الأربعاء، 3 سبتمبر 2008

التعليم إلى أين؟ 4ـ وضعية الحجرة الدراسية بالعالم القروي


التعليم إلى أين؟
4ـ وضعية الحجرة الدراسية بالعالم القروي
    بمناسبة الدخول المدرسي الجديد، للموسم الدراسي 2008/09، نشرع في إشراك القراءمعنا حول هموم التربية والتعليم، أولا لنبسط أهم المشاكل، وبعد ذلك يمكن أن نقترح حلولا لها، في ظل وضع تعليمي متأزم باعتراف الجميع، سنسعى حسب المستطاع  الوقوف على بعض التفاصيل الصغيرة، والتي قلما يتم الانتباه لها،ونخص بالأساس التعليم الابتدائي، قاطرة السلسلة وركنها الأساسي، كل ما له علاقة بهذا المستوى التعليمي، علما أننا راكمنا تجربة ميدانية وعملية في مهنة التربية والتعليم لما يقرب من ربع قرن من الزمن، وقد عايشنا بعضالتجارب والتحولات، وشاهدنا نجاحات وإخفاقات، غير أن ملاحظات القراء عموما وانتقاداتهم وتوجيهاتهم تدعم كل ما سنأتي على ذكره.
           تكاد تتشابه الحجرات الدراسية بالعالمالقروي، باستثناءات قليلة كما سلف الذكر، كما هو عليه الحال في مدارس محظوظة توجد بمراكز قروية في جوار مقر القيادة أو الجماعةالقروية… على العموم تكون الحجرة في الغالب من البناء المفكك، نقطة ضعفه الباب والنوافذ والسقف، الباب قد يكون مهشما أو بقيت أطراف منه عالقة بالإطار، إن سلم ومازال في مكانه فقفله الأصلي فاسد أو أزيل، وقد عوض المدرس أو المدرسة ذلك بسلسلة حديدية أو أسلاك، أول ما يُفقد النوافذُ في الحجرات المفككة ، إن كان بها الزجاج يكسر، أو ألواح بلاستيكية تقلع، فيحمي المدرس نفسه وتلاميذه من الرياح والأمطار بوضع أكياس بلاستيكية على ما تبقى من إطارات لاصقة بالجدران، السقف المكون منطبقتين تحتمي به العصافير وتبني فيه أعشاشا لها، مما يخلق روائح كريهة، وتتسرب منه الحشرات المضرة، في بعض الحالات يتعاون المدرس وتلاميذه من أجل إغلاق فجوات السقف بواسطة الطين والقش، من أجل منع العصافير من الولوج إليه.
        يؤكد خبراء البناء أن الحجرات المتكونة من القطع المفككة التي يركب بعضها على بعض  تصلح للاستعمال خلال عشر سنوات فقط، وبعدها تتحول إلى مصدر خطورة، خاصة ما تنفثه من  مادة لاميانط (L’amiante)التي تضر بالجهاز التنفسي، كما أن السقف يتحول مع مرور السنين إلى شلال من المياه التي تتساقط على رؤوس التلاميذ بفعل المطر، كما هو حال الحجرة التي أدرس بها منذ سنوات، وكذلك حجرات بعض الزملاء، رغم إشعار المعنيين بالأمر بذلك، وتكون بعض الجدران بها شقوق  بارزة والأرضية كذلك، وقد عرفت بعض المدارس قبل سنوات قليلة بعض الترميمات، حيث أعيد تبليط الأرضية ووضعشبابيك على النوافذ وإصلاح الأبواب أو وضع أخرى، لكن ذلك لم يكن بالجودة والمتانة المطلوبة خاصة الشبابيك ذات السمك الضعيف والتي انتشل بعضها مع الوقت وأصابها الصدأ، وبما أنها دون حراس تتعرض للنهب والتكسير.
     تحافظ الحجرات الدراسية في المدارس العمومية المغربية على طابعها التقليدي الموروث منذ بدايات ظهور التعليم الرسمي، سبورة سوداء أو خضراء في مواجهة صفوف التلاميذ ومدرس يعتمد على كلامه وحركاته وكتب مقررة ويستعمل  الطباشير من أجل التدريس، علما أن تلك الوسائل ستبقى دائما ولدى كل الشعوبالأداة الأساسية للتربية والتعليم، أي لا بد من «حرارة» إنسانية تجعل تيار المعرفة يمر من إنسان/مدرس إلى آخر/تلميذ، لكن الاعتماد على تقنيات ووسائل حديثة أصبحت من الضروريات ، نقصد بها مختلف الوسائل الديداكتيكية وأهمها الحواسيب وشاشات العرض
    تفتقد الحجرات إلى خزانة يمكن أن تجمع عددا من الأغراض، كبعض الوسائل التعليميةالضرورية، وما يمكن أن يجلبه التلاميذ لدعم بعض المواد وما يدخل في نشاطهم المعرفي والبحوث التي ينجزونها في بعض الدروس، كما يمكن أن توضع بخزانة القسم كراريس التمارين، لكن لغياب الخزانة يضطر التلاميذ  إضافتها  إلىحملهم الثقيل من الكتب والدفاتر الأخرى، وأصلا لا يمكن ترك دفاتر التلاميذ بالأقسام الدراسية، حيث ستتعرض للإتلاف والنهب بمجرد مغادرة المدرسة.
     ينتقص بعض المدرسين طاولة أو أكثر من عدد الطاولات المتوفرة، يضعونها في مؤخر الحجرة خلف الصفوف، ويراكمون فوقها أشياء  مختلفة، منها ما يفيد وكثير منها لا معنى لوجوده، هذا إن كان للحجرة باب ويمكن إغلاقه، يسمون ذلك «متحف القسم» أو «خزانته» درءا لملاحظات المفتشين الذين يتساءل بعضهم على ذلك، ويلح في التوفر عليه بمجرد وضع قدميه في الحجرة الدراسية!
     كما لا يفوتنا الحديث عن غياب سبورة إضافية توضع عليها بعض إنجازات التلاميذ، مثل البحوث والإنشاءات المختارة، وعرض أهم برامج وفقرات المقرر الدراسي، وإشراك التلاميذ وأوليائهم في ذلك ولو على مستوى الإخبار والتحسيس،  أماالصور- إن وجدت – فغالبا ما تحمل طابعا «ثراتيا» تحيل في مضمونها ومعناها على أحداث تاريخية، أكثر مما تساعد على التعلم، موروثة منذ أزيد من خمسة عقود، ويتم إعادة طبعها باستمرار، وهي ما يجده المدرسون متوفرا لاقتنائه ووضعه على الجدران، مثل الصور المعروفة للحلاق، والقناص وابنه،  ومحطة أكدال للقطار بالرباط  حيث يصعد إليه قرويون، وشاحنة رجال الإطفاء التي لم يبق لها أثر حتى في متلاشيات السيارات القديمة، وجزار بمديتهالطويلة!!…مما يعد فعلا  صورا ذات طابع «ضريف» وغرائبي،  أو متحفا تاريخيا يفرض على الصغار تخيل الماضي باستمرار عوض التطلع للمسقبل والإطلاع على الحاضر بمخترعاته واكتشافاته المبهرة. أو يضطر  بعض المدرسين إلى جلب صور ملونة براقة تدخلت الحواسيب في وضع ألوانها وتركيب أجزائها، تبهر الأطفال ولا تفيدهم بشيء، وكثير منها يصلح لتزيين المقاهي وبعض الصالات الخاصة… بينما تتوفر بعض النيابات التعليمية على مصلحة تختص بإعداد الوسائل التعليمية، تسمى «مكتب الأعمال التكميلة» لكن إنجازاتها )المصلحة المختصة) ضعيفة أو منعدمة، و لا يهما الحاجيات اليومية للتدريس الجاد والهادف، وفي حديثنا عن الصور، نعتقد أنه يجب توفرها مع محاور الكتبالمدرسية المقررة، وأن تجدد على الجدران باستمرار طول السنة حسب تجدد محاور المقرر وتسلسله، في انتظار تزويد المدارس بالوسائل السمعية البصرية التي يمكن أن تعوض عددا من النواقص إن تم استعمالها بشكل جيد.
  كما أنه من الواجب توفير الوسائل التعليمية لجميع الوحدات المدرسية بما فيها الفرعيات، ويجب أن توضع رهن إشارة المدرسين، يستعملونها بدون عراقيل من طرف إدارة يكون هاجسها الأول الحفاظ على «الممتلكات»  ناصعة جديدة براقة دون استعمالها من طرف المتعلمين والمدرسين! إلى حين تسليمها إلى مدير جديد يحل خلفا لسابقه.
     عند زيارة أحد معلمي أو معلمات العالمالقروي لإدارة معينة، قد تكون إحدى نيابات وزارة التربية الوطنية، أو مقر إحدى الأكاديميات، أو إدارة مركزية تابعة للوزارة الوصية، يتفاجأ الزائر(ة) بحجم التجهيزات المتوفرة، بينما هو لايتوفر في قسمه حتى على كرسي أو مكتب، وهو ما يؤكد انقلاب المفاهيم، فعوض أن يكون الجميع في خدمة لحظة تواجد التلميذ بحجرة الدراسة وتوفير كافة المتطلبات لذلك، يظهر أن التلاميذ والمدرسة وجدوا لينعم الإداريونوالمشتغلون بالإدارات وحدهم بالتجهيزات، التي تتوفر طبعا بشكل متفاوت للموظفين حسب تراتبيتهم داخل إدارتهم؛ يتوفر مثلا مكتب النائب الإقليمي على الزرابي والأرائك ومكيفات الهواء… ، وذلك من حقه حتى يقوم بواجبه في كامل الراحة، لكن بالمقابل لماذا كل هذا الإهمال للمدارس والحجرات الدراسية ؟ وهل في مثل هذه الوضعية يمكن الحديث عن وجود تربية وتعليم، خاصة في العالم القروي أمام ضعف التجهيزات أو انعدامها؟
مصطفى لمودن