نيني يهزأ من مدرس الفلسفة
غالبا ما تجد عنوان عمود رشيد نيني الذي ينشر في جريدة "المساء" له (أي العنوان) علاقة ضعيفة بمجمل الموضوع، أو فقط مرتبط بمجرد جملة أو كلمة محشوة في المقالة أو نهايتها، ولا رابط بين فقرات الموضوع بمجمله، بحيث يمكن أن يتنقل الكاتب من موضوع لآخر في قفزات مثيرة…
قبل التطرق للموضوع الذي نحن بصدده، يجب أن أقول كم من مرة أتمم مقالة رشيد نيني بحديث مهموس يلخص موقفي كأنني أخاطب أحدا: "عظيم". في تقدير لشجاعة الرجل وجرأته، لكن لا يمكن كذلك أن نتفق معه حول كل ما يكتب. فماذا خط صاحب أشهر عمود في الصحافة المعاصرة بالمغرب حتى حفزنا على الكتابة؟
عودة إلى القفزات المثير نشير إلى ما وقع في عدد السبت والأحد 6/7 ماي (09) في المقالة التي تحمل عنوان "عام الحلوف"، بحيث يحشو الكاتب بين طيات "عمدوه" ما أراد، بشكل غريب ومريب، فإذا كان العنوان المشار إليه يظهر أن الموضوع له علاقة بآخر حدث دولي شد إليه الرأي العام العالمي، وأثار مخاوف البشرية جميعها، ومن الضروري أن تطرح تسؤلات عن الإجراءات التي تتخذها كل دولة لمواجهة الفيروس القاتل الذي قد يسبب انتشاره في وباء يحصد الأرواح وكارثة للجميع…
لكن ما دخـل أستاذ الفلسفة الذي أثار هزؤ وقدح رشيد نيني بدون سبب معقول وظاهري لا يمكن تفسيره إلا بالرجوع إلى علماء النفس، فهم وحدهم ربما من قد يوضحون الدافع الحقيقي وراء ذلك، وبدون تطويل ننقل ما جاء بالضبط في العدد 813 من مؤخر "المساء": " وهنا أتذكر اليوم الذي كنا فيه داخل أحد أقسام التربية الإسلامية ندرس نظرية الفيض، فإذا بالأستاذ الذي كان ماركسيا انتهى به حظه العاتر بعد إلغاء عز الدين العراقي وزير التعليم الاستقلالي لمادة الفلسفة من برامج التعليم، إلى تدريس القرآن والأحاديث النبوية مكان نظرية الشك، يخرج عن الموضوع وينتهي محاضرا حول نظرية أصل الأنواع لداروين، وعندما سألنا عن أصلنا قلنا له جميعا إن أصلنا من آدم عليه السلام، فضحك إلى أن ظهرت أسنانه التي نخرها " الروج" و"فافوريط" وقال لنا مستهزئا إن أصلنا جميعا هو القرد، فوقف أحد التلاميذ المشهورين بصمتهم طوال السنة وقال بهدوء للأستاذ:
-" هضر على راسك اسي، إلى أنت باك فايت ليه كان قرد حنا راه عارفين شكون هو بانا" (انتهى)
واضح للجميع أن رشيد نيني يصفي حساباته، وإذا كان قد سمح لنفسه أن ينتقد الجميع، وهذا من حقه كصحفي، خاصة تجاه من يتحملون مسؤولية تدبيرية في إطار الشأن العام، لكن عليه أن يتريث عند كل كلمة يمكن أن تسيء إلى "الصفات" كصفة الأستاذ أو البناء أو السائق… بدون وجه حق.
لقد أظهر الكاتب أستاذ الفلسفة في أبشع صورة حسب اعتقادنا، فهو المغلوب على أمره، المستسلم لواقعه، بحيث لم يفعل شيئا عند تغيير البرامج، وأصبح كالمسترزق يدرس مادة ليست من اختصاصه، علما أن مادة الفلسفة في الفترة التي يشير إليها الكاتب بقيت تدرس، لكن أدمجت مع "الفكر الإسلامي"، وربما نيني نفسه يتذكر ما استفاده من مآثر الكندي والفارابي وابن رشد وابن خلدون والمعتزلة وبقية علماء الكلام… بل حتى الأشعرية يمكن أن تخرج منها ببعض الحكم والفائدة، فلماذا لا يطلع أبناء المغرب على مثل هؤلاء ومحاولاتهم في مجال التـأصيل أو الاجتهاد أو الدمج أوالتلفيق أوالمثاقفة ؟ إلى جانب كانت وهيكل وماركس والجابري..؟ وأنا لا أدافع هنا عن العهد غير المأسوف عليه لعز الدين العراقي وتوابعه وما أسسوا له من كوارث أساءت إلى التعليم والوطن، ولكن للحق والتاريخ لم تحذف الفلسفة بالمطلق، بل حوصرت لغرض في النفوس المتجبرة.
لقد وضع نيني أستاذ الفلسفة في وضعية الحرباء التي تتلون بدون موقف محدد، فهو يحور الدروس حسب هواه، ليقفز على ما هو مقرر حسب زعم الكاتب ويدخل مع التلاميذ في "ترهات" (حسب تصوير نيني)، فيقول للتلاميذ "حقيقة" وضعها الكاتب من خياله، وهي أن أصل الإنسان قرد (هكذا) ببساطة، ومحاولة الأستاذ فرض ذلك على التلاميذ، هنا نسأل "الأستاذ" نيني؛ هل يجزم ويؤكد ويثبت بأن الإنسان الحالي هو نسخة طبق الأصل في كل شيء من الإنسان القديم؟ نترك له الفرصة للبحث أو أن تمده "جهة" ما مساعدة له بذلك.
لقد صور نيني أستاذ الفلسفة في أبشع صورة، فأسنانه مسوسة، يدخن أرخص سيجارة ويدمن شرب الخمر، وبالتالي فأفكاره وشخصيته مهزوزة، ويمكن أن يأتي أقبح الأفعال ويقول بالهبل، إلى درجة اعتراضه من قبل اصمت وأهدأ تلميذ (ربما أكسلهم حسب نيني وحسب نكت سوقية رائجة)، إلى درجة توجيه سب مباشر للأستاذ كرد على قوله طبعا، واعتباره هو (أي الأستاذ) من ينحدر من سلالة القرود، إن هذا الموقف من أستاذالفلسفة وهو واجهة مادته الدراسية وحامل لوائها بما تعنيه من قوة التفكير والتمحيص والروية والرؤية والتأمل… يريد من ورائها (عن قصد أو بدونه) أن يوافق من يدعو إلى إلغاء الفلسفة أو تقزيمها وتشويهها، وبالتالي مناصرة قرارات الوزير السابق المذكور وكل من يعادي العقل والتفكير المنطقين، فهل يمكن اعتبار رشيد نيني ضمن هؤلاء؟ أريد أن أقرأ يوما الجواب عنه هو مقرونا باعتذار لكل مدرسي الفلسفة(وأنا لست منهم).
مصطفى لمودن