الأربعاء، 4 نوفمبر 2009

هدر مدرسي يساوي خسارة أمة


هدر مدرسي يساوي خسارة أمة
بعيدا عن لغة الأرقام الحقيقي منها والمزيف، وبعيدا عن هرج الصالونات ومرجه، وبعيدا عن الأماني الخادعة، نتحدث من خضم واقع عنيد عن هدر مرسي بحجم الكارثة، فما أقبح أن نغيّـب فلدات أكبادنا عن متابعة الدراسة، بأي وجه سنواجه المستقبل الذي ينتظرنا في أقرب منعطف، خاصة أن قضية كل توقف قسري لأي تلميذ عن متابعة دراسته يحسب بمقياس الخسارة بسنة ضوئية ضمن سرعة الشعوب الأخرى المتقدمة في مجال التربية والتعليم، وتكون الخسارة أفدح إذا كانت الضحية تلميذة بل تلميذات يعول عليهن ـ على الأقل ـ لتنشئة أسرة حسب مقاس كل مرحلة تاريخية ومتطلباتها، فالمرأة الأم تساهم بشكل وافر في تغيير وجه العالم إلى الأحسن إذا تزودت بالعلم والمعرفة، وقد يكون العكس، فتنغمر في عالم التخلف والخنوع والجهل والشعوذة… عن غير إرادتها، وتجر معها جيلا آخر، فتنتج بذلك دورة التخلف بامتياز، وتتوقف عجلة التاريخ إذا لم تتراجع.
   مناسبة هذا القول انقطاع ثماني تلميذات ـ ممن درستهن ونجحن من المستوى السادس ـ  عن التحاقهن بالثانوية الإعدادية، ثمانية من اثنتي عشر فتاة، بنسبة 66.66%، كلهن زهور متفتحة من أجل التعلم والرقي بذاتهن، كلهن قطعن أشواط الابتدائي بأمان، ويعلمن كم ضحينا معهن  ـ نحن مدرسوهم ـ ليصلن إلى مستوى لا بأس به، لكنهن توقفن عند أول حاجز، أمام أول بوابة انغلقت دونهن بلا سبب، سوى لأن أسرهن فقيرات، سوى لأنهن يقطنن في العالم القروي المهمش، سوى لأن لا أحد فكر فيهن، ولأنه لا أحد يفكر في المستقبل وعواقب انتشار الأمية بين نساء المغرب، إنها حالات معدودة قد يقول البعض، ولكنها نموذج، نموذج يجعلنا كدولة وكمجتمع نخجل من أنفسنا، حتى نحن المدرسين نخجل من وضعيتنا مع التلاميذ، كيف يمكن أن نطلب بعد اليوم من أخريات يسرن على نفس طريقهن أن يجتهدن كما اجتهدت سوالفهن؟ فمن تذكرك اليوم يا سهام ر. ويا نهيلة ق. ويا نهيلة ش. ويا عواطف م. ويا حليمة أ. ويا فاطمة ق. ويا نادية ب. ويا فاطمة ن؟ من سيتذكركن غير أرقام جافة خطها مدير الإعدادية غبر مبال عن غير الملتحقات، وأرسلها نائب وزارة التربية الوطنية للأكاديمية، لتدبج بها الوزارة تقاريرها عن المنقطعات والمنقطيعن؟ هل تذكركم مستشار جماعي باع العنب والقفة معا، واستخلص عائداته وهو يصوت على الرئيس أو على أعضاء مجلس الجهة أو على المستشار البرلماني؟ هل تذكركن عامل الإقليم ووالي الجهة ومدير الأكاديمية الجهوية، هل سأل عنكن مسؤول معني كبر أو صغر شأنه؟ هل تذكرتكن حكومة عباس؟ وهل وهل…؟ بقلب حزين يا تلميذاتي العزيزات أخط خربشاتي هذه ولا عزاء لي ولكن.
  عودة على بدء، نؤكد أن الدولة قامت بمجهود من أجل تقريب المدرسة وهذا من صميم مهمتها، لكنها لم تقرب بعد الإعدادية للجميع، رغم  السعي لتكون إعدادية بكل جماعة قروية على الأقل(يقولون إعداة لكل جماعتين قرويتين)، لكن البعد وصعوبة التنقل  تحول دون تحقيق المبتغى، وليست هناك آلية لمساعدة المحتاجين في هذا الشأن خاصة الأسر المعوزة في العالم القروي، كما أن الأسر بسرعة تستسلم لقدرها دون القيام بمجهود ولو جماعي من أجل التضحية مع بناتهن… إن تخلي أي بنت عن متابعة دراستها كأنه خسارة أمة بكاملها، كأنه عثرة في حفرة نساهم كلنا في وضعها.  
مصطفى لمودن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ