الثلاثاء، 5 أغسطس 2008

انطفاء شعلة الألعاب الأولمبية بيجين 2008 هزالة نتائج مشاركة المغرب، ونجاح باهر في التنظيم


انطفاء شعلة الألعاب الأولمبية بيجين 2008
هزالة نتائج مشاركة المغرب، ونجاح باهر في التنظيم
مصطفى لمودن
   انتهت يوم الأحد 24 غشت الدورة التاسعة والعشرون للألعاب الأولمبية في العاصمة الصينية بيجين، وإذا كان التنظيم قد أبهر أغلب المشاركين، وأعدت الصين كل ما يلزم لهذه الألعاب التي تشارك فيها جل دول المعمور، ويتابعها الملايير عبر النقل التلفزي، وقد اهتبلتها الدولة المنظمة فرصة لإبراز عضلاتها وقوتها وتنظيمها المحكم، خاصة أن بلاد المليار مواطن تسير بخطى قوية نحو التعملقعلى مختلف المستويات، وكانت مناسبة حفلتي الافتتاح والاختتام لحظات قوية اندمجت فيها آخر المخترعات العلمية والتكنولوجية مع دقة الإنسان الصيني وقوة تحمله التي عرف بها عبر العصور الطويلة من تاريخ الصين الممتد إلى آلاف السينين، ومما ميز الألعاب استعمال الصواريخ والطائرات لتفادي سقوط المطر على العاصمة الصينية لعدة مرات . 
    وتعتبر الملتقيات الرياضية الدولية من أحسن الوسائل للزيادة في النمو الاقتصادي، لهذا تتهافت عدد من الدول على تنظيم الألعاب الأولمبية وكأس العالم لكرة القدم، وملتقيات ألعاب القوى… رغم ما يتطلبه ذلك من استثمارات ضخمة، خاصة على مستوى إعداد البنيات التحتية المختلفة، ونفقات توفير الأمن واللوجستيك.
121969 
من حفل الافتتاح في «عش الطائر»

إضافة إلى ما توفره  هذه المواعيد الرياضية من إشعاع حضاري وسياسي للبلد المنظم، تسعى الدول المشاركة لرفع أعلامها الوطنية، بعد صعود أبطالها إلى منصة التتويج، مما يعتبر أبلغ رسالة تعريفية بهذه الدول لدى مختلف متتبعي الألعاب، وهو ما يعجز عن تحقيقه جيش من السفراء والدبلوماسيين والمنابر الإعلامية والدعائية.
     حسب ما كان منتظرا جاءت حصيلة المغرب هزيلة من حيث التتويج بالميداليات، فقد اكتفى بالحصول على فضية جواد غريب في سباق الماراطون، حيث سار على نهج سلفه عبد السلام الراضي الذي أهدى أول ميدالة للمغرب  في أولمبياد روما 1960، ونحاسية حسناء بن حسي في 800 متر، وبذلك جمع المغرب مشاركاته 21ميدالية عبر مشاركاته في مختلف الدورات، كان لنوال المتوكل أول الفضل في الحصول على أول ذهبية في سباق 400 متر حواجز أثناء أولمبياد لوس انجلوس سنة 1984، وفي نفس الألعاب حقق سعيد اعويطة ميدالية مماثلة في سباق 5000 متر… احتل المغرب الرتبة 65 في الألعاب الأخيرة، متراجعا بثلاث نقط عن دورة أثينا السابقة، وهو بذلك في نفس الرتبة مع الجزائر وكولومبيا وثلاث دول أخرى مغمورة، ومعروف عن المغرب أنه ينتظر تحقيق نتائج إيجابية فيالألعاب الفردية، كالجري في المسافات المتوسطة والطويلة، وأحيانا في الملاكمة، باعتبار هذه الرياضات لا تتطلب تجهيزات كثيرة غالية الثمن، وغالبا ما يعتمد الرياضيون فيها على إمكانياتهم الذاتية، ولا حظ  للمغرب في الألعاب التقنية، كالرمي والقفز… ومختلف الألعاب الجماعية ككرة اليد والسلة…، أما السباحة فلا حديث عنها، ونفس الشيء يقال عن الجمباز منذ خفوت مركب اليوسفية الذي كان يرعاه المكتب الشريف للفوسفاط.

121969 
البطلة المغربية حسناء بن حسي
121969 
 البطل المغربي جواد غريب 
أكدت الألعاب الأولمبية  قوة «الكبار»، فالصين – البلد المنظم – كسر لأول مرة احتكار الولايات المتحدة الأمريكية للرتب الأولى، فقد حصلت (الصين) على 51 ميدالية ذهبية، بفارق خمسة عشر عن أمريكا (36)، حصل السباح الأمريكي ميكاييل فلبس لوحده علىثماني ذهبيات في السباحة، واحتلت روسيا المرتبة الثالثة ب 23 ذهبية، وبريطانيا رابعة بتسعة عشر ذهبية
    لوحظ كذلك بروز بعض الدول الصغيرة، مثل جامايكا التي احتلت الرتبة 13 بست ذهبيات كلها في ألعاب القوى، وقد كسرت هيمنة أمريكا على المسافات القصيرة رغم قلة عدد سكانها الذي لا يتعدى ثلاث ملايين نسمة، بفضل عدد من شبابها يقودهم العداء بولتأوساين الذي حطم رقمين قياسيين عالميين في المائة والمائتي متر. وكوبا كذلك فقد حصلت على 23 ميدالية مختلفة، واحتلت الرتبة 11 من حيث عدد الميداليات، لكنها تراجعت في عدد الذهبيات بالمقارنة مع الدورة السابقة، واكتفت بميداليتين ذهبيتين والرتبة 28 ضمن الحاصلين على المعدن الأصفر النفيس
   أول الدول الإفريقية من حيث التتويج كينيا في المرتبة 15 بخمس ذهبيات من 14 ميدالية، تليها إثيوبيا بأربع ذهبيات، واكتفت تونس وزيمبابوي والكامرون بذهبية لكل واحدة، بينما حصلت نيجيريا على أربع ميداليات منها فضية واحدة، ودخلت لأول مرة في تاريخها دولة السودان ضمن لائحة المتوجين بحصولها على فضية واحدة في سباق 800 بفضل العداء إسماعيل إسماعيل أحمد، أما الخاسر الأكبر في هذه الألعاب فهي جنوب إفريقيا بالمقارنة مع عدد سكانها ومستوى تقدمها الاقتصادي والإشعاع الرياضي الذي يجب أن تتوفر عليه قبل انطلاق فعاليات كأس العالم  لسنة 2010، الذي حصلت على شرف تنظيمه، وهي قد اكتفت بميدالية فضية يتيمة.
    كان للمغربي رشيد رمزي الفضل في حصول البحرين على الميدالية الذهبية الوحيدة بخلاف كل دول الخليج والمشرق العربي التي لم تحصل على أي ميدالية، باستثناء مصر التي أهداها هشام مصباح برونزية يتيمة في رياضة الجودو، وبذلك احتلت الرتبة الثمانين رغم توفرها على 80 مليون نسمة، لم تستطع أن تفرز منهم رياضيين في مستوى التنافس الأولمبي.  
 تجدر الإشارة أن عدد الوفود المشاركة في أولمبياد الصين بلغ 204، حصلت منها 87 دولة على ميداليات، وحطم 134 رقما أولمبيا و 43 رقما قياسيا عالميا، ووزعت 302 ميدالية ذهبية.
    ليس من اللائق عزل مجموعة من الشباب حسب كفاءة كل فرد منهم، وإدخالهم ضمن معسكر مغلق «لشحذهم» لليوم الموعود كما تفعل بعض الدول حتى « ترفع علمها خفاقا»، وتشمت بالأصدقاء قبل الأعداء، وتوحي للآخرين أنها متقدمة وتعتني بمواطنيها إلى درجة توفر أبطال رياضيين خارقين بينهم، يهزمون أمثالهم من باقي دول العالم!، ولو باستعمال منشطات محظورة لم تستطع بعد المختبرات الرسمية للألعاب اكتشافها. 
فما المطلوب إذن حتى تكون لغالبية الدول رياضة متقدمة؟ وهل من الضروري أن تحصد الألقاب والميداليات حتى تتأكد نجاعة السياسة الرياضة المنتهجة من قبل الحكومات؟
 قبل الحديث عن الآخرين، يجدر بنا مساءلة الوضعية المغربية في المجال الرياضي، فهل ستقدم اللجنة الأولمبية كامل التوضيحات حول خيبة الأمل هاته؟ علما أن عددا من وسائل الإعلام تناقلت سوء التعامل مع الرياضيين في بجين، وعدم توفير كل ما يحتاجونه من معدات ورعاية طبية، بل حمل البعض خيبة أمله معه من المغرب،عندما تم التمييز بين الرياضيين في تسليم منح التأهيل للأولمبياد، حيث حصلت فئة قليلة محظوظة على 20 مليون سنتيم، والباقي أقل من ذلك، وقد صرح رئيس الجامعة الملكية لألعاب القوى عبد السلام أحيزون قبل السفر إلى الصين قائلا إن المغرب لا يعول كثيرا على هذه الألعاب لتحقيق نتائج إيجابية، وهو ما يزيد من إحباط الرياضيين المشاركين، أما وزيرة الشباب والرياضة نوال المتوكل فقد دعت إلى الاستعداد إلى أولمبياد 2016 على حد قولها، ربما حتىتستمر في تحمل المسؤولية الوزارية إلى ذلك التاريخ لتحقيق هذا الهدف الرياضي! وقد كانت المستفيد الأكبر من ذهابها لبجين، حيث انتخبت عضوا في المكتب التنفيذي للجنة الدولية الأولمبية، وهي فعلا ستحق ذلك بتاريخها الرياضي وتخصصها العلمي، أما الجنرال حسني بن سليمان رئيس اللجنة الأولمبية المغربية فقد عوّدنا أنه فوق المحاسبة أو تقديم التوضيحات، واستقالته من رئاسة اللجنة أو حلها كلها فذلك آخر ما يمكن أن ينتظره المغاربة إلا إذا وقعت معجزة خارقة.
    لا يمكن صناعة الرياضيين الأقوياء الذين يتنافسون على المستوى الدولي من طين، ونفخهم بقوة خارقة وعزيمة لا تلين، بل يتطلب ذلك استعدادا مكثفا، وتوفير كافة التجهيزات والكفاءات البشرية اللازمة والتمويل الضروري، وكما أكدنا ليس من أجل تحيقالميداليات فقط، بل لنشر الرياضة بين الشباب وكافة أفراد الشعب، فالرياضة من مقومات الصحة الجسدية والنفسية، وهي كفيلة بدمج الأفراد داخل المجتمع، وتوجيههم إلى نهج السلوك الإيجابي، لكن ما هي الآليات الضرورية لذلك؟
    نعتقد أن هناك أربع آليات:
 1 ـ التربية الوطنيةعلى قطاع التعليم أن ينخرط بنجاعة وكثافة في مشروع وطني للقيام بالرياضة عموما، وذلك بواسطة التخلي عن فلسفة التربية البدنية والانتقال إلى فلسفة الرياضة المدرسية، التي تحقق نتائج ملموسة على مستوى التلاميذ والطلبة فيما يخص تكوينهم الرياضي وتوجيه الكفاءات البارزة منهم إلى مجال التنافسعلى الألقاب، وولوج الأكاديميات الرياضية لإتمام الدراسة والتكوين الرياضي في نفس الوقت، طبعا دون إغفال الجانب البيداغوجي في الرياضة الذي يسعى إلى إشراك الفرد ودمجه ضمن جماعة الفصل(المجتمع) وتلقينه بعض المبادئ العلمية والسلوك القويم عن طريق الرياضة.
 2 ـ الجماعات المحليةلحد الآن ومنذ 1976 خصوصا لم تحقق الجماعات المحلية في المغرب الغرض المطلوب منها، خاصة على مستوى التنمية المحلية، وإشراك كافة المواطنين على صعيد تراب كل جماعة في مشاريع هادفة، من ذلك توفير الملاعب الرياضيةالمختلفة في الأحياء السكنية، وتخصيص الأطر المشرفة على تأطير الوقت الثالث للمواطنين، خاصة الأطفال والشباب، ويشترك في هذه المعضلة السياسة المتبعة في مجال العمران، حيث لا يتوفر قانون مثلا يلزم المنعشين العقاريين بتوفير بنيات تحتية مثل الملاعب الرياضية تكون تحت تصرف  المواطنين داخل التجزيئات السكنية، وبين العمارات.   
  3 ـ الشبيبة والرياضةأهم مسؤولية تبقى على عاتق الحكومة، هي المسؤولة عن وضع السياسات الرياضية وتنفيذها، وتوفير التمويل اللازم لذلك، ليس على الصعيد المركزي أو في المدن الكبرى، بل في كل المناطق والجهات، كل دار شباب مثلا يجب أن تتوفر على ملاعب ومؤطرين أكفاء وبرنامج يلزمون بتنفيذه بالتشارك مع المؤسسات التعليمية والجماعات المحلية
 4 ـ القطاع الخاص والعامإن مؤسسات القطاع الخاص المواطن ومؤسسات القطاع العام مطالبة بالمساهمة في توفير البنية التحتية، من ملاعب مجهزة ومؤطرين تابعين لها، على الأقل خدمة لأطرها وأبنائهم، وأبناء المناطق المجاورة لمقاولاتهم، ويحق لهذهالمقاولات في إطار مفهوم الربح الذي تجري وراءه التعاقد مع رياضيين تقوم بتكوينهم قصد تبادل المنفعة الإقتصادية فيما بعد، خاصة في مجال الإستشهار كما تفعل بعض الشركات الغربية مثلا مع فرق الدراجات  الهوائية.
   في الختام نؤكد أنه إذا لم تكن هناك خطط وسياسات محكمة، من ضمن ما تسعى إليه إشراك الكفاءات الرياضية المغربية المهاجرة دون وصاية وبتعاقد واضح، وتوفير كل ما يتطلبه التكوين والاستعداد الرياضي،  فالجميع سيظل يلوك خيبات الأمل والحسرة بعد كل اللقاءات الدولية الرياضية.
مصطفى لمودن