الجمعة، 1 فبراير 2008

وجهة نظر: سؤال البحث السوسيولوجي بالمغرب


وجهة نظر:      سؤال البحث السوسيولوجي بالمغرب 
                 رضوان النجاعي(٭)     
      
 شكل ميلاد السوسيولوجيا انعطافاجديدا في تاريخ الإنسانية عامة، فمنذ ميلادها وإلى اليوم استطاعت أن تحقق تطورات ملفتة للنظر انطلاقا من مقاربتها لقضايا المجتمعات والشعوب خاصة، على اعتبار أنها ظلت في ارتباط مستمر بظواهر المجتمعات وإشكالاتها، وهذا ما جسده رجل السوسيولوجيا عبر خطابه من خلال اعتماده تقنيات وطرق البحث السوسيولوجي التي دافع بواستطها عن مشروعية التشريح والتقصي لأبرز التناقضات والعوائق الاجتماعية التي تعرفها المجتمعات على وجه الخصوص.
     ولاشك أن ميلاد السوسيولوجيا كان خلال فترة تاريخية حرجة, عًُرفت في الأدبيات السوسيولوجية بالمرحلة الوضعية أو الحقبة النقدية التي عرفتها المجتمعات الغربية خاصة.
      وعليه فلا غرابة أن تكون السوسيولوجيا علما لأزمة حقيقية على اعتبار أن المجتمعات المعاصرة تعرف عوائق وأزمات متتالية، وظواهر ناشئة نظرا لما تحتويه بنياتها المجتمعية من أنماط للتفكير ـ عوائد وأعراف ـ مؤسسات وقوانين، ثم قضايا التراتب الاجتماعي ، وإشكالات البناء الطبقي للأفكار والقيم السائدة داخل المجموعات البشرية.
   إن الإشكالات العديدة التي طًرحت على السوسيولوجيا جعلت منها أحد العلامات الإكلينيكية لمعالجة التفسخ الاجتماعي، مع إعادة تشريحه استنادا إلى آليات وطرق بحث موضوعية. وفي سياق الحديث عن دور السوسيولوجيا في إعادة ترتيب قضايا المجتمع المغربي في علاقتها بالدفاع عن المشروعية العلمية والموضوعية لكل من التشريح والتقصي المجتمعي لهذا المجتمع المركب، حسب ما طرحه بول باسكون، لابد من الإشارة إلى أن الأدبيات السوسيولوجية سواء منها الكولونيالية أو الأنجلوساكسونية، أنتجت مادة خصبة من التصورات والتحاليل السوسيولوجية، التي كانت عمليا تطمح إلى تأسيس رؤية نظرية ومنهجية ملائمة لدراسة واقع هذا المجتمع، مع التعرف على أبرز وأهم الأنساق التي أسهمت في تركيبها وتطورها.
    ولكن السؤال المنهجي الذي يطرح نفسه بإلحاح معرفي، هو دور السوسيولوجيا في تشريح واقع المغرب المعاصر؟ 
      عمليا لم تسلم السوسيولوجيا بالمغرب بدورها من الوقوع في استنتاج تحاليل اختزالية لواقع هذا المجتمع، نظرا لما عرفه هذا الأخير من منعطفات خلخلت بنياته، وهذا في سياق الحديث عن التغير الاجتماعي أو الهجرة ثم إشكالات التنمية والتخلف والفقر والأمية ثم قضايا النخب السياسية بالمغرب…
    تعتبر هاته المتغيرات والمؤشرات أحد أبرز العوامل المتحكمة في تطور هذا المجتمع، مما يجعل الباحث السوسيولوجي جزءً لا يتجزأ من ذلك الكم الهائل من الظواهر والإشكالات الاجتماعية. الشيء الذي يقتضي منه التزام التصور الشمولي لهذا الواقع الاجتماعي المبحوث فيه. وفي هذا السياق فقد ذهب الباحث السوسيولوجي روبيرت ميترون إلى اعتبار أن عمل الباحث السوسيولوجي يزداد صعوبة إذا ما كانت دراسته على مستوى مجتمعه المحلي، حيث تكثر الاتجاهات والمواقف، لذلك على الباحث أن يكون حريصا أثناء تواصله مع مبحوثيه، وأن  لا يتحيز لمواقفهم وآرائهم وأنماط معتقداتهم وتصوراتهم، وهذا يتطلب منه دراسة سوسيولوجية لمختلف الاتجاهات في مجتمع البحث، كما يجب أن يحدد مدى مشاركته أثناء إجراء عمليات الملاحظة والمقابلات التي تتراوح بين استماعه وملاحظته للظواهر المختلفة، إلى حد مشاركته في مجموع الإشكالات الاحتفالية بأعرافها وطقوسها، وما يترتب عنها من تمثلات ومواقف.
     إذا فمختلف الوسائل والتقنيات المعتمدة في البحوث السوسيولوجية تعرف تابتا في المجتمع الغربي الذي أسهم في ولادتها، نظرا إلى تقدم مستوى المعرفة والوعي الاجتماعي بالمجتمعات المتقدمة، أما في المجتمع المغربي فالأمر يختلف تماما، فمثلا إذا أردنا دراسة ظاهرة الدعارة بالمجتمع الحضري المغربي، عمليا تواجه الباحث السوسيولوجي عوائق عدة من أبرزها سلطة المعايير الأخلاقية والثقافية كالعادات والتقاليد (سلطة الرجل ـ بنية المعتقد والمقدس ـ دونية المرأة في المجتمع البطريقي الأبوي). وعلى هذا الأساس فطرق وتقنيات البحث السوسيولوجي في المجتمع المغربي تتميز بالسلبية، وهذا ما يجعلها تفقد نجاعتها في مقاربة وتفكيك مختلف المشاكل والظواهر الاجتماعية الأكثر حدة.
    من هذا المنطلق فالبحوث السوسيولوجية بالمغرب يبقى قاسمها المشترك هو اعتمادها الوصف دون تحليل مختلف البنيات والآليات المتعلقة بمواضيع الدراسة والبحث السوسيولوجي، لأنها فعليا تصطدم بنوع من التخلف المجتمعي بقيمه الرافضة علنا لهاته التقنيات الغربية، على اعتبار أن الآراء الفردية لا يتم التعبير عناه بشكل حر، حيث يظل رأي الجماعة أو استبداد الشيخ أو رأي المجموعات القرابية الموحدة جنيالوجيا أحد أبرز العوامل الأساسية في عدم التوصل إلى استنتاجات موضوعية لطبيعة الظواهر الاجتماعية بالمغرب.
    إن راهن السوسيولوجيا بالمغرب يحيلنا طبعا إلى دورها كنسق معرفي متميز في قراءة واقع المجتمع المغربي بأدوات وتقنيات غير ملائمة لتفكيك بنية الظواهر الاجتماعية بالمجتمع المغربي خاصة، وعليه فالباحث السيوسيولوجي بالمغرب مطالب بإعادة النظر في المسافة الحضارية والثقافية بين بيئة إنتاج المناهج والتقنيات السوسيولوجية وبيئة تطبيقها، كأدوات للبحث الميداني في علم الاجتماع، بحيث أنه لا يمكن قراءة الواقع المغربي بظواهره وإشكالاته إلا بإعادة النظر في تأسيس رؤية منهجية لسوسيولوجيا بديلة، تكون أكثر ملاءمة لواقع الظواهر الاجتماعية بالمجتمع المغربي على وجه الخصوص.
   تأسيسا على ما سبق فمهمة رجل السوسيولوجيا الذي يراهن على ضرورة الحفر والتبئير عن سوسيولوجيا مغربية تصبح أكثر وضوحا، وذلك من خلال العمل على تحقيق السياق المجتمعي الذي يجعل من صناعة سوسيولوجيا مغربية معطى ممكنا في إطار ممارسة سوسيولوجية بمعطيات معرفية وموضوعية.  
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    هامش:

            ـ  (٭)  باحث في السوسيولوجيا ومجاز في علم الاجتماع من جامعة محمد الخامس بالرباط .
            ـ في إطار انفتاح المدونة على كل الفعاليات الراغبة في المساهمة الفكرية والثقافية والإخبارية… يسعدنا أن ينضاف إلى المساهمين أخونا رضوان النجاعي