المخيمات الصيــــــــفيــة
ضعف التأطير وقـلـة الإمكانيات
من مخيم "راس الرمل" بالعرائش
أثار التخييم في الموسم الحالي من صيف 2009 نقاشا واسعا، وقد أتخذ له عدة واجهات إعلامية وردود فعل بين بعض الأطراف المسؤولة، سواء من طرف وزارة الشباب والرياضة، أو الهيئة الوطنية للتخييم، وجمعيات أخرى صغيرة، من أهم القضايا المثارة، التراجع عن عدد المستفيدين من التخييم، ضعف الخدمات، تضارب أراء المتدخلين، انتقاد طريقة تفويت تموين المخيمات لمتعهدين معينين، الوصول إلى مرحلة القطيعة بين الوزارة الوصية والهيئة الوطنية للتخييم، ومقاطعة التداريب الشتوية، والمساءلة عن مستوى التأطير والتداريب في حد ذاتها… وقد كان لمدونة سيدي سليمان فرصة التقاء أحد الأطر الجمعويين الذي له تجربة طويلة في مجال التخييم، ومحاورة إطار آخر يمثل جمعية عضوا في الهيئة الوطنية للتخييم، لإبداء وجهة نظرهما في الموضوع.
محمد غفري
محمد غفري رئيس جمعية الشموع يعتبر جمعيته صغيرة ولم تتوفر لها الشروط المطلوبة لتكون عضوا في الهيئة الوطنية للتخييم، تأسست في 15 ماي 2005 بسلا، تتوفر على ست فروع، لكن مسؤوليها يتوفرون على خبرة طويلة في مجال المخيمات ضمن جمعيات أخرى، أما إبراهيم أحنصال كاتب فرع "جمعية الطفولة والشباب" ببني ملال فجمعيته " عضوا مؤسسا للهيئة الوطنية للتخييم منذ طبعتها الجديدة في أبريل 2008.". و"تأسست في دجنبر 1997 من طرف عدد من النشطاء الجمعويين وجمعيات محلية ذات قواسم مشتركة، وقد عقدت مؤتمرها الوطني الأول بتاريخ 11- 12 و13 ماي 2001، ومؤتمرها الثاني أيام 17- 18 و19 2005 تحت شعار: "التطوع أساس استمرار العمل الجمعوي الجاد والهادف".
وقد صدر قرار تأسيس الهيئة الوطنية للتخييم في 4 فبراير 2005 من طرف كتابة الدولة المكلفة بالشباب بناءا على قرار الوزير الأول رقم 3.38.04 الصادر في 18 من جمادى الأولى 1425 في 6 يوليو 2004 ، وهي تتكون من "ممثلي القطاعات العمومية وشبه العمومية والخاصة والمتدخلة في مجال التخييم" بالإضافة إلى مصالح الوزارة الوصية، وتمثل فيها جمعيات التخييم بعضوين، لكن حسب شروط جد صارمة، من ذلك أن "تتوفر الجمعية على خمسة عشر فرعا على الأقل"، "أن يكون قد مر على تأسيسها خمس سنوات"، و"أن تكون قد استفادت على الأقل من 1000 مقعد من مقاعد التخييم في الموسم السابق على طلب العضوية" بالإضافة إلى توفرها على الأطر الكافية، ما لا يقل عن مائة إطار والمديرين والمقتصدين… مع إلزامية إضافة ثلاث أعضاء بالصفة عن اتحاد المنظمات التربوية و الجامعة الوطنية للكشفية و الرابطة الوطنية للحركة الكشفية(!!!) من مهامها الاستشارة والاقتراح في شؤون السياسة الوطنية في مجال التخييم والمساهمة في الخطة الإستراتيجية للتخييم، وتساهم في تنفيذ قرارات لها علاقة بالمخيمات ومراكز الاصطياف و"دراسة وإبداء الرأي في الشراكة المبرمة مع الجمعيات المعنية بنشاط المخيمات و في طلبات الاستفادة من نشاط التخييم و مدى ملاءمة هذه الطلبات للشروط و المعايير التربوية و التأطيرية والتنشيطية والقانونية"
محمد غفري رئيس "جمعية الشموع" وسط فضاء مخيم العرائش
ويمكن أن تكلفها الوزارة بمهام… لكن هذه السنة وقع احتكاك بينها وبين الوزارة حول تقييم بعض المخيمات مما أدى إلى إلغاء بعضها كما وقع لمخيم سيدي الطيبي، كما وجهت لها تهم حول عدم التوزيع العادل للمخيمات، فهذا محمد غفري يؤكد الاتهام، ويقول أن جمعيته حصلت على ميخم "راس الرمل " لأنه دون المستوى وليس عليه طلب كبير، لكنه بالمقابل أثنى على الأطر الوطنية في مصلحة التخييم والأطر المحلية بالعرائش على ما قدمت لجمعيته من مساعدة. ويرى أن جمعيات أخرى صغيرة لم تجد خيارا بقبول ما تبقى، خاصة مخيمات جبلية لا تجد إقبالا، وقد صار إبراهيم أحنصال في نفس المنحى بقوله: " يبدو هذا من باب تحصيل الحاصل ما دامت الجمعيات العضوة في الهيئة تختار هي الأولى المخيمات، وعلى اعتبار أن العضوية في الهيئة تخضع لشروط كمية ونوعية، بغض النظر عن تقييمنا لدقة ومستوى شفافية ومدى احترام مساطرها من أعضائها." وعن سؤال حول فرض شروط معينة كتحديد مسبق لعدد المستفيدين ومراحل تخيمية معينة أجاب إبراهيم:" الجمعية عانت وما تزال من هذا الحيف، خاصة في حصر وتضييق نسبة المستفيدين من مخيماتها بما يحد من قدراتها وإمكانياتها التأطيرية، وهذا راجع إلى كون بعض أعضاء الهيئة الوطنية للتخييم تتحكم فيها اعتبارات المحسوبية ونزوعات الإستنسابية الحزبية الضيقة." وقد شاركت جمعيته هذه السنة ب 1200 مستفيدة ومستفيد عبر عدة مراحل تخيمية(أنظر الصور)
مخيم "جمعية التنمية للطفولة والشباب" بالهرهورة
ومما لفت الانتباه هذه السنة كذلك في مجال التخييم التراجع الملحوظ في عدد المستفيدين من المخيمات، فقد بلغ قبل سنوات (200000) مائتي ألف، يرى البعض أنها تظم بالإضافة إلى المخيمين كل الأطر والمشاركين في التداريب وبرامج مخيمات نهاية الأسبوع، والمقامات اللغوية، والمستفيدين من "المخيمات الحضرية" التي وجهت لها عدة انتقادات، لهذا " فتح موسم المخيمات الصيفية، النقاش حول مصير البرامج السابقة، خاصة "العطلة للجميع" الذي راهن على الرفع من سقف عدد المستفيدين إلى 200 ألف، والذي كان يهدف إلى جعل برنامج التخييم الصيفي خدمة عمومية، من خلال الرفع من عدد مراكز التخييم، لكن ودون أي إعلان رسمي تـم سحب هذا الشعار بشكل تدريجي ابتدأ من السنة الماضية، ليصبح، عدد المستفيدين، اليوم، لا يتجاوز 70 ألف، في ظل البرنامج الجديد "العطل والترفيه" لموسم 2009"، يتوزعون على 43 فضاء . محمد القرطيطي رئيس الهيئة الوطنية للتخييم في حوار له مع إحدى الجرائد الوطنية يرى ذلك بمنطق مغاير:"بالنسبة لمسألة التراجع من عدمه، استطيع القول إنه إذا تم احترام التزامات الوزارة في المحافظة على حمولة المخيمات القارة في حدود 80 ألف مستفيد، والمخيمات الحضرية في 40 ألفا والمقامات اللغوية واللقاءات الموضوعاتية في 40 ألف مستفيد، واللقاءات الدراسية في 30 ألف مشارك والتأطير بالمخيمات والتداريب واليافعين في حدود 10 آلاف، وتم توزيع الباقي على مخيمات نهاية الأسبوع، إذا التزمت الوزارة بهذا التوزيع، وتعاونت من أجل تنفيذه وتوفير المستلزمات والوسائل، لن يكون هناك تراجع من أساسه، والهيئة ملتزمة بالمحافظة على المكتسبات، وتسعى دائما إلى تطويرها والرفع من سقفها."
من مخيم "جمعيةالشموع"
أما محمد الغفري فيعلق قائلا:" التقليص كان مجحفا، وقد نزل كثيرا عن مرحلة محمد الكحص" (كاتب الدولة السابق المكلف بالشباب)، وانتقد بشدة تقليص فترة المخيمات إلى 12 يوما، وذكر أنه لما كان صغيرا كانوا يخيمون سواء في رمضان أو في عيد الأضحى، وتساءل عما سيحدث في السنة المقبلة عندما سيتواجد رمضان في منتصف العطلة، وقد أرجع عددا من مشاكل التخييم الحالية إلى الوزارة خاصة المقربين من الوزيرة السابقة والوزير الحالي المنتمين لقطاع الرياضة حسب قوله، وأضاف :" كان يجب تحويل فائض الميزانية المقتصدة إلى التجهيز"، ولم يفته الحديث عن مشاكل تخص "مخيم راس الرمل" كنموذج لبقية المخيمات، وهو انعدام الأمن، كثرة الباعوض، ضعف البنية التحتية، مصحة المخيم دون أدوية أو طبيب، فقط ممرضة تحضر بالنهار ودون فائدة صحية كما ذكر. ولعل البعض لا يعرف أن أغلبية الجمعيات المشاركة في التخييم تحضر معها وسائل الطبخ والأكل، وهو ما وقفنا عليه في مخيم "جمعية الشموع"، وعن سؤال حول إحضار هذه الأدوات قال إبراهيم أحنصال:" نعم يطلب منا ذلك، ونجد أنفسنا مجبرين على اقتنائها بحكم الحاجة ولسد النقص رغم إمكانياتنا المتواضعة جدا."، أما عن الميزانية المخصصة للأغذية من قبل الحكومة لكل طفل فقد ذكر البعض أنها قد ارتفعت "إلى 35 درهما لكل طفل عوض 20 درهما التي كان معمولا بها سابقا." بينما يذكر ممثلا الجمعيتين اللتين نقدم شهادتمها أن القيمة الحقيقية هي 20 درهما للصغار و30 درهما للكبار تدخل فيها عدة نفقات منها تأدية أجور الطباخين… ووضح أكثر أحنصال بقوله:" التضارب حول المنحة المخصصة لكل طفل أو يافع، مرده إلى غياب الشفافية والوضوح من جانب الجهات الرسمية. وعلى العموم فالمعطيات المتوفرة لدي هي 20 درهما للطفل و30 درهما لليافع، وهي نسبة جد ضئيلة لا تستجيب للحاجيات الغذائية للطفل واليافع في المخيم.". وانضاف هذه السنة عامل آخر زاد من حدة النقاش وهو اللجوء إلى ممونين يتم اختيارهم على الصعيد المركيز، وعلق على ذلك محمد غفري بقوله" مسألة المتعهدين فاسدة، لأنهم لا علاقة لهم بالمجال التربوي والتخييمي، ولهم هَــمّ مالي فقط، دون مراعاة وضعية الأطفال الصحية"، ويرى أحنصال بأن "التجربة منيت بفشل كبير، وعجزت عن توفير تغذية مناسبة في كمها وكيفها، بل وأحدثت ارتباكا في عدد من المخيمات." لكن مسؤولا من وزارة الشبيبة والرياضة وهو أنور حدجي أكد في حوار صحفي سابق "أن المتعهدين يخضعون لنظام مراقبة من طرف خلية مركزية من طرف الوزارة تقوم وظيفتها على زيارة مجموعة من الفضاءات بشكل فجائي بدون برنامج، وتنظر إلى مدى احترام دفتر التحملات الذي تم التعاقد عليه مع الوزارة الوصية، لحد الآن لم يتم تسجيل أية مخالفة من طرف المتعهدين."، وتقريبا نفس الشيء ذكره محمد القرطيطي: "، نحن مع المتعهدين إذا ما توفرت المراقبة وكذا شروط وآليات نجاحها، وإذا فشلت بشكل مباشر أو غير مباشر فنحن ضدها"، ونفس الشيء يقال عن التأمين الممركز كذلك، فقد اعتبره الغفري "محتكرا لسبب غير واضح، بينما في السابق كانت كل جمعية تختار المؤمن التي تريد"، أما ممثل جمعية التنمية للطفولة والشباب فيقول:" مسألة التأمين الموحد لها ايجابيات شرط إخضاعها للشفافية والمراقبة"، وككل سنة تطرح كذلك مشاكل لها علاقة بالنقل، تجد الجمعيات نفسها أمام مشاكل لا قبل لها بها، فالقطار الذي يخصص لنقل الأطفال إلى بعض الجهات يكون بالليل! يقول غفري:" هناك مشكل توقيت القطارات، بحيث تفرض برمجة الليل، ويكون الوصول بعد منتصف الليل، مما يخلق مشاكل كثيرة ذات صبغة أمنية"، أما إبراهيم أحنصال والذي ينطلق من بني ملال مع الفرع المحلي للجمعية التي ينتمي لها فيقول:" مشاكل التنقل عديدة، إذ يجدها أرباب الحافلات ووسائل النقل الأخرى فرصة للمضاربة في تسعرة التذاكر وفرض شروط مجحفة على مرتاديها من المخيمين." ويطالب رئيس "جمعية الشموع" بتوفير النقل التكميلي إلى جميع المدن التي تبعد عن خطوط السكك الحديدية كمخيم "الحوزية" بأزمور، ومخيم "راس الرمل " بالعرائش.
مخيم جمعية "التنمية للطفولة والشباب"
ولعل المشكل "الأبدي" الذي يكرر نفسه في كل سنة هو مستوى التأطير والأنشطة التي تقدم للمخيمين، وقبل ذلك لا يمكن الحديث عن هذا المشكل دون ذكر مقاطعة الجمعيات للتداريب الشتوية الأخيرة التي كان من المفترض أن تنطلق ابتداء من 25 يناير المنصرم، وذلك يندرج في إطار شذ الحبل الذي ظهرت بوادره منذ مدة بين وزارة الشباب والرياضة والهيئة الوطنية للتخييم، وقد رد الغفري بعضا من ذلك إلى عدم التزام الجهات الوصية بتوصيات المنتدى الوطني للتخييم المنعقد في وقت سابق بين الوزارة الوصية والجمعيات، وأكد أن "التكوين يخضع لقرار تنظيمي صدر في الخمسينات!" وانتقد المحتويات التي ما تزال تستعمل، وطال برفع عدد المستفيدين من التكوين والتداريب إلى ما لا يقل عن عشرين مستفيدا من كل جمعية… ومن جانبه سار أحنصال على نفس المنوال مع ذكره لبعض الحلول قائلا:" هذا صحيح، وهو راجع في جزء منه إلى قصور التأطير الذي تقدمه الوزارة الوصية على القطاع في التداريب التي تشرف عليها، وضعف التجديد والتكوين المستمر من جانب الجمعيات. ولأجل تلافي هذا الفراغ ينبغي العمل لمراجعة تداريب الوزارة في الشكل والمضمون، كما أن الجمعيات مطالبة بتجديد أساليب عملها وإبداع آليات اشتغال متحررة من طابع الروتين والتكرار، باعتبار حقل التنشيط التربوي مجال يتسم بالحركة الدائمة والمتنامية". وعلق أحنصال على عملية شذ الحبل القائمة بين الوزراة الوصية والهيئة الوطنية للتخييم بقوله: "شيء طبيعي ما دامت الوزارة تتعاطى مع مجال التخييم كفضاء غير منتج، بمعنى الربح المادي، وتتعامل مع الجمعيات الفاعلة في هذا الحقل بعقلية الوصي عليها. دون استحضار استقلاليتها واحترام الشرط الديمقراطي في تدبير هذا القطاع".
"التنمية للطفولة والشباب"
ويلخص إبراهيم أحنصال وجهة نظر "جمعية التنمية للطفولة والشباب" من أجل إصلاح أوضاع المخيمات والرفع حقيقة من عدد المخيمين بمجمل مطالب لخصها في:" إصلاح أوضاع المخيمات رهين بجملة إجراءات منها: تأهيل البنيات التحتية (مرافق صحية، مطابخ مجهزة، إضاءة، أرضية صالحة لمزاولة الأنشطة…)؛ الرفع من قيمة المنحة المالية المخصصة لتغذية المستفيدين بما يضمن نوعيتها وكميتها؛ توفير أطقم طبية مجهزة ومداومة لخدمة المستفيدين بالمخيمات مجانا؛ توفير الحماية الأمنية لفضاءات التخييم؛ النهوض بعملية التنشيط التربوي بشكل بناء وهادف…؛ ضرورة احترام الشرط الديمقراطي في الانتساب وهيكلة الهيئة الوطنية للتخييم وضمان شفافية أشغالها في أفق بلورة ميثاق وطني ديمقراطي ينظم مجال المخيمات ومجال الطفولة والشباب بعامة وينقض كل القوانين التراجعية والتضييقية على العمل الجمعوي؛ الحد من تدخل ووصاية وزارة الشباب والرياضة بما يجعلها جهازا يستجيب لمقترحات الجمعيات الناشطة في ميدان التخييم…"
"جمعيةالتنمية للطفولة والشباب"
ختاما لا يسعنا سوى أن نعيد ما كرره كل المربين حول الفائدة التربوية والاجتماعية والثقافية… للمخيمات قصد المساهمة في بناء شخصية الطفل واليافع وصقلها بتجارب حياتية متنوعة، وهذا لن يتأتى سوى بتضافر كافة الجهود للنهوض بالقطاع، كما يجب ألا ننسى أن هناك آلاف الأطفال لا يخيمون، وبالمناسبة نذكّر أن "تجمع المدونين المغاربة" قاد حملة إعلامية عبر شبكة الانترنيت للفت الأنظار إلى الإجحاف الذي يلاقيه آلاف الأطفال المغاربة المحرمون من العطل المنظمة والترفيه الإيجابي.
مصطفى لمودن
مخيم "جمعية الشموع"