شعر:
طَعَنُوا العُرُوبةَ في الظلام بخنجرٍ (*)
شعر: نزار قباني
- 1 -
لا تَسأليني،
يا صديقةُ، مَنْ أنا؟
ما عُدْتُ أعرفُ…
- حينَ اكتُبُ -ما أُريدُ…رَحلتْ عباءَاتٌ غزَلتُ خُيُوطَها…وتَمَلمَلَت منّي
العُيُون السُودُ…لا الياسمينُ تجيئُني أخبارُهُ…أمَّا البَريدُ…فليسَ ثَمَّ بَريدُ…لم يَبقَ في نَجدٍ… مكانٌ للهوى
أو في الرَصَافَةِ…طائرٌ غِرِّيدُ…
لا تَسأليني،
يا صديقةُ، مَنْ أنا؟
ما عُدْتُ أعرفُ…
- حينَ اكتُبُ -ما أُريدُ…رَحلتْ عباءَاتٌ غزَلتُ خُيُوطَها…وتَمَلمَلَت منّي
العُيُون السُودُ…لا الياسمينُ تجيئُني أخبارُهُ…أمَّا البَريدُ…فليسَ ثَمَّ بَريدُ…لم يَبقَ في نَجدٍ… مكانٌ للهوى
أو في الرَصَافَةِ…طائرٌ غِرِّيدُ…
- 2 -العَالَمُ العربيُّ…ضَيَّعَ شعرَهُ… وشُعُورهُ…والكاتبُ العربيُّ…بينَ حُرُوفِهِ… مَفْقُودُ!!
- 3 -الشعرُ، في هذا الزمانِ…فَضِيحةٌ…والحُبُّ، في هذا الزمانِ…شَهيدُ…
- 4 -ما زالّ للشِعر القديمِ
نضارةٌ…أما الجديدُ…فما هناكَ جديدُ!!لُغةٌ… بلا لُغةٍ…وجوقُ ضفادعٍ…وزوابعُ ورقيّةٌ
ورُعُودُ
هم يذبحونَ الشِعرَ…مثل دجاجةٍ…ويُزّورونَ…وما هناكَ شهودُ!!
- 5 -رحلَ المُغنون الكِبارُ
بشعرِنا…نفي الفرزدقُ من عشيرتهِ
وفرَّ لبيدُ!!
- 6 -هل أصبحَ المنفى
بديلَ بيُوتنا؟
وهل الحمامُ، مع الرحيلِ…سعيدُ؟؟
- 7 -الشعرُ… في المنفى الجميلِ…تحرّرٌ…والشِعرُ في الوطنِ الأصيلِ…قيودُ!!…
- 8 -هل لندنٌ…للشعرِ، آخرُ خيمةٍ؟
هل ليلُ باريسٍ…ومدريدٍ…وبرلينٍ…ولُوزانٍ…يبدّدُ وحشتي؟
فتفيضُ من جسدي
الجداولُ…والقصائدُ…والورودُ؟؟…
- 9 -لا تسأليني…يا صديقةُ: أين تبتدئ الدموعُ…وأين يبتدئ النشيدُ؟
أنا مركبٌ سكرانُ…يُقلعُ دونَ أشرعةٍ
ويُبحرُ دون بُوصلةٍ…ويدخُلُ في بحار الله مُنتحراً…ويجهلُ ما أرادَ… وما يريدُ…
- 10 -لا تسأليني عن مخازي أُمتي
ما عدتُ أعرفُ - حين أغضبُ -ما أُريدُ…وإذا السيوفَ تكسرت أنصالُها
فشجاعةُ الكلماتِ… ليس تُفيدُ…
- 11 -
لا تسأليني…من هو المأمونُ… والمنصورُ؟
أو من كان مروانٌ؟
ومن كانَ الرشيدُ؟
أيامَ كان السيفُ مرفوعاً…وكان الرأسُ مرفوعاً…وصوتُ الله مسموعاً…وكانت تملأ الدنيا…الكتائبُ… والبنودُ…واليومَ، تختـــجلُ العروبة من عروبتنا…وتختجلُ الرجولةُ من رجولتنا…ويختجلُ التهافتُ من تهافتنا…ويلعننا هشامٌ… والوليدُ!
لا تسأليني…من هو المأمونُ… والمنصورُ؟
أو من كان مروانٌ؟
ومن كانَ الرشيدُ؟
أيامَ كان السيفُ مرفوعاً…وكان الرأسُ مرفوعاً…وصوتُ الله مسموعاً…وكانت تملأ الدنيا…الكتائبُ… والبنودُ…واليومَ، تختـــجلُ العروبة من عروبتنا…وتختجلُ الرجولةُ من رجولتنا…ويختجلُ التهافتُ من تهافتنا…ويلعننا هشامٌ… والوليدُ!
- 12 -
لا تسأليني…مرةً أخرى… عن التاريخ…فهو إشاعةُ عربيةٌ…وقصاصةٌ صحفيةٌ…وروايةٌ عبثية…لا تسألي، إن السّؤَالَ مذلةٌ…وكذا الجوابُ مذلةٌ…نحنُ انقرضنا…مثل أسماكِ بلا رأسٍ…وما انقرضَ اليهودُ!!
لا تسأليني…مرةً أخرى… عن التاريخ…فهو إشاعةُ عربيةٌ…وقصاصةٌ صحفيةٌ…وروايةٌ عبثية…لا تسألي، إن السّؤَالَ مذلةٌ…وكذا الجوابُ مذلةٌ…نحنُ انقرضنا…مثل أسماكِ بلا رأسٍ…وما انقرضَ اليهودُ!!
- 13 -أنا من بلادٍ…كالطحينِ تناثرَت…مِزَقاً…فلا ربٌّ… ولا توحيدُ…تغزو القبائلُ بعضها بشهيةٍ
كبرى…وتفترسُ الحُدودَ… حدودُ!!
- 14 -أنا من بلادٍ…نكّست راياتها…فكتابُها التوراةُ… والتلمودُ…
- 15 -هل في أقاليم العروبةٍ كُلّها…رجلٌ سَوِيُّ العقلِ…يجرؤ أن يقول: أنا سعيدُ؟؟…
- 16 –لا تسأليني من أنا؟
أنا ذلك الهِندي…قد سرقوا مزارعهُ…وقد سرقوا ثقافته…وقد سرقوا حضارتهُ…فلا بقيت عظامٌ منهُ…أو بقِيت جُلودُ!!…
- 17 -أنيابُ أمريكا
تغوصُ بلحمِنا…والحِسُّ في أعماقنا مفقودُ…
- 18 -نتقبلُ (الفيتو…)
ونلثمُ كفَّها…ومتى يثورُ على السياطِ عبيدُ؟؟
- 19 -والآن جاؤوا من وراء البحرِ…حتى يشربُوا بترولنا…ويبدّدوا أموالنا…ويُلوّثوا أفكارنا…ويُصدِّروا عُهراً إلى أولادنا…وكأننا عربٌ هنودُ!!
- 20 -لا تسأليني. فالسؤالُ إهانةٌ.نيران إسرائيل تحرقُ أهلنا…وبلادنا… وتُراثنا الباقي…ونحنُ جليدُ!!
- 21 -لا تسأليني، يا صديقةُ، ما أرى.فالليلُ أعمى…والصباحُ بعيدُ…طعنوا العروبةَ في الظلام بخنجرٍ
فإذا هُمُ… بين اليهودِ يهودُ !!
ـــــــــــــــ
لندن 1 نيسان (ابريل) 1997
ــــــــــــــــــــــــــــ
(*) قصيدة من آخر ما كتب نزار قباني