكيلية


تشكيل
التشكيلي زكرياء القفز أو القفز عاليا فوق حدود البنيات المسكوكة للممارسة التشكيلية
 

حاوره  مولاي علي أفردو السجلماسي *
 

زكريا القفز فنان من طينة مغايرة ومعدن نفيس، يروم التصدي ويأبى الصدأ ويخلق في كل تجربة صداه. ينطلق هذا التشكيلي الشاب من خلفية ثقافية وجمالية رصينة، وأعماله تتمنع في إباء إزاء توصيفها بالفطرية أو الأكاديمية ولا حتى العصامية. استطاع في غفلة عن العيون أن يخلق عوالمه البصرية الفريدة، داخل محاريب سرية، لا يعلم خريطة سراديبها وسبر أغوار دهاليزها غيره. فبشخصية الشاعر الذي يلهو بنثر البهاء بين ثنايا القماش الأبيض، ومهندس الألوان، الذي يتسلى بفك المعادلات اللونية والضوئية المعقدة، بحس خيميائي متمرس، على صفحات الحواملsupports، قماشا كانت أو ورقا أو سبورات…لايهم.
  انتبه له النقاد أخيرا، فأجمعوا على فرادة تجربته ومغامراتة الفنية المائزة. وكما كان الشعراء يفعلون قديما، نهل زكرياء من كل التجارب والرؤى والاتجاهات، ليتعمد تجاهلها الواعي ويتعدى حدود القوالب النمطية، فينحت بثقة هوية جديدة لإبداعه، ينصهر في بوتقتها التسجيلي والتشخيصي والرمزي والانطباعي والتجريدي، في تلاؤم. حساسيات متعددة ، في حضن اللوحة المفردة…تتجاور، تتحاور، وحتما تتجاوز بعضها البعض.
 فإذا كان بوفون يقول بأن "الرجل هو الأسلوب"، فإبداع القفز يؤكد أن هذا المنطق ينسحب بامتياز على الفنان، بقوة الفعل والضرورة.
 في أحد معارض العاصمة التقينا هذا الفنان المكتوي بنار الفن المقدسة، فكانت لنا معه هذه الدردشة.
 

°  كيف ابتدأت رحلة الألوان؟

  زمنيا لا أذكر متى أصبت بمس التشكيل. ما أذكره فقط، أني كنت دائما مسكونا بملاحظة وتأمل الألوان والتشكيلات وتصارع الظل والضوء ولانهائية الكتل والأحجام. لأتذكر كذلك أني منذ طفولة بعيدة قد ربطت علاقة صداقة حميمة مع قلم الرصاص. فانتبه الوسط العائلي لموهبتي، لأجدني أشارك في كل مسابقات الرسم في المدرسة. وفي المرحلة الإعدادية والثانوية، كان الأساتذة يستعينون بي في رسم الأشكال والمواضيع التي تهم خصوصا مادتي التكنولوجيا والعلوم الطبيعية، وحين كان التلاميذ يجدون صعوبة في إدراك المفاهيم المجردة، في مادة الهندسة الفضائية، كنت أقوم برسم تقاطعات المستويات على السبورة. ولعل اشتغالي فيما بعد في مجال الهندسة المعمارية، قد صقل هذا الاهتمام، إضافة إلى تكليفي بتقديم دروس في مجال التربية التشكيلية لفائدة مجموعة من الجمعيات والمؤسسات، ومنها إعدادية جون دارك الفرنسية.


°- خلال اشتغالك بالدار البيضاء، استطعت اختراق المشهد الفني، لتربط علاقات هامة مع مجموعة من الأسماء الكبيرة. كيف تقيم هذه التجربة؟

   لعلها محطة هامة، أفادت كثيرا تجربتي. فاحتكاكي بالوسط الفني البيضاوي، جعلني أخبر المشهد التشكيلي، وأفهم ميكانيزماته. ففي هذه الفترة، اطلعت على تجليات الممارسة التشكيلية بالمغرب وكواليسها، من خلال تجارب كبار التشكيليين. كما سبرت أغوار الاتجاهات والمدارس والنزعات الفنية، التي تزخر بها الساحة. فتعاملت مع أسماء وقامات وازنة، من قبيل عبد اللطيف الزين، رحول زويتينة، حجي الحريري، الملاخ، جريد  وغيرهم. كما تأثرت بأساليب وطرق اشتغال كثير منهم. وقد ساهمت، آنذاك في الإشراف على تنظيم مجموعة من المعارض الجماعية، منها معرض نيابة عين السبع الحي المحمدي، ومعرض 
المركب الثقافي عقبة بن نافع، والملتقى الثاني لمنتدى الإبداع والتشكيل للدار البيضاء الكبرى، بكاتدرائية القلب المقدس سنة 2007. كما كنت عضو لجنة الفرز في انتخابات تعاضدية الفنانين المغاربة، وشاركت في عدة معارض جماعية.


°- ثم اختفيت مدة، لتظهر أخيرا على صفحات كبريات الجرائد الوطنية. لماذا هذا الغياب؟

    في اعتقادي، يجب أن يضع الفنان، بين الفينة والأخرى، مسافة  على آخر تجاربه، لتتوضح الرؤية أمامه. اعتفكت على الاشتغال على المدارس الفنية الكبرى،  موازاة مع النهل من التراث البصري والمكتوب حول مختلف مراحل تطور الممارسة الفنية كونيا. وأنجزت عدة أعمال في إطار هذه الحساسيات. ثم كرست كل جهدي للتجريب الفني. ونبراسي كان دائما إيماني بان الفنان الحقيقي يجب أن يمثل قيمة مضافة، ويخلق أسلوبه الخاص. فالتصوير التقريري والتسجيلية الكارطبوستالية، والهلامية في التجريد لم تكن أربي. فكان لابد من التوفيق بين هذه الاتجاهات في عمل ينتقل فيه بصر المتلقي بين المدرك والقابل للإدراك، بين المرئي واللا مرئي، بين الواقعي والتخييلي، بسلاسة.

°- وماذا عن احتكاكك بالوسط الفني بالرباط وعلاقتك مع المرحوم الدواح؟

    عند عودتي إلى الرباط، أعدت اكتشاف الاوداية، التي أعشقها من خلال تجربة الفنان النويكة، وربطت علاقات قوية مع مجموعة من الأسماء الفنية، منهم قرمانوالسكوني. ولعل ملازمتي للفنان الراحل ألبير بيلو، قد أعطت نفسا جديدا لتجربتي.
  أما علاقتي بالراحل الدواح، فكانت إضافة للجانب الفني، تكتسب بعدا إنسانيا. فقد كونا، رفقة الراحل الشكيروالتشكيلي الصواب رباعيا فنيا. واشتغلنا طويلا في ورشة المرحوم الشكير.

°- يتفق النقاد على فرادة تجربة القفز. كيف تأتت هذه الخصوصية؟

 اشتغالي على مختلف المدارس الفنية، قادني إلى قناعة ألا تكون أعمالي مجرد محاكاة، أو تمارين تطبيقية. فكان لابد من استثمار مكتسباتي ومرجعياتي لإبداع منجز أصيل. وبمعنى آخر، كان لابد من نحت وسيلة لنقل إحساسي بالحياة لفضاء اللوحة، برؤية وأسلوب خاصين. فلا مناص في تصوري أن تكتسب اللوحة كارزميتها وهويتها الخاصتين بها.

°-  وماذا عن مشاريع المستقبل؟
 
   بعد عدة معارض جماعية شاركت فيها هذه السنة، وبعد تجربة تحويل اللوحات المتلاشية إلى حوامل إبداع، التي نظمتها نيابة سلا، والتي شارك فيها مجموعة من الفنانين الكبار، أمثال عبد الكبير البحتوري، أعد للموسم الثقافي المقبل مجموعة من المعارض الشخصية، والتي ستبرز فيها ملامح المحطة الجديدة في مساري الفني.

——–                                                          * صحفي وناقد جمالي