انطلقت يوم الأحد 2 فبراير 2009 قافلة تضامنية مع منكوبي فيضانات الغرب الأخيرة من الرباط و بمبادرة من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وبمشاركة هيئات حزبية و نقابية وجمعوية ديمقراطية وتقدمية، وذلك للتعبير عن التضامن مع المتضررين من أثار الفيضانات في أبدانهم وممتلكاتهم ومزروعاتهم وقد مكنت القافلة التي ركزت جولتها على نقط مضبوطة مسبقا، من جهة الغرب شراردة بني حسن، من أجل تقييم ثقل الكارثة التي ألمت بالساكنة سواء بالمدن كما بالقرى، وقد ألحقت أضرارا بالغة بالفئات الفقيرة والمستضعفة من المجتمع بمنطقة الغرب الغنية طبيعيا وفلاحيا.
مظاهر الفيضانات في ظل التماطل و الترقب
مرت أزيد من عشرين يوما على حلول كارثة الفيضانات بالمنطقة انطلاقا من سيدي سليمان وضواحيها لتعم سهل الغرب، عقب ارتفاع منسوب مياه بهت وسبو و ردم وورغة، وإثر ارتفاع كميات التساقطات التي تجاوزت كل التوقعات، وبعد هذه المدة الطويلة لا زالت معالم الفيضانات قائمة؛ أحياء ودواوير ترزح تحت مخلفات الفيضانات ودور مهدمة بالمئات، وأخرى مهددة بالسقوط, مزارع في طور التجفيف, مزروعات تعرضت للإتلاف, آلاف من المتضررين، منهم من التحق بمراكز الإيواء، ومنهم من لازال يصارع القهر والدمار والتشرد…
حلت الكارثة لتتدخل السلطات وإن كان ذلك بشكل متاخرأمام مفاجأة الفاجعة و ثقل البيروقراطية, لتخصص الحكومة 1,3مليار درهم للمواجهة الطارئة ( والحال أن الخسارة تقدر ب2 إلى 3مليار درهم) ورغم المجهودات المبذولة فلا زالت آثار الكارثة واضحة على وجوه السكان الذين زرناهم في مقر سكناهم أو بمركز الإيواء أو على جنبات الطريق, نفسية مدمرة على حافة الإنهيار من جراء قوة الدمار, أما الدور المهددة فلازالت تشهد على المأساة، والطرق لم تباشر بها الأشغال المطلوبة، والمياه لا زالت تغمر المزارع رغم التجفيف الطبيعي الذي تتعرض له خلال هذه الأيام المشمسة .
ماذا ينتظر المسؤولون لتخفيف الضرر على الأنفس الطبيعة وعلى المنشآت والبنيات التحتية، فأين ما مرت القافلة التضامنية، نلاحظ غياب التدخل بممارسة تماطل رهيب جعل منظمي القافلة والسكان ينددون بالفراغ وقد رفعوا شعار" الكارثة هاهيا والحكومة فيناهيا"
مظاهر محفوفة بهاجس الأمن والترقب
من الرباط إلى الخنيشات، آخر نقطة من مسار القافلة التضامنية، كان حضور الأمن بكل أسلاكه ومستوياته واضح المعالم جسديا و معنويا و" شعاريا "حتى… ومع ذلك كان الهدف أيضا واضحا و مشروعا لإيصال الصوت المتضامن المناضل إلى المتضررين العزل في قلب القهر والدمار والاستغلال والتهميش… حتى لا يشعروا أنهم أرقاما انتخابية في يد تجار الانتخابات، بل مواطنين كاملي الحقوق والواجبات، لهم الحق في المطالبة بالعيش الكريم في السكن اللائق والأمن و الشغل… مطالب مكفولة بقوة القانون وفي مقدمتها الدستور، وهذا ما تشير إليه الشعارات من قبيل "ما بغيت لا زيت لا سكر… دارفين نسكن" وهو المطلب الأساسي بعد سقوط المنازل الطينية، والعيش تحت سقف مراكز الإيواء أو بالخيام الصفر أو الخضر.
ورغم انسجام المطلب مع راهنية الوضع، فإن البعض قد فضل التشويش عليها، ظنا منه أن الأسبقية للبطن، وكأن الإيواء الحالي مكسب دائم، لحسن الحظ أن كل المتضررين يطالبون بسكن لائق كفيل بإخراجهم من اكراهات ومضايقات الإطار، وبضمان حياة أسرية طبيعية، الكل فهم أن المشوشين على الشعار يخوضون في الماء العكر تمهيدا للاتجار والتلاعب بحقوق المواطنين في السكن…عجيب كيف تباع الذمم في عز الأزمة والشدة بأثمنة بخسة لإشاعة "العام زين " في ظل الفيضانات ومخلفاتها الصعبة!
مسيرة أولى نحو المتضررين , زيارة أولاد الغازي وكوريال بسيدي سليمان
تجاوزت عقارب الساعة الحادية عشرة حينما إلتأم المنظمون للقافلة والمشاركون فيها للدخول إلى أول حي دكت فيه مياه بهت الدورَ الطينية (أكثر من 70 دار حسب المقيمين تضررت) وقد شكلت الوقفة على مخلفات الفيضانات مناسبة لرفع شعرات التضامن والتنديد بسياسة الإهمال والتهميش في حق الفئات المستضعفة بالمدينة، وهنا أيضا تمت المطالبة ليس فقط بإعادة إسكان المتضررين بأماكن أمنة من مخاطر الفيضانات بل بتحقيق عاجل لمشروع "مدن بدون الصفيح".
كان لوقع المنظر أثر كبير على المشاركين في التظاهرة، الذين عبروا في جو من المسؤولية عن التضامن اللامشروط مع الساكنة، التي لم تخف سخطها على ما تعرضت له من ضياع وتشرد وتماطل للعودة إلى الحياة العادية، في ظل العوز والضيق وقلة الشغل والبطالة.
الوضعية كارثية بكل المقاييس يقول أحد المشاركين، ماذا تنتظر وزارة التعمير والإسكان؟ يبقى السؤال معلقا ومفتوحا على كل الاحتمالات في انتظار حلحلة مشكل الأرض هنا بسيدي سليمان(…)
بكوريال نظمت وقفة تضامنية أيضا (الوحدة الإنتاجية لتلفيف الحوامض سابقا والتي أفلست) المخصصة لإيواء المنكوبين، الذين يزيد عددهم على 500 ذكورا و إناثا من كل الأعمار, بعد أن تجاوز عددهم 1200 نسمة أسبوعا قبل الزيارة التضامنية، والتي انتهت بكلمة توضح مضمون وهدف القافلة التضامنية بالوقوف على الحقوق الطبيعية للمتضررين من الفيضانات الحالية، والمتمثلة في الحق في العيش الكريم، وفي السكن اللائق والتطبيب وتمدرس الأبناء.
عبر المحطتين أبان المتضررون عن الصعوبات التي يعيشون فيها ولم تعمل الفيضانات إلا على تعميق أوضاعهم المتردية في ظل التراجعات الاقتصادية والاجتماعية التي طالت المدينة في أعقاب إغلاق المعامل( 13 وحدة إنتاجية لحد الآن ) و ارتفاع الأثمان واستشراء البطالة والفقر، كما عبروا عن مطلبهم الأساسي في الإستفادة من سكن، يؤمن لهم العيش الأسري الطبيعي السليم بعيدا عن كل المساومات الرخيصة.
إقليم سيدي قاسم دواوير معزولة واعتقالات…
واصلت القافلة التضامنية ( 15 سيارة على الأقل) رحلتها نحو الدواوير التي تضررت بشكل ملفت للانتباه ضمنها دوار "الترابنة"، فدوار سوق الحد، من جماعة الشبانات(46 منزل منهارة و 75 أخرى آهلة للسقوط نتيجة فيضان واد رضم) وصولا الى دوار أولاد برحيل (99 دار انهارت أمام مياه سبو الجارفة, خسائر كبيرة في الممتلكات و المزروعات)، في كل محطة كان التعبير عن الخوف والعزلة والمعاناة حاضرا بقوة، بجانب التحدي والصمود في وجه القهر والدمار عبر التضامن والمواساة .
و تبقى كلمات التضامن العميقة مساعدة على فتح باب الآمال في العيش الكريم المبني بسواعد الصمود و التعاون.
وأخيرا تدخل القافلة التضامنية الخنيشات لتنظم مع الجماهير الشعبية التي استقبلتها، وانظم الجمع في وقفة احتجاجية وتضامنية أمام ثكنة الدرك الملكي، حيث أُحتجز مواطنون قبل محاكمتهم بسيدي قاسم على خلفية الإحتجاج على تأخر المساعدات للمنكوبين جراء فيضانات سبو, ولم يفت عائلات المعتقلين من استنكار الاختطاف والتعذيب الذيْن مسا أبناءهم، هذا ما ورد في كلمة عائلات هشام لمراني (10 أشهر نافذة ) وإدريس شتوكة( 6 أشهر) و بوجمعة الوافي (3 أشهر) وكل الأسر تطالب بالإفراج عنهم.
اختتمت القافلة التضامنية مع منكوبي الفيضانات بالغرب بتوجيه تحية عالية إلى كل المناضلين في الأحزاب والنقابات والجمعيات الحقوقية من الصف الديمقراطي والتقدمي على إنجاح التظاهرة لمساندة المتضررين على امتداد كل الغرب
بمدنه و بواديه، وللمطالبة بالتعويضات عن الأضرار البليغة المرتبطة ليس بالطبيعية فقط ولكن أيضا بسوء التدبير والإهمال، ولم يفت القافلة أن تطالب بإطلاق سراح المعتقلين ضحايا النكبة.
و تطرح القافلة أسئلة لابد منها في الختم
واجهت قافلة التضامن أسئلة عدة لم تجد لها جوابا أهمها:
§ لماذا لم تعجل الدولة بإصلاح الطرق والبنيات التحتية المدمرة وهي متوفرة على الإمكانيات اللازمة؟ ألم تمر ثلاثة أسابيع على بداية الفيضانات ولم تبادر أي مصلحة إلى مباشرة الإصلاحات؟
§ لماذا يماطل المسؤولون في مباشرة بناء المساكن بالمدينة كما بالبادية للذين فقدوا كل شيء، ليودعوا من الخيام أو مراكز الإيواء التي تفتقر إلى شروط العيش الأسري العادي؟
§ لماذا لا تعتبر هذه الكارثة عبرة لتصحيح التصورات التنموية والتدبيرية مادامت قد عرت على اختلالات السياسات التقنوقراطية المتبعة لحد الآن؟
إن القافلة التضامنية و هي في طريقها إلى الرباط حاملة كل الآمال في تغيير الأوضاع المتدهورة.
سيدي سليمان 23-02-2009