الأربعاء، 4 نوفمبر 2009

قصة: الحداثة في زمن الأنفلونزا


قصة: 
الحداثة في زمن الأنفلونزا

رائعة الشرجان غارسيا كامي ماركيز 
محمد ياسر اكميرة 


في بيت احدى الأسر الحداثية المستفيدة من نعم العهد الجديد، حيث تحول اسم الزوجة من البتول إلى بثينة واسم الزوج من ميلود إلى معاذ (رغم أن اسم معاذ على ما أعتقد أقدم بكثير من اسم ميلود، إلا أن لحداثة العهد الجديد منطقا غير منطق التاريخ، فلا تستغربوا … ! ) جلست بثينة على مائدة الأكل تتناول القليل مما أعدته لها خادمتها الفلبينية، لأنها لا تريد أن تسترجع الكيلوغرامات الثلاث التي فقدتها بفضل الله تعالى أولا، ثم بفضل الحمية التي وصفها لها الدكتور محسن الأخصائي في الفول واللحم، وتقاضى مقابل ذلك ثلاث ملايين سنتيم، بعد أن عقد معها بضع جلسات وزارها في البيت ما يناهز الثلاث مرات لتحديد مصدر الداء، ونشط معها ورشة لترويض بطنها حتى لا يتسع إلا للنزر القليل من الطعام الوفير… قبل أن يفتح معاذ الباب الخشبي الضخم المصنوع من أرز الأطلس المتوسط ويدخل وفي يده علبة مستطيلة بيضاء.

  • ماذا هناك؟ قالت بثينة بصوت مضطرب ممزوج بما يشبه القبل لأنها تحاول أن تسترجع إحدى أوراق المقدونس التي أرادت أن تفلت من جحيم فمها متسللة من إحدى فلجات أسنانها المبعثرة والمشدودة إلى بعضها بسلك فولاذي لامع.
  • إنها أقنعة واقية، أجاب معاذ ذو الصلعة الدسمة والبطن الآيل للسقوط الذي يدفعه فضوله لفتح الزرارين الأسفلين من القميص الحريري المخطط ليطل على العالم الخارجي ويستنشق بعض الهواء النقي.
  • وماذا نفعل بها؟
  • نقي بها أنفسنا من أنفلونزا الخنازير، إنها مرض فتاك، وسمعت أنه يصيب النساء أساسا. وقد اقتنيت هذه العلبة وكانت هي الأخيرة في الصيدلية، لأن نساء الحي كما أخبرني المستخدم، كلهن اقتنين الكمامات وبأعداد كبيرة ليحمين أنفسهن من هذه العدوى القاتلة.


قامت بثينة من على طاولة الأكل، ودون أن تغسل يديها ولا أن تنظف فمها اختطفت العلبة من يد زوجها قائلة له:
  • هذه العلبة لي، اذهب وابحث لنفسك عن كمامات أخرى في أرجاء المدينة.


سرعان ما وضعت بثينة القناع فغطى ما يقارب الثلثين من مساحة وجهها المترامي الأطراف، وفي عينيها الملطخة جفونها بكل ألوان الطيف نظرة شماتة واحتقار لميلود الذي بدت عليه علامات الأسى لفقدانه كل رصيده من الكمامات، استدار إلى للجهة الأخرى وهويرسم بحنكيه المهترئين ابتسامة مكر فيها شيء من نشوة النصر. ولم لا وقد انطلت الحيلة على البتول واستطاع أن يخفي وجهها\كمارتها المملة إلى أجل غير مسمى، وانطلق في فرحة مخفية مدفوعا بحسه القومي الصادق نحو جهاز التلفاز ليتفرج على إحدى القنوات المشرقية المختصة في الفن والموسيقى، قبل أن تفاجئه البتول بنظراتها القاسية المنطلقة كاللكمتين من فوق نقابها الحداثي جدا، فشعر معاذ بخيبة أمل كبيرة واتجه نحو غرفة النوم داعيا العلي القدير أن يرفق الوباء الحالي بداء الرمد الحبيبي.

  



03-11-2009