الحسين الإدريسي
كانت الساعة تشير إلى 11 صباح الجمعة 13 فبراير 2009 حينما بادرنا إلى القيام بدورة استطلاعية للتعرف على الحاجيات من الأدوية التي تعمل هيئة الصيادلة بسيدي سليمان على توزيعها هذه الأيام وسط المتضررين من جراء آثار الفيضانات الأخيرة بمنطقة الغرب لأكثر من أسبوع بشكل متواصل…
اليوم المدينة تخرج من موجة الضباب الكثيف الذي لفها طيلة الليلة لتستدفئ بأشعة الشمس المطلوبة، سيارتان كانتا كافيتين لنقلنا عبر طرق محتفظة تطل على مخلفات فيضانات بهت وسبو لأزيد من أسبوع ، الوجهة هذه المرة الدواوير التي طالتها الفيضانات بأقصى حدود دائرة سيدي سليمان ، مرورا بسيدي عبد العزيز، وصولا إلى المساعدة وإلى أولاد بورحيل ( إقليم سيدي قاسم) فدوار العوامر…
أول ما أثار انتباهنا في بداية هذه الجولة هو تراجع مستوى الماء ببهت كما بسبو وإن تساءل البعض منا عن سبب ذلك، حتى بدأنا نتصور بكل طلاقة الاحتمالات الطبيعة (تراجع التساقطات) أو التقنية (تدخل الإنسان على مستوى السدود) و لعل ما أخذنا على مواصلة التخمينات هو تراكم المياه على جنيات الطريق الوعرة التي نسلكها بصعوبة جراء تعدد الثقب والحفر، وهي لم تستفيد من تدخل الجهات المسؤولة إلى حد الساعة والحال أن الفيضانات والتساقطات معروفة بفضحها لهشاشة البنيات التحتية.
أوقفتنا مجموعة من الساكنة وكأنها تنتظر شيئا ما تحت الشمس، لتخبرنا أن مساكنها لم تمس بأذى رغم قوة التساقطات التي خلفت بركا كبيرة بإمكانها التسبب في ظهور أمراض وحشرات لا تخفى خطورتها على الصغار كما على الكبار، و أشاروا إلى تضرر عدة دواوير من إقليم سيدي قاسم القريبة منهم كدوار كميحات و أولاد بوعزة و أولاد بورحيل… حيت انهارت مساكن الطين ومسجدا حتى ، وبما أننا لا نحمل معنا لا مواد غذائية و لا ألبسة فهموا أننا من أعضاء المجتمع المدني الذين يسعون إلى تشخيص وضعية المتضررين من الفيضانات في أفق مدهم بما يناسب من أدوية و حليب و ألبسة.
بانتقالنا إلى العوامر وقفنا على مخلفات هجوم واد سبو، حيت ارتفع منسوب المياه إلى أزيد من ثلاثة أمتار على مستواه العادي ليدمر المزارع و الأغراس والمنازل والمواشي… المناظر الماثلة أمامنا تبين مدى فداحة الخسائر المادية ومدى تضامن الساكنة لحصر امتداد المياه إلى ما لا تحمد عقباه، إذ تمكنوا من بناء الحواجز الترابية طيلة ليلة النكبة، ليلة الجمعة الماضية معتمدين على سواعدهم وتضامنهم أمام الخطر الذي يحدق بهم، ناقلين ما يمكن نقله إلى أماكن آمنة… ليلة كاملة يشير شاب في مقتبل العمر وقد بدأت على ملامحهم علامات الانتصار على الطبيعة وعلامات الحسرة بسبب العزلة والإهمال الذين عاشوهما في تلك الساعات الحرجة و الصعبة. “لقد فقدنا الكثير لكن فزنا بأعمارنا ” يقول أحدهم وهو يستعد للاستمتاع بسيجارة.
يا لها من ليلة جمعة راسخة بكل ذاكرة عاشت الفاجعة، حيث تجند كل المتشبثين بالأرض و بالحياة، بالمعاول والمجرفة، وأي وسيلة أخرى، ليتحدّوا المياه الزاحفة…هنا بالعوامر حيث انهارت كل المنازل القريبة من المجرى، بل انهارت على الأفرشة المتواضعة وعلى الأوانى القليلة البلاستيكية، وأخذت معها حتى الشياه والكلاب وبقرة واحدة…مأساة حقيقية لم يطلع عليها لا المقدم ولا المنتخبون على حد تعبير السكان الذين لم تصلهم لا الخيام ولا الأغطية ولا المواد الغذائية…هنا المشتكون يتحدثون إلينا باسم 13 عائلة فقدت كل شئ ولا زالت تستغيث طالما لم يصل صوتها إلى المسؤولين، رغم تنظيمهم لوقفة احتجاجية على الطريق المؤدية إلى سيدي قاسم غير بعيد عن الدوار.
بعد زيارة دوار البوطات المجاور لدوار العوامر حيث لم نسجل خسارات تذكر وُزعت بعض الأدوية وعلب الحليب للرضاع، انتقلنا إلى دوار الحسناوي لنجد أمامنا 24 خيمة صفراء اللون أقامتها الوقاية المدنية لصالح 42 أسرة منكوبة من قرية الحسناوي التي داهمتاه الفيضانات. و حسب رئيس جمعية تنموية بقرية الحسناوي ( ض .م )” تعرضت القرية لفيضان سبو ليحولها إلى فضاء منكوب”، 36 دار طينية انمحت من الوجود، مساحات شاسعة من المزروعات ذهبت أدراج الرياح، عدد من السكان فقدوا كل ما يملكون منها البهائم.” إنها كارثة كبرى ” تقول إحدى الأمهات (ف. ب) وجدناها تخرج الأعمدة وبعض الأواني من البركة المائية التي خلفتها الفيضانات، بعد أن جرفت مسكنها ومسكن أربع يتامى معها، وأضاف رئيس الجمعية أن السلطات في أعقاب تفقد السيد والي جهة شراردة بني حسن للأوضاع مدت المتضررين ب140 غطاء و 132 علبة كبير من المواد الغذائية التي تحتوي على 10 كلغ من الدقيق و5 ليترات من الزيت و 6 ليترات من الحليب وعلبتي الشاي و6 كلغ. سكر، كل علبة لصالح شخصين، تنضاف علبة حليب لصالح كل طفلين.
وقد سجل السكان حاجتهم لزيارة الأطباء ومدهم بالأدوية، هنا أيضا لم يفت الصيادلة توزيع علب الحليب على المرضعات…
وعلى سبيل الختم يمكن تسجيل ما يلي:
- تراجع مستوى الماء بهت و سبو وغيرهما بالدائرة الترابية لسيدي سليمان وتحسن الأحوال الجوية قد ساعد السكان من المدينة إلى أخر الدوار (العوامر مثلا) من “تشميس” الملابس والأغطية و إخراج الأثاث من” الضايات”، و في نفس الوقت استرجاع الأنفاس تدريجيا، وإن كانت غالبية التلاميذ لم تلتحق بالمدارس المغموربالمياه.
- الشروع في استغلال الأراضي ما زال معطلا في انتظار أن تجف من الماء الزائد، وستعمل لذلك المضخات بعدة نقط من المجال الذي زرناه، في حين لاحظنا مباشرة العمل ببعض ضيعات الحوامض.
- لم ينطلق تدخل المصالح العمومية المختصة بعد، فالطرق المحفرة والمنازل المنهارة والمدارس المعطلة… كلها تتطلب التدخل العاجل لاسترجاع الحياة الطبيعية إلى المنطقة، ما يريده الجميع هي حصول تحسن في كل المجالات.