الفضاء السياسي العربي
من رهاب النساء إلى الشلل النصفي
أمين جوطي (*)
يتبين لكل ملاحظ للفضاء السياسي العربي بأن هذا الفضاء ذكوري بامتياز، "فالأغلبية الساحقة من الأقلية التي تمارس السياسة بشكل عام، أو التي تضطلع بمسؤولية تسيير الشأن العام بشكل خاص هي في غالبيتها من الرجال. كما يتبين له بأن شريحة عريضة نسبيا من المجتمع العربي ترفض حضور المرأة في المجال السياسي، ويكون الرفض أكثر حدة عندما توكل إليه مهمة انتخابها لتحمل المناصب القيادية لتسيير دواليب الشأن العام.
فحتى أمام الزحف الكبير للموجة الديمقراطية على الصعيد الدولي والتي تنادي بتحقيق المساواة بين المواطنين، دون تمييز بين الرجل والمرأة في أي مجال من المجالات، حتى أمام هذا الزحف الذي مس تأثيره العالم العربي، حيث وقعت العديد من بلدانه على الاتفاقية الدولية لرفع جميع أشكال الحيف ضد المرأة "السيداو" -مع بعض التحفظات- لازالت الذهنية تشكل عقالا للسلوك والمواقف المبدئية من المشاركة السياسية الفاعلة للمرأة.
بل هناك شريحة تغذي هذه الذهنية عبر خطابات تضفي على المرأة صفة الفتنة، وتطبعها بصفات النقص، وتهول من مخاطر توليها شؤون العامة من الناس حتى تبدو هذه المرأة خطرا كبيرا على المجتمع، وهو ما يذكي الخوف من وصول المرأة إلى مراكز القرار السياسي، وهو ما أود أن أطلق عليه مصطلح "رهاب النساء" Gynophobie ، مستعيرا المصطلح من ميدان علم النفس.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل يحس الرجال بعـَرَض نقص السلطة carence d’autorité عندما تشاركهم المرأة في العمل السياسي؟
ينقسم الفاعلون السياسيون- على مستوى القرار الحزبي - إلى ثلاثة فئات :
- الفئة الأولى: تناصر المرأة وتدافع عنها قولا وفعلا، وهي الفئة الأقل، وتجد نفسها في مواجهة الذهنيات المنغلقة من جهة، واللامبالاة السياسية من جهة أخرى.
- الفئة الثانية: اهتمامها بالمرأة ظاهري أكثر منه جوهري، إذ توظف المرأة كديكور لإعطاء الانطباع بديمقراطيتها، في حين تبعدها عن مناصب القرار، بدءا من مراكز القرار في تنظيمات الحزب، وصولا إلى غيرها من المراكز المتعلقة بممارسة السلطة.
-الفئة الثالثة: وهي التي ترفض بعصب شديد خروج المرأة إلى العمل السياسي، وهي الشريحة التي أشرنا إليها آنفا، تلك التي ترى المرأة فتنة، والفتنة أشد من القتل، وهذه نظرة تحط من قيمة المرأة، وبالتالي حط من قيمة الكائن البشري.
-الفئة الثالثة: وهي التي ترفض بعصب شديد خروج المرأة إلى العمل السياسي، وهي الشريحة التي أشرنا إليها آنفا، تلك التي ترى المرأة فتنة، والفتنة أشد من القتل، وهذه نظرة تحط من قيمة المرأة، وبالتالي حط من قيمة الكائن البشري.
-إن رهاب النساء السياسيات في عالمنا العربي، يشكل مرضا سياسيا من - بين أمراض أخرى- يتعين علاجه لأنه قد يصيب الجسد السياسي بمرض عصبي يؤدي إلى انفجار أو انسداد المراكز الحركية في "الدماغ السياسي" بسبب طريقة التفكير تلك – أغلب حالات الشلل النصفي تأتي من"طريقة التفكير"ـ ، وهو الأمر الذي تكون نتيجته الإصابة بشلل نصفي للجسد السياسي، فهل يستطيع المجتمع العربي أن يجابه تحدياته اليومية أو الإستراتيجية بجسد سياسي مشلول؟
- وبما أن السياسة فضاء حيوي فهي تثمر بفضل التفاعل وتتجدد بفضله، ووجود المرأة في قلب العمل السياسي يذكي حيوية الفضاء السياسي عبر تناغم توسيع الطاقة المجتمعية، فالمجتمعات العربية في حاجة لتوظيف كل طاقاتها لرفع معيقات التنمية ومواجهة التحديات الحضارية الكبرى، وهو ما يتطلب تغيير نظرتنا للمرأة وطرق تفكيرنا البدائية اتجاهها، كما يتطلب رباطا مزدوجا double lien بين الرجال والنساء، هذا الرباط الذي لا يسمح بإبقاء أحد نصفي الجسد مشلولا.
—————————
(*) كاتب