الأزمة وإعادة البناء
(مشروع أرضية)
ينعقد مؤتمرنا الوطني الثالث في خضم أزمة عميقة ومركبة وخطيرة تشد بخناق الحزب واليسار عموما. الأزمة لا تعنينا وحدنا، ولكن ذلك لا يعفينا من واجب التصدي لها ومجابهتها وتحديد عناصر مسؤوليتنا فيها. لم يسبق لليسار في المغرب أن عاش أزمة بهذا الحجم والشمول والامتداد.
يجب أن نمتلك شجاعة الاعتراف بالأزمة، من أجل رسم آفاق تجاوزها والخروج منها. الخروج من الأزمة سيتطلب جهدا خاصا وإبداع آليات استثنائية واتخاذ قرارات جريئة، وسيتطلب مدة من الزمن بحكم عمق الأزمة واتساع مساحتها ودرجة استحكامها.
تنتظرنا عملية شاملة لإعادة البناء (الفرع الثاني) وقبل ذلك يجب أن نتناول الأزمة بالتحليل والتشخيص والتفكيك (الفرع الأول).
الفرع الأول: مؤتمر في قلب الأزمة |
أولا- الأزمة والسياق العالمي
هناك بكل تأكيد تأثير لاندحار "المعسكر الاشتراكي" على وضعنا كيسار مغربي، نحن نعيش أيضا آثار ما أصاب الإيديولوجيا الاشتراكية من تراجع وما لحق بالعالم من تطورات، والانتقال من الثنائية القطبية إلى عالم القطب الواحد، ولكن المطلوب منا أن نحدد درجة مساهمة مختلف العناصر في إنتاج أزمتنا. هل كانت العوامل الخارجية أقوى تأثيرًا من العوامل الداخلية؟
إن الإخفاقات التي أصابت القوى المحسوبة على "الصف الاشتراكي" لم تكن لها ربما إلا انعكاسات ثانوية. أرخت بعض مظاهر التراجع اليساري في العالم ظلالها على وضع اليسار المغربي، وأرخت بعض مظاهر تراجع القوى اليسارية والقومية والحداثية العربية ظلالها أيضا على أوضاعنا، ولكن العوامل الأكثر تأثيرا وحسما تستقر في أحشاء بنية التطور والتفاعلات الداخلية التي عرفتها الساحة المغربية. لقد ظل الواقع السياسي المغربي متميزا عن نظيره العربي وحتى العالمي، ففي اللحظة التي كان فيها جدار برلين يسقط، كان اليسار المغربي يدخل بعنفوان وإقدام مرحلة تقدم وإشعاع وتفوق (بداية التسعينات)، وفي الوقت الذي عاش فيه صوت اليسار العربي انكماشا وضمورا وانحسار، كان اليسار المغربي يحتفظ بصلات عميقة مع الجماهير، ويؤثر في المسار السياسي، ويمتلك قدرات تعبوية هائلة.
هناك حديث عن إخفاق الفكرة الاشتراكية، وعن ضرورة الاعتراف بعدم صلاحية الحل الاشتراكي، وبكون التشبث به يجب أن يعتبرا جزءا من ماض غير مأسوف عليه، وأن التحولات في العالم تفرض التحول عن هذا الحل إلى غيره، والتماس حلول أخرى "أكثر واقعية". والحقيقة أن هناك أكثر من عامل يؤكد صواب الخيار الاشتراكي، إذ أن نتائج الخيار الليبرالي ماثلة أمامنا، فالفوارق في العالم تتسع، والنزعة الحربية تتقوى، والأزمات المالية تثبت أن السوق لا يستطيع أن يضمن الأمن والأمان الاقتصادي، فهو يضطر إلى الاستنجاد بالدولة وإلى دافعي الضرائب لمعالجة علله وأسقامه واختلالاته وتناقضاته. لا يمكن أبدا أن نطمئن إلى مستقبل ومصير الإنسانية إذا وضعناهما بين أيدي السوق. هناك دائما ضرورة لكي تتدخل الدولة باسم "المصالح العمومية" لوضع ترتيبات تخدم تلك المصالح.
المسار المنطقي للرأسمالية هو توالي الأزمات، ولم يستطع هذا المسار أن يخلق بديلا عن تدخل الدولة، وعن ضرورة إعادة الاعتبار لما هو عمومي.
ومن أجل أن تمثل أجهزة الدولة أكثر ما يمكن من "المصالح العمومية"، فلا بد من اعتماد الوصفة الديمقراطية المدفوعة إلى مداها الأبعد، والتي تتجاوز المستويات التقليدية للديمقراطية التمثيلية.
إن الاشتراكية اليوم بكل اجتهاداتها تصب في تعميق الديمقراطية، فهي تستوعب الآليات الليبرالية الكلاسيكية، وتعمل بها، لكنها تمضي إلى أبعد من ذلك، لتحقيق الأهداف البعيدة للديمقراطية وتحقيق الديمقراطية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. والاشتراكية اليوم تسعى إلى توفير وسائل تفعيل ترسانة الحقوق في أجيالها الجديدة. وبناء عليه، يجد اليساريون أنفسهم اليوم في طليعة من يتولى إنجاز المهام المرتبطة بـ :
- ضمان الديمقراطية المتجذرة والعميقة والشاملة.
- ضمان وسائل تفعيل ترسانة الحقوق المكرسة كونيا، وخاصة في جوانبها الاجتماعية والثقافية والبيئية والتنموية.
- الاندماج في الحركات الاجتماعية.
- الاندماج في تيار العولمة البديلة.
- الاندماج في حركات الدفاع عن السلام والبيئة والتضامن الإنساني.
وبما أن الهيئات الدولية تتحدث في رصدها للتطورات الحاصلة في المغرب، عن وجود مغربين، أو مغرب بسرعتين، فإن الاشتراكية كما يجب أن نقدمها اليوم للمغاربة تعني أساسا تجاوز هذه الازدواجية، والانتقال من المغربين إلى المغرب. من مغرب الأقلية التي تملك كل شيء وتتحكم في كل شيء، والأغلبية الساحقة التي لا أمل لها في إشباع حاجاتها الأساسية والتي تشعر بأن الانتماء للوطن لا يمنحها ما تستحقه، إلى مغرب تشعر أغلبيته الساحقة بأن حقها في الحياة بكرامة مكفول ومُصان.
هناك في العالم قوى يسارية نجحت وأخرى أخفقت، وليس هناك مآل حتمي عام، يفرض انتقال اليسار إلى الهامش، وانحسار تأثيره وفعله. كل شيء متوقف على مدى ارتباط القوى اليسارية أو عدم ارتباطها بالحركات الاجتماعية والأسئلة الجديدة.
إن العولمة المتوحشة قد أنتجت اقتصاداً عالمياً يشكو من اللامساواة وعدم الاستقرار والهشاشة، ولاسيما من خلال بلدان في طريق النمو، غدت فيها شروط العيش بالنسبة للسكان أكثر تدهوراً، مثلهم في ذلك مثل الفئات الفقيرة في البلدان الأكثر غنى.
ثلاثون سنة – أي عمليا منذ نهاية سنوات السبعينات – من المنحى الليبرالي المتصاعد واللاضبط وخوصصة الخدمات العمومية، وانسحاب الدولة من مجال الحياة الاقتصادية والاجتماعية، انتهت في حصيلة إجمالية إلى أخطر أزمة عرفها النظام الرأسمالي منذ 1929. أزمة اقتصادية ومالية عميقة ولكنها أيضا أزمة غذائية واجتماعية، وأزمة إيكولوجية وطاقية، وأساساً كذلك، أزمة أخلاقية وسياسية على الصعيد العالمي.
أمام هذه العولمة الليبرالية، التي تستغل، بلا حياء، الشعوب، وتستغل، مواردها، والتي أدت –داخل نفس البلدان أو فيما بين البلدان المصنعة والبلدان التي هي في طريق النمو- إلى توسيع الفروق والتفاوتات في المداخيل ووسائل العيش، يقترح الحزب الاشتراكي الموحد، شأنه في ذلك شأن الحركات الاشتراكية والتقدمية عبر العالم، مقاربة اقتصادية واجتماعية على الصعيد الدولي، أكثر إنسانية، مضبوطة، تضامنية وتكاملية. وبمعنى آخر، فإننا نقترح شكلا من العولمة يجعل السوق ورأس المال في خدمة الإنسان، حتى لا يظل هذا الأخير في خدمة قوة المال والشركات المتعددة الجنسية العاملة في المجال المالي والصناعي.
إن الحزب الاشتراكي الموحد، باعتباره أحد مكونات الحركية الاشتراكية والتقدمية العالمية، يناضل من أجل عولمة بديلة، عولمة يسارية وإنسانية مبنية على الأسس التالية :
1- مبدأ التضامن. فالعولمة التي نريد، تتوخى بناء اقتصاد عالمي متضامن، يهدف إلى ردم وليس إلى حفر هوة التفاوتات بين الشعوب. ومن أجل ذلك يتعين أن ننطلق من مساعدة الأطراف الأكثر خصاصاً على تحقيق التنمية، حتى لا يظل هناك على وجه البسيطة بشر يعانون من المجاعة، وسوء التغذية، والعطش، والأمية، وغياب العلاجات.
2- مبدأ إحلال التبادل العادل محل التبادل الحر. ومن أجل ذلك، لا بد من السعي لملاءمة عمل المؤسسات الدولية مع القواعد الاجتماعية، البيئية والثقافية، غير التجارية، عوض الخضوع فقط للقواعد الاقتصادية والمالية، التي قادت العالم إلى هذا التآكل الذي يوجد عليه اليوم. إن التبادل العادل هو ذلك الذي يضمن المراعاة الكاملة للقواعد والاختيارات الجماعية المعبر عنها بطريقة حرة وديمقراطية من طرف الشعوب.
3- مبدأ عودة الهيئات العمومية إلى تدبير شؤونها بنفسها. وفي هذا الإطار، فإن الدولة الديمقراطية باعتبارها تعبيرا مؤسسياً عن الجماعة، يجب أن تعيد الإمساك بالخدمات العامة الأساسية، كالمدرسة والصحة، وتوزيع الماء والكهرباء، والبحث العلمي، والبنية التحتية الأساسية، كما يجب عليها أن تصبح قائدة للاستثمارات المهيكلة، من تكنولوجيات الإعلام والاتصال إلى تجهيزات النقل.
إن التأكيد على هذا المبدأ، ينطلق من طبيعة "المال العام" الذي نطلقه على عدد من الممتلكات والخدمات الأساسية في المجتمعات الحديثة، مثل الماء، التربية، الصحة، أو القدرة على التواصل..الخ، كما يستند إلى عدم قدرة رأس المال الخاص على الاستجابة في كل الظروف للطلب الاجتماعي على تلك الخدمات.
4- في إطار عودة المجموع من خلال الدولة إلى تدبير الملك المشترك بما يخدم الكل، فإن الضبط الاقتصادي والمالي الذي يتم على صعيد الأمم بارتباط مع الأزمة الاقتصادية والمالية، يتعين أن يترافق من الآن فصاعدا مع ضبط لاقتصاد العالم، وخاصة للنظام المالي الدولي الذي أدى به اللاضبط الذي حدث مع بداية الثمانينات إلى هذه الحالة من التراجع الاقتصادي على المستوى العالمي الحالي.
إن الضبط المطلوب لن يتم من خلال إطار مجموعة الثمانية، ولا من خلال إطار مجموعة العشرين، الخاضعين لإرادة البلدان الأكثر غنى، بل من خلال حكامة عالمية، حيث تتمكن الهيئات الدولية الديمقراطية، بما فيها الأمم المتحدة، من الإفتاء بقواعد جديدة، أكثر عدلا وإنصافاً، لتسيير الاقتصاد والمجتمع على الصعيد العالمي، وحيث تُتاح لتلك الهيئات الوسائل المؤسساتية والسياسية لتطبيق القواعد المذكورة. كل ذلك، في استشراف لعالم أكثر تضامنا، وأكثر أمانا، وحيث تتم المحافظة على الحياة لفائدة الأجيال الحالية وأجيال المستقبل.
إن حزبنا يناضل من أجل تحرر واستقلال الشعوب، ومن أجل الأمن والاستقرار الجهويين، ومن أجل السلام في العالم أجمع.
والحزب الاشتراكي الموحد، يعتبر أن البناء المغاربي الديمقراطي والمتضامن، والذي لا تفصل بين أطرافه حدود إدارية، يمثل حلاً للمستقبل، وهو الحل الذي يضمن تجاوز الخلافات المصطنعة بين بلدين شقيقين هما المغرب والجزائر، كما أنه الحل الذي يضمن لشعوب المنطقة القدرة على بناء اقتصاد جهوي قوي، مرتكز على مواردها الذاتية، البشرية والطبيعية والمالية وهو الحل الذي يعزز القدرات التفاوضية للدول المغاربية من أجل دفاع أحسن عن مصالح مواطنيها، -بما في ذلك حرية تنقلهم- في مواجهة الاتحاد الأوروبي والتجمعات الاقتصادية والسياسية الجهوية الأخرى.
والحزب الاشتراكي الموحد، باعتباره حزبا مغاربيا، ومكونا أساسيًا من مكونات حركة التحرر والتقدم في العالم العربي وإفريقيا، يدعم حركة النضال من أجل تحرير فلسطين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والديمقراطية بعاصمتها القدس، ويطالب بجلاء القوات الأمريكية الغازية من العراق وباسترجاع الشعب العراقي لسيادته على أراضيه وقراره وثرواته. كما يناضل حزبنا من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبناء أسس راسخة للديمقراطية واحترام كافة حقوق الإنسان في منطقتنا العربية والقارة الإفريقية.
ويتجه كفاحنا إلى إقرار حكامة دولية جديدة، أكثر احتراما لمصالح الشعوب المحرومة، وأكثر مراعاة لأوضاعها وأحوالها، وأكثر قدرة على التوزيع العادل لثروات العالم بين البلدان الغنية والبلدان الفقيرة. وهذا الكفاح لا يمكن فصله عن الكفاح الذي نخوضه ضد التفاوتات ومظاهر عدم الإنصاف القائمة في المجتمع المغربي.
إن عملنا على المستوى الخارجي وتحالفنا مع الأحزاب التقدمية والديمقراطية عبر العالم، يرميان إلى بناء مجموعة دولية تلفها أجنحة السلام، وتُحترم فيها حقوق الانسان ويُضمن فيها التوازن بين الدول.
إننا نناضل من أجل عالم بدون أسلحة نووية، ومن أجل شرق أوسط ومغرب كبير خاليين من خطر التهديد النووي.
وفي مواجهة الأزمة الاقتصادية والمالية التي يجتازها العالم منذ خريف 2008، بسبب التصاعد المتزايد لنظام ليبرالي بدون قيود داخلية أو خارجية، فإن الحزب الاشتراكي الموحد يعلن انخراطه في نداء أحزاب اليسار الأوربي وحركة البديل العالمي، الداعي إلى إصلاح ودمقرطة المؤسسات الدولية، بما في ذلك أنظمة الأمم المتحدة والمؤسسات المالية والبنكية الدولية، حتى تستطيع الاستجابة أكثر للحاجات الأساسية للشعوب، وحتى تجعل من الأرض مكانا لحياة كريمة لأولئك الذين يجدون أنفسهم مقصيين من كل ثمار التطور البشري، وخاصة في إفريقيا وفي عدد كبير من البلدان العربية، وبلدان آسيا وأمريكا اللاتينية.
ضمن هذا المنظور، ومن أجل تقوية الأسس الضرورية لتنمية كوكبية مستدامة، فإن الحزب الاشتراكي الموحد يجد نفسه في صف المطالبين بتدبير متضامن للثروات العمومية العالمية كالمناخ، والماء، والغابة، والهواء، والتعدد البيولوجي، في الأراضي وفي البحار، وذلك بواسطة نموذج حكامة دولية جديدة.
ثانيا- هل النظام السياسي في أزمة؟
منذ منتصف السبعينات، انطلقت في المغرب مرحلة سياسية أطرها النظام بشعار "المسلسل الديمقراطي"، بعد مراحل الديمقراطية المؤجلة، والديمقراطية الحسنية، والديمقراطية المعلقة (حالة الاستثناء). شاركت أغلب القوى الديمقراطية في "المسلسل الديمقراطي" باسم العمل على تغيير البنيات السياسية من الداخل بشكل تدريجي في اتجاه "دمقرطتها"، وكان هناك وعي بوجود إرادة رسمية مقابلة تروم إدماج القوى الديمقراطية تدريجيا في النظام في اتجاه "مخزنتها". انتصر إذن مشروع المخزنة على مشروع الدمقرطة، فهل انتصر النظام؟
استوعب النظام الجزء الأكبر من النخب، وتوفرت له اليوم شروط أسهل لتطبيق مشاريعه وتنفيذ برنامجه الاقتصادي القار الذي لا يتأثر برياح الانتخابات، ولكنه في ذات الوقت يعيش هو أيضا أزمته الخاصة التي تفرضها عليه طبيعته، والتي تتمثل في نقاط الضعف التالية :
- تدني نسبة المشاركة الانتخابية ومصداقية المؤسسات، وظهور معارضين جدد من خارج المؤسسات ومن داخلها، يرى النظام في وجودهم إيذاء لصورته العالمية، ويرى في خيارات العنف الذي تمارسه الفصائل الجهادية من المعارضين خطراً حقيقياً على الأمن والسلامة العامة. وفي النهاية فإن النظام يقدر أن هناك تحديات جدية تواجه مشروعه في إظهار المغرب كبلد للاستقرار والانفتاح والتعايش والمؤسسات المتوفرة على قدر من المصداقية والسند الشعبي.
- استمرار وجود "أزمة اجتماعية"، وتواصل احتمالات الانفجار، وتدني الرتب المغربية في سلم مؤشرات التنمية البشرية. إن خطر "السكتة القلبية" إذن لم يتوارى، فهو لازال يحدق بالأحوال العامة.
- ملف الصحراء لازال ينتج المزيد من المضاعفات المقلقة والتداعيات الخطيرة، ولازال يتسبب للدولة في الكثير من المتاعب، ولازالت آثار الاختلالات السابقة في تدبير الملف تربك الوضع المغربي والموقف المغربي. صحيح أن فكرة الحكم الذاتي تمثل في حد ذاتها قاعدة إيجابية للحل الدولي المأمول، ولكن الفكرة هي بمثابة طائر بلا أجنحة، إذ لا بد أن تصاحبها جملة من الإجراءات الشجاعة التي تجعلها في النهاية جزءا من اختيار للانتقال الديمقراطي يشمل الجنوب والشمال، ويمنح كل المغاربة أينما كانوا حق امتلاك مصيرهم بأيديهم وتدبير شؤونهم بعيدا عن الوصاية والأبوية والمشروعية الهابطة من أعلى إلى أسفل.
- فشل النظام في تقديم عرض سياسي جديد، واتساع الشعور لدى العموم بتكرار سيناريوهات الماضي.
لا يستطيع النظام السياسي أن يقنع أحدا بأنه نظام ديمقراطي، أو بأنه في طور التحول إلى نظام ديمقراطي. هناك تموضع في مساحة رمادية لا هي بالديكتاتورية ولا هي بالديمقراطية، إنه تموضع يمكن أن نصطلح عليه ب "الهامش الديمقراطي" فقط. الأمل هو أن يتسع هذا الهامش ليتحول إلى ديمقراطية حقة، إلا أننا ومنذ أكثر من نصف قرن على الاستقلال، نرى الهامش يتسع أحيانا، ويضيق أحيانا أخرى، في نظام للدورات السياسية، وفي مخاض عسير وطويل، حسبناه مفتوحا على كل الاحتمالات منذ أكثر من عشر سنوات، ولكن احتمالات استنساخ الاستمرارية هي الآن تبدو أقوى من احتمالات التغيير.
بدأ (العهد الجديد) باتخاذ سلسلة من القرارات التي تصب في اتجاه تخفيف الاحتقانات وتغيير الوجوه. وسجلنا حصول ما يلي :
- إقرار مدونة للأسرة حسَّنت الوضع القانوني للمرأة بشكل جذري ومنحتها مكاسب تاريخية. ومع ذلك فإن المكانة الاعتبارية للمرأة ظلت تتراجع، وأصبحت أكثر من أي وقت مضى تمثل ضحية نموذجية دائمة لأعمال العنف والتحقير، فالمرأة المغربية اليوم تؤدي ثمن نفاق واختلالات وتناقضات المجتمع.
- إنشاء عدد من المؤسسات العمومية العاملة في مجال رد الاعتبار للثقافة واللغة الأمازيغيتين مثل المعهد الملكي والقناة التلفزية. ومع ذلك فإن القرارات والمؤسسات التي تهم الثقافة الأمازيغية لم تتوفر بعد على إطار دستوري يضمن تحصينها وترسيخها بصورة نهائية.
- اقتراح فكرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية. ومع ذلك فهذا الاقتراح تم إرفاقة بسلسلة من ردود الفعل والتصرفات غير المطابقة لروحه وجوهره، ولذلك ظل الاقتراح مفتقدًا لعناصر التأهيل الوطني الشامل التي بإمكانها أن تمنح الاقتراح شروط النفاذ والإعمال وحظوظ النجاح وسلطة الإقناع.
- تحقيق بعض المنجزات على مستوى البنية التحتية. ومع ذلك فإن هناك ما يكفي من المظاهر والمؤشرات التي تثبت أن تلك المنجزات لم تفض لحد الساعة إلى تحسنات في الحياة المعيشية لأوسع الجماهير الشعبية المحتاجة إلى إجراءات عاجلة للإنقاذ والإسناد والدعم والحماية. فهل تظل ثمرة (الأوراش الكبرى) حبيسة طبقة أو طبقات اجتماعية بعينها؟ ولماذا تخطئ بعض "التحسنات" طريقها إلى الفئات التي تستحق أكثر من غيرها مدها بوسائل الإفادة من تلك التحسنات، ولماذا نخفق دائما في توفير أسباب إعادة توزيع الدخل ودوران محصول "الفوائض" عبر مسالك التماس مع كل أو أغلب الطبقات والفئات والشرائح.
- احترام انتظامية الاستحقاق الانتخابي. ومع ذلك، فإن الانتخابات غدت فاقدة للمصداقية.
- التخلي عن أغاني المناسبات والملاحم، وعن توظيف الفنون في الدعاية المباشرة لمشاريع النظام، وعن إثقال المواطنين بتحملات إضافية بمناسبة الاحتفالات الرسمية. ومع ذلك، فهناك إحياء لطقوس ثقيلة ومراسيم مكلفة ومظاهر لثقافة الرضوخ وتقديس الشخصية. وهناك "تحملات" جديدة يفرض على الأحزاب ومختلف المكونات أن تؤديها لفائدة الكائن السياسي الجديد، وصلت أحيانا إلى ترتيب نوع من علاقات الطاعة والمخدومية لفائدة هذا الكائن، إلى درجة أن انتخابات مكاتب الجماعات والجهات أثبتت مثلا، أن حق الأحزاب والمستشارين في الترشيح أصبح متوقفا عمليا على قرار حزب الأصالة والمعاصرة بعدم الترشيح. أما إذا قرر الحزب الترشيح فإن منطق اشتغال أجهزة الدولة يقوم على استنفار جميع الوسائل، وبدون أدنى تحفظ، لضمان فوز مرشح الأصالة والمعاصرة.
عشنا مسارًا واحدًا مركبا ومعقداً، يمنح حقوقًا ثم يجهز عليها، ينجز إيجابيات ثم يلتهمها، وفي المحصلة النهائية، أصبح الوضع أشبه بحالة مراوحة المكان.
1- ظلت الدولة ترفض إقرار دستور جديد يعترف بوضوح وبدون التواء بحق الشعب في السيادة، انطلاقا من القاعدة الكونية القائمة على أن "إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم"، ويزيح كل الحواجز التي تصفد عمل تلك الإرادة وتغل يدها وتقبر صوتها. بل إن الدستور الحالي لم يتخلص حتى من القراءة التقليدية التي تجعل الفصل 19، يمنح الملكية سلطة فوق السلطات، غير قابلة للحد أو المحاسبة، ويحول المؤسسات الأخرى إلى كيانات ذيلية، وظل للسلطة الأصل، ويحكم عليها بالتبعية والانقياد ويحرمها من شروط الاستقلال والالتزام بحكم صناديق الاقتراع.
2- عرفت دائرة القرار المزيد من المركزة، وظل برنامج الدولة القار هو مرجع المبادرات والإجراءات الإستراتيجية، وازداد تهميش الحكومة والمؤسسات ذات العلاقة بصناديق الاقتراع، وتم إنشاء مؤسسات وصناديق ومجالس اقتطعت مساحات من الصلاحيات الاعتيادية للحكومات العصرية، واتخذت مبادرات كبرى في مجالات مختلفة ومتنوعة، رصدت لها اعتمادات ضخمة، بدون أن تستند إلى تداول في الأجهزة التقريرية والتنفيذية الرسمية، مثل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وتمديد فترة الإعفاء من الضريبة الفلاحية الشهيرة، وإنشاء المندوبية العامة للسجون، ونشر النظام الأساسي لرجال السلطة..
وتعزز "فريق" التكنقراط في الحكومة، إلى درجة أن الحزب الأول في المغرب، غدا هو "حزب التكنقراط"، الذي يشارك في اتخاذ القرارات الحاسمة بدون أن يطاله حكم صناديق الاقتراع، وتمت "تكنقرطة" الأحزاب من خلال انتزاع قبولها منح لونها السياسي لأسماء ليس لها بها علاقة.
وأصبح هناك تدخل حتى في مساطر انتداب مسيرين رياضيين ومقدمي الزوايا ورؤساء بعض الجمعيات الكبرى.
3- فشل "التناوب"، فهو لم يحقق ما وعد به الناس، ولم يتحقق على يديه الانتقال الديمقراطي الموعود، واضطر الجميع إلى الاعتراف بأن المرحلة التي يجتازها المغرب ليست مرحلة انتقال ديمقراطي طبيعي. هناك من يعتبر اليوم أننا في مرحلة انفتاح سياسي أو في مرحلة خروج من السلطوية، أو في مرحلة انتقال متعثرة، أو في مرحلة ما قبل الانتقال، أو في مرحلة انتقال مجهض أو معلق، ولكن بمقتضى النظر السياسي السليم لا يستطيع المحلل السياسي هكذا أن يجازف بوصف الحالة المغربية الآن كحالة انتقال ديمقراطي بملامحه المعروفة.
لم تحقق الأطراف المختلفة تراضيا تاريخيا على مقتضيات الإعمال المغربي لآليات الديمقراطية، كما حددتها المرجعية الكونية، وعلى الاعتراف المتبادل، وإقرار الحق في التداول وتمكين الفائز في الانتخابات من وسائل تطبيق برنامجه، والمعارض من وسائل آداء وظائفه النقدية والرقابية وإعداد شروط الانتقال إلى دفة الحكم، وربط السلطة بالمحاسبة والقرار بصناديق الاقتراع.
اللعبة الانتخابية لدينا لم تتحول بعد إلى لعبة مُؤَسِّسَة، ولم تستوعب كل الأطراف ذات التمثيلية، ولم تتوفر شروط حيادية أجهزة الدولة. والنظام كما كان الأمر دائما، يعتبر نفسه معنيا بالنتائج، فهناك نتائج يقبلها، ونتائج لا يقبلها، ولذلك يعد العدة لتجنب المفاجآت غير السارة.
4- بدا للعيان وجه مغرب منسي، واكتشف جزء من المغاربة مغاربة آخرين، يعيشون في جزر منفصلة عن الباقي، إنهم مغاربة أنفكو وآيت عبدي وغيرها من المناطق "النائية"، حيث لا تستطيع دواوير بكاملها تأمين خدمات مولدة تقليدية، ولا يستطيع السكان حتى ممارسة حق الخروج من الدوار، في فترات معينة من السنة.
لم يعرف المغرب في الآونة الأخيرة، انتفاضات كبرى، ولكنه يعيش على إيقاع توالي الانتفاضات "الصغرى" المتفرقة.
هناك خطر أن تنغلق العديد من المناطق والفئات الاجتماعية أو المجموعات الإثنية أو الفكرية على نفسها، وأن تنفك أواصر علاقاتها بـ "الآخرين" وأن يتحول المغرب إلى جزر منفصلة، متباعدة، لا تحاور بعضها بعضًا، ولا تنصت لغير صوتها، ولا تعترف بشيء آخر غير هويتها. إن هذا الانفجار الصامت أو الصراع البارد، يمثل الأرضية الخصبة لكل أشكال التطرف واللاتسامح والانغلاق والتوتر الاجتماعي ولكل أخطار التحلل والفوضى والاقتتال الداخلي.
5- أصبح المغرب شيئا فشيئا، يعرف عالميًا كمصدر لعدد من الآفات والمخاطر، كالمخدرات والانتحاريين وممارسي البغاء من النساء والرجال، وأصبحت تلتصق به صورة بلد الانحلال والتفسخ والرشوة، والبلد الذي يمكن بواسطة المال أن تشتري فيه كل شيء، وأن تحل بواسطته كل المشاكل وتبلغ به كل المقاصد والغايات. وأدى نمو الاقتصاد الأسود، والقطاعات غير المهيكلة، إلى إعطاء الاقتصاد الوطني هيأة مشوهة، وظهرت هناك فئة غريبة من الأغنياء الجدد الذين راكموا ثروات هائلة بسرعة البرق، وفي غفلة عن القوانين والضوابط الأخلاقية، فأصبحت لهم مطالب، وأصبحوا باسم مساعدة الدولة في حربها على الأصوليين أو باسم تعويض دور الدولة في بعض مظاهر الرعاية الاجتماعية، يتوقون إلى اكتساح المؤسسات ولعب دور سياسي والاعتراف لهم بجملة من الحقوق والامتيازات.
6- أدت الحرب على الإرهاب، التي دخلتها الدولة، إلى تحويل مسلسل الإنصاف والمصالحة إلى مجرد بهرجة، وإلى تبديد المكاسب التي وعد بها هذا المسلسل، فجرت العشرات من المحاكمات التي لم تُحترم فيها شروط المحاكمة العادلة، وتم المس بالحق في التنظيم (حل حزب البديل الحضاري)، وتواصل التعذيب والاختطاف وتلفيق التهم، وتجاوزات الأجهزة الأمنية، بكل اطمئنان، وبدون أدنى خوف من التتبع والمساءلة، وتمت ملاحقات واعتقالات لمواطنين على خلفية انتمائهم الديني أو المذهبي، وطالت المتابعات مدونين ومحامين ومواطنين عاديين اتهموا بالإشادة بالإرهاب أو المس بالمقدسات. وجرت إعادة هيكلة الحقل الديني بمنطق الحرب على الإرهاب، وليس بمنطق الحسم النهائي في اختيار الإصلاح الديني المستجيب لمتطلبات التنوير والحداثة والتقدم.
7- تراجعت مصداقية الانتخابات والأحزاب، وتوطد الانطباع لدى شرائح واسعة بأن النتائج محسومة مسبقا، وأن إرادة الدولة تلعب في النهاية الدور الأبرز في رسم معالم تلك النتائج وخارطتها.
إن عزوف المواطنين عن الانتخابات مرده إلى عاملين اثنين بالأساس :
العامل الأول هو الشعور بأن اللعبة في الأصل مجازية، لأن نتائج الانتخابات لا تغير في مسار حياة الناس أو طبيعة البرامج المطبقة عليهم.
العامل الثاني هو الحكم على الأحزاب بانعدام المصداقية والتحلل من الوعود وعدم احترام الالتزامات، وتغليب المصالح الخاصة، وعدم محاسبة المفسدين، والتبعية العمياء وضعف الاستقلالية، والتقلب في المواقف، وحسم الصراعات الداخلية بوسائل غير ديمقراطية، ومنح التزكيات بمنطق نشدان الفوز بأي ثمن، واعتماد تحالفات غير طبيعية، وتحويل الأحزاب إلى رهينة بيد أعيان ليس لهم همُُّ سياسي أصلي، ولا ارتباط وجداني أو فكري بالأحزاب التي يترشحون باسمها.
أصبح الناخب ينظر إلى أغلب الأحزاب المغربية بوصفها أشبه بحزب واحد متحد في الخصائص والمسلكيات وردود الفعل، وأصبح الناخب يشعر بوجود نزعة للتماهي المتبادل بين الكيانات الحزبية التي ضعفت عموما، رغم عدد المقاعد المنسوبة إليها، وضمر دورها، وتقلص إشعاعها. وفي الوقت الذي تزايد فيه عدد الأحزاب، تناقص فيه عدد المصوتين، وفقدت الانتخابات طعم الصراع السياسي، وأصبحت حلبة لرهانات أفراد ومجموعات لا تحركها دوافع خدمة مشاريع مجتمعية وبرامج سياسية، وانحسرت السياسة في انتخابات سيطر عليها الأعيان، وأصبح هؤلاء يسعون لتكون الأحزاب في خدمتهم عوض أن يكونوا في خدمتها.
8- تواصل وجود اقتصاد الريع والامتيازات، واستمرت في الوجود ظاهرة جني المنافع المادية بواسطة التقرب من السلطة، وأصبح المخزن الاقتصادي يملي قوانينه العملية على الجميع، ضاربًا عرض الحائط في أكثر من مناسبة أو جانب بأسس التنافسية، ولم يجر قطع دابر الفساد أو التوصل إلى اجتثات ثقافته المتجذرة في سير الدواليب العامة.
9- تمت العودة مرة أخرى إلى أسلوب إعادة هيكلة الحقل الحزبي من أعلى، مما أدى إلى خلخلة المشهد السياسي وخلق حالة من التوتر والتوجس والقلق في الحياة الحزبية.
نحن لا نعترض على حق أي كان في ممارسة السياسة، ولا ننطلق من محاكمة النوايا واجترار الأحكام المسبقة، ولكننا ننطلق من التحليل الملموس لمفردات وعناصر واقع سياسي قائم لننتهي إلى أن الانتخابات الأخيرة سجلت غيابًا لقاعدة جوهرية أساسية في كل انتخابات وهي تكافؤ الفرص. فمنذ البداية وفي انتخابات 2007، ظهر بأن انتقال وزير للداخلية -أشرف من موقعه الرسمي على تحضير الانتخابات من ألفها إلى يائها فجاة وقبل أسبوعين من انطلاق الحملة الانتخابية- إلى مرشح في نفس الانتخابات، يفتقد أساسًا معنويًا سليمًا. ثم تواصلت الإخلالات بالسير الطبيعي للحياة الانتخابية والحزبية : الاستجابة الفورية لمطالب حزب معين وإهمال مطالب أحزاب أخرى – تجميد المادة 5 من قانون الأحزاب خدمة لمصلحة الحزب المعني – استفادة الشخصية الأساسية في الحزب من امتيازات بروتوكولية – عقد تجمعات ضخمة في كل ربوع البلاد في ظرفية لم يكن الحزب قد توفر فيها على طاقم من الأطر قادر على ضبط المعلومات والاستدعاءات وإجراء الاتصالات بالقدر من الشمول والاتساع الذين طبعا اتصالات الحزب بالناس – وأخيرًا سلوك الأجهزة الإدارية اللاحيادي في عمليات تكوين مكاتب الجماعات والجهات.
كانت هناك حاجة إلى حزب أغلبي رغم توفر أغلبية حزبية حتى يتحكم النظام أكثر في مقدمة ترتيب النتائج الانتخابية التشريعية، ولذلك اتخذ قرار استقدام لاعب جديد بمؤهلات جديدة ولياقة بدنية جديدة، وتحولت الأحزاب الإدارية إلى أحزاب للدولة من الدرجة الثانية.
إن الصراع بين ما سُمي بـ (الوافد الجديد) و(الحزبية الإسلامية) هو في الأصل صراع بين أصوليتين:
- أصولية مخزنية تستخدم الدين لمحاولة تسويغ الاستبداد والأبوية السياسية ومركزة القرار وتقديس الأشخاص وتجاهل حقوق المواطنة.
- أصولية شعبوية تقدم نفسها للمجتمع كمدافعة أولى عن قيمه وأخلاقه وهويته وعقيدته، من أجل تحصيل المكاسب الانتخابية ولو بتريج الأساطير والخرافات والأفكار المناهضة للعقل والمنطق والقانون والحداثة.
تلتقيان في استعمال الدين ضد التقدم وضد اتجاه التاريخ. وتفترقان في كون الأصولية المخزنية مثلاً تقبل بمناهضة الأبوية على مستوى الأسرة (مدونة الأسرة) وترفض مناهضة الأبوية في الدولة وعلاقتها بالمجتمع، وفي كون الأصولية الشعبوية تقبل بالتحديث التقني على مستوى بنياتها الداخلية مثلاً، وترفض باسم الدين والمرجعية الخاصة للأمة التحرر من اللامساواة بين الجنسين (مناهضة مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية).
10- شنت الدولة حربًا حقيقية على الصحافة في محاولة للوصول بنا إلى مغرب بدون معارضة، ومغرب بدون سلطة مضادة حقيقية. يُراد من الصحافة المستقلة أن تكون على شاكلة صحافة تقليدية تستقي ميثاق أخلاقياتها من مرجعية محلية مفترضة، لا علاقة لها بحقوق وضوابط الصحافة كما تحددها الأطر المرجعية الكونية. وفي هذا الإطار، تم التخلص من صحفيين ومنابر صحفية باستعمال القانون غير المنصف والقضاء الذي لا تتوفر له عناصر الاستقلالية، وبخرق للقانون وتجاهل للقضاء أحيانًا، وبإثقال كاهل المؤسسات الصحفية بأحكام بالتعويض ثقيلة، وبضبط الحقل الصحفي، والمنع من الكتابة وافتعال الملفات..إلخ.
11- خضع تدبير ملف الصحراء المغربية للكثير من أوجه التناقض والتخبط وعدم تقدير المسؤولية. وكالعادة ظل الملف حبيس الخطط المقررة في دوائر ضيقة، واكتُفي بإخبار المؤسسات والأحزاب أحيانًا.
وكل ما تم جنيه من خلال الأجواء الإيجابية التي أعقبت الإعلان عن مشروع الحكم الذاتي، تم فيما بعد تبديده من خلال بعض القرارات المتسرعة (ترحيل أميناتو حيدر مثلاً).
12- وفي النهاية، فإن النظام يستشعر أعراض الاحتقان الاجتماعي ووجود نزعة تلقائية غامرة لتعميم أشكال الاحتجاج، ويخشى من العواقب، ولكنه يريد إقناع نفسه والآخرين بأن الخروج من النفق ممكن بعد بضع سنوات بفضل الأوراش المفتوحة والتي لا تتطلب في نظر النظام تغييرًا في نمط توزيع السلطة أو تغييرًا في نمط توزيع الثروة، بل تحتاج إلى الجد والعزيمة وخبرة التكنوقراط التي لا يأتيها الباطل من أمامها أو من خلفها، ولا تغشاها مصالح طبقية أو رهانات فئوية، بل هي إبداع يتمَّ لوجه الله تعالى وابتغاء مرضاته واستجلابا للنفع العام.
إنها الاستمرارية إذن لنهج دام عدة عقود، بعد أن خضع لتجميل وتحسين في المظهر. وبرنامج الدولة القار لم يعد ينازع في جذواه المعارضون السابقون الذين أصبحوا يشاركون في الحكومة.
لقد أوجد النظام لكل سؤال من أسئلة السياسة والتنمية جوابه الجاهز. فملف الصحراء يساوي بذل المزيد من التنازلات لأمريكا. والانتخابات تساوي فوزًا دائمًا لحزب الأصالة والمعاصرة أو فوزًا مرتبأ من طرفه. والصحافة تساوي خطة كاملة لإعادة الهيكلة. والتنمية تساوي الأوراش الكبرى. ومواجهة التهميش تساوي المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. والإصلاح المؤسسي يساوي الحكامة التقنية والجهوية والقرب والإصلاح الجزئي للقضاء. والحداثة تساوي سياسة المهرجانات ودعم السينما وحقوق المرأة فقط. والحياة الحزبية تساوي الكل ضد واحد. والعلاقات الدولية تساوي الانخراط في التطبيع وفي الحرب الأمريكية ضد الإرهاب. ومواجهة قضايا الهجرة والمخدرات تساوي طلب المزيد من المساعدات من الشركاء الشماليين..إلخ
ثالثا- أزمة المشروع الديمقراطي وفشل اليسار
لم يسبق أن عاش اليسار المغربي أزمة كالتي يعيشها اليوم. لقد كان في مركز قوة معنوية وأخلاقية، وأصبح في مركز ضعف. كان محط الآمال فأصبح وضعه اليوم باعثًا على اليأس. حتى في أحلك ظروف القمع والتنكيل والتقتيل الذي تعرض له اليسار. –أساسًا وقوى ديمقراطية أخرى- ظل يشخص كل معاني النضال والفضيلة والشهامة وظل حيًا في ضمير الشعب وحاضرًا كنبتة عبقة في تربة المجتمع.
كيف حال اليسار بالأمس وكيف حاله اليوم؟
بالأمس كان اليسار :
- يُنظر إليه على أنه الحامل الرئيسي للمشروع الديمقراطي في مواجهة الدولة، حتى وإن لم يكن أحيانًا في مواجهة نفسه، على قدر كاف من التشبع بالديمقراطية. ومع ذلك فإن الديمقراطية كانت تبدو هي اليسار واليسار هو الديمقراطية. فهو المعارض الأساسي للاستبداد وهو المتصدي له والمحطم لهيبته والرافض لاديولوجيا التسلط والتحكم.
- القائد الأساسي للنضال الديمقراطي، وحامل لوائه، ومنتج شعاراته وراسم خططه، ومعبأ الجماهير لخوض معارك تحرير رقابها من الحكم المطلق.
- مالك تأثير كاسح على وعي الجماهير والحائز على أكبر قدر من المصداقية السياسية لديها.
- رمزًا للحداثة، ومرادفا للتقدم ولإرادة طي مراحل التخلف وحقب التأخر والانحطاط.
- حاميًا للمظلومين ومنددًا بالظلم.
- صانع الرجال والنساء المتسمين بالاستقامة والنزاهة ونكران الذات وصفاء الذمة ونقاء الضمير والارتباط العضوي بالشعب والإنصات لآلامه.
- القادر على كسب المعارك الانتخابية وهزم خصومه بالوسائل السياسية النظيفة وبالحركة الدؤوبة لمناضليه المؤمنين بالقضية، وبتماسك خطابه وقوة حجته وصدق ممارسته وتطابق أفعاله مع أقواله.
- المشخص لحقيقة السياسة، فأحزاب اليسار أحزاب حقيقية، غير مزيفة، أحزاب مستقلة عن الدولة، ومالكة لمصيرها بيدها، وسائرة على هدى الإرادة الجماعية لأعضائها، وطامحة للعب الأدوار الكاملة للأحزاب السياسية، كما هي متعارف عليها عالميًا.
- الراعي لعمل هياكل التأطير المختلفة من نقابات وجمعيات واتحادات مهنية، فكان يوفر لها جدارًا تستند إليه لتظل واقفة، مشرأبة إلى المستقبل، ومندمجة في ثقافة التغيير والتحديث والحرية والعقل.
- العامل من أجل التغيير الجذري الشامل، والانتقال بالمغرب من وضع إلى وضع، وتعويض البنيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية القائمة ببنيات جديدة تطابق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
لكن أغلب الهياكل الحزبية الممثلة رسميا لليسار –باستثناء حالات محدودة لليسار المعارض-، أصبحت اليوم :
- تعتبر أن الديمقراطية هي الديمقراطيون. ترفع الشعار الديمقراطي في الخطاب، وتطالب حتى بالملكية البرلمانية أحيانًا، ولكنها ترى في تحسين وزنها الحكومي علامة على التقدم نحو الديمقراطية. كلما ازدادت مقاعدها الحكومية، ازداد تفاؤلها، وقدرت أننا في الطريق الصحيح. لقد غدا الإصلاح هو المشاركة، وأصبحت تقبل حرمان الآخرين من حقوقهم الديمقراطية.
- تركت عمليا لغيرها قيادة المعارك من أجل الحرية والديمقراطية.
- وهنت صلاتها بالجماهير وقدرتها على تعبئة الشعب وتجنيده.
- قدمت تنازلات خطيرة للثقافة المناهضة للحداثة.
- اصطفت إلى جانب الخطط والبرامج والقرارات والفئات التي تتسبب لأوسع الجماهير في المزيد من التفقير.
- فقدت أو كادت تفقد تفوقها الأخلاقي بسبب تساهلها إزاء مخالفات وانحرافات عدد من أعضائها وتحالفها مع خصوم الديمقراطية والنزاهة.
- اضطرت إلى جلب الأعيان من أحزاب إدارية مسؤولة أيضًا –عبر تواطئها- عن سنوات الرصاص، واستعارت وسائل اليمين، وتماهت مع الأحزاب الإدارية.
- أفلست نخبها وتآكلت مصداقيتها وأصبحت أكثر ارتباطا بالنظام، ورهنت وجودها بالولاء له وانتظار إكرامياته، وقبلت قواعد اللعب.
- تسببت في انهيار وتراجع عدد من بنيات وهياكل التأطير النقابي والثقافي والمهني التي بُنيت بجهد حثيث وتضحيات جمة.
- أصبحت تقبل شيئًا فشيِْئًا تأجيل أو تعليق جوانب حيوية في مشروع الإصلاح، تاركة للزمن وللحكم فرصة التدخل، متى قدَّر بأن الشروط نضجت، لإجراء أي من الإصلاحات. وأصبحت تخضع لسياسة قدرية واستسلامية، وتبتلع كل الأوضاع ومظاهر الشذوذ. فلم تعد مثلاً ترى في وجود حكومة ائتلافية دائمة في المغرب، أي تعارض مع ما يجب أن يكون حسب المعايير الديمقراطية، فالوسائل التي قيل بأن اللجوء إليها أملته ظروف استثنائية غدت هي الأصل.
ولكن مع ذلك، هناك نقطتان مضيئتان في حال اليسار "الحكومي".
الأولى هي أن حالة الجفاء التي وقع فيها هذا اليسار مع ناخبيه المفترضين، واختياره استعمال أصوات الأعيان المستوردين من الأحزاب الإدارية، جعلت قلة من ناخبي اليسار المفترضين فقط، هي التي حولت تصويتها إلى الأصوليين، أما أغلب ناخبي اليسار فقد اختار بكل بساطة عدم المشاركة في الاقتراع.
الثانية هي أن أحزاب اليسار جميعًا، تعيش نقاشات صاخبة، تعكس وجود وعي لدى شرائح واسعة من مناضليها، بالأزمة، وإدراك لمسبباتها وأسبابها، ورغبة معلنة في تجاوزها، واستعداد لحشد الجهود وتجميع الطاقات الطامحة إلى طي مرحلة وفتح مرحلة جديدة وإعادة بناء المشروع اليساري.
هناك إذن في قاعدة "شعب اليسار" تطلع إلى انطلاق دينامية تستقطب الطامحين إلى بناء المرحلة الجديدة. ومهمة مؤتمرنا هو أن يساهم في تدشين هذه الدينامية.
رابعا : أزمة الحزب
نحن نقر أننا في مأزق، ذلك أننا ربطنا تقدمنا السياسي بحصول تقدم انتخابي فلم يحصل هذا التقدم الأخير. هذا يفرض علينا طرح السؤال عن العوامل الموضوعية والذاتية للأزمة التي ننوء تحت ثقلها.
لنبدأ من نقطة الانطلاق :
هل للأزمة علاقة بتحليلنا السياسي؟
لقد انطلقنا من التشكيك في جدوى التصويت بنعم على دستور 1996، وفي قدرة مغامرة "التناوب التوافقي" على الولوج بالمغرب عهد الانتقال الديمقراطي، بسبب عدم انبنائها على توثيق للضمانات، وتحديد مسبق للخطوات والالتزامات المتبادلة، وبذلك أضاعت تجربة "التناوب" فرصة الاستفادة من النهوض الجماهيري والزخم النضالي لبداية التسعينات، ولم تستثمر الالتفاف الذي تحقق حول الكتلة الديمقراطية لانتزاع المزيد من المكاسب التي من شأنها أن تحول المشاركة في الحكومة إلى مشاركة في الحكم، وإلى مرحلة تعبد الطريق نحو نظام ديمقراطي مستكمل المقومات والشروط. غمر الالتباس والغموض وعدم الثقة في النفس والتسرع والانبهار، ظروف انبثاق التجربة، فتحدد منذ البداية مصيرها. لقد تم التعويل على تدخل اعتبارات نفسية ومعنوية في سد الخصاص التعاقدي والوضوح الكامل في الأهداف، واعتبار أن المكانة المعنوية للرجل وتاريخه (عبد الرحمان اليوسفي) من جهة، والثقة المتبادلة (بين القصر والحركة الديمقراطية) من جهة ثانية، سيفتحان أبواب التغيير وسيزيحان كل العوائق، وسينتهيان إلى تحقيق الأهداف المؤجلة منذ الاستقلال وإلى إعادة الاعتبار للسيادة الشعبية.
انتهى "التناوب" إلى ما انتهى إليه، وكانت النتيجة هي سيادة خيبة أمل كبرى ومدمرة، واعترف اليوسفي بأن أوجه الإعاقة المؤسسية هي ثلاثة :
- عدم توفر الحكومة على الوسائل الكافية لتطبيق برنامجها.
- وجود ازدواجية بين سلطة الدولة وسلطة الحكومة.
- وجود تقاليد عتيقة (لها حراسها الدائمون) تخل بالسير العادي للمؤسسات.
لم ينتبه إذن فرسان التناوب إلى إعداد المضادات الحيوية لإبطال مفعول هذه العاهات الثلاث.
قلنا إذن بأن الوضع السياسي منذ أكثر من عشر سنوات ليس انتقالاً أو وضعًا للبلاد على طريق الانتقال. كان التحليل صائبًا، ولكنه لم يكن "منتجا" من الزاوية الانتخابية، رغم الاتجاه العام اليوم إلى تبنيه أو الاعتراف بوجاهته ولو من حيث الخطاب، من طرف الذين عارضوه في وقت من الأوقات بشراسة، واتهمونا بالتشويش على ثورة حقيقية هادئة كانت قيد الإنجاز والتحقق.
التحليل السياسي الصائب والسليم لا يمنح أصحابه أوتوماتيكا تفوقًا ميدانيا ولا يسمح وحده بتصدر المشهد السياسي واحتلال مواقع الريادة والرفعة، ومراكز التأثير في الأحداث وصناعة التاريخ.
التحليل الصائب يحتاج إلى رجال ونساء قادرين على تحويله إلى قوة مادية وواقع ماثل على الأرض، وإلى ظروف موضوعية مصاحبة ومحيط ملائم، وقبل هذا وذاك،إلى خطة سياسية تستوعب كل هذه العناصر وتصهرها في بوتقة مسار عيني للتحرك والممارسة.
هل كانت إذن خطتنا سليمة وفي مستوى سلامة التحليل العام والتشخيص الدقيق والسديد الذي قمنا به لأحوال بلدنا وأحوال السياسة به.
خطتنا السياسية على العموم اعتمدت العناصر التالية :
- نقطة الانطلاق هي المشاركة في الانتخابات على أساس أن تحصيل تقدم انتخابي سيتيح لنا فرصة تحقيق تقدم سياسي، وهذا الأخير سيتيح فيما بعد فرصة إنجاز تقدم انتخابي، وهكذا دواليك، لقد تصورنا أننا سنكون أمام سلسلة مترابطة الحلقات.
- المشاركة الانتخابية ستتخذ شكلاً غير مسبوق، وستكون ظاهرة لافتة، إذ سنتقدم للانتخابات كتحالف ثلاثي، فلم يسبق في تاريخ المغرب أن تقدمت في المغرب ثلاثة أحزاب بلوائح مشتركة في انتخابات عامة. المبادرة في حد ذاتها إنجاز رائع، لكن توقيت بعض الإنجازات هو الذي يسمح لها بأن تسجل في التاريخ كإنجازات رائعة.
- تصورنا أننا سننجح في تقديم أنفسنا للناخبين كيسار "آخر" مختلف عن اليسار الذي دخل تجربة "التناوب"، وأننا سنجلي ونبسط أمام الناس ما يكفي من العناصر التي تسمح لهم بالتمييز بين يسارين : يسار "حكومي" في حالة هبوط، لأنه خذل الناس، ويسار "معارض" في حالة صعود، يمثل البديل، يسار لم يتلطخ ب "أوساخ" التناوب، وظل يحتفظ بالفكرة اليسارية والمشروع اليساري، في خطابه وبنياته ومسلكياته.
- أن هذا اليسار البديل سيصبح نقطة الجذب، "ومركز" اليسار، أو سيتقدم تدريجيًا نحو هذا الهدف، وسيحرك دينامية للتوحيد، ومسلسلا لبناء قطب كبير لليسار، يمثل تحالف اليسار نواته الأساسية، وسيحاول سد جزء من الفراغ الناجم عن غياب معارضة حداثية مستقلة عن الحكم ومرتبطة بالشعب.
- أن تحالف اليسار الديمقراطي، سيستطيع انتزاع %5 من الأصوات مما سيؤهله لمواجهة خطر الاندثار والتهميش.
- أن نجاح تحالف اليسار سيقوى النوازع الوحدوية لدى مجتمع اليساريين، وسيحرك السواكن، ويضخ نفسا جديدًا في الساحة السياسية، ويستنهض الطاقات التقدمية التي تسببت نكبة التناوب في تجميدها أو دخولها حالة كمون وترقب وخمود.
خطتنا في النهاية باءت بالفشل، وأحسن ما حققناه في امتحان 2007، هو رفض الانسياق في خطة التماهي مع النموذج الحزبي السائد، وعدم الخضوع لإغراء استنساخ أساليب الآخرين.
ما الذي كان يجب علينا أن نراجعه، وأين أخطأنا؟
- هل كان علينا مثلا أن نستعمل وسائل الآخرين ونستورد الأعيان من الأحزاب الإدارية (الواقعية الجديدة) لنمنح أنفسنا مكانة انتخابية وهمية. إن ذلك يعني بكل بساطة أن نفقد استقلالنا، فيصبح الحزب تابعًا للأعيان وخاضعا لإملاءاتهم وعاجزا عن القيام بأدواره المعروفة كقوة معارضة حقيقية.
- هل كان علينا أن نخرج من اللعبة برمتها، ونختار طريق المقاطعة. لكن، المقاطعة ليست سوى نقطة البدأ، فكيف ستكون نقطة الوصول، هل هي على درجة كافية من الوضوح، أم أن الأمر مجرد تحايل على العجز والفشل؟ هل نقبل بلعب دور فكري واحتلال هامش نمثل فيه صوت الضمير فقط؟ أليس في هذا نوع من الانتظارية؟ أليست الانتخابات بالنسبة إلى حزب معارض وفي حجم حزبنا هي في جميع الأحوال لحظة انتعاش وتململ واعتراض واحتجاج واستكشاف للواقع والإمكانات بحيث لا يمكن للحزب أن يوفر لنفسه في الظروف العادية مثل هذه الفرص، ألم يكن هدف النظام وبعض أطراف اليسار الحكومي، هو بالضبط إخراجنا من اللعبة بواسطة مشاريع القوانين الانتخابية الإقصائية؟ أليست المقاطعة مفيدة للآخرين، وتسهل عليهم عملية تصنيفنا في خانة القوى العدمية والطوباوية الحالمة "البعيدة عن الواقع"؟ كيف كنا سنتفادى ألا تكون المقاطعة طريقًا أخرى نحو الانقراض؟
- هل كان علينا أن ندخل الانتخابات لوحدنا، وكيف كنا سنتصرف إزاء لائحتي حليفينا في كل دائرة، ألن تمثل لنا متاعب زائدة، وتعقيدات إضافية؟
ولماذا لم يستطع تحالفنا الثلاثي تحقيق الأهداف المتوخاة منه، واجتذاب ناخبة متنورة، ومتابعة للسياسة، مواكبة لمواقف مختلف الأطراف، ومؤيدة لتحليلاتنا وأفكارنا. الناخبون الذين هجروا صناديق الاقتراع، صنعوا ذلك لأسباب منها:
أ- أن الخيبة المتولدة عن "التناوب" كانت من الحدة والعنف بحيث نشرت لدى شرائح واسعة جوًا من عدم الثقة والمرارة والقرف من السياسة برمتها.
ب- أن تلك الناخبة تعتبر أنها لا تتوفر على الضمانات بأن اليسار المعارض، لن يعيد تكرار أخطاء اليسار المشارك في الحكومة.
ج- أنها اعتبرت أن اليسار عائلة واحدة، بجناحيه المشارك وغير المشارك في الحكومة، فاليسار يسار بالمفرد وليس بالجمع، تحكمه ذات الثقافة والتربية، وترعرع مناضلوه في نفس البيئة، وتربطه ببعضه البعض أواصر بيولوجية.
د- أنها قدَّرت أن تحالف اليسار الديمقراطي لا يوفر الضمانات بأنه قادر على تشكيل قوة سياسية حقيقية في المستقبل، وقادر على إبداع خطط وتحركات يدشن بها مرحلة جديدة، ويسمح من خلالها بتشخيص بعض من مطامح ناخبته وإسماع صوتها.
إذن هناك عوامل للأزمة متداخلة، بعضها لا نتحمل فيه المسؤولية، وبعضها الآخر نتحمل فيه المسؤولية.
أولاً – تذكير بالأهداف الكبرى لنضالنا الديمقراطي
إن المرحلة تقتضي تقديم توضيح ضروري، وهو "لا ديمقراطية بدون ملكية برلمانية حقيقية"، وهذا يتطلب جهدا مزدوجًا :
- جهد تصنيف الذين يستبعدون خيار الملكية البرلمانية في خانة المناهضين للديمقراطية، إذ ليست هناك صيغة للتوفيق بين الملكية الوراثية والديمقراطية سوى صيغة الملكية البرلمانية. فهل يستحق المغاربة أقل من الديمقراطية؟
- جهد توضيح معنى الملكية البرلمانية باعتبارها تضمن ربط القرار بصناديق الاقتراع، وتحتفظ للملك بأدوار تحكيمية ورمزية. الشرعية التقليدية التي تريد أن تبني نفسها على نظام البيعة وإمارة المؤمنين كمصدر أصلي للقرار، تخالف الآليات الكونية للديمقراطية. ليست هناك "ديمقراطية مغربية خاصة" وليس هناك "ملكية برلمانية خاصة بالمغرب" من حقها أن تحيد عن مقومات الديمقراطية. فكما للديمقراطية آلياتها الإلزامية والضرورية، فللملكية البرلمانية آلياتها الإلزامية والضرورية، والخصوصية لا يمكن أن تتدخل لتعطيل تلك الآليات.
في المرحلة التاريخية التي نعيش، يجب أن ينصب نضالنا على تدشين المسلسل الذي يفضي إلى تجريد الاقتصاد والسياسة والمجتمع من المخزنة باعتبارها نظامًا للريع والوصاية والتسلط.
1- الإصلاح الاقتصادي (أو لامخزنة الاقتصاد)
هو محاربة اقتصاد الريع والامتيازات، وحماية شروط التنافسية، وجعل الدولة في خدمة الجميع لا في خدمة الطبقة أو الطبقات المخزنية.
أ- ملامح الوضع الاقتصادي العام في المغرب اليوم
- موارد محدودة وهشة :- موارد طبيعية تتدهور بشكل خطير - موارد بشرية تئن تحت وطأة الفقر والأمية (حسب مؤشر التنمية البشرية لعام 2009، لا زال المغرب في تراجع، بحيث يأتي في الرتبة 130 من بين 182 بلداً) - الساكنة النشيطة تتزايد بقوة، والضغط على سوق الشغل لازال قويا.
- نمو غير كاف ومهتز : - وتيرة النمو تظل غير مستقرة من سنة إلى أخرى - في مجموع العقود الخمسة الأخيرة، فإن النمو بالنسبة للرأس الواحد لا يتجاوز 2%، بهذه الوتيرة يحتاج المغرب إلى 31 سنة ليصل إلى المستوى الحالي للنمو في تونس، وإلى 65 سنة للوصول إلى مستوى ماليزيا وإلى 129 سنة للوصول إلى مستوى كوريا الجنوبية، وإلى قرنين كاملين للوصول إلى مستوى الولايات المتحدة الأمريكية.
- بنيات اقتصادية عتيقة وموسومة بضعف الإنتاجية : - على امتداد الفترات الطويلة، نلاحظ أن بنيات القطاع الاقتصادي لا تتطور إلا قليلا إذا لم تتراجع. فهناك عشوائية في الفلاحة، وتراجع في الصناعة، وتضخم في القطاع الثالث والقطاع اللاشكلي - قطاعات غير متناسقة الاتصال والتمفصل بينها، أو غير متصلة بالمرة، وخاضعة بقوة للخارج، وذات خلق ضعيف لفرص الشغل ولقيمة مضافة، (فمثلا كل ناشط في الصناعة ينتج سنويا 8000 دولار، مقابل15.000 دولار في البلدان الأخرى الموجودة في حالة "انطلاق اقتصادي". و 70% من الإنتاج يتكون من مواد لم تعرف إلا تحضيرا وإعدادا محدودين) - المخططات القطاعية الحالية (المسماة Emergence, Vert,Maroc AZUR, …)، لا تشكو فقط من عدم النجاعة والفعالية، بل تكرس غياب نظرة شمولية، وبالتالي تسجل بهذا الصدد نوعا من التراجع.
- مجهود في الاستثمار يطرح إشكالية حقيقية : إذا كان هناك تصاعد في حجم الاستثمارات، وخاصة منها العمومية، في السنوات الأخيرة، فإن ذلك لا يعفينا من تقييم نجاعة الاختيارات، ومدى فعاليتها ودرجة مساهمتها في خدمة العدالة والإنصاف.
هل تستجيب هذه الاستثمارات لحاجات المجتمع ذات الأسبقية؟ هل تمكن من الاستجابة لحاجات الأغلبية أو الأقلية؟ (بناء طرق سيارة في بلد يوجد فيه أكثر من نصف الساكنة القروية معزول عن الخارج تقريبا بسبب غياب طرق قروية تضمن الاتصال – TGV، محطات الاستجمام البحري في إطار مخطط AZUR …).
القطاع الخاص يعزف عن الاستثمار في القطاعات المنتجة، ويلجا إلى قطاع العقار، والوساطة التي تتخذ بصورة قليلة أو كثيرة طابعا مضاربا.
- اقتصاد للريع يسير نحو تنافسية أقل : بالرغم من الخطابات، فإن الريع لازال حاضراً بقوة في اقتصاد المغرب : مثلا في نقل المسافرين، والصيد في أعالي البحار، ومقالع الرمال، وأسواق الجملة للخضر والفواكه، في عدد من قطاعات المواد الغذائية المدعومة إلى حد ما (السكر – المطاحن – الوقود والغاز)، في القطاع البنكي. لكن الريع يعود بقوة في الفلاحة (تفويت أراضي السوديا والسوجيطا)، الاتصالات (وانا)، التوزيع الكبير (مرجان – النزاع بين لوسيور وسافولا كنموذج)، واتفاقيات التبادل الحر مع الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية.
هناك أناس أقوياء دخلوا بهاماتهم العالية الحقل الاقتصادي، وهم من (رجالات البلاط)، ويتصرفون نظرياً باسمه، لكنهم يسيرون في اتجاه فرض قواعد لعب، تجعل البلاط يبدو حاضراً بقوة في الاقتصاد بوزنه السياسي، مما يخلف خوف فاعلين اقتصاديين من أن تُضار حقوقهم في المنافسة المتكافئة. وكنتيجة لذلك يجد بعض هؤلاء الفاعلين مبررا للتهرب من خوض غمار الاستثمارات المنتجة.
نحن إذن لازلنا نعيش في حظيرة نظام سياسي يجعل من الريع منهجا في الحكم وفي ضبط المجتمع. لقد عاش هذا النظام حتى الآن في ظل نظام "حمائي" يحمي أساساً أنواع الريع المختلفة، لكن هذا النظام اليوم مطالب بأن يواجه منطق تحرير المبادلات، والانفتاح على السوق العالمي والتنافسية. هل يستطيع التكيف مع الوضع الجديد، وإيجاد قاعدة للتوفيق بين هذه المستجدات وتقاليده العتيقة؟ هل ستتمكن آلية الانفتاح والليبرالية من كسر منطق الريع؟ أم أن هذا الأخير سيوفر لنفسه وسائل احتواء تلك الآلية وإخضاعها لحدود لعبة المصالح؟
وفي كل الأحوال، فإن الاقتصاد المغربي في مواجهة "اللبرلة" يبدو معاقاً، بفعل تنافسيته الضعيفة، والعجز الصارخ في التجارة الخارجية، الذي يحمل طابعا هيكليا ومزمنا. هذا العجز يلجم نمو البلد ويعرضه مستقبلا لأزمات في الأداءات الخارجية.
– نموذج يكرس التفاوتات الاجتماعية والمجالية : هناك مظاهر بارزة ونشاهدها بالعين المجردة : الفقر والهشاشة والخصاص التربوي، والعجز في الولوج إلى الخدمات الأساسية في العالم القروي (الماء – الكهرباء – الطرق القروية). يكفي هنا تأمل ترتيب المغرب في سلم التنمية البشرية من طرف الهيئات الدولية.
هذه الوضعية الاجتماعية الكارثية تتضاعف بفعل تفاقم الفوارق الاجتماعية، لفائدة رأس المال وعلى حساب قوة العمل : وهكذا مثلا فإن الإحصائيات الحديثة المتوفرة، تبين بأن عقد 1998-2007 قد شهد في المغرب استحواذ مالكي رأس المال على ثلثي الثروة المنتجة (القيمة المضافة) مقابل ثلث للمأجورين، بينما في فرنسا نلاحظ العكس تماماً، فالثلثان توجها نحو المأجورين والثلث فقط توجه نحو رأس المال.
– اقتصاد يعاني من عطب "سوء التمويل" : لقد تزايد الادخار في السنوات الأخيرة، وخاصة ذاك الذي مصدره خارجي، وهذا النوع من الادخار يظل عشوائيا، خاضعاً للتقلبات (عشوائية السياحة والاستثمارات الخارجية، انخفاض تحويلات جاليتنا بالخارج).
إن مشكل التمويل البنكي، يظل قائما، لأنه غير كاف، وغير متكيف، وغال، ولا سيما في سياق تخلت فيه الدولة عن سيادتها النقدية لفائدة النظام البنكي، وهذا الأخير يشكل نوعا من الكارتل الكامل القوة.
ويظل التمويل العمومي مرتهنا لنظام ضريبي يتسم في نفس الوقت بانعدام الفعالية وانعدام العدالة.
ب- طريق الإصلاح الاقتصادي
الشرط المسبق للنهوض الاقتصادي : هل يمكن تحقيق التنمية بدون ديمقراطية؟ يمكن أن يُفتح النقاش بصدد مختلف التجارب الأجنبية، لكن المؤكد، هو أن "التجرية المغربية" أثبتت أن بنيات النظام السياسي المغربي غير ملائمة بشكل واضح للتنمية. إن تلك البنيات لا تتوفر لا على "مزايا" ما يسمى بـ "الاستبداد المتنور" الذي عرفته بعض التجارب، ولا على مزايا النظام الديمقراطي الحقيقي الذي يحرر الطاقات ويعبئ الإمكانات ويكفل شروط العمل الوطني المنسق والمتآزر والمتعاضد.
منذ تقرير الخمسينية، أصبح تشريح الوضعية إلى حد ما واضحا على الأقل، وظهرت الاتجاهات التي يجب أن تسير فيها الإصلاحات الحقيقية، لكن ما ينقصنا هو الإرادة السياسية لتطبيق الإصلاحات. وفي طليعة تلك الإصلاحات طبعا، كل ما يتصل بنظام الحكامة سياسيا واقتصاديا. يجب أن نحدد الإستراتيجية على ضوء رؤية يتقاسمها أوسع المواطنين، ووضع مؤسسات مؤهلة لتطبيقها، وبنيات للنظام السياسي قادرة على السير في هذا الطريق.
بعض المقترحات الأساسية : هناك قرارات لا محيد عنها في نظرنا لضمان النهوض..
- في إطار الإصلاح الدستوري المنشود، يتعين أن يُخَوَّل الوزير الأول والحكومة المسؤولية الأولى في وضع وتنفيذ ومراقبة كل إستراتيجية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
- تعويض مختلف المخططات القطاعية الحالية بإستراتيجية للتنمية، شاملة ومنسجمة، وخاصة من خلال إعادة الاعتبار لمفهوم مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
- القضاء على اقتصاد الريع، عبر سلسلة من الإجراءات من قبيل إلغاء نظام الرخص، والاحتكار، والتواطؤ في قطاعات النقل، والمناجم، والمقالع، والصيد البحري ومياه المنابع – إصلاح نظام الوكلاء في أسواق الجملة المتعلقة بالخضر والفواكه، ونظام الحصص المتعلق بتجارة الجملة في المواد الغذائية المدعمة – مراجعة إطار التخلي والتدبير المفوض للخدمات الجماعية الأساسية (الماء الصالح للشرب – الكهرباء – التطهير – النقل المشترك)، وعند الاقتضاء العودة إلى إطار التدبير البلدي المباشر – إصلاح القانون المتعلق بالمنافسة ومنح مجلس المنافسة سلطة متابعة المخالفين.
- إعادة التفاوض حول اتفاقيات التبادل الحر، وخاصة تلك المتعلقة بالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، في أفق التأكد على السيادة الوطنية في المجالات التي لا يمكن بحسب طبيعتها أن تخضع للمنطق التجاري : الأمن الغذائي، الهوية الثقافية، المحافظة على الموارد الطبيعية والتراث الإيكولوجي.
- خلق صندوق للتأهيل الاقتصادي، والتأهيل الاجتماعي والبيئي أيضا، يتم تغذيته من الموارد المقتطعة من الاستيراد، والمتأتية عن طريق المساعدة الدولية وتحويل الدين. على أن توضع مداخيل الصندوق رهن إشارة الهيئات العمومية مع الوسائل البشرية والمؤسسية والسياسية الضرورية لتمكين تلك الهيئات من إنجاز عملها.
- إدماج البعد الاجتماعي في المنطق الاقتصادي، وتطوير السوق الداخلي وتقوية طبقة متوسطة تنتج وتستهلك، وخاصة من خلال إعادة التفكير في سياسة المداخيل، والسياسة الضريبية، وسياسة السكن، وسياسة القروض. وبالأساس وضع حد لعدم التوازن القائم في شبكة الأجور العمومية، وتطبيق السلم المتحرك للأجور، كلما فرض ذلك تطور الأسعار، والتخلي عن مرجعية (SMIG) الأجر الأدنى المضمون وتعويضها بمرجعية (SMIC) الأجر الأدنى للنمو.
- جعل محاربة البطالة المحور الأساسي لتدخل الدولة، وأحد الأهداف المركزية لتأطير الاستثمار الخاص، وذلك عبر : وضع مخطط شامل لإنعاش الشغل ولمساندة ضحايا البطالة الطويلة الأمد – الانخراط في سياسة فعالة لامتصاص المخزون من العاطلين في إطار الشغل العمومي، وهي السياسة التي يتعين أن تتصل اتصالا وثيقا بالسعي إلى إعادة تأهيل الإدارة، وإلى ضمان إعادة الانتشار والجهوية بالنسبة للموارد البشرية – صرف تعويض عن البحث عن الشغل – مساعدة الأفراد بصورة شخصية في مضمار البحث عن العمل وتحقيق المشاريع المهنية (التكوين – تصور المشاريع – الدعم في مجال التمويل…).
- الانخراط في إصلاح عميق للنظام الضريبي، بواسطة إجراءات من قبيل : توسيع الوعاء الضريبي ليشمل "المناجم الضريبية" الحقيقية، أي الأنشطة غير الخاضعة أو الخاضعة بشكل قليل للضريبة مثل المداخيل والأرباح الفلاحية والعقارية والمالية – مراجعة منظومة الإعفاءات الضريبية لكي لا يتم الاحتفاظ إلا بتلك التي أثبت الواقع نجاعتها المالية والاقتصادية والاجتماعية – تقرير ضريبة على الثروات الكبرى وضريبة على التركات – إصلاح الضريبة العامة على المداخيل في اتجاه توحيد وتنميط طرق إقرارها على مختلف فئات المداخيل وفي اتجاه تدرج حقيقي في نظام فرض الضريبة – إصلاح الضريبة على الشركات بما يضمن مزيدا من الضبط في عملية التحكم في قواعد فرض الضريبة، ومزيدا من المواجهة لظاهرتي التهرب والغش الضريبيين – إصلاح الضريبة على القيمة المضافة لكفالة الانسجام في أنظمة الفرض الضريبي، وعقلنة قواعد الإسقاط، والتدرج الضريبي - تطوير نظام ضريبي على المستوى الجهوي، مرتكز على مبدأ التضامن بين الجهات.
- اختيار طريق تحويل الدين الداخلي إلى استثمارات، كثمرة لحوار وتفاوض بين الدولة من جهة، ودائنيها الرئيسيين الداخليين من جهة أخرى.
- خلق هيأة مستقلة لتقييم السياسات العمومية، قبل وبعد تنفيذ تلك السياسات، على أن تُمنح للهيئة كافة الوسائل المادية والبشرية اللازمة للنهوض بمهامها.
2- الإصلاح السياسي والمؤسسي (أو لامخزنة السياسة)
هو إدخال إصلاحات بنيوية شاملة على مؤسسات الدولة تطابق متطلبات الملكية البرلمانية، وترفع الوصاية عن الشعب وعن السياسة. كما يتعين إعادة تأهيل الحقل الحزبي، وتوسيع الحريات، وضمان استقلال القضاء، وانفتاح وسائل الإعلام العمومية وانفتاح اللعبة الانتخابية…إلخ.
الإصلاح السياسي الحقيقي يتعين أن يتصدى لمعالجة العطب المزمن للدولة، والمتمثل أساسًا في أن من يمسك بمقاليد الحكم الحقيقية لا يُحاسب، ومن يُفترض أن تحاسبه صناديق الاقتراع لا يملك سلطة القرار الحقيقية، وخاصة في أبعادها الإستراتيجية، وبذلك تظل السياسات العمومية خاضعة لبرنامج وحيد أوحد، لا يتغير بتغير الحكومات، وتظل الانتخابات فاقدة لجدواها.
إن للملك صلاحيات واسعة محددة صراحة في فصول متعددة من الدستور، ولكنه يتمتع أيضًا بصلاحية أصلية عامة، تُستفاد من قراءة معينة للفصل 19. وهذه القراءة هي التي غدت مفروضة بحكم الأمر الواقع، ولم يعد بمقدور العمل المؤسسي التحرر من توابعها وآثارها.
بناء على هذه القراءة (الباحنينية) فإن الملك بمقتضى عقد البيعة التي هي ميثاق غليظ، يتولى تدبير كل شؤون الأمة بلا معقب، ويتخذ كل القرارات التي يقدر أنها تخدم المصلحة العامة، بغض الطرف عن وجود مقتضيات مخالفة في الدستور نفسه أو في القوانين الأدنى، وسلطته لا تقبل الحد أو التقييد أو المراقبة أو المساءلة. والمؤسسات الأخرى عندما تُمارس الصلاحيات المخولة إليها بمقتضى الدستور أو القوانين الأخرى، فإنما تصنع ذلك نيابة عن الإمام، وتحت مراقبته وإشرافه، ويمكن له، في أية لحظة أن يسترجع صلاحياته الأصلية ويمارس مباشرة كل السلطات التي يمارسها الغير بالتفويض والوكالة عن صاحب السلطة الأعلى والممثل الأسمى للأمة، والذي تعتبر كل قراراته تعبيرًا عن إراداتها حتى بدون أن تتخذ هذه الإرادة صيغة انتخابات أو استفتاء. فالبيعة تغني عن هذه الوسائط.
الملك إذن، في الممارسة العملية، هو الموجه المباشر للجهاز التنفيذي، وهو المقرر الأساسي للسياسات العمومية من خلال اتخاذ المبادرات والقرارات التي يرتئيها، بغض الطرف عما التزمت به الحكومة أمام الناخبين أو نواب الأمة، والقرارات المعلن عنها عبر الخطب أو الرسائل الملكية، لا يسبق إعلانها بالضرورة إشعار جهة ما أو التشاور معها أو أخذ موافقتها. والملك يعين المديرين والموظفين السامين ويباشر إجراء التعديل الحكومي، ويقوم بإنشاء مؤسسات وصناديق تقتطع لنفسها مساحات من الاختصاصات الاعتيادية للحكومات. والملك يصدر تعليماته المباشرة إلى الوزراء، ولا يلتزم بأية دورية معينة في الدعوة لاجتماع مجلس الوزراء.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الفصل 19 قد اعتُبر بأنه يمثل إطارًا عاما يجيز للملك أن يمارس متى شاء، السلطات العائدة إلى الحكومة أو الوزير الأول بمقتضى نصوص قانونية (تعيين رئيس الهيأة المركزية للوقاية من الرشوة)، أو السلطات العائدة إلى البرلمان عبر ظهائر تمر مباشرة من القصر الملكي إلى المطبعة الرسمية (ديوان المظالم – النص المنظم لتركيبة المجلس الأعلى للإعلام السمعي البصري..)، أو السلطات العائدة إلى القضاء مادام الملك الراحل اعتبر أن حقه في معاقبة الخارجين عن الجماعة لا يتوقف على وجود نص خاص مكتوب (واقعة انسحاب نواب من البرلمان..).
إن أغلب الأحزاب السياسية قد عادت اليوم إلى الحديث عن الإصلاح الدستوري، ولكنها على العموم فضلت أن تتفادى الاعتراف بضرورة اعتماد نصوص جديدة تقر الحد الواضح من سلطات الملك.
اتجهت تلك الأحزاب إلى إثارة قضايا تتصل أساسًا بالطابق الثالث من الدستور المتعلق بالسلطات الثلاث والعلاقات بينهما، والطابق الرابع المتعلق بالتدبير الترابي، مع تقديم اقتراحات محدودة بخصوص الطابق الأول (الهوية والمبادئ العامة)، وعدم تقديم أي تعديل يهم الطابق الثاني المتعلق بالملكية. وتم الانطلاق من أن توسيع صلاحيات مؤسسة الوزير الأول، ومؤسسة البرلمان، ومؤسسة الحكومة، يعني ضمينًا الحد من صلاحيات الملك. إلا أن الممارسة العملية والمذهب المفروض في تأويل الدستور، يجعلان هذه الخطة عاجزة عن حسم الإشكال الدستوري المطروح، إذ سيظل بمقدور المؤسسة الملكية دائمًا أن تباشر الصلاحيات التي منحتها بعض الفصول إلى غيرها. ولذلك فلا بديل عن تعديل الفصل 19، حتى نضمن انضباطه لبقية الفصول الأخرى في الدستور، وحتى نزيح إمكان اتخاذه كقاعدة لتسويغ تموضع السلطة الملكية فوق الدستور، وبذلك نحقق للنص المغربي حمله لجوهر الفكرة الدستورية وننتقل من المجاز الدستوري إلى الحقيقة الدستورية. فالنص الذي لا تستطيع بنوده أن تقيد مؤسسة من المؤسسات، والنص الذي لا تمتلك بنوده درجة الإلزام والسمو المطلوبة ليس بدستور.
وهناك من عاد إلى رفع شعار الملكية البرلمانية بعد إهمال الشعار لما يزيد عن عقد من الزمن، إلا أن هذه العودة، يحيط بها خطران إثنان :
- الخطر الأول هو خطر تمييع ومسخ الشعار بتحريف مفهوم الملكية البرلمانية والترويج لمعنى لا يطابق جوهر المفهوم. هناك من له مصلحة في تقديم الملكية البرلمانية على أنها مجرد توسيع لصلاحيات الوزير الأول والحكومة والبرلمان، أو تقاسم السلطة بين المجال الملكي والمجال المرتبط بصناديق الاقتراع، بينما الملكية البرلمانية هي وضع السلطة الأساسية للتقرير والتنفيذ بين يدي فريق الأغلبية الذي حظي بثقة الناخبين.
وإذا كان الوصول إلى الملكية البرلمانية يتطلب مجهودا نضاليًا جبارًا وصراعًا مريرًا، فإن ذلك لا يمنع الحزب الاشتراكي الموحد من أن يتصدى من الآن، وبدون هوادة، لمحاولات تحريف موضوعة الملكية البرلمانية.
وهو بهذا التصدي، ينهض بجزء من واجبات الصراع الفكري والإيديولوجي ضد القوى المحافظة المدافعة عن مصالحها وامتيازاتها.
الخطر الثاني هو استعمال شعار الملكية البرلمانية في الضغط لاستخلاص منافع حزبية ضيقة وتحسينات في موقع بعض الأطراف، ثم التخلي عن الشعار ومحاربة المناضلين من أجل تحقيقه، إذا تمت ترضية المطامح النفعية الذاتية لتلك الأطراف. ولهذا فإن حزبنا، وهو يسجل إيجابية عودة شعار الملكية البرلمانية إلى خطاب اليسار الحكومي، وإذ يبدي استعداده للتعاون مع كل من يرفع الشعار، فإنه يعي في ذات الوقت أهمية الالتزام الدائم باليقظة، وضرورة ربط وتوثيق التعاون بالتزامات متبادلة وإطار تعاقدي مشترك يهم المستقبل أيضًا، ويدرك وجود حلفاء في معركة تحديث نظامنا السياسي، من داخل حقل المجتمع المدني، يمكن أن يسدوا لهذه المعركة خدمات حيوية.
إن الإصلاح الدستوري الذي يهدف إلى إقامة ملكية برلمانية في المغرب، يمر في نظرنا بالضرورة عبر الجواب الجلي والساطع والذي لا يقبل الالتواء على سؤال واضح وبسيط : أية ملكية نريد لمغاربة القرن الواحد والعشرين، وبمعنى آخر فلا يمكن لأي ديمقراطي حقيقي أن يتجنب المهمة الملقاة على عاتقه اليوم، والمتمثلة في تحديد وظيفة الملكية في المعمار الدستوري والمؤسسي في المغرب، ورسم مجالات ومعالم تدخلها، والحدود التي تقف عندها، والالتزامات التي تتحمل بها، حتى نكون أمام ملكية متصالحة مع عصرها، ووفية لمضمون المادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على أن "إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم". كل ملكية لا تعترف لشعبها بحق السيادة، أو تعلو على هذه السيادة أو لا تنضبط لحكم صناديق الاقتراع، هي ملكية ضد اتجاه التاريخ. لقد انتهى عهد الرعايا ونظريات التفويض الإلهي، ودخلنا عهد المشروعية الصاعدة من أسفل إلى أعلى. ولهذا، فإننا في المغرب نناضل من أجل ملكية تسود ولا تحكم، وهي بهذا المعنى لا يمكن أن تكون "ملكية تنفيذية" أو شيئا من هذا القبيل، لأن من عليه واجب قيادة الجهاز التنفيذي هو الوزير الأول الذي ألقت على كاهله صناديق الاقتراع هذه المهمة. وهي ملكية (مواطنة) بمقدار احترامها لحق المواطن في اختيار البرنامج الذي يُطبق عليه، بدون أن يكون خاضعًا لبرنامج وحيد أوحد، لا يتغير بتغير الحكومات أو نتائج الانتخابات.
الملكية التي نريد، هي بالضرورة ملكية غير مكلفة من خلال ثلاث زوايا على الأقل :
- فهي أولا ملكية غير مكلفة سياسيًا، لأنها لا تحرم الشعب من حق الاختيار والتقرير عير ممثليه المنتخبين.
- وهي ثانيا ملكية غير مكلفة اقتصاديا وماليًا لأنها لا تفرض على الشعب تضحيات مادية غير مبررة، ولا تحرمه من حق التقرير العقلاني في اعتمادات اللائحة المدنية ونفقات البلاط، ولا تتيح لبعض أفراد الدائرة المقربة فرص احتياز امتيازات واحتكار وسائل للعمل الاقتصادي خارج منطق المنافسة وقواعد التكافؤ في الفرص والحظوظ ومبدأ المساواة أمام القانون.
- وهي ثالثًا ملكية غير مكلفة ثقافيًا لأنها لا تفرض على أي كان إتيان طقوس أو مجاراة عادات وأعراف أو الانضباط لمراسيم، قد يرى فيها مجافاة لروح العصر أو انطواء على مشقة زائدة أو تكريسا لمظاهر الخنوع وقبول الوصاية والانقياد الأعمى.
بناء على ما سبق، فإن الإصلاح الدستوري الذي نناضل من أجل إقراره في بلادنا يقوم على أربع عمليات متراكبة ومترابطة وضرورية :
العملية الأولى هي التحديد العام الواضح لوظيفة الملكية، في إطار الحد من صلاحيات الملك. ولن يتأتى ذلك بدون معالجة الإشكاليات التي يطرحها الفصل 19، من خلال :
- إفراد فصل خاص في الدستور، يُكتفى فيه بالإشارة إلى أن الملك يحمل لقب أمير المؤمنين، أي أننا سنضمن تحويل إمارة المؤمنين من مؤسسة إلى مجرد لقب، ينص الدستور على أنه يعني سلطة إشراف معنوية ورمزية على شؤون المغاربة المسلمين، وينحصر في حمولة ثقافية، ولا يُستعمل في تسيير شؤون الدولة أو عمل المؤسسات.
- التنصيص في فصل آخر على وظيفة الملك كرئيس للدولة مقيد بالدستور، وكحكم وكممثل للدولة المغربية في العلاقات الدولية، وضامن لاستمرار الدولة ورمز لوحدة واستقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة، والساهر بجانب المؤسسات الأخرى على صيانة حقوق وحريات المواطنين في إطار الدستور، وحذف القاعدة التي أضيفت عام 1970 والقاضية بأن الملك هو "الممثل الأسمى للأمة" حتى لا تُستعمل في منح الملك حق السيادة المسبقة والسمو فوق الانتخابات والاستفتاءات.
العملية الثانية هي إعادة انتشار السلطات، بواسطة :
- نقل أغلب سلطات الملك إلى الوزير الأول لتمكين هذا الأخير من إدارة السياسة العامة للبلاد، وتحمل مسؤولية تطبيق برنامجه الحكومي، والإشراف على مختلف القطاعات والمرافق الحكومية، وتتبع وتوجيه عمل الوزراء. على أن يظل الملك محتفظا بسلطة إعفاء الحكومة، وإصدار الأمر بتنفيذ القانون، وحل البرلمان، والقيادة العليا للجيش، والتعيين في الوظائف العسكرية، واعتماد السفراء باقتراح من الحكومة، والعفو الخاص، وإعلان حالة الاستثناء بقيود، وإشهار الحرب بقيود، وعلى أن يتمتع الملك دائما بالحصانة.
- تخويل كافة صلاحيات مجلس الوزراء إلى مجلس الحكومة. وتحويل مجلس الوزراء إلى مؤسسة تجتمع في ظروف استثنائية للمصادقة على قرارات تهم بعض "الظروف غير العادية" كحالة الاستثناء وتعديل الدستور وإشهار الحرب. كما يجتمع مجلس الوزراء بمبادرة من الملك أو الوزير الأول، لإطلاع الملك على سير شؤون الدولة وتلقي ملاحظاته، وإطلاع الحكومة على مضمون الخطب الملكية قبل إلقائها، وتلقي ملاحظات الحكومة بشأنها.
- إقرار عدد من المقتضيات الضامنة لفصل السلط وللتوازن بينها، ومن ذلك، توسيع سلطات البرلمان، ومنح السلطة القضائية وسائل الاستقلالية، وإعادة تحديد تركيبة واختصاصات المجلس الدستوري بالطريقة التي تمكنه من ضمان المراقبة الفعالة على دستورية القوانين، وتؤمن للمجلس شروط البت المستقل والحيادي في كل القضايا التي تستدعي موضوعيا تدخله.
العملية الثالثة هي الالتزام الدستوري الصريح بتعيين الوزير الأول من رموز الأغلبية التي أفرزتها النتائج الانتخابية، بعد التداول في الأمر مع رئيس مجلس النواب وممثلي الأحزاب التي احتلت مراتب الصدارة في سبورة تلك النتائج.
العملية الرابعة هي تضمين الباب المتعلق بالهوية والمبادئ العامة مجموعة من المقتضيات الجديدة مثل التأكيد على مبدأ سمو الدستور والأبعاد الثلاثة للهوية المغربية الإسلامية العربية الأمازيغية، وسمو الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان على التشريع الداخلي، والطابع البرلماني للملكية المغربية، واعتماد هيأة مستقلة للإشراف على الانتخابات، وتحديد حقوق الأحزاب والمعارضة، ودسترة عدد من المؤسسات المستحدثة، والاعتراف بمساواة المرأة للرجل في الحقوق والواجبات، ودسترة مجموعة من أحكام مدونة الأسرة، وضمان حرية الاعتقاد، وإلغاء عقوبة الإعدام، وتقرير التعويض عن البطالة، وإجبارية المستوى الأساسي للتعليم، والتنصيص على العدالة الاجتماعية، وتفصيل الإشارة إلى عدد من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كالحق في التنمية والعيش اللائق والضمان الاجتماعي وحقوق المستهلك واللاجئين والمهاجرين وذوي الاحتياجات الخاصة، وحق النشر وتأسيس الصحف والدوريات والنقابات والأحزاب والجمعيات وعقد التجمعات بمجرد التصريح وبدون الحاجة إلى الإذن، على ألا يُلجأ إلى الحل أو التوقيف إلا بقرار قضائي. كما نرى أن ينص الدستور على حق رفع العرائض الفردية والجماعية وعرائض حاملي السلاح الفردية إلى الملك، ومناهضة التمييز، وحماية البيئة والمكالمات الهاتفية والالكترونية، وقبول مخاصمة الدولة المغربية أمام الهيئات الدولية، وتفصيل شروط المحاكمة العادلة كما تحددت عالميًا.
كما يتعين أن يشمل الإصلاح الحقل القانوني، وخاصة في المجالات المتعلقة بنظام الأحزاب، والنقابات، والحريات العامة، والانتخابات، والقضاء، والإدارة، والثقافة، والشؤون الدينية..
وهكذا نرى ضرورة إصلاح قانون الأحزاب في المغرب في اتجاه تصحيح الاختلالات الواردة بالقانون الحالي، والمتمثلة مثلاً في قسوة إجراءات التأسيس، ووجود منافذ لوصاية السلطة التنفيذية، وتحديد مناط الشرعية بشكل متعسف، ووضع معيار إقصائي ومجحف للدعم المادي، والمس بمكتسبات سابقة، وشدة الجزاءات المترتبة عن خرق القانون.
وبصدد المجال الانتخابي، فإننا في الحزب الاشتراكي الموحد نعتبر أن نظام التمثيل النسبي اللائحي على الصعيد الوطني، أو على الصعيد الجهوي، هو الأقدر على ضمان استرجاع الانتخابات لبعض من أبعادها السياسية، على أن يتم تخفيض العتبة لتمكين مختلف تعبيرات المجتمع من التمثيل الانتخابي، وتشجيع التكثلات الانتخابية بوضع إجراءات تحفيزية. أما العودة إلى النظام الفردي الإسمي الأحادي فنعتبرها انتكاسة سياسية، وخاصة إذا تم الاقتصار على دورة واحدة.
وبصدد قانون الصحافة، فإننا نجدد تأكيدنا على ضرورة حذف العقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر، وإصدار مدونة متكاملة للنشر والإعلام، وإزاحة الخطوط الحمراء المفتعلة التي لا يقبلها المنطق السائد في مجتمع ديمقراطي، وإقرار مساطر جديدة وهيئات داخلية لحل المنازعات، وأجهزة لتأمين الولوج إلى المعلومة وضمان الحق في الإشهار.
3- الإصلاح الاجتماعي والثقافي (أو لامخزنة المجتمع)
ويشمل نشر ثقافة المواطنة، وتثمين قيم العلم والاجتهاد والعمل، وحماية الإبداع، والانفتاح على التراث الإنساني، وتحقيق الإصلاح الديني الحقيقي، وتجذير تيار التنوير والحداثة، وإصلاح التعليم ومؤسسات التنشئة الأخرى، وتفعيل حقوق المرأة وحمايتها، وضمان حقوق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة…إلخ.
انطلاقا من تشخيص الوضع المغربي العام في مجالاته الثلاثة المفصلة سابقاً، وتحديد الأهداف الكبرى الموجهة لعمل حزبنا في تلك المجالات، نرى أن علينا بالإضافة إلى واجب خوض المعركة السياسية، معركة الانتقال الديمقراطي، واجب خوض معارك ثلاث ذات طابع استعجالي وهي : محاربة الفساد، وضمان الشغل، وإنقاذ المدرسة.
محاربة الفساد : خلال الحقبة الحالية (2009)، كان المغرب حاضرا في عدة تقارير دولية واستطلاعات للرأي ومؤشرات قياس الرشوة. النتائج المستخلصة من خلال تقييمات مستقلة منجزة بالرجوع إلى خبراء وأسر ورؤساء مؤسسات، تبين خطورة ظاهرة الرشوة والفساد في المغرب، وطابعهما المنهجي.
الوضع يتردى سنة بعد أخرى. فمن بين 180 بلدا، انتقل المغرب من نقطة 3,5 في 2008 إلى نقطة 3,3 (على عشرة)، ومن الرتبة 80 إلى الرتبة 89 في ظرف سنة فقط، بالنسبة للرشوة. والقطاعات التي تعاني أكثر من هذه الآفة هي العدالة، والصحة، الشرطة، والمصالح العمومية بوجه عام.
تحت ضغط المجتمع المدني في الداخل والخارج، صادق المغرب على اتفاقية الأمم المتحدة ضد الرشوة، كما أنه وضع خطة عمل وأصدر عدة نصوص تتعلق بالتصريح بالممتلكات، وأوجد هيأة مركزية للوقاية من الرشوة. لكن هذه التدابير تشكو في الإجمال من عدم الفعالية والنفاذ، وتحمل في طياتها الكثير من عناصر النقص والاختلال، وتكفي الإشارة هنا مثلا، إلى أن مسألة التصريح بالممتلكات، تخضع لتشعب وتعدد في النصوص والمساطر، وتفرد معاملة خاصة للوزراء وكبار المسؤولين. والهيئات المكلفة بالمراقبة تعاني من الضعف ولا يكون لتقاريرها الافتحاصية في الغالب أي أثر في تحريك آليات المتابعة والمساءلة. والمثال الصارخ هنا هو تقارير المجلس الأعلى للحسابات التي كشفت عن أوجه خطيرة للفساد وإهدار المال العام، والتي لم يعقبها تحريك مساطر التتبع والجزاء. أما الهيأة المركزية للوقاية من الرشوة، فلا تملك من الوسائل والصلاحيات، ما يجعلها قادرة على التصدي لخطورة المشكل.
الأسباب الكلاسيكية للرشوة والفساد معروفة، فهي في العادة تتمثل في وجود أوضاع للاحتكار، وفي عجز على مستوى الشفافية في تدبير الشؤون العمومية، وفي ضعف سلط المراقبة (المتابعات والسلط المضادة)، وفي قيام سلطة تقديرية تمارس عادة بدون خضوعها لمساطر، وفي معايير موضوعة خارج أية مساءلة. كل هذه العناصر قائمة بقوة في حالة النظام السياسي لبلدنا، السلطة التقديرية تحكم ممارسة اتخاذ القرار وممارسة الحكم، والمقتضيات الدستورية تُحَصِّنُ النواة المركزية للسلطة ضد أي وجه للمحاسبة.
السلطة التقديرية الواسعة تُمارس بطرق مختلفة، ولا سيما من خلال سلطة تعيين المسؤولين الإداريين السامين، وأعضاء المجالس ومسؤولي الأبناك والمكاتب الوطنية، وهذه السلطة تُمارس بلا مُعَقِّب، وبدون ارتباط بما تفرزه صناديق الاقتراع والمؤسسات المنتخبة.
الرشوة في المغرب، ظاهرة معممة ومنهجية، تساعد في مراقبة وضبط المجتمع والمؤسسات والنخب، وفي تهجين البنيات الضرورية في كل ديمقراطية، والرشوة هي أيضا نتيجة لسياسة التفاوت المريع في الأجور.
إن نضالنا في الحزب الاشتراكي الموحد ضد الفساد والرشوة، ينطلق من تصور قائم على الربط بين الرشوة التي تعشش في البنيات التحتية للإدارة والمجتمع، والرشوة التي تعشش في البنيات "الفوقية" للدولة، وعلى الربط بين الرشوة في المجال الاقتصادي والمالي، والرشوة في المجال السياسي، وعلى الربط بين نقد المرتشين ونقد الراشين. فإذا كان البعض يعزو أزمة السياسة بالمغرب إلى السهولة في شراء رجالها فإن عملية الشراء تقوم على ترادف جريمتين، وفعلين مستهجنين، فليس صنيع أولئك الذين يشترون بأقل مدعاة للاستنكار من صنيع من يُباعون.
كما أننا نربط أيضا بين مسؤولية من يباشرون عمليات الفساد والرشوة –التي يعرفها الحقل الانتخابي- وبين مسؤولية من يتواطؤون بالصمت وإنكار العدالة والسلبية بدعوى الحيلولة دون المزيد من انحدار نسب المشاركة.
إن نضالنا ضد الفساد، ينبغي أن يعتمد خطة متعددة الحقول والحلقات، ويتطلب بالأساس إيلاء العناية لضرورة السعي للخروج من حالة اللاعقاب، وإصلاح العدالة وضمان استقلالها، وتحويل أجهزة المراقبة إلى أدوات فعالة، وتطبيق قاعدة التصريح بالممتلكات على الجميع، وربطها بمساطر للتتبع والمواكبة. ويتعين في هذا المجال، على "رجال البلاط" ومستشاري الملك، وقادة الأحزاب، وكبار مسؤولي الدولة، أن يعطوا المثال، من خلال الكشف عن ثرواتهم. كل هذا يتطلب إرادة سياسية تذهب أبعد من الخطابات، ولذلك فإننا نعي أن استئصال الفساد في النهاية، وبشكل جذري يعني إصلاح النظام السياسي ككل ودمقرطته وإخضاعه للمراقبة الشعبية.
الشغل شغلنا الشاغل : إننا في الحزب الاشتراكي الموحد نسجل بمرارة، أن خلق مناصب الشغل غير كاف تماماً، وخاصة مناصب الشغل المؤهلة.
فإذا كانت الفترة من 2000 إلى 2008 قد شهدت ارتفاع عدد النشطاء المشتغلين من 8,85 مليون فرد إلى 10,2 مليون. وأن سوق العمل قد سجل خلقا صافيا للشغل بما قدره 1,3 مليون ما بين 2000 و2008، يمثل الوسط الحضري فيه 62,7%، ويمثل قطاع الخدمات فيه 51,3%، فإن الحاجيات الحقيقية للشغل تقدر ب 300.000 إلى 400.000 منصب عمل. وإذا كانت نسبة البطالة قد انتقلت من 9,5% إلى 9,0% ما بين الثلاثة أشهر الأخيرة من 2008 والثلاثة أشهر الأخيرة من 2009، فيجب التنبه إلى أن الإحصائيات الرسمية تعوزها الدقة، فهي مثلا تعتبر ما بين 28% إلى 30% من الأفراد، كمشتغلين وهم لا يتلقون أجرا. كما يجب علينا أن نأخذ بعين الاعتبار ظاهرة نقص الشغل (le sous emploi) المرتفعة في الوسط القروي على وجه الخصوص، وقد ارتفع حجمها ما بين 2008 و2009، من 934.000 إلى 1.062.000 فردا.
ومن جهة أخرى، فإذا تأملنا بنية الساكنة النشيطة المشتغلة في 2008، فإننا سنلاحظ هيمنة فئة الذين لا يتوفرون على أي دبلوم، بنسبة 68,2%، الأمر الذي يمثل عنصر إعاقة بالنسبة للاقتصاد الوطني ولتنافسيته.
بالإضافة إلى أن البطالة الطويلة الأمد تمثل 52,3% بالنسبة للذين لا يتوفرون على أي دبلوم، و 83,2% بالنسبة لحاملي دبلومات التعليم العالي.
هذه المعطيات تبرز حجم الإهدار البشري والاقتصادي الذي تعرفه بلادنا، وتعكس مرة أخرى اختلالات النظام التربوي، ومحدودية قدرة الاقتصاد المغربي على خلق مناصب الشغل المؤهلة بالقدر الكافي والمطلوب. ويظل شبح البطالة بمثابة مأساة اجتماعية تمس بمضاعفاتها القطاع الواسع من الأسر المغربية، وتهدد أسس الاستقرار والسلم المدني.
سياسة التشغيل لا زالت بعيدة عن المعالجة العميقة لمشكلة البطالة، ومختلف برامج الإدماج التي اعتمدت (إدماج – التأهيل – مقاولتي) لم تحقق أي تطور نوعي في معالجة المشكلة.
وفي الخلاصة، يتعين التأكيد إذن، على :
- أن الشباب، وحملة الشهادات على وجه الخصوص في الوسط الحضري، معرض لنسب عالية من البطالة ولمدد طويلة.
- أن مخزونا هائلا من العطالة، يمثل أكثر من نصف العاطلين، لم يسبق له بالمرة أن اشتغل.
- أن القدرة على خلق فرص العمل محدودة جدا بالمقارنة مع الحاجيات.
- أن الموارد التي كانت تخفف من حجم البطالة – مثل التضامن العائلي – أصبحت تنضب.
- أن البطالة إذن تظل المصدر المركزي للأزمة الاجتماعية، ومصدر الكثير من الاختلالات التي أصابت مجال القيم والعلاقات بين الناس، وأثرت حتى على سمعة البلد.
- أن قضية البطالة يجب أن تحتل صدارة اهتمامنا ونقطة محورية في جدول أعمالنا النضالي، ولهذا يتعين بذل المزيد من المساندة لنضالات الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين، ولمختلف مجموعات الخريجين، وتحقيق تعاون مع باقي مكونات اليسار في هذا المجال، والبحث عن صيغ احتضان نضالات المعطلين، وتنظيم المعطلين من غير حاملي الشهادات أيضاً، في إطار صيغة تنظيمية موازية لعمل إحدى المركزيات النقابية الكبرى.
إنقاذ المدرسة : إن محاكمة سياسة التعليم قد جرت عملياً من خلال تقييم المجلس الأعلى للتعليم نفسه، للمدرسة المغربية. هناك اعتراف رسمي إذن بفشل تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتعليم.
المظهر الأول للفشل، هو حجم الأمية، فحسب الإحصاء العام لـ 2004 يوجد بيننا 48% من الأميين. 29,4% منهم في الوسط الحضري و 60,5% منهم في الوسط القروي، 54,7% منهم نساء.
الدولة انسحبت تقريبا من مجال محاربة الأمية وتركته للجمعيات التي لا تُقَدَّمُ لها إلا وسائل جد محدودة للعمل، مع تسجيل تراجع في نسب المسجلين في برامج محو الأمية. لكن الأخطر هنا هو تقديم معلومات مغلوطة للرأي العام حول انخفاض نسب الأمية، إذ يُعتمد في تعداد المتعلمين أولئك الذين تم تسجيلهم في بداية السنة ضمن برامج محو الأمية، بينما 50 إلى 70% من المسجلين ينسحبون بعد ذلك و10%فقط ممن يبقون هم الذين ينهون مشوار دراستهم بنجاح.
أما عن تعميم التمدرس أو إلزامية التمدرس، من الناحية الجدية، فلا يوجد سوى في الخطابات والنصوص الصادرة منذ الستينات. فرغم أن النسبة الصافية للتمدرس في الابتدائي انتقلت من 79% عام 2000 إلى 93% اليوم، فإن المشاكل الحقيقية للنظام التربوي هي المغادرة المبكرة، نسب الهدر العالية، نسب الضياع، والمستوى المنحط لجودة المعارف والمهارات المحصل عليها. فمن بين 100 تلميذ مسجل في الابتدائي، 13 فقط يحصلون على الباكالوريا. المدرسة المغربية إذن، تجد صعوبة كبيرة في الاحتفاظ لديها بنسبة هامة من الأطفال. فما بين 390.000 إلى 400.000 مغادرة مدرسية تُسَجَّلُ كل سنة.
أما من الناحية الكيفية، فلقد سجلت بعض الدراسات الدولية مثلا - بالنسبة لتلاميذ السنة الثانية من التعليم الإعدادي – أن 58% من التلاميذ لا يستوفون المدارك الأدنى في الرياضيات، و52% في العلوم. وأحدث الدراسات التي تمت على الصعيد الوطني (2009) تقدم نفس النتائج تقريبا. وبالنسبة للغة الفرنسية لا تتجاوز النسبة 29% إلى 36%.
إن الأسباب الحقيقية لهذا الضياع، تكمن في رداءة البنيات التحتية، ومشاكل تكوين رجال التعليم، والمقاربات البيداغوجية التقليدية، واكتظاض الأقسام، والشروط السوسيواقتصادية لأسر التلاميذ، وكلفة التمدرس الغالية بالنسبة للأوساط الفقيرة.
ولكن، خارج هذه الاعتبارات، هناك مشكل الحكامة المطروح بكل حدة، فالمستعجل اليوم هو أن نؤكد على أن ضخ المزيد من الاعتمادات بدون أن نتصدى للتبذير، وللتدبير السيء، ولتحديد المسؤوليات، ولضرورة انخراط مختلف أطراف العملية التربوية، لن يغير شيئا في الوضعية السائدة إجمالا. ولقد أدت المغادرة الطوعية في 2005 إلى كارثة حقيقية في مجال التأطير التعليمي.
أما المخطط الاستعجالي، فليس سوى محاولة للهروب إلى الأمام، وطوق نجاة للإفلات من واجب تقديم الحساب وعرض الحصيلة المأساوية لتطبيق الميثاق.
ولذلك، فإن نضال الحزب الاشتراكي الموحد اليوم، مع حلفائه، ينطلق من القناعة بأن الخروج من الأزمة العميقة التي يوجد عليها النظام التربوي، يتطلب تقديم الحصيلة، وإعطاء الحساب، والتماس تغيير شامل للتوجه. هناك ضرورة لضمان انخراط وتعبئة ومشاركة كل الأطراف، وتحفيز رجال التعليم، وعلى حزبنا أن ينتبه إلى حيوية دور هؤلاء في معركة رفع الوعي والتنوير وإصلاح المقررات، وأن يوفر سبل قيامهم بهذا الدور على أحسن وجه، وخاصة عبر تطوير النقاش حول حال التعليم ووضع خطط النضال لإنقاذه، وإدراك علاقة ذلك بالمعركة الشاملة لبناء مجتمع التقدم والديمقراطية والحداثة.
ثانيا- تجديد الخطة السياسية
1- مغزى إعادة البناء
كانت الخطة التي اعتمدناها قبل انتخابات 2007 تنبني على :
-أن تحالف اليسار الديمقراطي- الذي يجمعنا بكل من المؤتمر الوطني الاتحادي وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي- يمثل نواة "الجديد" الذي تنتظره الساحة، وأنه سيشكل قوة جذب ذاتية بغض الطرف عما سيقع في حظيرة الأحزاب اليسارية الأخرى من تفاعلات.
-أن اعتماد الترشيح المشترك في إطار التحالف المذكور، سيسمح بتحقيق تقدم انتخابي ملموس. كانت القناعة أن فكرة التحالف في حد ذاتها كافية لحصول تقدم انتخابي. وأن هذا الأخير سيفسح فيما بعد آفاق نمو أحزاب التحالف بالقدر الذي ستشكل به بديلاً .
اليوم يبدو أن المطلوب هو صناعة "حدث كبير" من أجل تغيير نوعي في المعطيات الانتخابية. وهذا الحدث ليس هو مجرد تأسيس التحالف.
إن الجدلية السياسية المطلوبة لن يكون التحالف حقلها الأوحد. كان التصور فيما قبل أن التحالف قاطرة ستجر عربات اليسار أفراداً وهيئات وحساسيات. اليوم يظهر أن القاطرة يجب أن تُصنع، سيساهم التحالف في صناعتها، ولكنه لن يغني أبداً عن مجهود تركيبها قطعة قطعة .
ظهرت في آدائنا المشترك ضمن التحالف أخطاء وتعثرات، وسجلنا عدم وجود وضوح كاف بيننا في الأهداف، وعدم تحضيرنا لهذه الخطوة بشكل جيد، ولكننا ما بين انتخابات2007 و2009 تغلبنا على بعض الصعوبات، واتضح أننا يمكن أن نطور عملنا المشترك بهذا القدر أو ذاك.
سيكون من غير السليم سياسياً الخروج من التحالف، في وقت عمت فيه الشكوى من البلقنة، وفي وقت نعتبر أنفسنا الأكثر دفاعاً عن خط النضال الوحدوي، ونقول فيه أن هناك أحزاباً "صغيرة" يسعى البعض إلى توفير شروط اندثارها .
يجب أن نفتح آفاق تطوير التحالف بوعي وتبصر، واعتماداً على الاقتناع أننا كلما تقدمنا معاً في درجة الوضوح السياسي والبرنامجي، وكلما تقدمنا في بلورة خطط موحدة للعمل في المنظمات الجماهيرية، سنمنح التحالف فرصاً أكبر للحياة ولتصليب عوده وترسيخ وجوده.
التحالف إذن إطار للتنسيق الرسمي بين أحزاب تشارك فيه بممثلين منتدبين عنها، وهو إذن أحد حقلي اشتغالنا وعملنا ووجه من وجهي خطتنا .
الالتقاء في إطار التحالف التقاء إطارات وتنظيمات في القاعدة والقيادة، في المركز والفروع.
الحقل الثاني لعملنا هو إطار التقاء مناضلين وناشطين من اليسار والمجتمع المدني التقدمي. مناضلون تحذوهم الرغبة في خلق "البديل"، وتصحيح المسار، وإعادة البناء بخطة مُحكمة من الأسفل إلى الأعلى.
هناك اليوم فضاءات اليسار التي يمكن أن تتحول إلى هيئات قاعدية وظيفية، وأن تتجاوز وضعها كمنتديات للنقاش، وأن تدخل في مسار خوض معارك مشتركة وتعميمها، وتبادل التجارب بينها، وانفتاحها على طاقات يسارية وتقدمية وإطارات مدنية ومثقفين متنورين.
بهذه الطريقة نلم الشمل، ونجمع الشتات، ونعد للمرحلة المقبلة على قاعدة "ميثاق اليسار".
2- ميثاق إعادة البناء
يجب على اليساريين في المغرب، أن يلحموا صفوفهم وأن يدشنوا مرحلة للعمل المشترك بطول نفس وفي أفق صياغة بدائل على الأرض، تعيد لعائلة اليسار وهجها وإشعاعها، وحتى يكون لتجميع صفوف اليساريين معنى سياسيًا، عليه أن يندرج ضمن قاعدة مرجعية مؤطرة، قوامها القواعد التالية :
القاعدة الأولى : الوفاء المشترك للفكرة الاشتراكية، بواسطة التقيد باحترام الالتزامات الكبرى التي تقع على عاتق اليساريين اليوم في المغرب، وفي العالم. هناك حد أدنى من الالتزامات التي لا يمكن ادعاء الانتماء للصف الاشتراكي بدون العمل بها في جميع مواقع التواجد. هناك دائمًا ملامح مميزة للبرنامج الاشتراكي وحدود فاصلة بينه وبين برامج "الآخرين". إن عدم صياغة نقاط الحد الأدنى التي تجمع الاشتراكيين وترك الحبل على الغارب، واصطناع المبررات لمسايرة أي برنامج كيفما كانت مستنداته ومرجعيته، يتنافى بكل تأكيد مع التصريح بحمل الهوية الاشتراكية. إن هذه الهوية ليست صفة ننسبها لأنفسنا كما نريد، إنها تعني موقفا واضحًا ومحددًا مسبقا من مجموعة من القضايا التي تهم نمط التنمية والحكامة والنظام الاقتصادي والاجتماعي وأشكال الإنتاج والتوزيع والتبادل والاستثمار.
القاعدة الثانية : الوفاء المشترك للفكرة الديمقراطية. لا يمكن ادعاء الانتماء إلى الديمقراطية بدون النهوض بواجب الدفاع عن الملكية البرلمانية والنضال الملموس من أجل تحقيقها. ولا يمكن قبول الديمقراطية في الأحوال التي تكون فيها لصالحنا، والتنكر لها والتحلل منها في الأحوال التي لا تكون في صالحنا.
القاعدة الثالثة : الالتزام بعدم المشاركة في الحكومة إلا في حالة فوز اليسار بالأغلبية المطلقة لوحده، أو مع حزب الاستقلال استثناء، إذا حافظ هذا الأخير على قدر من الاستقلالية، وقبل الالتزام بأسس البرنامج التقدمي لليسار.
القاعدة الرابعة : الالتزام بعدم المشاركة في الحكومة إلا بعد إقرار إصلاحات دستورية تسمح لليسار بالتحكم في آليات صناعة القرار وامتلاك وسائل تطبيق البرنامج، وإزاحة أوجه الازدواجية والتقليد الكابحة للفعل الإصلاحي المجدد والمبادر. لكن يمكن على الأقل أن تتم المشاركة في إطار تعاقد يجعل إقرار الإصلاحات الدستورية الجوهرية جزءًا من البرنامج الحكومي، وفي إطار اتفاق معلن واضح وجلي المعالم وحامل ليومية الإصلاح الدستوري.
القاعدة الخامسة : الالتزام برفض استعمال وسائل اليمين وكل الوسائل المنافية للنزاهة والالتزام برفض الاستفادة منها أيا كانت الظروف. وبناء عليه يتعين التنديد بكل عملية تزوير تتم لصالح حزب يساري، ورفض المقاعد المتأتية عن طريق تزوير أو تدليس الغير، ورفض الإكراه أو الضغط أو الغش المرتكب ضد حزب آخر، لفائدة الحزب اليساري. كما يتعين فتح تحقيق داخلي كلما أثيرت مثل هذه القضايا واتخاذ الإجراءات اللازمة.
القاعدة السادسة : الالتزام بعدم ترشيح الأشخاص الذين سبق ترشيحهم باسم حزب من الأحزاب الإدارية في الانتخابات الجماعية والتشريعية التي تعقب انتماءهم إلى الحزب اليساري.
القاعدة السابعة : الالتزام بعدم اعتماد تحالف حكومي إلا إذا كان موضوع إعلان سابق للناخبين قبل الانتخابات، وجرى الاتفاق فيه على البنود الأساسية للبرنامج المشترك.
القاعدة الثامنة : الالتزام بإعمال الحد الأدنى من قواعد التدبير الديمقراطي الداخلي الشفاف والمنفتح، والقائم أساسًا على اعتماد الترشيح الحر للمهام الحزبية، والتصويت على الأشخاص بالاقتراع السري، والسماح بتعدد الآراء والأرضيات والتيارات، وفتح المداولات الحزبية في المؤتمرات والأجهزة التقريرية أمام الصحافة.
القاعدة التاسعة : الالتزام بدمقرطة المنظمات الجماهيرية التي يتواجد فيها اليساريون، بإخضاعها إلى دورية قصيرة لتجديد أجهزتها وإتاحة فرص التنافس الحر داخلها ، وإنهاء العمل بقاعدة التجديد غير المحدود لولاية انتخاب نفس القادة والمسيرين، وضمان شفافية التدبير المالي، والكشف الدوري عن ممتلكات القادة، وإدخال آليات جديدة كالتمثيل النسبي للوائح الترشيح عند الاقتضاء، واستقبال مراقبين من خارج أعضاء المنظمة الجماهيرية التي تعقد مؤتمرها أو تجدد هياكلها. المهم هو الاتفاق هنا على "الحد الأدنى الحيوي" الذي لا يمكن لمنظمة جماهيرية أو هيأة مدنية يسيرها يساريون أن تنزل عنه.
القاعدة العاشرة : الالتزام باتخاذ الإجراءات الكفيلة بضمان استقلالية الأحزاب اليسارية عن السلطة، ووقف مظاهر التبعية التي تتجلى مثلاً في الاستباق بمباركة وتأييد كل ما يصدر عن مركز السلطة فور صدوره، بدون إتاحة أية فرصة لمناقشة الأمر في الأجهزة الحزبية.
القاعدة الحادية عشرة : الالتزام بإخضاع مشاركة وزراء باسم الحزب في تركيبة حكومية ما إلى مسطرة دقيقة، متوافق عليها حزبيًا، ومعلنة على العموم، وضامنة لحق التداول الجماعي حول الأسماء، ومستندة إلى اعتبارات موضوعية ومنصفة تخدم مصلحة الحزب أولاً وقبل كل شيء، على أساس مثلاً أن تنص المسطرة مثلاً على رفض استيزار أفراد لم يرشحهم الحزب ورفض إلباسهم قميص الحزب في آخر لحظة…
القاعدة الثانية عشرة : الالتزام باعتماد مدونات سلوك داخلية في الأحزاب اليسارية، تسمح بتتبع سلوك القادة والمنتخبين الحزبيين، وتقيد تحرك هؤلاء بجملة من الضوابط الأخلاقية، وتتيح قدرًا معلومًا من تدخل المجتمع المدني والناخبين في مراقبة تنفيذ الالتزامات على عاتق أولئك القادة والمنتخبين.
وبعبارة أخرى، يتعين علينا نحن اليساريون أيا كانت الأحزاب التي ننتمي إليها، أن نثبت لأنفسنا وللآخرين حقيقة يساريتنا، وذلك بإبراز ما يُفترض أن يجمعنا من توجهات اجتماعية ونبل في السياسة، وقيم نضالية، والتصاق بالجماهير الشعبية، واستقلالية في القرار، واحترام لروح العمل الجماعي، وترجيح للمصالح العامة ورفض ترجيح المصالح الخاصة.
3- إعادة بناء الأداة الحزبية
إن الأزمة التي نعيشها ليست فقط ذات طابع سياسي، بل لها أيضا وجه تنظيمي. إن آلتنا الحزبية هي في شبه تعطل، وتعاني من اختلالات عميقة. نحن لسنا حزبا مكتمل البناء والمقومات. ولم نكن يوما ندعي ذلك، إننا مشروع لبناء حزب المستقبل. لكن هذا المشروع نفسه يوجد في لحظة ارتباك ظاهر.
يعترف عدد من الملاحظين المنصفين، بأن الحزب الاشتراكي الموحد –ومعه قليل من الكيانات الأخرى- يمثل آخر ما تبقى من نبل السياسة في المغرب، ويعترفون له أيضا بالاستقلالية عن الدولة، وبصدقية التحليل السياسي العام، ونظافة الوسائل المستعملة.
ويسجل الجميع أننا حزب من طراز جديد، يمارس ريادة من حيث النمط التنظيمي المعتمد، إذ لم يسبق أن تبنى حزب سياسي آخر نموذج الاعتراف بالتيارات رسميًا. ونحن أول حزب تبنى مدونة سلوك تحدد آليات مراقبة القادة والأعضاء تحصينا لهم من الانحرافات، وأول حزب سمح رسميا للصحافة بحضور اجتماعات هيئاته التقريرية المركزية، وسمح لفاعلين من خارجه بالإشراف على انتخابات أجهزته.
ونحن أيضًا حزب لا يتسامح مع انحرافات منتخبيه ومرشحيه أو عقدهم لتحالفات غير طبيعية، فآليات الجزاء والمساءلة بهذا الصدد تتحرك تلقائيًا وبصورة منهجية، ولا تخضع لتاكتيكات أو حسابات سياسوية.
ومع ذلك لم يتقدم الحزب تنظيميًا، ولم يوسع دائرة إنخراطاته، ولم ينجح في تقوية هياكله وأجهزته وتنشيط مؤسساته.
والسبب واضح ربما، فعدم تحقيق تقدم انتخابي فَوَّت على الحزب تحقيق تقدم تنظيمي، إذ أصاب بنياته نوع من الانكسار والإحباط.
العلل التنظيمية للحزب اليوم متعددة ومتنوعة. فتجربة التيارات، رافق تطبيقها الكثير من الاختلالات مثل استعمال قاموس نقدي عنيف حيال القيادة الحزبية، يوحي للرأي العام بوجود تصدع واقتتال في صفوف الحزب، وليس مجرد نقاش رفاقي بين مناضلي الحزب وتياراته.
وممارسة التيارات، أو بعضها، تحولت أحيانا إلى مجرد معارضة لتدبير القيادة اليومي، وبشكل منهجي، ومغال في القسوة، ومعتمد في بعض الحالات على نقص في المعلومات والتحري. بينما المفروض في التيار أن يكون أداة إسهام في إيجاد أجوبة مغايرة عن الأسئلة المطروحة على الحياة الحزبية. وأشكال احتجاج التيارات اتخذت أحيانا طابعا ضارًا بسير المؤسسات الحزبية مثل الانسحاب من أشغال دورة للمجلس الوطني وتفويت فرصة إغناء النقاش. وإغراء تحويل التيار إلى تكثل للضغط من خارج هياكل الحزب أصبح يمارس تأثيرًا على بعض قادة التيارات.
كما أن الحماس العام في الحزب أصيب بالفتور بعد صدمة 2007، وتفاقم ضعف التكوين والتأطير، وتكرست ظاهرة عدم اشتغال الحزب بكل طاقاته وإمكاناته، وتكدرت أجواء بعض الاجتماعات بسبب بعض مظاهر الاستهتار بجدية الاجتماع، وتزايد ضعف التواصل، وضاعت الكثير من فرص التعريف ببعض مما يصنعه الحزب، وتعمق ضعف التواجد في صفوف النساء والشباب.
وظهر أن الكثير مما يصدر عن الأجهزة من برامج مستقبلية وتوجيهات وضوابط ومشاريع لا يعرف طريقه إلى التطبيق. هل يعود ذلك إلى عدم واقعية ما نخطط له أو إلى سيادة شعور عام بأن ما يتمخض عن اجتماعاتنا من برامج، لا يُوضع لكي يطبق، بل لكي يقدم لنا خدمة نفسية وكفى…
والقرارات الحاسمة تُتخذ في المجلس الوطني من طرف قاعدة محدودة من المصوتين، بسبب الغيابات، ومغادرة الاجتماع قبل نهايته. والمكتب السياسي يعرف نسبة غيابات عالية، حتى أن غياب بعض أعضائه اتخذ صبغة دائمة بدون مبرر معلن.
وزمن الاجتماعات يُهدر في تناول لا ينتهي لمشاكل ذات صلة بالتدبير اليومي، وتضيع يذلك فرص الإعداد لمبادرات لافتة ومجددة، ولاتخاذ مواقف سياسية مطلوبة، ولإرسال إشارات تعطي معنى لتواجدنا في الساحة كحزب معارض، جرئ، صريح ومتميز.
يجب أن يمثل المؤتمر وقفة مع الذات لإعلان الانتفاضة على أنفسنا وهجر الخمول، والنهوض من جديد. لا يمكن أن نستقيل أمام الأزمة، ولا يمكن أن ننتظر المعجزات، بل علينا الوعي بأسباب الأزمة ومسبباتها والانطلاق من جديد..
حالنا اليوم ليس حال حزب جدي، وحال قيادة سياسية تعتبر بأنها تقترح على المغاربة مشروعًا للتغيير الحقيقي، ديمقراطي، عادل، حداثي، وتمتلك رصيدًا من الاحترام والتجربة التاريخية، واستطاعت أن تفلت من إعصار الاحتواء والتدجين، وأن تقف اليوم صامدة بهمة ورأس مرفوع. علينا أن نتطلع إلى المستقبل، وألا ننتظر ما سيفعله الآخرون..
علينا أن نبدأ خطوات المرحلة الجديدة، بعزم وثقة.
اختيارنا لتنظيم التيارات اختيار لا رجعة فيه. التجربة قدمت إيجابيات لا يجب الاستهانة بها. كتوفير فرص للنقاش (الجامعة الشتوية لتيار فعل ديمقراطي مثلاً التي أفرزت نداء بوزنيقة)، وتعزيز الاهتمام لدى عموم الحزبيين بالقضية الجهوية في تنظيمنا الداخلي، ودفع القيادة إلى انتهاج سبيل اليقظة أكثر ومحاولة تفادي الأخطاء، وتجنيب الحزب خطر الانشقاق.
وتجربة التيارات يمكن أن تتحسن أكثر، وخاصة إذا ما تم داخل كل أوساط الحزب، هجر الشعور بالتوجس والحذر والشك إزاءها.
علينا الاضطلاع بمهمة إصلاح بنية حزبنا بدون تأخير، حتى لا يعم الوهن كل أوصاله وأطرافه ويستحكم شلله.
ولنبدأ بتعزيز حقوق الأعضاء وتكريس تفوق الأنظمة الداخلية لحزبنا، وذلك مثلا بانتخاب الكاتب الوطني للحزب من المؤتمر مباشرة، وفتح مجال تمثيل التيارات داخل المكتب السياسي تمثيلاً نسبياً. وبحث وسائل إدماج أعضاء المجلس الوطني في الدورة التنظيمية، وتفعيل اللجان الوطنية، وتعيين مدير عام للمقرات المركزية للحزب، وتنظيم مواسم توزيع بطائق العضوية بشكل جديد.
علينا أن نتصدى للمشكلة الأساسية التي نواجهها لدى قطاع واسع من الجماهير الشعبية، وهي مشكلة "اللامرئية". هناك ضرورة لإعداد خطة واسعة للتعريف بالحزب وتمييزه عن الكيانات الأخرى. المشكل المالي يمثل إعاقة جوهرية، ولذلك لا بد من طرق جديدة وجريئة لحله، كتنظيم حفلات فنية أو أنشطة توفر مدخولاً يسمح به قانون الأحزاب الحالي.
إن مساهمة 100 درهم لنصف أعضاء الحزب، يمكن أن تؤمن لنا الاعتمادات المطلوبة لإنشاء جريدة يومية.
وإن فتح اكتتاب وطني لإنشاء مطبعة ودار النشر تقدمية بثمن بسيط، أمام آلاف المواطنين، وبرقابة مضمونة من هيئات مختصة، يمكن أن يتيح لنا، ولحلفائنا فرص حل إشكالية حقيقية للنشر والإعلام يواجهها الصف اليساري الديمقراطي المعارض.
يجب أن نحضر لمؤتمرنا بروح حزب "يحل نفسه" كي يعيد تأسيس نفسه. وذلك مثلاً بتجميع صف أكبر عدد من أطر المجتمع المدني والمثقفين والأكاديميين النزهاء والمستقلين والمتجاوبين مع القيم الإنسانية والحداثية لليسار المجدد المحافظ على استقلاليته ونزاهة وسائله، من أجل أن نقول لهم أنهم هم الحزب أيضاً، لأن الحزب في النهاية فكرة مشتقة من تلك القيم قبل أن يكون بنية تنظيمية، وأن المطلوب هو كيف نتفق بشكل جماعي على دفتر تحملات، يفتح الطريق في المغرب لانبثاق "شيء جديد" حقاً.
4- إعادة بناء النضال الانتخابي
هل يمكن لحركة مثل حركتنا، في الشروط القائمة في المغرب، أن تتقدم بدون انتخابات؟ أليست الانتخابات في النهاية لحظة حراك سياسي، يمكن معه للأحزاب الحقيقية أن تثبت تميزها وتساهم في تسييس الجماهير، وهل يمكن أن توفر لنفسها فضاءات بديلة عن الفضاء الانتخابي للوصول إلى مواطن تواجد المواطنين في المدن والبوادي، ومعرفة الواقع والاحتكاك به، والبحث عن مناجم الطاقة الحيوية التي تحتاجها الحركات السياسية المناضلة.
قد يُقال أن بعض الحركات الأصولية، حققت أحياناً توسعاً تنظيمياً بدون حاجة إلى المشاركة في مسلسل انتخابي. وهذا محل نظر، لأن تلك الحركات لها فضاء شبيه بالانتخابات، يتيح لها أكثر مما تتيحه الانتخابات، وهو المسجد.
هناك دائماً حاجة في وضعنا إلى إطار رسمي يتيح شروط تماس واسع مع الجماهير، هو الانتخابات بالنسبة إلينا، وهو المسجد بالنسبة لبعض الحركات الأصولية. ولهذا السبب تعتبر هذه الحركات أن المسجد "هو المؤسسة الدعوية الأولى، بيت الله منه وفيه وإليه ينطلق الجهاد ويخطط ويأوى. وينبغي في الأقطار التي يهيمن الحكام على مساجدها أن يكون المطلب الأول للدعاة تحرير المسجد من الإسلام الرسمي وهو إسلام الحكام، ومن إسلام الرسوم وهو الإسلام الخامل.
في الوضع المستقيم يكون نقيب الشعبة خطيب مسجد القرية والحي وإمامه، ويكون نقيب الجهة خطيب وإمام جامع الجهة، ويكون نقيب الإقليم خطيب وإمام الجامع الأكبر (..) .
حلقات التعليم ومجالس الإيمان في المساجد جزء لا يتجزأ من برامج تربية المؤمنين. يجلسون إلى جانب الشعب يربطون الصلات ويوثقونها، ويكثرون سواد أنصار الدعوة" .
لكن استراتيجية النضال الديمقراطي- التي شكل تبنيها نقلة نوعية في حياة الحركة التقدمية المغربية - ليست هي الانتخابات فقط، بل هي عملية مركبة، تمثل الانتخابات عنصراً فيها، يتفاعل ويتعاضد مع عناصر أخرى، ومع كفاح آخر يجري خارج الحقل الانتخابي .
إن اختزال استراتيجية النضال الديمقراطي في الانتخابات هو تفقير لها. وإن تصور تلك الاستراتيجية بدون أية مشاركة انتخابية هو تشويه لها. يمكن للحزب أن يقاطع الانتخابات إذا دعت إلى ذلك ظروف استثنائية، ولكنها المقاطعة التي يقدر أنها ستوفر شروطاً أحسن للمشاركة فيما بعد. بمعنى أن المقاطعة هنا أداة لخدمة المشاركة، وفعل داخل منطقها .
في ظروفنا الحالية إذن، تبدو المقاطعة سلاحاً استثنائياً. ولكن ذلك لا يعني أن نشارك، بأية طريقة، وكيفما اتفق. يجب أن يكون لمشاركتنا مذاق خاص، وأن يشعر المواطن بأنها سباحة ضد التيار العام لنخب مجﱠ خطاباتها وفطن إلى صغر رهاناتها .
المعركة الانتخابية غدت أصعب من الماضي، فالناخبون الذين يشاركون قلة لا تكثرت بالمدلول السياسي للعملية، في أغلبها، ولا يمكن أن يتعامل معها حزبنا بوسائل الآخرين المنافية للنزاهة. وأغلبية الناخبين غاضبة من مآل السياسة والسياسيين، ولا يمكن أن يعيدها إلى صناديق الاقتراع إلا حدث كبير من حجم عملاق، يهز الساحة السياسية ويزلزل أوضاعها. وبمعنى آخر، فإن أولئك الناخبين قد يدلون بأصواتهم إذا وجدوا أمامهم قيادة يسارية جديدة ومجددة، تقود ثورة حقيقية ضد الانحطاط السياسي وتكون قادرة في نظرهم على لعب دور نوعي لصالح الناخبين ولصالح المغرب ومستقبل المغرب. وخطة "إعادة البناء" إنما ترمي في النهاية إلى التمهيد لصنع ذلك "الحدث الكبير".
وقبل بزوغ غرة هذا الحدث، هل نظل كحزب نكتفي بمشاركة لا تحقق وقعاً في الساحة، ولا نحقق بها مردوداً من المقاعد يكفي لخلق دينامية وازنة ومرشحة للتصاعد. يمكن أمام هذا الوضع أن نحاول إبداع أشكال من المشاركة ذات معان رمزية ولافتة تفرض على الرأي العام الانتباه إلى أننا سياسيون من فصيلة مختلفة. أي ندخل الانتخابات بطريقتنا الخاصة، كأن نعمد مثلاً:
- إلى ترشيح 50٪ من النساء تحقيقاً لمبدأ المناصفة .
- أو إلى استدعاء جموع عامة من المنظمات المهنية والمدنية والثقافية والحقوقية المستقلة والحداثية في مختلف المناطق، ونقترح عليها التصويت على من يتولى الحزب منحه التزكية سواء كان من داخل الحزب أو خارجه (نوع من التصويت الابتدائي les primaires) .
وإذا كانت الندوة السياسية التي عقدها الحزب بالمحمدية يومي 7و8 مارس 2008، قد طرحت تساؤلاً وجيهاً بالصيغة التالية :"ظلت استراتيجية النضال الديمقراطي بالنسبة إلينا، غير محددة المعالم ولا معلومة الملامح، ولم نُفَصل حلقات مسلسلها ودرجات بنائها، ولم نتولى صياغة هندستها العامة، بشكل يبين مثلاً كيف يمكن أن نَعبُر من خلال النسق الانتخابي إلى ضفة التطور الديمقراطي النوعي ونباشر تغيير ميزان القوى وتطبيق برنامجنا في نسق سياسي رسمي شبه مغلق" فإن الجواب كامن في قدرتنا على كسب الصراع الذي يجري في الحلبة الانتخابية، وذاك الذي يجري في الحلبات الأخرى. ليس هناك عبور بدون صراع، وليس هناك وحدة في المصالح، حتى نعتبر أن مشروعنا ستكون له قوة لإقناع الجميع : هناك طبقات مستفيدة من النظام المخزني راكم أفرادها ثروات هائلة بفضل طبيعة هذا النظام، مقابل تقديم خدمات له (مثل كبار مالكي الأراضي المسترجعة، والمضاربون العقاريون، ورجال أبناك مستفيدون من الريع، ومسؤولون في الدولة تحولوا إلى رجال أعمال بفضل الرخص والامتيازات واستغلال النفوذ والاستحواذ على المال العام)، وهناك فئات تنتظم اليوم فيما يشبه (مافيا) حقيقية للانتخابات، آخر هواجسها هو احترام القانون، امتهنت أنشطة غير مشروعة، وحازت على "استقلالها التنظيمي"، ولم تعد في حاجة إلى الإشراف المباشر لوزارة الداخلية في تأطير عملها الانتخابي وممارستها الميدانية، بل يكفيها ما يُبذل لها من تسهيلات غير مباشرة. ولقد أصبح جزء من نخب الأحزاب الديمقراطية يعبر عن بعض مصالح هذه الفئات .
إن الحزب الاشتراكي الموحد يعتبر نفسه معنيا بخلق تكثل شعبي من العمال والحرفيين والفلاحين الصغار والمتوسطين وذوي المهن الحرة وأجراء الوظيفة العمومية والقطاع الخاص والتجار الصغار والمتوسطين والمثقفين المتنورين، للنضال من أجل التغيير الجذري للبنيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية القائمة وبناء مغرب الديمقراطية والعدالة والتقدم. وسيجد هذا التكثل نفسه متحالفاً في بعض بنود برنامج التغيير مع رجال أعمال نزهاء وبورجوازية حداثية ترنو إلى لامخزنة الاقتصاد وإرساء أسس دولة القانون والمنافسة الشريفة .
وسيكون علينا في نضالنا الديمقراطي، أن نستفيد من التجارب العالمية المتعلقة بالديمقراطية التشاركية التي جاءت لتتدارك بعض عيوب الديمقراطية التمثيلية التقليدية، وأن نوطد صلة المواطن بمؤسساته المنتخبة عبر آلية هيئات ولجان الأحياء مثلاً .
5- إعادة بناء الحقل الجماهيري
عرف المغرب في السنوات الأخيرة سلسلة من الحركات الاحتجاجية والانتفاضات الجماهيرية بالعديد من المدن والمناطق المهمشة )صفرو، سيدي ايفني، ميسور….الخ(احتجاجا على معاناة السكان من الفقر والتهميش والاستغلال، والسطو على ممتلكاتهم الجماعية كالأراضي السلالية. ومن المحتمل أن تتطور وتيرة الاحتجاجات ، وتعرف تصاعدا في المدى القريب شكلا ومضمونا.
وعلى الحزب أن يكون في قلب هذه الأحداث، قريبا من الجماهير ،يعيش همومها وآمالها ،منصتا لنبضات قلبها، راصدا لحاجاتها، داعما لها، مستفيدا من إبداعاتها، منظما لحركتها، مساهما في تأطيرها وقيادة فعلها، جاهدا في نقل حركاتها الاحتجاجية من العفوية إلى الفعل المنظم والمؤطر، محددا أهدافها وشعاراتها بدقة. وبدون هذا التواجد اليومي بين الناس، ومعهم، لن تستطيع أفكار حزبنا الانغراس بين الأوساط الشعبية، ولن نستطيع الفعل في قوانين المجتمع وديناميته، وسنظل مجرد ناد يحمل شعارات وأفكار جميلة لكنها غير واقعية، أو غير قابلة للتطبيق، فاقدة للحياة. إن العمل وسط الجماهير الشعبية، مدرسة لتربية أطرنا، وامتحان لأفكارنا، وتجريب لبرامجنا. ورافد من روافد توسعنا التنظيمي. إن حزبنا لن يستطيع تحقيق أهدافه إذا لم يحظ بثقة الجماهير الشعبية، وهذه الثقة لا تُمنح هكذا، بل على الحزب أن يبرهن عليها في أتون الصراع، ولكي يكون جديرا بها، عليه أن يتحلى بالصبر وطول النفس، ولا يستعجل النتائج، كما أن هذه الثقة ليست أبدية، ولا تنتقل بالوراثة البيولوجية. إن وعي الناس تتداخل فيه عوامل متعددة ومعقدة، داخلية وخارجية، حقيقية ووهمية. وكلما كان الحزب قريبا من الجماهير الشعبية، كلما ازداد تأثيره في وعيها وفعلها وحركيتها. إن الانتقال بالبلاد إلى الديمقراطية مهمة تاريخية كبرى، لكنها صعبة ومعقدة، والطريق إليها شاق وعسير، وتحتاج إلى قوى شعبية متعددة وضخمة، وكلما تم حشد أكبر عدد من الناس، الواعين بضرورة الانتقال إلى الديمقراطية، كلما اختزلنا زمن الانتقال. وكل انتصار حقيقي هنا أوهناك، مهما كان صغيرا، في هذه المناوشة أو تلك هو بمثابة خطوة في مسار الألف ميل. ولا يمكن للفعل الحزبي بين الجماهير الشعبية أن يتم إلا إذا كان الحزب عارفا بأمزجة الجماهير ، مدركا لدرجة وعيها، ودرجة استعدادها، وقدرتها على فهم شعارته وبرنامجه.
وعلينا أن نعترف أننا لحد الساعة لم نستطع بعد تقديم الأجوبة الشافية على كل الإشكالات التي يطرحها المجال الاجتماعي، ولم نواكب بالدرجة المطلوبة ما يمور به من تحولات ومستجدات. ولم نتمكن من التجاوب مع إبداعات على الأرض لم تخرج من رحم أي حزب سياسي، ومن حركات اجتماعية استفادت مما يجري في العالم، وتعلمت منه، وفهمت اتجاهات سيره.
نحن نلاحظ تفككا في عدد من بنيات التأطير المرتبطة سابقاً بالحركة اليسارية والتقدمية، ومحاولة تعويضها ببنيات جديدة، تولد بمبادرات مستقلة أو بإيحاء من جهات متعددة الرهانات والخلفيات.
هناك غنى وكثافة في أشكال التأطير القائمة، وفي نماذج الفعل القائم في المجال الاجتماعي. ولكن ذلك يجب ألا يحجب عنا بعض المعطيات الجذيرة بالتأمل، مثل :
- تشتت الجهود أحياناًَ، وقيام بعض مناضلينا بالمساهمة في إنشاء نقابات أو مركزيات نقابية، أو تنظيمات مهنية أخرى، في قطاعات تتوفر على هياكل قائمة، ولم نستنفد بعد الجهود المطلوبة لتفعيلها ودمقرطتها، ولم نتخذ بصورة جماعية قرارًا بتجاوز تلك الهياكل بصورة نهائية. هناك بلقنة نقابية ومهنية نتفهم الظروف والملابسات التي أدت إلى ظهورها، ولكننا نقدر أنها في الكثير من الحالات تضر بالنضال النقابي.
لقد سجلت ندوتنا السياسة في مارس 2009 مثلاً أن "هناك خطر إضعاف وتهميش الإطارات القارة للمقاومة الاجتماعية العامة".
- تراجع العمل النقابي عمومًا، وتعرضه لكثير من عاهات الحقل السياسي، ودخوله اليوم لحظة ارتباك وغموض وردود فعل غير مفهومة أو غير ناتجة عن تفكير متبصر وعميق. الحقل النقابي اليوم في المغرب في حاجة إلى إصلاح شامل، وإلى إعادة بناء مؤسساته.
- بروز بعض مظاهر الانزلاق نحو الهيكلة الفئوية التي تحاول تحرير نفسها من أي التزام إزاء الفئات الأخرى، وبعض مظاهر تحويل أدوات العمل النقابي إلى مجرد سبل للزبونية والامتيازات الفردية غير المبررة والتهرب من الواجبات المهنية.
- بداية ظهور نوع من الانفصال والتباعد بين أطر "ميدانية" عاملة في الحركات الاجتماعية، وأطر يسارية منشغلة بإنتاج المواقف السياسية بدون أي ارتباط بما يجري في قاعدة المجتمع. وفي الجملة، فإن الجزء الأكبر من الحركية الاجتماعية اليوم في المغرب، فَقَد ارتباطه بسنده السياسي المفترض. هناك فاعلون اجتماعيون يشخصون في فعلهم قيم التقدم، ولكنهم يعتبرون أنهم لم يتعرفوا بعد على الحَمَلَة الحقيقيين للمشروع التقدمي في المغرب. مهمتنا هي المساهمة في الإرشاد إلى عنوان هؤلاء الحملة.
- وجود حركات اجتماعية تمتح من مرجعيات مناهضة للحداثة والتقدم، ومبشرة بقيم الماضوية والجمود، وحركات "واقعية" جديدة، تعتبر أن أخطاء النخب اليسارية، تبرر الارتماء في أحضان ثقافة مخزنية.
المطلوب اليوم منا هو :
- تدشين حوارات مع ممثلي الإطارات الفاعلة في المجتمع المدني انطلاقا من كوننا الحركة السياسية الأقرب إلى منطق ومطالب تلك الحركات.
- إدخال فئات جديدة إلى حقل التنظيم المدني وربطها بقضايا الشأن العام، وتحفيزها على المساهمة في دعم شعارات الحداثة والمواطنة والتنوير.
- الانخراط في مشروع إعادة بناء الحركة النقابية المغربية، على أساس تجميع الجهود والطاقات في إطار مركزية واحدة يسارية أو مركزيتين، اعتمادا على برنامج متفق عليه من مختلف الأطراف لدمقرطة الهياكل وإصلاحها وتفعيلها وتجديدها.
- بناء منتدى سياسي مدني عامل من أجل الديمقراطية بالمغرب بآلياتها الكونية المعروفة.
الدار البيضاء 7 أكتوبر2010
الفرع الأول : مؤتمر في قلب الأزمة…………………………… 2
أولاً – الأزمة والسياق العالمي…………………………….. 2
ثانياَ – هل النظام السياسي في أزمة؟………………………………………………… 7
ثالثا – أزمة المشروع الديمقراطي وفشل اليسار……………………………………………. 15
رابعا – أزمة الحزب………………………………… 18
الفرع الثاني : الطريق إلى إعادة البناء………………………………………………….. 22
أولا – تذكير بالأهداف الكبرى لنضالنا الديمقراطي…………………………………………. .22
1- الإصلاح الاقتصادي (أو لامخزنة الاقتصاد)…………………………………………. .22
أ- ملامح الوضع الاقتصادي العام في المغرب اليوم…………………………….. .22
ب- طريق الإصلاح الاقتصادي………………….. .25
2- الإصلاح السياسي والمؤسسي (أو لامخزنة السياسة)………………………………….. .27
3- الإصلاح الاجتماعي والثقافي (أو لامخزنة المجتمع)………………………………….. .33
ثانيا – تجديد الخطة السياسية………………………………….. .39
1- مغزى إعادة البناء………………………………………39
2- ميثاق إعادة البناء…………………………………….40
3- إعادة بناء الأداة الحزبية…………………………………………………42
4- إعادة بناء النضال الانتخابي………………………………………………46
5- إعادة بناء الحقل الجماهيري……………………………………………..48
لائحة الموقعين على أرضية الأزمة وإعادة البناء
| |
الاسم الكامــــــل
|
الفــــــــرع
|
محمد الساسي
|
الرباط
|
محمد مجاهد
|
سطات
|
نجيب اقصبي
|
الرباط
|
احمد السباعي
|
بوعرفة
|
المهدي لحلو
|
الرباط
|
عبداللطيف اليوسفي
|
الدارالبيضاء
|
مصطفى مسداد
|
الدارالبيضاء
|
عبدالإله الجوني
|
فاس
|
محمد العيساوي
|
سيدي سليمان
|
عبدالعالي اكميرة
|
الرباط
|
عبداللطيف قيلش
|
سطات
|
عبدالإله المنصوري
|
الدارالبيضاء
|
عبدالحق الكرش
|
الدارالبيضاء
|
احمد شيبة
|
تمارة
|
سعيد زريوح
|
سلا
|
محمد بولامي
|
سلا
|
فاطمة الزهراء الشافعي
|
الرباط
|
ساميةعباد الأندلسي
|
الدارالبيضاء
|
لكبيرة شاطر
|
الدارالبيضاء
|
أمينة بوشكيوة
|
الرباط
|
حياة التيجي
|
الدارالبيضاء
|
فاطمة يحياوي
|
الدارالبيضاء
|
خديجة بلامين
|
مكناس
|
المختار راشيدي
|
جرادة
|
عبد النبي الفيلالي
|
جرسيف
|
محمد سمهاري
|
المحمدية
|
مصطفى الشناوي
|
الدارالبيضاء
|
عبد الرحمان زكري
|
المحمدية
|
عز الدين أقصبي
|
الرباط
|
حميد نجيبي
|
واد زم
|
محمد صلحيوي
|
الناظور
|
محد البالي
|
تطوان
|
كمال السعيدي
|
واد زم
|
عبد الوهاب البقالي
|
مكناس
|
ادريس الجوني
|
الرباط
|
جمال العسري
|
طنجة
|
محمد مغودي
|
سلا
|
عبدالرحيم البقال
|
فاس
|
عبدالرحيم القرفة
|
فاس
|
ادريس محبوبي
|
اسفي
|
عبد الرحمان السملالي
|
القنيطرة
|
علي الروكي
|
مجاط/بوفكران
|
ابراهيم بيسطارين
|
ايت ملول
|
علي كريمي
|
الرباط
|
جواد حمضي
|
وزان
|
حنان بقية
|
مراكش
|
لحسن سربوت
|
العيون
|
حسن بلكبير
|
الرباط
|
احمد السليماني
|
المحمدية
|
عدالله اعكاو
|
سيدي بطاش
|
مصطفى الصفصافي
|
وجدة
|
محمد بويمكلوين
|
بني ملال
|
محمد ياسر اكميرة
|
سيدي سليمان
|
الحسين ايت القاضي
|
مراكش
|
فتح الله حافيظي
|
سطات
|
عمر اعراب
|
طان طان
|
محمد حنصال
|
الجديدة
|
أحمدالعزوزي
|
الحسيمة
|
حكيم زاهيدي
|
اكادير
|
بنعيسى ملوك
|
بوعرفة
|