مسرحية
أنا هي انت
قراءة
أولية
سعاد وغيثة (نورية بنبراهيم ـ أمال بنحدو) |
محمد صولة
قدم محترف باناصا
للفنون عرضا مسرحيا يوم الأربعاء5 دجنبر 2013 بسيدي سليمان على الساعة6.30 مساء بدار
الشباب.
يحمل العرض عنوان
ـ أنا هي انت ـ وهو من تأليف كاترين هيتز، ومن اقتباس نورية بنبراهيم، و تشخيص أمال
بنحدو ونورية بنبراهيم، أما العلاقة العامة فهي لسناء محيي الدين، والإخراج لنورية
بنبراهيم.
يوحي العنوان بترادف
بين الضمائر، بحيث إن التعالق الذي يربط بين هذه المكونات الثلاثة يستثمر البعد السيكولوجي
المتمثل في التداخل بين الشخصيتين، فأنا المتكلم الحاضر يستحضر هي الغائب الميت ويرىوجهه
في مرآة نفسه القريبة منه والبعيدة عنه والممركزة في أنت، إذ أن اللعب المسرحي الذي
يلون المشهد بالجسد يمنح العرض هذا الاتساع والامتداد نحو العوالم الخارجية، لذلك يتمظهر
العنوان كعتبة تساهم في خلق فضاء داخلي للفضاء اللعبي الركحي أمام حركات الممثلتين،
ووفق تموجات الإيقاع الذي طغى عليه الصمت أحيانا والصراخ أحيانا أخرى.
يلاحظ على النص أنه
لم يسر على خطى المسرح الكلاسي، بقدر ما كسرها وعوض البناء بمحاولة التجريب، وذلك من
خلال تقنات التباعد والاستطراد والإيجاز والأداء بواسطة الجسد، وهذ سر نجاح العرض،
ومادام البحث جار عن منفذ للتخلص من مشاكل الحياة واليومي والماضي والحاضر هو العلة
الأنطلوجية بالنسبة للشخصيتين، فإن الزما ن هو الآخر يغيب عما هو عقلي ومنطقي في المكان
المتواري خلف ظلال الجسد ـ الوهم
ثم إن الشخصية في
العرض المسرحي ( سعاد أوغيثة) استطاعت أن تحتوي الفضاء الركحي بكامله، بمعنى أن اللعب
المسرحي على مستوى الإخرج كان يتخذ من امتداد الجسد بعده التعبيري والإيحائي، وليس
أن العطاء الجسدي في العرض هو الهدف، بل ما يحمله من دلالات كعلامة، دالها الواقع ومدلولها
الوجه الآخر لهذا المجتمع الأبيسي المرتهن في قبضة سلطة الأب وكل ما يأتي من جهتها.
هذه الشخصية المعرفة
إسميا والنكرة دلاليا يمكنها أن تتعدد في التأويل الفني والجمالي كرموز لها معاني الصراع
من أجل تحقيق نخوة الذات والدفاع عن الصدق في التعبير عن الأحلام والحب والعدالة والمساواة
بلا زيادة او نقصان.
أما تيمة العرض المسرحي
فهي مفتوحة على موضوعات متناثرة هنا وهناك، لكنها موحدة في الموت والبحث عن الحقيقة
الروحية، ما دام أن النصوص التجريبية تنحو منحى عبثيا في أغلب الأحيان، وهذا راجع إلى
محاولة القبض على الوعي المتقد ولجم هذيانات التفكير في الحياة الزائفة.
إن الحاضر في العرض
المسرحي هو الجسد الممتلئ بالقلق والملل والخيبة والإخفاق، وهو المعلم الذي يستحق أن
يكون آمرا وناهيا بخصوص ما يأتيه من خارجه، أما الغائب فيتلخص في الموجود على شفير
العالم الآخر، وهو المفقود المتخفي ، والذي لا يظهر إلا من خلال الملفوظ.
لا أظن أن السينوغرافيا
قد كانت غائبة عن العرض، وبما أنها بسيطة فقد منحت بدورها بعدا استطيقيا مناسبا للفضاء
المشهدي، وما ساعد في هذا الانسجام هو تفقير العرض بديكور مألوف دون إثقاله بمؤثثات
لا تقول أي شيء ولا تحمل قيمة ما، إنه عرض يعتمد رسائل مشفرة سيميائيا، يحسن قراءتها
جماليا من زوايا تأويلية متعددة ومفتوحة علىالفعل الجمالي.
لقد استطاعت المخرجة
نورية بنبراهيم أن تفتح نوافذ أولى أمام كتاب يحمل أكثر من سؤال، وبالتالي نحس أننا
أولى باستقصاء هذا العمق الذي كلما اقتربنا منه إلا ويبتعدن فالأعمال الجيدة والجميلة
لا تعطيك بقدر ما تأخذ منك ، فشكرا لمحترف باناصا على هذا العرض الذي أتحف به المدينة
وأناسها، وأشكر بدوري الأخ طارق كناش والتلاميذ الذين حضروا والأصدقاء والزملاء الذين
أثثوا صالة العرض ولإدارة دار الشباب 11 يناير ولمكتب جمعية أفق للثقافة والإبداع الذي
تبنى العرض وهيأ له المكان والمناسبة، فللكل المحبة والتقدير.
----------------------
عن صفحة محمد صولة من الفايسبوك