الأربعاء، 23 أبريل 2008

إشكالية الذاكرة السياسية والعدالة الانتقالية بالمغرب



إشكالية الذاكرة السياسية والعدالة الانتقالية بالمغرب      
 
     120896        
منهجية المداخلةتقديم 
I- إشكالية الذاكرة السياسية والعدالة الانتقالية في المغرب:
1-1 الأحداث السياسية الكبرى التي عرفها المغرب المستقل والخروقات الناتجة عنها.
1-1-1 الصراع حول السلطة السياسية
1-1-2 حسم الصراع 
II- الممارسة المغربية للعدالة الانتقالية
1- تجربة هيئةالإنصاف والمصالحة
2- قراءة في تقريرهيئةالإنصاف والمصالحة
2 -1 الخطوط العريضةللتقرير
2-2 خلاصات وتوصيات التقرير
خلاصات 
 
تـــــقــــــديـــــــــــم
شهد المغرب عند نهاية القرن التاسع عشر أحداثا سياسية كبرى مست الدولة والمجتمع.أطرت بقوة جدوى أعمال فكرة الإصلاح بصيغته السياسية والدستورية وكان لها مركز الثقل في الحياة السياسية التي طبعت مغرب ما قبل الاستقلال، لكنه بعد حصول المغرب على الاستقلال عرف المغرب المستقل أحداثا مؤلمة ميزت التاريخ السياسي للمغرب المعاصر، كان لها تأثير كبير على الذاكرة الجماعية للمجتمع المغربي، وشكلت هاته الأحداث عقبة في دمقرطة الحياة السياسية بما يضمن حرية المواطنين وضمان حقوقهم في العيش في ظل نظام ديمقراطي.
ومع بدايةعقدالتسعينات ومع إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعودة المنفيين أصبح الوقوف على الذاكرة السياسية للمغاربة ومدى تقويمها مثار اهتمام العديد من الفاعلين الدولتين وغير الدولتين والسياسيين والحقوقيين والأكاديميين. وجاء هذا الاهتمام بعد الموجة الثالثة للديمقراطية الذي جسدته العديد من تجارب الانتقال الديمقراطي في العالم، وذلك بالقطع مع ممارسات النظام السياسي السابق عبر مسلسل التسوية غير القضائية للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، هذه الدينامية لتجاوز مخلفات الماضي الأسود، انطلقت بإصلاحات ضرورية لترسيخ دولة الحق والقانون. إن الدخول في تجربة العدالة الانتقالية عبر مفهوم المصالحة الذي يربط بالأساس طبيعة العلاقة بين المجتمع والدولة ومدى تقويم هاته العلاقة وإعادة الثقة، جاء طبقا لسياق سياسي ذي مرحلة قصيرة، شكلت تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة مضمونه الحقيقي، وكما عبر النص المحدث لهيئة الإنصاف والمصالحة الذي أكد على تصالح المغاربة مع تاريخ بلادهم عبر مرحلة تمت من الاستقلال حتى نهاية التسعينات التي يغطيها البحث والتجربة وتسليط كل الأضواء الكاشفة عن مرحلة الصراع المضطرب والمرير الذي عرفه مجتمعنا، بما يدفع في اتجاه المقاربة الموضوعية والعقلانية المستوعبة للسياق العام السوسيولوجي للانتهاكات. إن مسلسل التسوية والمصالحة مع الماضي يبرهن عن مرحلة هامة يجتازها المغرب دولة ومجتمعا، من أطوار تفعيل أدبيات الإصلاح كشرط لوجوب نجاح الانتقال الديمقراطي وتوطيد دولة الحق والقانون وترسيخ وضمان حقوق الإنسان واحترامها.
وقد شكل موضوع الذاكرة السياسية والعدالة في الآونة الأخيرة اهتمام مختلف الفاعلين السياسيين والحقوقيين، هذا الموضوع الذي جاء نتيجة لبعض التراكمات التي عرفها المشهد الحقوقي. والتي خلقت لنا خطابا حقوقيا جمعويا اتخذ صيغا مختلفة، وطرحت عدة ملفات حقوقية على إثره بالمغرب منذ عقد التسعينات.
انطلاقا مما سبق يمكن طرح الإشكالات التالية:
الإشكال الأول: هل تقويم الذاكرة السياسية عبر العدالة الانتقالية من شأنه أن يؤدي إلى تجانس مجتمعي يمكن أن يؤدي إلى تحول ديمقراطي؟
الإشكال الثاني: هل من شأن تقويم الذاكرة السياسية عبر العدالة الانتقالية أن يحول الدولة المغربية من دولة خارقة للقانون في سنوات الجمر والرصاص التي عرفها التاريخ السياسي للمغرب المستقل إلى دولة حامية له ومكرسة لحقوق الإنسان؟
الإشكال الثالث: هل من شأن المصالحة التي قامت بها الدولة أن تعطينا اندماجا وطنيا عبر تصفية تراكمات الماضي السلبية. وبالتالي بناء الدولة الوطنية التي تعتبر المدخل الأساسي للدولة الديمقراطية الحداثية؟.
الإشكال الرابع: هل التجربة المغربية فيما يخص العدالة الانتقالية في مقاربتها بمثيلاتها من التجارب المقارنة متشابهة للتجارب التي عرفتها العديد من الدول أم أنها تجربة فريدة واستثنائية؟ وما هي الخصوصيات التي ميزت التجربة المغربية؟.
Iإشكالية الذاكرة السياسية والعدالة الانتقالية في المغرب:
في البداية يصعب تحديد تعريف وسياقات مختلفة لهاته المفاهيم بالنظر إلى تعددها وتشعب معانيها في نفس الوقت، هذا وسنوضح بعض المفاهيم المركزية.
الذاكرة: هي إعادة القراءة المشتركة لحالات الماضي، وإيجاد لغة مشتركة لتعريفه ومع تطور تجارب الدول فيما يخص العدالة الانتقالية أصبح هناك حق من حقوق الإنسان التي تنتمي إلى الجيل الثالث وهي الحق في الذاكرة.(1)
أما المصالحة فهي إيجاد روابط بين فرقاء ومتعارضين تقتضي المصالحة التسامح ويقتضي هذا الأخير الاعتراف،المصالحة لا تتأسس على التجاوز بل يجب أن يضفي النظر في الانتهاكات إلى الحقيقة التي تعتبر أول شرط للمصالحة.(1)
أما العدالة الانتقالية فهي تتمظهر كقرارات وطنية أو دولية أو على شكل لجان للحقيقة، فهي تقوم على سيرورة المصالحة والتسامح. والتسامح لا يعني النسيان أو المصالحة كما لا تعوض عدم العقاب.(1)
ومفهوم العدالة الانتقالية له دلالات مختلفة. البعض يعتبره تجاوز تصفية الماضي عبر الانتقال إلى الديمقراطية عبر التداول السلمي، وذلك بتصفية تركة أحقاد الماضي، والبعض الآخر يعتبر تقويم الذاكرة الجماعية لمجتمع ما عرف بسنوات الرصاص أو صراع متوتر بين الدولة ومعارضيها أفضى إلى ضحايا ومعتقلين سياسيين ومنفيين، عبر التسامح والاعتذار وجبر الضرر الجماعي. إذن تختلف مفاهيم العدالة الانتقالية حسب خصوصيات كل بلد على حدة ليس هناك مفهوم محدد وثابت للعدالة الانتقالية. (2)
1- الأحداث السياسية الكبرى والخروقات الناتجة عنها

منذالاستقلال عرف المغرب الكثير من الأحداث السياسية، والهزات الاجتماعية، والحركات الاجتماعية المرتبطة بدوافع سياسية، بدءا بالصراع حول المضمون الذي يأخذه الاستقلال، والاختيارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تسير عليها البلاد، والكيفية التي يجب أن تدبرها شؤونه، وطبيعة نظام الحكم ، وعلاقة الحاكمين بالمحكومين.
ترتب عن هذا الصراع أحداث دموية عنيفة، رسمت الخطوط العريضة للتاريخ السياسي الحديث بالمغرب (الريف 1958) ـ (الدار البيضاء 1965-1981) ـ (مراكش ومدن الشمال 1984) ـ (فاس – طنجة 1990)، بالإضافة إلى اعتقالات ومحاكمات سياسية شاملة (1963-1969-1971-1972-1973-1977
 
 

-1981-1984-1986-1990)، كما عرف تاريخ الصراع بالمغرب كذلك، أسلوب الاغتيال السياسي (بنبركة ـ بنجلون ـ كرينة ـ زروال ـ التهامي)، والنفي الاضطراري.
هذه الخصوصية الحقوقية تاريخيا وحضاريا، دفعت المغاربة إلى الإيمان بالفكر الحقوقي، لما يحمله من رمزية كونية، وخير تعبير عن بناء مجتمع ديمقراطي، واحتلال العمل في مجال حقوق الإنسان لموقع متميز في إطار الصراع الديمقراطي، هذه الدينامية تزامنت مع تحولات سياسية وجيواستراتيجية على المستوى العالمي، جعلت من حقوق الإنسان وسيلة للضغط على الدول النامية من بينها المغرب، والإسراع في إنشاء مؤسسات وطنية لحقوق الإنسان، تتوازى في العمل الحقوقي مع الجمعيات والإطارات الجماهيرية المدافعة عن حقوق الإنسان.(2)
المقاومة التي أفرزها الشعب المغربي للكفاح من أجل الاستقلال، دفعت الإقامة الفرنسية إلى تقديم تنازلات في إطار التفاوض عبر ما يعرف بـ " إيكس ليبان" توجت بإعلان الاستقلال.
إبان الاستقلال، بدأت إشكالات تطرح، والمهام المنتظرة للمغرب المستقل، انطلقت من مضمون الاستقلال، والتوجهات العامة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا المؤطرة لحياة المجتمع المغربي وبناء الدولة العصرية.
الأمر الذي كان باعثا إلى بروز الكثير من الأحداث السياسية، والهزات الاجتماعية مقترنة بما هو سياسي وإيديولوجي، من خلال التفاعل والتناقض بين القوى المتواجدة بالساحة الوطنية طوال الفترة المراد دراستها، وقصد بلوغ هذا الهم، بالاستناد إلى طبيعة المرحلة وتداعياتها، وآليات بناء مرحلة جديدة، سينصب عملنا على معالجة الوقائع السياسية، عبر تقسيم التاريخ السياسي الحديث إلى مبحثين، نتناول في المبحث الأول الصراع حول السلطة السياسية عبر مطلبين: المطلب الأول: 1956-1960، المطلب الثاني: 1960-1974.
وندرج في المبحث الثاني على آليات حسم الصراع حول السلطة السياسية، بدراسة مرحلتين في المطلب الأول: 1975-1990، المطلب الثاني: 1990-1999
1-1-1الصراع حول السلطة السياسية
تميز الصراع حول السلطة، إبان الاستقلال بزخم كبير في الأحداث والوقائع حول مدى ترجمة الاستقلال، وبناء مؤسسات سياسية ودستورية، تؤشر على مقومات الدولة العصرية. : 1956 إلى 1960
أثناء حصول المغرب على الاستقلال واصطدامه بالإرث الثقيل الذي خلفه المستعمر، والاتجاه في العمل نحو تأطير الحياة المجتمعية للمغرب المستقل وبناء الدولة الحديثة وإقامة مؤسساتها.
مقاومة الحماية الفرنسية أبرزت التفاف مكونات الحركة الوطنية والشعب المغربي حول الملك محمد بن يوسف على اعتباره يجسد الشرعية المغربية، وتتويج ذلك بإجراء مفاوضات شكلت نقطة تحول في الانتقال من مرحلة الاستعمار إلى مرحلة الاستقلال، الأمر الذي أفرز اختلافا كبيرا حول شكل النظام، نوع الملكية المعتمدة، ونسخ التحالفات، وفتح أوراش التدشين، بالنهج الذي يدفع إلى تحصين حياة المجتمع المغربي، وتفاديا للاصطدام، وتكريس هيمنة الحزب الوحيد، الشيء الذي جعل السلطان يحتكر السلطة التنفيذية من خلال لعب الدور المحوري في التدبير السياسي، وحمل مشعل تسيير شأن الأمة، كل ذلك لم يكن ليتم دون الدخول في إحداث مؤسسات (مؤسسة الجيش) وتقزيم عوامل قوة الحركة الوطنية، عبر تفكيك جيش التحرير، بالتصفية والقمع والاحتواء، وشن المؤسسة العسكرية الحديثة التكوين لحملات عسكرية، لا تخلو من إراقة الدماء.(3)
الهجوم على عامل إقليم قصر السوق، ـ الراشيدية حاليا ـ عدى وبيهي وأنصاره 1957 بعد تمرده على السلطة رغم ولاءه لمحمد الخامس، وتؤكد بعض المصادر أنه كان مدعوما من قبل الفرنسيين في الخفاء من أجل منع وصول السلاح إلى الثورة الجزائرية، وتم إخماد التمرد وإلقاء القبض على عدي وبيهي والحكم عليه بالإعدام.
بعد إصدار " حركة التحرير والإصلاح الريفية" لميثاقها يوم 7 أكتوبر 1958، وتشكيل تنظيم مسلح يـحمل اسم " جبهة النهضة الريفية" بهدف تسيير الريف من طرف الريفيين، اندلعت مواجهات ومعارك قوية بين الجيش المغربي والريفيين، عرفت قصفا جويا وضع حدا للانتفاضة الريفية، خلف العديد من الضحايا، لم يتم تحديد عددهم إلى الآن.
كل ذلك من أجل وضع حد لكل الميولات نحو الاستقلال عن الملكية، وتجسيد هذه الأخيرة لخيارها السياسي والإيديولوجي داخل المجتمع المغربي.(4)
أسس الملك محمد بن يوسف، جمعية وطنية استشارية تتكون من 78 عضوا، ضمت أعضاء الحركة الوطنية بما فيهم التنظيم القوي حزب الاستقلال تفاديا لمواجهته، ومن ثمة العمل على بلورة القواعد الدستورية والقانونية، توج ذلك بتشكيل حكومة عبد الله إبراهيم، لوضع النصوص القانونية بما يتلاءم ودور الملكية التقليدية، وتحديد الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية، من خلال تصريف مشاريع لإنجازها، وبالتالي بناء الذات الوطنية للمغرب المستقل.(5)
كل ذلك حدث في ظل التناقضات التي تعتمل وسط الساحة الوطنية سياسيا وإيديولوجيا، انشقاق الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ذي التوجه اليساري الجذري عن حزب الاستقلال، وللقصر قسط في حدوث ذلك. ليأخذ الصراع مسارا آخر كما يؤكد الدكتور عبد الله ساعف "الهاجس الذي كان يحرك الأطراف المتصارعة بما فيهم الدولة هو السيطرة على المجتمع، والتحكم في الأدوات القمعية والإيديولوجية، وطرح بدائل مجتمعية متناقضة".
هذا الصراع المحتدم، دفع الملكية إلى التفكير في وضع دستور، يؤطر وينظم الحياة السياسية والعلاقات بين الحاكمين والمحكومين، ويحدد اختصاصات السلط، لكنه لم يتقدم نظرا لمقاطعة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية لمجلس الدستور المشكل من قبل الملك، ومطالبته بانتخاب جمعية تأسيسية تشرف على وضع الدستور.
إقالة حكومة عبد الله إبراهيم، تعني وضع حد لحكومة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وبالتالي وضع حد لنهاية مشاريعها، الأمر الذي اعتبر آخر مسمار يدق في نعش العلاقة بين القصر والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وبالتالي حدوث تطور في الصراع خاصة بعد اعتلاء الحسن الثاني سدة الحكم.(6)
: 1960-1974التصور الذي تبناه محمد بن يوسف للملكية، لم يكن نفس التصور الذي جسده الحسن الثاني بعد وصوله الحكم، إذ سعى إلى إصباغ الطابع الامتيازي للملكية داخل الحقل السياسي المغربي(7)
وعمل على تكييفها وآليات الديمقراطية، مع الحفاظ على جوهرها، في أن يسود الملك ويحكم، بعد التصفيات التي قام بها ضد قادة جيش التحرير وعناصره، وهجومه الشرس، على المناطق المنتفضة، جعل القصر سيدا بدون منازع في الساحة السياسية.(8)
دخول مرحلة الستينات، تميز بصراعات سياسية حادة، وأحداث دموية، هزت الاستقرار السياسي للمغرب الحديث، وحتى الحكومات الأربعة الأولى لم تتمكن من القضاء على تلك الاهتزازات، لكون تلك الصراعات. كما اعتبرها الدكتور عبد الله ساعف " لم تسايرها مبادرات اجتماعية واقتصادية، ولم تكن فيها إنجازات مهمة ".(9)
ما أسفرت عنه التجربة السياسية للحسن الثاني في بدابة حكمه العمل على وضع قواعد مكتوبة تكون بمثابة دستور، يشرعن لإيديولوجية النظام الملكي، ومركزة السلطة في يد الملك بشكل مطلق، دستور 1962 حزب الاستقلال اختار مؤازرة الملك، والتصويت بنعم على الدستور الممنوح، في حين أثار اعتراضات قوية على مضامنيه وأسلوب وضعه من قبل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وتنظيم هذا الأخير لحملة دعاية من أجل مقاطعة الاستفتاء حوله، وبالتالي فتح خط المواجهة مع القصر.(10)
نظمت أول انتخابات تشريعية سنة 1963، التي أعطت الفوز لحزب " الفديك" الذي تأسس حديثا بعد أن لعبت وزارة الداخلية دورا كبيرا في حسم النتائج، ووضع الخريطة السياسية الجديدة، وإصدار الاتحاد الوطني للقوات الشعبية مواقف تقول بأن العملية الانتخابية شابها التزوير، وجعل ذلك باعثا على اتخاذ موقف المقاطعة في الانتخابات الجماعية، الأمر الذي دفع النظام إلى اللجوء إلى شن حملة عنف كرد فعل عن التهمة الموجهة إليه من النظام في كونه حضر لمؤامرة الإطاحة به. وبالتالي تعليق المسلسل الديمقراطي، وتفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد.
أمام تصدع " الفديك " في مهمتها المتمثلة في مساندة السياسة الحكومية، ومن جهة ثانية فشل السياسات الاقتصادية والاجتماعية المتبعة، وضرب مصداقية شعارات بداية الاستقلال المتمثل في تكريس مجتمع العدالة والرفاه.
جاء رد فعل الشارع المغربي في مظاهرة 23 مارس 1965 بالبيضاء، ليجسد أول مواجهة بين الحكم والشارع، كان عنوانها العريض، العنف الدموي، 1525 دفنوا بالقرب من مطار محمد الخامس حسب تصريحات أحمد البخاري عميل المخابرات السابق.(7)
غليان الشارع المغربي في البيضاء 1965، والمعارضة البرلمانية لحزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وتقديمهما لملتمس الرقابة، دفع الحكم إلى الإعلان عن حالة الاستثناء طبقا للفصل 35 من الدستور، وإرفاقها بحل مؤسسة البرلمان، كل ذلك جعل ملك البلاد يعترف بـ " أزمة حكم وسلطة " زاد من تعميق الأزمة بالبلاد اغتيال زعيم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية المهدي بنبركة بأيادي داخلية وخارجية، الشيء الذي أدى إلى الشلل والجمود في الحياة السياسية بالمغرب.
فرض حالة الاستثناء، أدى إلى تعطيل جل المؤسسات، وتكثيف الأجهزة القمعية لاستبدادها وظلمها، الاعتقالات والمحاكمات (1969-1970)، وتكريس الجمود السياسي، سرعان ما يستأنف بسلسلة مظاهرات جديدة للعمال والفلاحين كانتفاضة أولاد خليفة بمنطقة الغرب 1970، واستعمال الأجهزة العسكرية والأمنية، للرصاص الحي الذي خلف العديد من الضحايا.(10)
كما لعبت الأحداث الدولية، الهزيمة العربية 1967 ضد إسرائيل وخروج مظاهرات الطلبة في فرنسا 1968دورا في إذكاء التساؤلات والإشكالات حول جدوى السياسات المتبعة داخل النخب اليسارية، فتشكلت تنظيمات ماركسية لينينية، تتبنى الثورة وإحداث القطيعة مع النظام، 23 مارس تأسست 1970 من مناضلين خرجوا من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية عرفت في البداية بمنظمة (ب)، وإلى الأمام المكونة من مناضلين انشقوا عن حزب التحرر والاشتراكية وتأسست في غشت 1970 عرفت في البداية بمنظمة (أ)، واعتمد في قاعدتهما على القطاع المتعلم، والتحرك بسرية تنظيما، مما أربك الزمن السياسي للدولة، لتدخل هذه الأخيرة في سلسلة من الاعتقالات ومنطق القمع والتعذيب وتنظيم المحاكمات لاستنزاف قواهما وكوادرهما.
هذا التنامي والتطور السياسي والاجتماعي واحتداده استطاع أن يصدع أجهزة الجيش، للقيام بمحاولتين انقلابيتين، كتعبير عن امتداد الصراع داخل المجتمع المغربي.
وبهدف تحريك الوضع السياسي والاقتصادي العام بمجموع البلاد، وإنعاش قنوات الحوار والتواصل مع المؤسسة الملكية، واتخاذ إجراءات سياسية واقتصادية واجتماعية جذرية تنقذ البلاد من وضعها المأزوم، بعد إقصاء الرموز العسكرية والأمنية الشديدة المعارضة لقوى الحركة الوطنية، خرج تنظيم سري للفقيه البصري يهدف شن ثورة عارمة على غرار ما كان سائدا في بلدان العالم الثالث، التي تناضل ضد الإمبريالية والاستعمار والصهيونية، والرجعية المرتبطة بهدف القوى، وقعت أحداث دار مولاي بوعزة بإقليم خنيفرة 1973 بمبادرة تنظيم الفقيه البصري البلانكي، لتواجه بحزم من قبل الدولة، وشن مصالح الأمن والجيش لحملة على المنطقة، بالمداهمة ونزع الممتلكات والتعذيب والاعتقال وإجراء محاكمات، إدانة الانتماء إلى تنظيم 3 مارس 1973 تراوحت بين السجن والإعدام.(11)
بعد استنفاد شعارات المرحلة لإمكانياتها، واحتداد الصراع السياسي، منذ وضع دستور 1962، واعتبار حالة الاستثناء أزمة سياسية داخل المرحلة، فرضت على الحكم إعادة إدماج الحركة الوطنية في اللعبة السياسية ابتداء من دستور 1972، وخطوة إعادة الإدماج لن تأخذ مداها إلا سنة 1974 مع " الإجماع الوطني". (12)
1-1-2حسم الصراع حول السلطة السياسيةبوادر حسم السلطة السياسية بإقالة حكومة عبد الله إبراهيم 1961، واستئثار الملك بالسلطة التأسيسية في وضع دستور 1962، بدل وضعه من قبل مجلس تأسيسي منتخب كما كانت تطالب الحركة الوطنية، ستجد هذه الأخيرة نفسها عاجزة عن أي رد فعل تجاه احتداد منهجية القمع، ومن ثمة حدوث أزمة سياسية بعد مقاطعة دستور 1970 والبرلمان الناجم عن انتخابات 1970، ستعرف نهايتها بعد التعديل الدستوري لسنة 1972، وبلورة انفراج وإدماج الحركة الوطنية من جديد في اللعبة السياسية، بعد طرح مفهوم الإجماع الوطني عام 1974، واحتداد الصراع الاجتماعي والاقتصادي، وأخذه لأبعاد هيكلية وبنيوية، تدفع في اتجاه حل الأزمة من خلال مفاتيح الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بإجراءات مسطرية وقانونيةـ تروم بناء دولة المؤسسات المشروعة ودولة الحق والقانون لتحقيق الديمقراطية.
انطلاقا من ذلك سنعمل على تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين، كل واحد يؤطر لمرحلة ويؤرخ لظروفها وأبعادها.
1974 – 1990
الظرفية السياسة لبداية السبعينات، تميزت بإدماج الحكم للمعارضة في اللعبة السياسية، بعد قبول قواعد اللعبة، كما يحددها الحكم " الاعتراف بالقواعد الشكلية، كقدسية الملكية والإسلام، والقواعد غير المكتوبة كالإجماع حول الثوابت وتحديد الاختيارات الوطنية… من خلال تأكيد الهوية الوطنية والقومية، قضية الصحراء 1974، وبعث كثيبة جنود مغاربة إلى الجولان 1973، أدت إلى تمثين الجبهة الداخلية، وما تطلبه من مستلزمات، يتدخل فيها الإيديولوجي عبر ما يسمى الإجماع الوطني " والاقتصادي عبر ما يسمى "بالمغربة " والانكباب على تصريفه سياسيا عبر ما يسمى " بالمسلسل الديمقراطي". (13)
الانتخابات التشريعية لسنة 1977، شاركت فيها كل أحزاب الحركة الوطنية، واعتبرها الأستاذان عبد الرحمان القادري وخالد الناصري تفتقد للطابع التنافسي، أولا لعدم نشر نتائجها، وثانيا عدم نزاهتها. كما وضح خالد الناصري أن الانتخابات في المغرب تلعب دورا في إضفاء المشروعية على توزيع سابق وضعه الجهاز الإداري الذي لا يحترم حرية الانتخاب وإرادة الناخبين. (14)
هذه الانتخابات سجلت حدا أدنى من الإدماج السياسي، وإصلاح الوضع دون المس بجوهر السلطة السياسية، التي استطاعت التكيف مع المحيط الداخلي والخارجي، وإعطاءها قيمة مركزية لميزان القوى بالشكل الذي يخدم أهداف ومصالح الحكم، بدءا بتلجيم كل الميولات الشعبية.
انتفاضة الخبز بالبيضاء 1981: بعد دعوة الكونفدرالية الديموقراطية للشغل إلى إضراب عام عم أغلب أحياء البيضاء، وتدخلت قوى الجيش والشرطة، وثم إحصاء ما لا يقل عن 600 قتيل، وعدة اعتقالات ووصلها بالمحاكمات.(15)
زاد من احتدام الصراع الاجتماعي، قبول المغرب بإعادة جدولة ديونه، وإقرار برنامج التقويم الهيكلي الذي يمتد من 1983 إلى 1993، ودفع الشعب المغربي لكلفته ماليا واقتصاديا واجتماعيا. ليخرج هذا الشعب عن صمته في مظاهرات بمدينة مراكش ومدن الشمال 1984، لم تخرج في مستوى قمعها عن انتفاضتي البيضاء 1965 و 1981 من حيث الاعتقالات الواسعة وإجراء المحاكمات(9).
أمام الثقل الذي يتحمله كاهل الشعب المغربي الناتج عن السياسات الاقتصادية والاجتماعية المنتجة للأزمة، لم يبق أمامه إلا معاودة الخروج إلى الشارع في بداية التسعينات وبالضبط 14 دجنبر 1990، استجابة منه لدعوة نقابتي الكنفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب، في مدن فاس وطنجة وغيرها .. عرفت مدينة فاس مواجهات عنيفة إثر تدخل الجيش وتجاوز الأحداث لرجال الشرطة، واستعمال الآليات العسكرية الثقيلة من مثل المدافع الرشاشة، خلفت 100 قتيل و 1000 معتقل صدرت في حقهم أحكام قاسية.(10)
هذه المظاهرات الزاخمة خلال فترة الثمانينات وبداية التسعينات، أعطت مؤشر دفع المعارضة البرلمانية إلى تنظيم نفسها، ومساندة الشعب الفلسطيني والتضامن مع الشعب العراقي. ساهم في ذلك انهيار نظام القطبية الثنائية، والمبادرة بمطالب الإصلاح السياسي والإداري والقضائي مكن أجل تعبيد الطريق دولة الحق والقانون كمدخل للديمقراطية.

: مرحلة 1990 إلى 1999
التحولات السياسية والجيوستراتيجية على المستوى العالمي، بنهاية نظام القطبية الثنائية والضغط الاجتماعي المتزايد للشعب المغربي، وتنظيم المعارضة البرلمانية، وتهيكل المجتمع المدني، طغت المطالبة بالديمقراطية، وإحداث إصلاح سياسي وإداري وقضائي يواكب تيار العولمة الزاحف.
جعل النظام يقدم على تأسيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وجعله شرطا لإجراء قطائع مع ثقل الموروث الثقافي والمجتمعي، والإعفاء عن مجموعة من المعتقلين السياسيين سنة 1991. بروز الكتلة الديمقراطية، وتقديمها للمذكرة الأولى قبل وضع دستور 1992، الذي رفضته، باستثناء حزب التقدم والاشتراكية، وأعلن في ديباجة الدستور عن تشبث المغرب بحقوق الإنسان كما هو متعارف عليه عالميا، تلاه الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين والعفو عن المنفيين، ومؤسسيا إحداث وزارة حقوق الإنسان، وتنصيب المجلس الدستوري كآلية ديمقراطية للمراقبة الدستورية بما فيها القوانين الانتخابية.(16)
هذه الخطوات خلقت انفتاحا سياسيا بين الحكم والمعارضة، بهدف توسيع المشاركة السياسية، وإرساء هيئات قارة لتنظيم الحوار وتعميق دراسة القضايا الكبرى المطروحة على البلاد، واقتراح السياسات والتدابير حول سبل معالجتها، الأمر الذي دفع الكتلة الديمقراطية إلى تقديم المذكرة الثانية للمطالبة بضرورة الإصلاح السياسي والدستوري، شكلت مدخلا لبروز مفهوم "التوافق" كشعار جديد يجمع بين الحكم والمعارضة البرلمانية، في تأطير الحقبة السياسية المقبلة.
انفرد الحكم بوضع دستور جديد سنة 1996، قبلته المعارضة البرلمانية -باستثناء- منظمة العمل الديمقراطي الشعبي - لتدخل في مسلسلات " الحوار الاجتماعي " وآخر للحوار السياسي، أدى كل منهما إلى تصريح مشترك، الأول بين الحكومة والباطرونا والنقابات، والثاني بين الحكومة والأحزاب السياسية، يدفع الأول في اتجاه ضمان سلم اجتماعي، والثاني " للتوافق" حول اللعبة السياسية، من خلال التراضي حول القوانين المؤطرة للعملية الانتخابية. (17)
وبالتالي التحول في طبيعة المعارضة السياسية بالمغرب، إذ لم تعد هناك معارضة الحكم بل أضحت معارضة صرفة للحكومة.
فهل نجحت سياسة التوافق فيما فشلت سياسة "الوحدة الوطنية" والإجماع الوطني ؟
هذه الدينامية الحاصلة في المشهد السياسي المغربي، شكلت طفرة نوعية في مجال الإصلاح السياسي والدستوري، بإثباتها لإرادة سياسية قادرة على تحصين المكاسب والمنجزات، وتحويلها إلى نقط ارتكاز صانعة لآفاق قادرة على مقاومة الممانعات والضغوط المضادة للإرادة القائمة في ميدان الإصلاح، بتشكيل حكومة التناوب التوافقي المنبثقة عن نتائج الانتخابات التشريعية لسنة 1997 بقيادة عبد الرحمان اليوسفي.
حكومة التناوب التوافقي استطاعت أن تحدث تطورا إيجابيا لمؤسسة الحكومة مغايرة لحكومات عقد الستينات والسبعينات والثمانيات، بتحقيق نجاعة البرامج والسياسات العمومية عبر تخليق الحياة العامة، كمقوم للحكامة الجيدة، وتثبيت الشجاعة والجرأة في طرح أولويات الإصلاح. وفتح أوراشه المركبة، بدءا بتشجيع الاستثمار وخلق فرص العمل وتقليص العدد المهول للبطالة في حدود دنيا، مرورا بتكريس المساواة بين الرجل والمرأة في إطار الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، وقوفا عند إصلاح المنظومة التعليمية والإدارية والقضائية. بالإضافة إلى المساهمة الفعالة في تعزيز استقرار البلاد وأمنها، وضمان انتقال الحكم في ظروف سلسة بعيدا عن كل الهزات والتوترات التي عرفها تاريخ انتقال الحكم في المغرب، والعمل إلى جانب الملك الجديد في بلورة العديد من النصوص والقواعد القانونية الهادفة إلى تحصين الحياة السياسية (مشروع مدونة الأحزاب ، مشروع القانون الانتخابي)، والاقتصادية (مشروع قانون الاستثمار)، والاجتماعية (مشروع مدونة التغطية الصحية، مشروع مدونة الأسرة..).(18)

إذن حكومة التناوب استطاعت وضع التوجه الحازم نحو المستقبل، وتقعيد الخيار الديمقراطي المعبر عن المصلحة العليا للأمة، في تجاوب مع الإجماع الوطني، كالاعتراف بتاريخ الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في المغرب المستقل، وتأسيس هيئة التعويض المستقلة إلى جانب المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان من أجل الوقوف على سنوات الرصاص وتجاوزها عبر جبر الضرر للضحايا، وفتح الطريق نحو التأصيل الدستوري لحقوق الإنسان كما هو متعارف عليه عالميا، ومن خلال الاستفادة من التجارب التي عرفتها شعوب العالم، بهدف خلق مجتمع ديمقراطي تسوده الحرية والعدالة والحق.
انطلاقا من الخصوصية على مستوى حقوق الإنسان، التي وشمت التاريخ الحديث للمغرب المستقل، وتفاعلات الصراع السياسي، حول ترسيخ مبادئ حقوق الإنسان لما تحمله من رمزية عالمية، بهدف بناء مجتمع مغربي ديمقراطي بشقيه السياسي والشق الاقتصادي والاجتماعي، إلى الإيمان بالفكر الحقوقي عبر إطارات جماهيرية تناضل من أجل إعمال مبادئ حقوق الإنسان، واحترامها، وضمانها، وسيادتها لبناء مجتمع العدالة والحق، شكل أداة ضغط على الدولة، التي مافتئت تسرع إلى إحداث مؤسسات وطنية لحقوق الإنسان، تمثل صمام أمان للمجتمع المغربي، ودرع واقي ينظم العلاقات الاجتماعية.
II- الممارسة المغربية للعدالة الانتقالية:
1- تجربة هيئة الإنصاف والمصالحةساهمت المتغيرات التي شهدها المغرب منذ مطلع السبعينات في إعادة فتح ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وبلورة مقاربات جديدة مختلفة للتعاطي مع هذا الملف، كما شكل هذا الملف إحدى أهم عناوين المرحلة الحالية، ولم تكن عملية الإعلان عن تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة في يناير 2004 منفصلة عن صيرورة التدابير السياسية والمؤسساتية التي عرفتها البلاد منذ مطلع السبعينات، وتجلت أهم معالمها كما ذكرنا سابقا في القسم الأول: إحداث المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في 1990
 إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعودة المنفيين في غشت 1991 ويوليوز 1993.
 التنصيص في ديباجة دستور 1992 المعدل في 1996 على التزام المغرب بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا.
 إحداث المحاكم الإدارية في 1993.
 إحداث وزارة مكلفة بحقوق الإنسان.
 إحداث المجلس الاستشاري لتتبع الحوار الاجتماعي في 1994.
 إحداث اللجنة المتنقلة للتحكيم في قضايا التعويض سنة 1999.
 إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (
IRCam ) سنة 2001.
 إحداث مؤسسة ديوان المظالم في دجنبر 2001 كوسيط بين المواطنين والإدارة لمعالجة شكاياتهم وتظلماتهم.
 اعتماد إجراء التمييز الإيجابي لفائدة النساء خلال الانتخابات التشريعية في شتنبر 2002 عبر اللجوء إلى لائحة وطنية.
 إصلاح مدونة الأحوال الشخصية وإصدار قانون للأسرة في أكتوبر 2003.
 إحداث المجلس الأعلى للسمعي البصري 2003.

 رفع التحفظات عن اتفاقية التعذيب.
هاته الأحداث اعتبرها البعض بوادر لبداية الانتقال الديمقراطي، وشكك فيها البعض الآخر واعتبرها محاولة تجديد استمرارية نظام سياسي شكل شرخا بينه وبين المجتمع من خلال مساهمته في تراكمات سلبية، ومن خلال فشله في تكريس سياسات عمومية معقلنة والبعض الآخر اعتبرها انفتاحا سياسيا يتطلب إرادة حقيقة من أجل الانتقال إلى الديمقراطية، لأن الديمقراطية أولا وأخيرا هي ترسيخ ثقافة المشاركة وثقافة الاختلاف، ولن يتأتى هذا بدون إصلاح العقليات والبنيات الفكرية أولا، ومأسسة المؤسسات ودمقرطتها ثانيا. وهذان الأمران يتطلبان إرادة سياسية حقيقية لدى المسؤولين من جهة، وإرادة شعبية تحمل في ثناياها ثقافة الممانعة والتضحية لدى المثقفين وكل من يحمل هموم هذا الوطن الجريحة والثقيلة سواء من يشتغل في الحقل المدني أو الأكاديمي أو الحزبي.
إن الحديث عن الانفتاح السياسي أمر إيجابي، لكن هذا الانفتاح يقتضي وجود آليات وتعاقدات حقيقية بين جميع الأطراف، لأن الانفتاح المحكوم بتقنية المناورة هو نكسة يمكن أن تؤدي إلى تراجعات كارثية، أما الانفتاح أو الانتقال الممأسس والمعقلن والمبني على ميثاق تعاقدي، فيمكن أن يعطينا درجة للمشاركة وثقة بين جميع الأطراف، وهذا هو المدخل الأساسي للتأسيس لفضاء التراضي، وبالتالي الانتقال إلى الديمقراطية الحقيقية التي نتطلع إليها جميعا.(19)
مما سبق نستنتج أن هيئة الإنصاف والمصالحة جاءت في مختلف هاته السياقات السياسية (20)والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتي تندرج ضمن ما هو متعارف عليه اليوم بلجان الحقيقة والمصالحة عبر العالم والتي يتم إحداثها في سياق ما يسمى بالعدالة الانتقالية، ومفهوم لجنة الحقيقة يحيل على هيئات لها مميزات خاصة.(21) 

وتهتم بدراسة الماضي أو الوقوف على الخروقات المرتكبة خلال مرحلة زمنية معينة، ومنحها الأولوية لمطالب الضحايا، لتخلص في النهاية لتقديم تقرير ختامي يتضمن التوصيات والخلاصات.
ومجال العدالة الانتقالية المناسب في سياق معين للمجتمعات التي تعرف تحولا سياسيا من الاستبداد إلى الديمقراطية عرف ثلاث أنواع من اللجان: 

 لجنة الحقيقة واللجان التاريخية وهيئات تقصي الحقائق ولجان التحقيق
اللجان التاريخية أسستها بعض البلدان كصيغة للتحقيق في الأخطاء الجسيمة للدولة التي وقعت وانتهت منذ سنوات وعقود، هذه اللجان لا تعد جزءا من الانتقال السياسي، إذ لا تكون لها صلة بالقيادة السياسية أو الممارسات السياسية بقدر ما تهتم بكشف الحقائق التاريخية، والقيام بتقدير الضحايا غير المعترف بهم سابقا أو يخلفهم من حيث كونها مؤقتة وتعمل لمدة سنتين وموافقا عليها رسميا، وهي هيئة غير قضائية وتتمتع بالاستقلال القانوني، وغالبا ما يتم تشكيلها في مراحل الانتقال السياسي، وقد تأسس منذ 1974 وحتى الآن ما يزيد عن 25 لجنة حقيقية رسمية في العالم ، هيئات تقصي الحقائق، هيئات تعمل على مراقبة انتهاكات حقوق الإنسان وتحقق فيها، وتعد التقارير حولها، وتتضمن آليات الأمم المتحدة المختلفة والآليات الإقليمية الموازية لتقصي الحقائق عن سلطة أنظمة حقوق الإنسان التابعة لمنظمة الوحدة الإفريقية (سابقا) أو الاتحاد الأوربي.
ولجان التحقيق هي هيئات مكتملة الشكل والمضمون، وسهلة التكوين بالمقارنة مع لجنة الحقيقة، وتباشر لجان الحقيقة العديد من التحقيقات الرسمية وغير الرسمية. وقد تتكون بمجرد مشروع حكومي، وهي مبادرة سابقة عن إنشاء لجنة الحقيقة لأنها لجنة مقدمة للنداءات من أجل تحقيق وطني أكثر استقلال رغم محدودية نطاق مهامها، في عدم رسم صورة غير مشكلة عن الماضي.

أما لجنة الحقيقة فتعمل على وضع سجل دقيق ومفصل ورسمي لأحداث الماضي، وجمع أكبر قدر من المعطيات والوثائق وتعد كأدلة لتوجيه الاتهام والمحاسبة وإعادة الاعتبار للضحايا عبر جبر الضرر وإعادة الثقة لأفراد المجتمع لضرب التمزق الاجتماعي والإنساني الذي خلفته انتهاكات الماضي، ومواكبة ذلك باقتراح الإصلاح القانوني والسياسي والمؤسساتي.
انطلاقا مما سبق يطرح التساؤل التالي: هل تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة تعتبر نموذجا مماثلا لتجارب العدالة الانتقالية التي عرفها العالم عبر لجان الحقيقة؟ هذا ما سأتطرق إليه لاحقا.
لدراسة هاته التجربة بدقة وعمق يتطلب منا أولا تحديد أسباب إنشائها، وثانيا ذكر مهامها الرئيسية وأهدافها وطريقة اشتغالها، وثالثا إبراز خلاصاتها الرئيسية وأقصد تقريرها الختامي، من خلال تحديد خطوطه العريضة ومعالجة أهم توصياته، وسنعالج هاته النقط من خلال مبحثين: المبحث الأول سوف أبين فيه مكونات الهيئة (التوصية، نظامها الداخلي، نقد التوصية، أعضائها) هذا بالنسبة للمطلب الأول) والمطلب الثاني سأوضح فيه (أهدافها، لجانها، طريقة اشتغالها).
أما النقطة الثانية فسأتطرق فيه للخطوط العريضة للتقرير وأهم توصياته، مع العلم أن ردود فعل مختلف الفاعلين الحقوقيين بالأخص سوف تبقى حاضرة في تحليلي لمختلف الوقائع. 

2- قراءة في تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة
تأسست منذ 1974 وحتى الآن ما يزيد عن 25 لجنة حقيقية رسمية في العالم وإن كانت بمسميات شتى، فهي تعتبر الآلية الأكثر انتشارا والأكثر تطبيقا،واتصالا نظريا وعمليا بالعدالة الانتقالية. وكما تم التأكيد سابقا فإن لجان الحقيقة هي هيئات غير قضائية. تتمتع بنوع من الاستقلال القانوني، ويتم تشكيلها غالبا في مرحلة من مراحل الانتقال السياسي. وتركز على الماضي بالتحقيق حول نماذج من الانتهاكات الخاصة المرتكبة خلال مدة من الزمن، وليس حول حدث خاص بعينه، وتعطي الأولوية لحاجيات الضحايا. كما تنهي عملها بتقديم تقرير نهائي يتضمن الاستنتاجات والتوصيات، يحظى التقرير الختامي بأهمية بالغة، باعتباره حصيلة عمل تلك اللجنة من جهة، ومن جهة أخرى باعتبار أن تقرير لجان الحقيقة يتضمن توصيات على ضوء أعمال تلك اللجنة.(20)
المغرب بدوره حظي لديه تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة بأهمية بالغة بالنظر إلى أنه كان محصلة لعمل الهيئة بالإضافة إلى التوصيات. شكل حدثا سياسيا وإعلاميا بالنظر إلى غناه، ترى ما هي الخطوط العريضة للتقرير؟ (المطلب الأول). وما هي أهم التوصيات التي تضمنها هذا التقرير؟ مع استحضار ردود الفعل دائما أثناء التطرق (للمطلب الثاني) بشكل خاص والمبحث ككل بشكل عام.
2-1 الخطوط العريضة للتقرير
تضمن التقرير العديد من النقط:
أولا: تضمن حصيلة اشتغال الهيئة فيما يخص التحريات الميدانية والبحث الوثائقي
ثانيا: المعيقات التي واجهت عمل الهيئة أثناء البحث عن الحقيقة
ثالثا: مسألة جبر الضرر والتأهيل الصحي
رابعا: التوصيات

أولا: حصيلة اشتغال هيئة الإنصاف والمصالحة
أكد التقرير على أن هيئة الإنصاف والمصالحة اشتغلت فترة زمنية تعد هي الأطول مقارنة مع تجارب أخرى من العالم 43 سنة، وأكد على أن هاته الانتهاكات الجسيمة المسجلة على امتداد هذه الفترة، كان نتيجة أزمات عنف سياسي ذات طبيعة متعددة شارك فيها فاعلون دولتيون وغير دولتيين.
قصد الاستماع إلى الضحايا وتحديد مطالبهم، وشرح مقاربة هيئة الإنصاف والمصالحة والتسوية المتبعة لهذا الملف.(21)
كما باشرت في إطار جلسات مغلقة الاستماع إلى شهود قضوا فترات إلى جانب ضحايا لم يحدد مصيرهم، ونظمت زيارات معاينه لمراكز الاحتجاز. واستمعت إلى أشخاص أشرفوا سابقا على حراسة تلك المراكز.
أما فيما يخص البحث الوثائقي. ودراسة السجلات والوثائق، فقد قامت هيئة الإنصاف والمصالحة بتجميع وتحليل المعطيات المحصلة من مختلف المصادر المتداولة وطنيا ودوليا (لوائح، تقارير). لوائح المنظمات الحقوقية الوطنية، لائحة منظمة العفو الدولية، وثائق الفريق الاممي المعني بالاختفاء القسري، كما قامت بدراسة أجوبة الأجهزة الأمنية، والقوات المسلحة الملكية، والوثائق المتوفرة لدى اللجنة الدولية للصليب الأحمر بخصوص المفقودين على إثر النزاع المسلح بالأقاليم الجنوبية وقد أفضى عمل هيئة الإنصاف والمصالحة المتعلق بالاستماع وإجراء التقاطعات ودراسة الأجوبة التي تلقتها من السلطات العمومية إلى النتائج التالية:
- اكتشاف وتحديد هوية 11 شخصا توفوا على إثر مواجهات مسلحة والوقوف على أماكن دفنهم فمنهم 7 توفوا سنة 1960 (مجموعة بركاتو ومولاي الشافعي) و4 منهم سنة 1964 (مجموعة شيح العرب)
- الانتهاء إلى أن 325 من أسماء بعضهم في عداد مجهولي المصير، قد توفوا على إثر الاحداث الاجتماعية سنوات 1965. 50 وفاة و 1381. 114 وفاة 49 وفاة موزعة كما يلي 13 بتطوان.4 بالقصر الكبير. 1 بطنجة. 12 بالحسيمة، 16 بالناظور ونواحيها. 1 بزايو. و2 ببركان. وباستثناء أحداث الدار البيضاء خلصت إلى أن المتوفين قد تم دفنهم في مقابر عادية، وفي غياب عائلاتهم ودون تدخل من النيابة العامة وبلغ إلى علم الهيئة من مصدر طبي بأن العدد الإجمالي لضحايا أحداث يونيو 1981 بالدار البيضاء قد بلغ 142 حالة
- الانتهاء إلى أن تحديد وفاة 173 شخصا رهن الاعتقال التعسفي والاختفاء في الفترة الممتدة من 1956 إلى 1999 في مراكز اعتقال اكدز بالريش ودار المقري ودرب مولاي علي الشريف وتافيلالت والكوربيس.

- ارتبطت 39 وفاة بالسنوات الأولى للاستقلال في سياق الصراعات بين فاعلين غير دولتيين و14 خلال الستينات وسجل عدد مرتفع خلال السبعينات. حيث بلغت 109 وفاة في حين عرف عقد الثمانينات والتسعينات انخفاظا ملحوظا في عدد الوفيات. 3 حالات في الثمانينات و2 حالات في التسعينات.
- بالنسبة لنزاع في الأقاليم الجنوبية أفضت تحريات الهيئة إلى استجلاء 211 حالة للأشخاص كانوا محسوبين في عداد المختفين وهم كالتالي:
- وفاة 144 شخصا خلال الاشتباكات المسلحة، تم تحديد هوية وأماكن وفاة 40 67 شخصا كانوا محسوبين في عداد المختفين.تبت للهيئة أنهم سلموا للجنة الدولية لصليب الأحمر بتاريخ 31 أكتوبر 1996. مما سبق نستنتج أن الهيئة أكدت على أن عدد الأشخاص الذين تم استجلاء الحقيقة عن مصيرهم بلع 742 شخصا.
 هذا من جهة ومن جهة أخرى أن التحريات التي جرت من طرف الهيئة مكنت من التقدم في مجال الكشف عن الحقيقة، كل هذا دفع بالهيئة إلى الدعوة من الاستفادة من التجربة والعناصر والشهادات والمؤشرات وسبل البحث والتحريات المتراكمة والتي تعتبر جزءا من أرشيف الهيئة، لكن كل هاته التحريات بقيت مثار جدل من قبل الفاعلين الحقوقيين والسياسيين.
ثانيا:المعيقات التي واجهة الهيئة فيما يخص التحريات الميدانية والبحث الوثائقي. أشار التقرير إلى المعيقات والحواجز التي واجهت الهيئة أثناء عملها. وتتمثل في محدودية الشهادات الشفوية وهشاشتها. وللتغلب على ذلك تم اللجوء إلى مصادر مكتوبة.
- أشار كذلك إلى الحالة المزرية التي يوجد عليها الأرشيف الوطني والتعاون غير المتكافئ لبعض الأجهزة، حيث قدم البعض منها أجوبة ناقصة عن ملفات عرضت عليها، كما رفض المسؤولون السابقون المحالون عن التقاعد المساهمة في البحث عن الحقيقة وبالرغم من ذلك أكد التقرير على أن المهام التي أوكلت إلى الهيئة من إطار اختصاصاتها شكلت خطوة مهمة في النهوض بالحق في معرفة الحقيقة من خلال ما ابتدعته من طرق وأشكال. لم تكن معهودة ساهمت في الرفع من مستوى الكشف عن الحقيقة حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي شهدتها بلادنا خلال السنوات السابقة.

ثالثا: جبر الضرر
بالنسبة لجبر الضرر من جهة أشار التقرير إلى الطلبات المعروضة على الهيئة تجاوزت 22 ألف تم فتح 16.861 ملفا بمكتب الهيئة من أجل دراستها واتخاذ مقررات بشأنها.
وقد أصدرت الهيئة مقررات بالتعويض لفائدة 9280 ضحية من بينهم 1895 ضحية صدرت لفائدتهم توصيات إضافية بأشكال أخرى لجبر الضرر الإدماج الاجتماعي، تسوية أوضاع إدارية ووظيفية وعائلية وغيرها… وإصدار توصيات تتعلق بأشكال أخرى لجبر الضرر الجماعي عبر التعويض المادي لفائدة 1499 ضحية، سبق لهم أن استفادوا من تعويضات مالية بموجب مقررات صادرة عن هيئة التحكيم المستقلة للتعويض، هاته المقررات صدرت لفائدة ضحايا الانتهاكات التالية:
 الاختفاء القسري، الاعتقال التعسفي المتبوع أو غير المتبوع بمحاكمة،أو المتبوع بوفاة نتيجة تنفيذ حكم قضائي بالإعدام،
 الوفاة أو الإصابة بالرصاص أو الاعتقال التعسفي خلال أحداث اجتماعية،
 الاغتراب الاضطراري،
 الاغتصاب،
وقد أكد التقرير أن المعايير التي اعتمدها في إصدار المقررات وهي الحرمان من الحرية كمعيار موحد بالنسبة لجميع الضحايا، الأمر الذي ترتب عنه تحديد تعويضات متساوية مع مراعاة المدة التي قضوها في الاختفاء القسري أو الاعتقال التعسفي
وقد اعتبر التقريران الاختفاء القسري يعد انتهاكا مركبا تنتهك بفعله حقوق أساسية متعددة على رأسها الحق في الحياة، أو يشكل تهديدا مستمرا لهذ االحق مع مراعاة ظروف الاعتقال من حيث التعرض لانتهاكات أخرى مرافقة، كالتعذيب والاعتداء وسوء المعاملة والمس بالكرامة.
هذا من جهة أولى، ومن جهة ثانية أشار التقرير إلى مسألة التأهيل الصحي، حيث أن الهيأة بادرت عند إنشائها إلى اتخاذ تدابير لتقديم خدمات صحية للضحايا والتدخل لإسعاف الحالات المستعجلة عبر إنشاء وحدة طبية لمقرها، عمل بها أطباء ومختصون في العلاج النفسي، كما قامت الهيأة بدراسة حول الأوضاع الصحية بعد تشخيص حالات المشتكين من أمراض عضوية. من خلال ملفات الضحايا أو ذوي الحقوق الذين صرحوا أنهم يعانون من أضرار صحية والبالغ عددهم 9992فردا.
وقد مكنت هاته الدراسات من اعتماد التوصيات التالية- تأمين التغطية الصحية الإجبارية الأساسية للضحايا وذوي الحقوق،التحمل الطبي الفوري لفائدة 50 ضحية يعانون من مخلفات صحية خطيرة ومرضية،إنشاء جهاز دائم لتوعية ومساعدة ضحايا الانتهاكات أو سوء المعاملة،
ومن جهة ثالثة، فيما يخص جبر الضرر الجماعي،أوضح التقرير أن الهيأة أولت اهتماما خاصا لجبر الضرر الجماعي من خلال تنظيم ندوات بمختلف المناطق والمدن المتضررة (فكيك ـ الرشيدية- خنيفرة- مراكش…)
وتنظيم منتدى وطني حول جبر الضرر بمشاركة 200 جمعية وخمسين خبيرا وطنيا ودوليا وعقد لقاءات تشاورية مع السلطات العمومية ومع فاعلين في المجتمع المدني،بالإضافة إلى ذلك فإن الهيئة اقترحت عدة مشاريع وبرامج سوسيواقتصادية،أو لما فيه من فائدة لـمجموعة من المدن (الدار البيضاء) ومناطق الريف ومنطقة فكيك، تازمامارت- أكدز والأطلس المتوسط…)
يستنتج مما سبق أنه وفي ظل غياب أرشفة و توثيق ودراسات أكاديمية تتناول مراحل معينة من تاريخ المغرب الراهن فإن عمل الهيئة اتخذ أوجها مختلفة.
وبالرغم مع أن جلسات الاستماع العمومية للضحايا التي تم بتها من طرف وسائل الإعلام ومئات الأشرطة المسجلة أو المحفوظة في أرشيفات الهيئة قد مكنت من توسيع النقاش العمومي حول نصف قرن من التاريخ السياسي للمغرب المستقل،وبالرغم كذلك مع أن الهيئة استخدمت مفهوم الاختفاء القسري خلال أغلب نقاشاتها فإن هناك عدة أنواع من الانتهاكات ظلت رهينة الصمت أو الطابو أو الشائعات. وهو ما يفسر محدودية عمل الهيئة في إقرار الحقيقة في نظر متتبعي الشأن الحقوقي بالمغرب.  

 فهل التوصيات عكست كل هاته الأشياء أم أنها ذهبت في نفس المسار؟  

 هذا ما سنتطرق إليه في المطلب الثاني.  

 رابعا:
خلاصات وتوصيات التقرير
أكد التقرير على أنه لضمان عدم تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ببلادنا ومن أجل توطيد مسلسل الإصلاحات الجارية قدمت الهيئة مجموعة من التوصيات تتعلق بالإصلاحات المؤسسة،وباستراتيجية وطنية لمناهضة الإفلات من العقاب، وبتتبع تنفيذ التوصيات.
وقد اختلفت مضامين التوصيات، منها ما يرتبط بإستراتيجية وطنية لمناهضة التعذيب ومنها ما هو متعلق بالسياسة الجنائية.
وبالنسبة للتوصيات المتعلقة بالمجال الدستوري أوصت الهيئة بدعم التأصيل الدستوري لحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا. وذلك عبر ترسيخ القانون الدولي على القانون الوطني، وقرينة البراءة في محاكمة عادلة، كما أوصت بتعزيز مبدأ فصل السلطة وبمنع الدستور لكل تدخل من طرف السلطة التنفيذية في تنظيم وسير السلطة القضائية، وأوصت الهيئة بالتنصيص الدستوري الصريح لفحوى الحريات والحقوق الأساسية، مثل حريات التنقل والتظاهر والتنظيم النقابي والسياسي والتجمع والإضراب وسرية المراسلات وحرمة المسكن واحترام الحياة الخاصة.
كما أوصت الهيئة بتقوية المراقبة الدستورية للقوانين والمراسيم التنظيمية المستقلة الصادرة عن الجهاز التنفيذي مع التنصيص دستوريا على الحق بالدفع استثناء بلادستورية قانون من القوانين مع الإحالة على المجلس الدستوري للفصل فيه.
بالإضافة إلى ذلك أوصت الهيئة بتحريم الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي والإبادة والجرائم الأخرى ضد الإنسانية، والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو العقوبة القاسية أو اللانسانية أو الحاطة أو المهينة، وكذا منع كل أشكال التمييز المحرمة دوليا وكل دعوة أو تحريض على العنصرية والكراهية والعنف.
أما بالنسبة لتوصية إقرار وتطبيق استراتيجية وطنية لمناهضة الإفلات من العقاب دعت هيئة الإنصاف والمصالحة بناءا على النتائج الواردة في تقريرها الختامي إلى وضع استراتيجية وطنية متكاملة مندمجة ومتعددة الأطراف في هذا المجال، كما دعت إلى وضع وتطبيق سياسات عمومية في قطاع العدل والأمن وحفظ النظام والتربية والتكوين المستمر بمشاركة فاعلة للمجتمع برمته.
كما اعتبرت هيئة الإنصاف والمصالحة أن هذه الاستراتيجية، يجب أن تستند إلى قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان بملاءمة التشريع الوطني الجنائي والالتزامات الدولية للمغرب. كما أكدت هيئة الإنصاف والمصالحة أن توطيد دولة الحق والقانون يتطلب إضافة إلى ذلك إصلاحات في مجالات الأمن والعدالة والتشريع والسياسة الجنائية، وعلى ضوء ذلك أوصت بالحكامة الأمنية التي تتطلب تأهيل وتوضيح ونشر الإطار القانوني والنصوص التنظيمية المتعلقة بصلاحيات وتنظيم مسلسل اتخاذ القرار الأمني وطرق التدخل أثناء العمليات وأنظمة المراقبة، وتقييم عمل الأجهزة الاستخباراتية والسلطات الإدارية المكلفة بحفظ النظام أو تلك التي لها سلطة استعمال القوة العمومية. هذا من جهة.

من جهة ثانية دعت إلى تقوية استقلال القضاء،التي تتطلب فصلا عن التوصيات ذات الطابع الدستوري مراجعة النظام الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء بواسطة قانون تنظيمي يراجع تشكيلته ووظيفته بما يضمن تمثيلية أطراف غير قضائية داخله.
ثالثا دعت إلى إعادة تأهيل السياسة والتشريع الجنائيين، التي تقتضي تقوية الضمانات القانونية والمسطرية ضد انتهاكات حقوق الإنسان، وتفعيل توصيات الندوة الوطنية حول السياسة الجنائية المنعقدة بمكناس سنة 2004، وإدراج الحريات والحقوق الأساسية التي تتضمنها مثل:
حريات التنقل والتظاهر والتنظيم الجماعي النقابي والسياسي والإضراب، حرية المراسلات وحرمة المسكن واحترام الحياة الخاصة.
كما أوصت الهيئة كذلك بتقوية المراقبة الدستورية للقوانين والمراسيم التنظيمية الصادرة عن الجهاز التنفيذي، مع التنصيص دستوريا على الحق في الدفع بلادستورية قانون من القوانين، مع الإحالة على المجلس الدستوري للفصل فيه.
بالإضافة إلى ذلك أوصت الهيئة بتحريم الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي والإبادة والجرائم الأخرى ضد الإنسانية، والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو العقوبة القاسية أو اللانسانية أو الإحاطة .بالكرامة أو المهنية، وكذا منع كل أشكال التمييز
في الأخير يمكن القول انه بمعالجتنا في هذا الفصل لتجربة هيئة الإنصاف والمصالحة، إنها تجربة غنية،بالنظر إلى أن طرق اشتغالها وعدد لجانها ومهامها كانت متداخلة. مع تسجيل ملاحظة أساسية. هي انعدام التنسيق. هذا دون أن ننسى أن غياب مركز وطني للتوثيق والأرشفة اثر عليها. بالإضافة إلى عزوف الجامعة عن الاهتمام بشكل كبير بهاته المواضيع. نظرا لأسباب متعددة منها ما هو أمني /سياسي، إلا أن بعد هاته التجربة بدأ هذا الطابو يزول. مع ملاحظة أخرى يمكن تسجيلها وهي أن التقرير تضمن نقطا بخصوص تقرير الهيئة بعموميتها كانت إيجابية التوصيات. لكنه لم يشر في تحليله للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، إلى حالات الإعدام خارج القانون. بيد أنه يستفاد من خلاصات هي نطاق بقي الأبحاث والتحريات والتي تنتهي الهيئة. أن هذا الانتهاك ارتكب فيما يخص عددا من (المقاومين) بالإضافة إلى ذلك نجد أن هناك مجموعة من الاعتبارات السياسية طغت على قضية المهدي بن بركة، حيث انه عند هاته القضية ووجهت الدعوة إلى أبنائه ومحامية فإنها تكون قد اعتبرت اختطاف زعيم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية واختفاءه داخلا ضمن اختصاصاتها. مع العلم أن هاته القضية تعتبر مصيرية بالنسبة للشعب المغربي كان يجب الحسم فيها وعدم التطرق إليها في هذاالبحث المتواضع هو ناتج بالنظر إلى أهميتها باعتبار إنها قضية تستحق بحثا أكاديميا لوحدها بالنظر إلى مساراتها السياسية المعقدة التي طبعتها، وبالرغم من أن التقرير تعدى المجال الحقوقي الضيق. وتضفي العديد من التوصيات مرتبطة كما أشرنا سابقا بالإصلاحات السياسية والدستورية عنها على الخصوص استقلالية السلطة القضائية على السلطة التنفيذية. واعتماد مبدأ البراءة والحق في المحاكمة العادلة أولوية القانون الدولي على القانون الداخلي.
تعزيز مراقبة دستورية القوانين الحقيقي التجانس بين التشريع الجنائي والالتزامات الدولية، وتنفيذ استراتيجية وطنية مندمجة لمكافحة الإفلات من العقاب. التوصية باعتماد ودمج برامج للتنمية السوسيواقتصادية والثقافية لفائدة مجموعة من المناطق في إطار جبر الضرر الجماعي.
وعلى العموم رغم أهمية عمل هيئة الإنصاف والمصالحة. والتي أشادت بها منظمات غير حكومية دولية مثل "هيومين رايتس ووتش" التي اعتبرت أن الهيئة أنجزت عملا كبيرا في مجال تقصي انتهاكات الماضي ورد الاعتبار للضحايا.

وأعطى لها تقرير الخارجية الأمريكية مكانة خاصة. كما أشادت بها منظمات حقوقية وطنية وأغلب الفاعلين السياسيين .رغم كل هذا فإن عملها لم يخل من نواقص. كما أكدت كل من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ومنتدى الحقيقة والإنصاف.
حيث أكدوا على أن الهيئة تركت ملفات مهمة، كما أكدت سابقا قبل ملف المهدي بن بركة وعبد اللطيف زروال. بالإضافة إلى أنها قفزت على محطات تاريخية مهمة، خاصة في السنوات الأولى من الاستقلال.
هذا دون أن ننسى كما أكد المنتقدون أن هناك معايير سياسية ليست بالحقوقية اعتمدتها الهيئة في تحديد بعض المصطلحات والأحداث (مثل استعمال التعليق على بعض القتل بدل الاعتقال والقتل) ونعت أحداث الريف في نهاية 1958 وبداية 1959 بالتمرد والنزاع والحرب الأهلية. بالإضافة إلى تملصها من إظهار الحقيقة في العديد من الأحداث.
وكما أكد الأستاذ عبد الحي المودن في ندوة العدالة الانتقالية بعد صدور تقريرها الختامي، أن الهيئة لم تجب عن سؤال لماذا حدث كل هذا؟ هذا على العكس مما كان عليه الشأن بالنسبة لجنوب إفريقيا وبعض الدول التي عرفت العدالة الانتقالية. لكن بالرغم من كل هذا وكما جاء على لسانه أنه على الأقل تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة حاولت إعطاء مسح لتاريخ العنف السياسي بالمغرب مع العلم أن مصطلح العنف اتخذ عدة اتجاهات. البعض عرفه بكونه استخدام القوة المادية أو التهديد باستخدامها لتحقيق أهداف سياسية. وبول ويلنسكون عرفه بأنه استخدام القوة أو التهديد باستخدامها لإلحاق الأذى والضرر بالآخرين لتحقيق أهداف سياسية. وحدده بعض الباحثين في أنه إعمال الشغب و الأذى والتدمير كافة. يصعب إعطاء مطابقة لهذه التعاريف في التجربة المغربية بالنظر إلى الصعوبات السوسيوسياسية والغموض الذي انتاب قراءة التاريخ السياسي للمغرب المستقل.
خــــــلاصـــــات
نخلص في الأخير إلى الخلاصات التالية:
الخلاصة الأولى: إن القمع الذي سلط على الشعب المغربي كان قمعا سياسيا منظما، وممنهجا وشاملا، وامتدت آثاره إلى المجتمع برمته، ولازالت تداعياته ممتدة إلى الآن، كل هذا خلق سحبا من عدم الثقة بين الدولة والمجتمع، مما خلخل ذاكرة المغرب الجماعية، وتقويم هاته الذاكرة عبر هيئة الإنصاف والمصالحة اتخذ طابعا سياسيا لا حقوقيا، كل هذا جعل العديد من الحقائق مبتورة.
إن تقويم الذاكرة السياسية، يتطلب أولا دراسة أكاديمية للتاريخ السياسي للمغرب المستقل وجميع تشابكاته وحقائقه المعقدة.
ثانيا: التسوية العادلة لملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنصاف يجب أن تتمثل في إنصاف الضحايا،وتمتد إلى المجتمع برمته عبر إعادة بناء الثقة، ولن يتأتى ذلك بدون التأسيس لدولة ديمقراطية حداثية برؤية مستقبلية للأجيال القادمة. وهنا يأتي دور جميع الفاعلين السياسيين والحقوقيين ويبقى كذلك دور الأكاديميين يحتل مكانة مهمة باعتبار أن كتابة تاريخ المغرب المعاصر وبناء المستقبل منها على وجه الخصوص، لن يكون بدون مراكز البحث العلمي حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالمغرب، وذلك عن طريق تخصيص منح دراسية ووضع برامج مدعومة وتشجيع مبادرات علمية تضطلع بمهمة دراسة المرحلة من تاريخ المغرب المستقل وتسليط كل الأضواء على ملابساتها (1956-1999) وهاته الأمور الأساسية بدون الانفتاح على مختلف الجامعات وتخصصات الشعب التي تشملها (التاريخ، الفلسفة، علم الاجتماع، القانون، الأنتروبولوجيا…..).
الخلاصة الثانية: إن أحداث هيئة الإنصاف والمصالحة، شكل حدثا في التاريخ السياسي للمغرب المستقل وجاء في سياق تراكم عدة إجراءات تشريعية ومؤسساتية وسياسية اتخذتها الدولة في مجال حقوق الإنسان جاء ذلك نتيجة جهد مجموعة من الفاعلين الحقوقيين عبر الاحتجاج الحقوقي ونتيجة لعوامل خارجية.
خلفت هاته التحولات ردود فعل مختلفة،اعتبرها البعض بداية انتقال ديمقراطي والبعض الآخر أكد على أنه انتقال سياسي معقد، والبعض أشار إلى أنه انفتاح سياسي لا غير. والبعض شكك في الكل واعتبره بمثابة انتقال محصور لم يبن على قواعد المأسسة وعلى إرادة سياسية حقيقية.
الخلاصة الثالثة: إن المصالحة السياسية بحاجة دائما وفي كل المراحل إلى ثقافة سياسية جديدة، تمارس عملية القطيعة المعرفية والمرجعية مع ثقافة التعصب والإقصاء والنبذ والعنف، لتؤسس لنمط سياسي جديد مبني على منظومة قيمية تتأسس على التسامح والحرية والإنصاف، والتجربة المغربية (تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة) حققت مصالحة سياسية بالرغم من نواقصها إلا أنها على الأقل حاولت تبيان العنف السياسي للمغرب المستقل عبر منتوج وفتحت ولو نسبيا الباب الأكاديمي للاهتمام بهذا الموضوع، لأنه وكما تم التأكيد في بداية هاته الخلاصة أن المصالحة في حاجة إلى ثقافة سياسية جديدة. والثقافة السياسية لا تبنى في لحظة زمنية وإنما هي بحاجة إلى عملية تراكم معرفي ومجتمعي حتى تتشكل تلك الثقافة السياسية.
الخلاصة الرابعة: إن الدولة بفعل سياستها القمعية التي  نهجتها ضد المعارضين السياسيين دعمت وشجعت كذلك انتهاكات ذات طابع اقتصادي واجتماعي وكانت تداعياته كارثية على فئات اجتماعية عديدة، إن جبر الضرر الجماعي يرتبط ارتباطا وثيقا بالديمقراطية والحكامة الجيدة والحقوق المدنية والسياسية، لأن الخيار الديمقراطي ليس شعارا يرفع وإنما هو ممارسة اجتماعية فعالة مفتوحة على جميع الشرائح المجتمعية التي بواسطتها يمكن تفعيل الممارسة الديمقراطية وتدليل معوقات التنمية، وبالتالي إرساء نظام فعال من شأنه أن يعيد الثقة بين الدولة والمجتمع ويقوّم لنا الذاكرة الجماعية لجميع المغاربة لأنه لا مصالحة بدون حياة سياسية جادة ولا حياة سياسية جادة بدون ديمقراطية تسمح للجميع بـممارسة دوره في البناء والتنمية.
الخلاصة الخامسة: بالرغم من أن خلاصات تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة تتضمن العديد من التوصيات (الإصلاحات السياسية والدستورية منها على الخصوص، استقلالية القضاء، فصل السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية واعتماد مبدأ البراءة والحق في المحاكمة العادلة، أولوية القانون الدولي على القانون الداخلي، تعزيز مراقبة دستورية القوانين، تحقيق التجانس بين التشريع الجنائي والالتزامات الدولية، إصلاح القطاع الأمني، تبني وتنفيذ استراتيجية وطنية مندمجة لمكافحة الإفلات من العقاب،اعتماد ودمج برامج للتنمية السوسيواقتصادية والثقافية لفائدة مجموعة من المناطق في إطار جبر الضرر الجماعي…
بالرغم من إيجابية هاته التوصيات ورغم العمومية المفرطة لبعضها فإن التقرير لم لم يشر من جهة لا إلى الانتهاكات الحقوقية ولا إلى أزمة الديمقراطية ولا إلى الرؤية الاستشرافية… إلى أين يسير المغرب؟ ومن جهة أخرى بالرغم من تكليفه للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بمتابعة التوصيات، إلا أنه لم يحدد الأطراف التي عليها متابعة هاته التوصيات وتفعيلها.
الخلاصة السادسة: إن خصوصيات التجربة المغربية بمقارنتها بالتجارب العالمية تجعلها فريدة واستثنائية، لكونها تجربة في ظل استمرارية نفس النظام السياسي. وكما أنه بالإضافة إلى أن التقرير لم يشر إلى أجندة الانتقال الديمقراطي، باعتباره أشار إلى محصلة الأحداث التي اعتبرها بمثابة تطور سياسي عرفه المغرب وأفرز لنا تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة،التي اعتبرها تجربة أسست لعدالة انتقالية فريدة في العالم العربي والإسلامي، كل هذا يجعل البحث في هاته الأطروحة المتمثلة في الإشكالية المركزية التالية.
هل الوصفة المغربية فيما يخص إشكالية الانتقال الديمقراطي يمكن تقديمها كنموذج إرشادي، مثل الدول التي عرفت انتقالا ديمقراطيا، وشكلت العدالة الانتقالية محورها الأساسي (جنوب إفريقيا ـ الشيلي ـ الأوروغواي ـ الأرجنتين).
الخلاصة السابعة والأخيرة: إن غياب الديمقراطية كانت السبب الأساسي في كل ما جرى،وإن معالجة ما اقترف لن يؤتي أكله إلا عبر إرساء نظام سياسي ديمقراطي، لأنه النظام الوحيد القادر على خلق الضمانات الضرورية لعدم عودة المغرب إلى الزمن الرمادي.
الهوامش و المراجع:  
 
 (1)« mémoire et oubli, comment se réconcilier? » justice et paix cette démarche a permis d’apporter une reconnaissance morale et matérielle aux victime, en leur donnant, la possibilité de raconter leur histoire, et en leur attribuant une aide financière
(2)- 
reconsulistration  réconcilier, c’est rétablir des biens entre des personnes fascées opposées.
(3)- 
les vrais et le fausses reconsolidations tout « reconstitution » n’est peut être des personnes fascées opposés.
(3)- 
pardon_ oublier_ vengeances onsction responsabilité voyages humer taygi professeur school of internationalstidmes jawdholal , news university lunde
(4)مصطفى بوهو
" الانتهاكات الجسمية لحقوق الإنسان بين مقارنات الحركة الحقوقية و المجلس الاستشاري لحقوق الانسان" .
(5)- اتفاقية "اكسيليات" أو اتفاقية الاستقلال الشكلي و نهاية عهد الحماية التي تمت بين السلطة الفرنسية و حضور ممثلين عن السلطان المنفي محمد بنم يوسف و حزب الاستقلال و الشورى. و ما اشتهر عليه بمخزن بنعرفة.
(6)- مجلة الصحيفة المغربية العدد 9-17 نونبر 2005
(7)- الاستقرار السياسي بالمغرب: رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا ص 59
(8)- حوار مع الدكتور عبد الله ساعف "المغرب إلى أين "جريدة الاتحاد الاشتراكي بباريز شتنبر 1990
(9)- مجلة الصحيفة المغربية العدد 119 17 نونبر 2005.
(10)- عبد العزيز النويضي حكم الحسن الثاني جعله تجربة مقال نشر بمجلة الصحيفة المغربية عدد 9 ص 15.
(11)- الفديك جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية بزعامة أحمد رضا أكديرة.
(12)- دراسة الحياة السياسية بالمغرب 1965-1971 (دبلوم الدراسات العليا المعمقة ص65)
(13)- ابراهام السرفاني " الصراع الطبقي في المغرب حول انتفاضة أولاد خليفة" ص 61
(14)- مصطفى بوعزيز " اليسار المغربي الجديد: النشأة والمسار (1965-1979) ص 43-44
(15)- محمد بومة "الثورة الموءودة" ص 11 طبعة الأولى 2004
(16)- محمد معتصم " الحياة السياسية المغربية (1992-1991) ص120
(17)- مرجع سابق
(18)- محمد ضريف " المغرب في مفترق الطرف "قراءة في المشهد السياسي" ص104.
(19)- الجريدة الأخرى صفحة جريدة الاختلاف ، العدد 74-10-16 يوليوز 2006 مقال لعبد الواحد بلقصري "في الحديث عن الانفتاح السياسي بالمغرب" ص27.
(20)- انظر مارك فريد فان و برسيلان هايتز المصارحة المركز الدولي للعدالة الانتقالية ص4.
هذه الدراسة نشرت في كتاب 
Reconcialation agrer vilont conflit Ahondcoin kedtad by parid comlfied : tresa karmes lue hysse idea stokholm sweden 2003
(21)- انظر نفي الرسالة الملكية السامية بتاريخ 10 دجنبر 1999 بمناسبة الذكرى 51 لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وثائقي مغربية بخصوص هيئة الإنصاف و المصالحة، مركز التوثيق و الإعلام و التكوين في مجال حقوق الإنسان. توقية تتعلق بإحداث لجنة تسمى هيئة الإنصاف و المصالحة.
(22)- انظر الصفحة الرئيسية لهيئة الإنصاف و المصلحة لعديم الهيئة

امضاء
عبد الواحد بلقصريباحث قي العلوم السياسية




———


٭عبد الواحد بلقصري باحث في العلوم السياسية، يقطن مدينة بلقصيري.