الأربعاء، 11 يونيو 2014

الانترنيت للتواصل الإنساني، الحاجة والمعيقات/ أهم ما توصل إليه الإنسان بعد النار والكتابة والعجلة

الانترنيت للتواصل الإنساني، الحاجة والمعيقاتأهم ما توصل إليه الإنسان بعد النار والكتابة والعجلة

 
مصطفى لمودن
  استهلال
 لماذا نقول إن أهم اختراع توصل إليه الإنسان الآن هو الانترنيت؟ الأمر يشبه اكتشاف النار واستعمالها، ثم اختراع الكتابة، وأخيرا العجلة.. فكيف ذلك؟
اـ النار لصهر المعادن؛ هي كانت أصلا في الطبيعة، تحدث نتيجة تفاعلات أخرى كقذف بركان للحمم أو بفعل حرارة الشمس.. فظهر مفعولها القوي، استغلها الإنسان لتحسين عيشه في غابر العصور، فهي وسيلة لتسخين مسكنه وإضاءته وطرد الحيوانات المفترسة، والأهم هو صهر المعادن وتحويلها لأدوات تفيده كالساطور والفأس والخنجر.. لننظر إلى الأشياء بمقياس زمن سحيق، وكيف اغتبط ذلك الإنسان عندما توصل لأول مرة إلى صناعة شيء من طرفه، إنه بداية التحكم في وجوده.. لهذا رأى في النار قوة هائلة تستحق العبادة والتبجيل.
ب ـ الكتابة لتسجيل المعلومات؛ يبدو أنها كانت في البداية مجرد رموز، وغالبا كان السبب في اختراعها العمل التجاري أو السحري، بالكتابة تشكلت ثقافة وتاريخ ونقل المعلومات والمعطيات بسلطتها الذهنية إلى أجيال لاحقة.. بالكتابة خط الإنسان مساره الخاص به، بالكتابة انتقل البشر من الشفوي الذي يضمحل مع الزمن إلى "الخبر" الموثوق.. بالكتابة أمكن التعبير عن المجردات ونقل ذلك إلى الآخرين، ولو إلى أجيال لاحقة.. الكتابة أهم وسيلة لظهور العلم واستمراره عبر تراكم اجتهادات الأجيال المتلاحقة، الكتابة تسجيل للغة المتداولة أو الحالمة أو الساحرة..
ـ العجلة للنقل والتحرك والاكتشاف؛ قد يبدو هذا الاختراع بسيطا، لكن له من الأهمية ما يجعله أساسيا في الحضارة، فالعجلة سهلة الدوران والتي لا تتعرض لكثير احتكاك مع جسم آخر، استخدمت لنقل السلع والأشخاص وفي الحروب حيث كانت هناك عربات تجرها الخيول وعليها فرسان ورماة، وتخترق بقوة حشد الخصم. هذه العربة ستبقى لزمن طويل إلى أن وضع لها محرك.. بينما شعوب أخرى لم تعرف العجلة ولم تفكر فيها، واضح أنها لم تكن في عجلة من أمرها. ويمكن تشبيه العربات التي توضع على عجلات بالزوارق ذوات المجداف أو الشراع. فهي كذلك ساهمت في تنقل السلع والثقافات بين الشعوب.
 تلك مقدمة لطرح إشكالات أخرى تهم هذا الأمر العيب المسمى "الأنترنيت".

 1ـ   أفترض أن موضوع  "الانترنيت للتواصل الإنساني، الحاجة والمعيقات" من المستجدات ذات الفعالية و"الخطورة" من ضمن ما توصل إليه الإنسان ويستعمله، حيث لم يعد مستعمِلُه مستهلكا للمعلومة أو مستقبلا لها فقط، كما كان الحال مع مختلف علامات وإشارات التواصل ومع الكتابة ثم المذياع والتلفزة والسينما.. وحتى وإن (كان) تفاعل مع المضامين، فإن ذلك لا يتعدى كيانه الشخصي ومحيطه القريب.. أما مع الانترنت فقد أصبح المستقبِل منفعلا ومتفاعلا وفي نفس اللحظة، بل يتحول بدوره إلى منتج ومرسِل.. لكن وفق أي شروط؟
 2ـ بحكم تعاطي سابقا مع مجال الكتابة الصحفية في بعض الأجناس ككتابة التقرير الصحفي وتغطية الأحداث وإجراء الاستجواب ونشر مقالة الرأي.. وبحكم اهتمامي بالتواصل عموما واستفادتي من عدة تكوينات في ذلك على مستوى التدريب "المهني" مع إحدى الجرائد، أو مع المجتمع المدني في محطات عديدة كنادي الصحافة الدولي بالاشتراك مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، والجمعية المغربية لصحافة التحقيق، وجمعية "عدالة"، وجمعية "العقد العالمي للماء" لمرتين وتحت إشراف خبراء من هولندا، وجمعية "منظمة حرايات الإعلام والتعبير".. كما مارست التدوين الالكتروني، إذ أشرفت لسنوات على مدونة كانت بمثابة جريدة الكترونية محلية ظل لها صيتها وإشعاعها إلى أن أغلق الخدمة أحد المواقع الأمريكية (1).  وبذلك تراكمت لدي "خبرة" في مجال الصحافة والتواصل، دون أن يكون ذلك مؤطرا بشكل أكاديمي.
  فلماذا الاهتمام بالتواصل عبْر مجال الانترنت؟
 3ـ  إنه الأداة الجديدة الأكثر انتشارا وتداولا، ويعرف تنوعا من حيث أشكال الحوامل الالكترونية، فهناك البريد الالكتروني والمدونة والموقع ومواقع التواصل الاجتماعي..
فما هي خاصية كل شكل من هاته الأشكال؟ وكيف يمكن استخدام ذلك بفعالية وإيجابية؟ ولأي أغراض؟  
4ـ تتجلى "خطورة" الانترنت في كونه "جذابا" وذي أشكال مثيرة من حيث الإخراج والتصفح، يستقطب كل يوم المزيد من الرواد، سهل الاستعمال بعد تدرب بسيط، ينتشر في العالم بأسره أنّى وجدت شبكة الانترنت، لا يحتاج إلى ناشر كما يقع مع الكتب والجرائد، يمنح مستعمليه إمكانيات استيعاب هائلة تكاد تكون بدون حدّ، ثم بطرق تقنية بسيطة يصبح المحتوى أو موجده وناشره متاحا للجميع بواسطة محركات البحث المعروفة، لا يتطلب نفقات كثيرة، بل يتم استعماله أحيانا "بالمجان".
   فهل فعلا أن الانترنت يؤثر على المستوى المعرفي والوجداني؟
 5ـ كيف يمكن للانترنت أن يؤثر على الإنسان؟ وما علاقة ذلك بالسلوك الفردي وردود الفعل والمواقف الجماعية لفئات محددة عمريا أو اثنيا أو إيديولوجيا..الخ.. انطلاقا مما يتم تداوله على الانترنت؟
 هل يمكن للانترنت أن يعمم رؤية معينة للذات والمعرفة والوجود؟ هل يعرّف بهويات مغمورة وبأقليات لا تجد صوتا لها؟ أم هو وبال على الأقليات عموما؟
  هل يمكن للانترنت أن يساهم في اغناء لغة معينة؟ أم سيفرض لغة أو بضع لغات محددة على العالم؟ هل سيثري لغات أخرى؟ أم سيجعل بانقراض بعض اللغات؟
 من هم الذين يستطيعون السيطرة على الانترنت لينشروا ويعمموا نموذجهم في الحياة والاقتصاد والسياسية والاجتماع..؟ وهل هناك من يفكر في هذا الأمر فعلا؟ وإذا كان كذلك هل هناك خطط من "المهدَّدين" للمقاومة؟ ولماذا أصلا هذه المقاومة؟ أي هل هناك خطر ما؟ أم نتحدث عن السعي للتثاقف والتفاعل الإيجابي بين "جزر" الإنسانية التي عاشت لقرون متباعدة؟
    ما هي أشكال التواصل المستعملة في الانترنت؟
  6ـ لا يكتفي التواصل عبر الانترنت باللغة المعتادة فقط وهي الكتابة، بل يعتمد كذلك على الصورة وعلى الشريط (الفيلم).. وهي أدوات فعالة لنقل الأفكار والأخبار والمواقف.. ويمكن التقاط معناها بسهولة من طرف الجميع، فما دور الصورة والشريط في التواصل الذي يتوسع ليشمل الجنس البشري برمته؟
 هل ستصل البشرية بواسطة وسائل الاتصال والتواصل الحديثة كالانترنت إلى تعميم سلوك بشري موحد؟ ورؤية موحدة أو متقاربة على الأقل؟ أم أن "الخصوصية" ستظل قائمة تقاوم؟
 هل يصح في الانترنيت استعمال مصطلح تقليد الأضعف للأقوى في اختياراته؟ ومن الأقوى ومن الضعيف هنا؟ هل يُحدَّد ذلك بالمستوى المادي والمعيشي أم بالثقافة والتجدر في التاريخ؟
 كيف يمكن للثقافات المختلفة أن تبرز ذاتها في عالم اليوم/ عالم الانترنيت؟
  كيف يتحول الانترنت إلى بدائل عن التنظيمات الحزبية والنقابية بشكلها التقليدي؟ وكيف أصبح وسيلة تواصل وتحريض وعقد الاجتماعات الافتراضية والخروج بقرارات بعد التداول فيها عن بعد؟ كيف يمكن أن يتحول الانترنت إلى وسيلة لإشباع "النزوات" الذاتية والالتقاء بالآخر المشابه وفق تصنيف مسبق معد الكترونيا؟ هل ذلك يحقق الإشباع وبالتالي القفز عن الوضع غير الطبيعي؟ أم يقود ذلك لتعقد الحالات البشرية على المستوى النفسي والاجتماعي؟
   كيف يمكن الاستعانة بالانترنت بشكل فعال ومنظم من طرف عدة متدخلين في المجال الثقافي والبيئي والتربوي والاقتصادي والصحي الخ؟
 هل الانترنت وسيلة لممارسة الحرية أم يضع مستعمله نفسه أمام الرقابة والتتبع والإحصاء؟
 7ـ هل سيغير الانترنت علاقة الإنسان بنفسه وبمحيطه وبوسطه الثقافي؟ كيف سيصبح مفهوم الدولة والسيادة الترابية؟ هل يمكن أن نصل يوما إلى الإنسان "الأممي" حيث تترسخ لدى الجميع أو الغالبية نفس القيم؟ ماذا سيصبح عليه مفهوم الهويات؟ هل سيقاوم البعض عبر "التحصين والانغلاق"؟ أم عبر دخول المجال والتفاعل معه؟ كيف سيصبح مفهوم الزمان والمكان عند التداول العام للانترنت؟
   لكن، ما نوعية الحديث عن المعيقات؟
 8ـ يمكن التساؤل عن معيقات انتشار الانترنيت انطلاقا من توفر حد أدنى يتيح التواصل وهو اللغة، فهل نعني بها الأمية الأبجدية أم الأمية التقنية؟ أم كلاهما معا؟ والتساؤل عن إتاحة ولوج الشبكة من طرف الجميع؟
 ثم التساؤل عن أنواع الرقابة التي تفرض على الانترنيت وهي تتوسع يوما بعد آخر، مما قد يحد من استعماله. خاصة أشكال التجسس على المستعملين من المعارضين للأنظمة السياسية، ومتابعة توجهات الرأي والأذواق وملاحقة المنافسين في المجال الاقتصادي خارج أي ضبط قانوني عادل..
 كيف يمكن للانترنت أن يسلم من الحضور القوي للتجارة وهي ما يحركه الآن على نطاق واسع؟ هل هذا الأمر يوسع استعماله أكثر أم يحد من آفاقه؟
  تلك جملة أسئلة المثيرة حول أداة أحدثها الإنسان وقد شرعت في وضع انقلاب تام لعدة مفاهيم تخص الإنسان في عمقه كالهوية واللغة والمكان والزمان...
_________
(1) ما تزال المحتويات موجودة بعد نقلها إلى مدونة أخرى.



ليست هناك تعليقات: