الجمعة، 15 يناير 2010

"الفيرمات" في منطــقة الـغــــرب وسؤال "من أين لك هذا؟"


"الفيرمات" في منطــقة الـغــــرب
وسؤال "من أين لك هذا؟" 
مدخل ضيعة فلاحية تكونت في العهد الاستعماري
 
سيدي يحي الغرب: حميد هيمة
تنفرد منطقة الغرب بخصوصيات طبيعية (التضاريس، المناخ، الشبكة المائية..) ملائمة لممارسة مختلف الأنشطة الفلاحية، وهذا ما تنبهت له السلطات الاستعمارية الفرنسية، في  مطلع القرن (20م). فشرعت، بتوظيف كل وسائل القهر، في انتزاع الأراضي من سكان المنطقة، ومصادرة المرجات؛ مستغلة "الفراغ" القانوني في شأن الملكية  العقارية. وحولت هذا الرصيد العقاري المصادر، بكل وسائل الترغيب والترهيب، إلى استغلاليات فلاحية كبرى تركز على الإنتاج التسويقي؛ الذي استهدف إشباع حاجيات الميتروبول من المنتجات الفلاحية.
 بعد حصول المغرب على استقلاله، في الظروف والحيثيات المعروفة، لم يتم مباشرة عملية استرجاع الأراضي التي كانت في " ملكية " الشركات الاستغلالية والمستوطنين الأجانب. وأجهضت المخططات الزراعية  الطموحة للحكومة الوطنية، التي قادها المرحوم " عبد الله إبراهيم ". و بفعل تضارب المواقف والتصورات بين السلطة الحاكمة والمعارضة، في شأن  استحقاقات مغرب الاستقلال، سيقت البلاد في آتون انتهاكات حقوقية ممنهجة على المستوى الفردي والجماعي. وبموازاة الانتهاكات السياسية المذكورة، فقد حصلت أيضا انتهاكات اقتصادية جسيمة؛ بحيث تحول بعض المغاربة المقربين من السلطة، بقدرة قادر، في سياق تفشي اقتصاد الريع، إلى ملاكين عقاريين كبار يحوزون أراضي خصبة وشاسعة. وبالمقابل، فإن الساكنة الغرباوية بقيت  محاصرة، كنتيجة للسياسة الاستعمارية، في مجالات ضيقة ولا تحوز إلا أراضي مجهرية.
 و السؤال الذي فرض، ويفرض، نفسه : كيف تحول البعض إلى ملاكين عقاريين كبار في منطقة الغرب؟ من الفئات المستفيدة ؟ و ما المعايير المعتمدة، آنذاك، في تفويت الأراضي  لهؤلاء الملاكين الكبار؟ إنها أسئلة، بصيغة استنكارية، موجهة لجميع الجهات؛ و في مقدمتها المنظمات الحقوقية المناضلة، والقنوات الحقوقية الرسمية.
و إذا كان المغرب، دولة ومجتمعا، عالج بذكاء ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان على المستوى السياسي، فهل  يفتح ورش للتحقيق، بعيدا عن الجوانب الجنائية وعلى الأقل من زاوية التناول التاريخي، في ظروف وملابسات "استفادة " البعض من "وزيعة الفيرمات"، من مدخل الإجابة عن سؤال : "من أين لك هذا؟"
 إن تحقيق الإنصاف وجبر الضرر الجماعي، في ما يخص الانتهاكات الاقتصادية في المنطقة،  لن يكلف الدولة إلا  تعميق مسلسل التنمية البشرية؛ من خلال، مثلا، تفويت هذه الأراضي إلى السكان لاستغلالها  في إطار العمل التعاوني فيما  بينهم. وهو ما سيمكنهم  من تأمين خبزهم اليومي، وتكون الدولة بذلك قد أدت دينها في تنمية المنطقة وتأهيلها لتواكب إيقاع التطور كباقي مناطق المغرب.
قد يبدو هذا السيناريو حالما وغير ممكن في الحال، لكن الحلم والأمل هما الطاقة التي يتطلع عبرها الإنسان المغبون إلى المستقبل. وما هو مستحيل اليوم قد يصبح ممكنا مستقبلا، ودوام الحال من المحال.

———————-
موضوع مقتبس من :" الضيعات الكولونيالية في منطقة الغرب " ، بحث لنيل شهادة الإجازة، شعبة التاريخ، جامعة ابن طفيل – القنيطرة 2005 .