السبت، 1 مارس 2014

بؤس المسرح بالمغرب/ ذ. العباس جدة

بؤس المسرح بالمغرب
       إن الفراغ المهول والبؤس الفني والضحالة الفكرية وعدم القدرة على الإبداع وخلق أشكال فنية جديدة ومتطورة، كل هذه العيوب لا تتحملها الدولة لوحدها، وإنما الفنان المسرحي هو المسؤول  الأول على محنته ورداءة إنتاجه وفقره الفني والفكري

العباس جدة(*)
هل يجوز الحديث عن مسرح مغربي متميز؟ والى أي حد يمكن الحديث عن حركة مسرحية نشيطة، متجددة وواعدة؟ 
الأكيد هو أن المسرح ببلادنا يعيش أزمة ويعاني من بؤس شديد على مستوى الإنتاج والكم وبؤس على مستوى الكيف والإبداع. فلماذا لم يستطع المسرح فرض حضوره على المتلقي وفي الساحة الفنية والثقافية وأن يستقطب عددا لا بأس به من المهتمين والمعجبين؟
يردد المهتمون بالمسرح والممارسون أن السبب الرئيسي في تردي النشاط المسرحي، هو إهمال الدولة لهذا القطاع وعدم تشجيع وزارة الثقافة للمسرحيين بخلق فرص للعمل وتشييد مسارح صالحة للعرض ودعم الفرق العاملة بمنح مالية كافية وإنشاء معاهد للتكوين إلى غير ذلك. 
لكن إلى أي حد يصدق هذا القول؟ وهل يمكن الجزم بأن الدولة هي المسؤولة الوحيدة على اندحار الفعل المسرحي ورداءة الكثير من الإنتاجات المسرحية بما في ذلك الأعمال المدعمة من طرف وزارة الثقافة؟
        صحيح أن الدولة بجميع قطاعاتها معنية بالفعل المسرحي ومن المؤكد أن المسرح لا يمكن أن يشهد انطلاقته الحقيقية إلا إذا اعتنت به كل الوزارات القريبة أو المسؤولة المباشرة على الفعل الفني والثقافي كوزارة التربية الوطنية ووزارة الشباب والاتصال والثقافة... كل هذا صحيح غير أننا نغالي، نحن المسرحيون في توجيه اللوم للآخر، إذا لم نتحل  بالشجاعة لممارسة نقد ذاتي من حين لآخر، وذلك من أجل  تقييم قدراتنا ومؤهلاتنا الفنية ومراجعة أدواتنا وتصوراتنا. غير أننا نصر على تجاهل أهمية الأمر، وكل واحد منا يتوهم نفسه المسرحي أو الكاتب أو المخرج أو الممثل الأول والوحيد في هذه البلاد.
       إن الفراغ المهول والبؤس الفني والضحالة الفكرية وعدم القدرة على الإبداع وخلق أشكال فنية جديدة ومتطورة، كل هذه العيوب لا تتحملها الدولة لوحدها، وإنما الفنان المسرحي هو المسؤول  الأول على محنته ورداءة إنتاجه وفقره الفني والفكري.
      كيف تتجلى إذن هذه العوامل الذاتية التي تعوق سيرورة وتطور المسرح؟
        إن الممثلين يشتغلون  والمخرجون يشتغلون في غياب المؤلف وفي غياب النص المسرحي الحقيقي. والواقع أننا لا نتوفر على مؤلفين مسرحيين. لا وجود لكتاب مسرحيين ببلادنا. ومهما جادل الممثل أو المخرج أو الناقد في مدى أهمية النص المكتوب أو عدم أهميته في بناء العرض المسرحي، فإن المسرح  لا يكون بدون نص  أدبي مكتوب. وحتى النصوص المعتمدة في العروض، هي كل شئ إلا المسرحية، لأنها بعيدة عن الصياغة الفنية وعن الكتابة المسرحية الدرامية بما تستوجبه من حوارات ذكية وحبكة فنية متينة وشخصيات مرسومة بدقة وعمق إنساني وصراع درامي مشوق، إلى غير ذلك من العناصر والمقومات التي تضمن المتعة الفنية والفرجة النصية أولا، قبل الفرجة الركحية.
        علاوة على غياب النص المسرحي، يمكن التأكيد أيضا على غياب مخرجين حقيقيين يملكون مشروعا فنيا ويؤمنون برؤية فنية جديدة وأصيلة للإنتاج المسرحي والفعل الدرامي، ولهم القدرة والكفاءة على تجسيد هذه الرؤية وإبرازها بأبسط الوسائل وبأقل الإمكانيات واعتمادا فقط على حضور الممثل وحسن إدارته. فالمخرج المبدع ليس هو الذي يشترط وسائل وتقنيات معقدة من إضاءة وملابس وديكور وموسيقى، وإنما هو الذي يجيد إدارة الممثلين، وقبل ذلك  اختيار النص المسرحي الجيد والعمل على ترجمة دلالاته وإبراز معانيه بلغة فنية جميلة تقوم على الإيحاء والرمز والتلميح وليس على الإبهار والخطاب المباشر.
        الحديث عن المخرج يستدرجنا بالضرورة إلى القول عن الممثل بوصفه الدعامة الأولى والأخيرة لكل عرض مسرحي ناجح. إن الممثل هو خالق الفرجة ومبدع العرض بامتياز. إلا أن التشخيص هو فن ومهنة ويتعين على كل ممثل موهوب، أن يكون مدركا لضوابطه ومتمرسا على تقنياته. التشخيص موهبة أولا وتقنية ثانيا، أو مهنة يمتلكها الممثل بالمراس العنيد على خشبة المسرح وأمام الجمهور. وليس كل من وقف على الركح وتلفظ بعبارة أو عبارتين يعتبر ممثلا. ويمكنني أن أجزم بأن أغلب ممثلينا لا يجيدون فن الإلقاء ولا يحسنون نطق الكلمات ولا يسعفهم جسدهم على الحركة  ولا يتمرنون بما فيه الكفاية على أدوارهم، بل إن الغالبية منهم لا تدرك معنى لفظ "تشخيص"، فيعتقدون بأن الإكثار من الصراخ والحركة والإيماءات والتركيز على بعض العبارات الساقطة والمبتذلة هي التي ستكسبهم ود الجمهور ورضاه.
       أخيرا، إن الممارسة المسرحية تفترض أدبيات وأخلاقيات، يتعين على كل فنان حقيقي  أن يتحلى بها والحرص على العمل بها ، وعلى رأس هذه المسلكيات الفنية  الإحساس بالمسؤولية والجدية في العمل والحس الجماعي  والالتزام بالفعل المسرحي الذي هو بالأساس عمل جماعي. والواقع أن غياب هذه الأدبيات هو بالذات ما ينخر الذات المسرحة ببلادنا. فلا مسرح بدون أخلاق وبدون الخضوع لعمل الجماعة وبدون احترام الآخر. فما يطبع العلاقة بين المسرحيين المغاربة هو التجاهل والنفي والإقصاء وبالتالي تتضخم أناة الفنان فيسقط في العجرفة،  وتكبله خيوط الغرور القاتل ويمسي ضحية النرجيسة الضيقة.
----------------------
(*) كاتب ومخرج مسرحي أستاذ الفلسفة، وقد خص "مدونة سيدي سليمان" بهذه المساهمة القيمة.


ليست هناك تعليقات: