صافي الدين البدالي(*)
1- تقديــم:
في كل دخول مدرسي جديد تكثر التحركات وتتساقط المذكرات الوزارية على رجال التعليم، وتتعدد الاجتماعات واللجان. وتتحرك وسائل الإعلام الرسمية لنقل صور توحي للمتتبع أن كل شيء على أحسن ما يرام . ويبدو وكأن ثورة ما قد عرفها التعليم. لكن في الحقيقة ما هي إلا ممارسات فلكلورية لم ولن تغير من واقع التعليمورجاله من شيء. لم تغير هذه البهرجة مما تعرفه المؤسسات التعليم بالوسط القروي وبالأحياء الشعبية من تخريب ومن تدني لبنيتها التحتية، حتى أن بعضا منها لم يعد قابلا للدراسة. كما لن تفيد هذه التحركات معالجة الاكتظاظ الذي تعرفه الأقسام في كل الأسلاك ، وكذلك تردي الخدمات على مستوى الأقسام الداخلية. ولم ولن تغير هذه التحركات من معالجة تدني المستوى عند التلميذ والتراجع المستمرفي المردودية التربوية وفي الجودة بالرغم، من كل الشعارات التي تم رفعها منذ الإعلان عن ميثاق التربية و التكوين إلى البرنامج الاستعجالي. فهل قطاع التربية والتكوين هو فيحاجة إلى هذه المسرحيات التي تكرر كلما حلت السنة الدراسية الجديدة؟ أم أن المسئولين لم يجدوا بعد تلك الوصفة السحرية لحل إشكاليةالتعليم في بلادنا؟ هل ما يعرفه هذا القطاع من تردي لأوضاعه جاء بالصدفة أو هو نتيجة عطب مؤقت في الآلة التعليمية؟
سنحاول معالجة الموضوع من حيث الجوانب التالية:
2 ـ المخطط المخزني لإجهاض المدرسة الوطنية
4ـ النتائج.
5 ـ اليسار / المسؤولية.
6 ـ خلاصات.
*******
إن ما وصل إليه التعليم في بلادنا من تقهقر وتراجع مستمر على جميع المستويات لم يعد خافيا على أحد. فلم يعد مشكل التعليم مقتصرا على أطره التربوية أو على أطره الإدارية بل امتد إلى كل الأسر المغربية التي ليس لها دخل أو ذات الدخل المحدود. فكل المؤشرات أصبحت تثبت أن السياسة التعليمية التي تم إتباعها منذ الاستقلال لم تخدم إلا الطبقة الحاكمة والرأسمالية المتوحشة، وكرست بالفعل الطبقيةفي التعليم. فالتعليم العمومي الذي يهم أبناء الشعب المغربي ظل في مساره وتوجهاته يهدف إلى سلب التلميذ والطالب هويته الثقافية ومن كل إرادة حقيقية في التفكير وفيالإبداع والتحليل العلمي والاستدلال والاستنتاج. هذا التوجه هو نفسه الذي يغيب كل الأدوات التربوية التي تساعد على الاكتشاف وعلى اكتساب المعرفة والكفايات الأساسية التي تمكن التلميذ من الانخراط في المجتمع بشكل ايجابي . وأصبحت مخرجات التعليمالعمومي هي العطالة والتهميش والتسول الوظيفي والتسليم بالأمر الواقع. أما التعليمالخاص والذي يلجه أبناء الطبقة الميسورة فله توجه خاص، فهو يؤهل إلى المناصب الحساسةفي المؤسسات الإستراتيجية كالمؤسسات المالية والتجارية وغيرها ذات الارتباط. إن وضعيةالتعليم قي بلادنا وما آلت إليه، رغم كل الخطابات الرسمية والتبريرات المرافقة لها، لم تأت نتيجة عطب تقني في الآلة التعليمية أو نتيجة أزمة اجتماعية أو اقتصادية فرضتها تحولات لم تكنفي الحسبان. ولكنها وضعية ناتجة عن سياسةتعليمية تؤسس لتعليم طبقي في إطار التوجه العام للنظام المخزني، الذي يهدف إلى تكريس الفوارق الاجتماعية من خلال المؤسسةالتعليمية والجامعية. تمشيا مع إستراتيجية المقيم العام الفرنسي"اليوطي" الذي حددسياسة التعليم في البلاد والتي ترجمها فيمذكرة وجهها إلى المدير العام للتعليم "كلستون لوت" بتاريخ 30 أكتوبر 1915 تنص على تخصيص مدارس خاصة لأبناء الأعيان والنبلاء، تمكنهم من ولوج الأسلاك العليا قصد توليهم مناصب عليا في أفق تنظيم الإدارة المخزنية، وبالمقابل تخصيص مدارس من نوع ثان لأبناء العمال والحرفيين والفلاحين لاكتساب بعض المعارف قصد الدخول إلى المزاحمة على مستوى أسواق الشغل.
فكيف خطط ويخطط النظام المخزني للتعليمفي البلاد حتى لا يؤدي دوره الطلائعي كسائر البلدان المتقدمة؟ وماهي أدوات التأطير السياسي لهذا المخطط؟ وما هو دور القوى الديمقراطية واليسار على الخصوص لمواجهة هذه السياسة التعليمية؟ وما هي النتائج المنتظرة على المدى المتوسط والبعيد؟
2 - المخطط المخزني لإجهاض المدرسة الوطنية.
إن شعار المدرسة الوطنية الذي رفع غداة الاستقلال كان يهدف إلى تأسيس تلك المدرسة ذات المبادئ الأربعة وهي التعليم، والتعريب، والتوحيد، وتكوين الأطر، كان لا يرقى إلى متطلبات المرحلة التي كانت تتميز بالانتقال من الاستعمار إلى الاستقلال الشكلي. هذه المرحلة التي تتطلب الحسم النهائي مع التبعية. مما جعل الجماهير الشعبية تسارع إلى المساهمة المباشرة في بناء مدارس بالقرى والبوادي لضمان تمدرس الأطفال من مختلف الأعمار والشرائح حتى انتقل عدد الممدرسين من 20.000 في عهد الحماية إلى مليون متمدرس ما بين 1960 و 1964، وهنا بدأ فعل المدرسة يبدو واضحا على المستوى السياسي والانفتاح على كل الأنواع الثقافية وخاصة العلوم الاجتماعية والسياسية التي تنتجها الأقلام التقدمية والتحررية. ولم تعد الثقافة السائدة والتي كانت من إنتاج خطباء البلاط المخزني مقبولة أو ذات مكانة عند الشباب. ومن تم بدأت عملية الاحتواء بالتخطيط إلى التعليم كي يؤدي الوظيفة السياسية والإيديولوجية للطبقة السائدة ضدا على الكيان الاجتماعي كنظام من العلاقات النفسية والاجتماعية بين الأطفال بالمدارس وبين الشباب في الإعداديات والثانويات والجامعات، هذا الكيان الذي بدأ يساعد على إفراز قاعدة شعبية، تبنت شعار التغيير الجدري للنظام القائم في البلاد، لكن المخطط المخزني واجه هذه التطلعات بوضع آليات تربوية وبيداغوجية تعمل على إخفاء الواقع الاجتماعي المعيش وإبراز الجانب المخزني فيه، كجانب إيجابي. وعلى المتعلم أن يقتنع به كحقيقة غير الحقيقة التي يعيشها. وحتى ينجح هذا المخطط تم اعتماد الوصفات الجاهزة للتربية والتكوين والتي تقوم بإعدادها دول غربية كفرنسا مثلا فيإطار التبعية التي ظل الشعب المغربي يعيش ويلاتها حتى اليوم. وهكذا وحتى لا يؤدي التعليمفي بلادنا دوره الطلائعي، تم إبعاده وبشكل ممنهج عن التطور المستمر الذي تعرفه النظمالتعليمية والتربوية في العالم وذلك بسببسياسة تعليمية ذات ثلاثة أبعاد:
البعد الأول : تربوي بيداغوجي
يتجلى هذا البعد في اعتماد النمطية والتجريب على المستوى التربوي / البيداغوجي، وذلك بتأهيل المدرس إلى تمرير المعارف الجاهزة التي تخدم إيديولوجية الدولة دون مراعاة حاجيات الطفل وميولاته الفكرية والفنية والإبداعية. وهذا ما تسبب في الإخفاقات المتكررة للعمليةالتعليمية / التعلمية في المساهمة المباشرة والملموسة في التنمية. هذا البعد كان هدفه هو تنامي الفشل الدراسي، أي تنامي صفوف الأمية والانحراف، وبالتالي إعداد جيل مزدوج الهوية الوطنية، ومجرد من أي تكوين علمي يساعده على تحليل الواقع والانخراط في عملية تغييره. وفي هذا السياق سيشجع النظام المخزني القوى الظلامية لالتقاط هذا الجيش من الشباب لتخرجهم من النور إلى الظلمات.
يتجلى هذا البعد في تحريض المجتمع ضد مبادئ وأهداف المدرسة الوطنية وضد الأطر التربوية التي تعارض هذه السياسة (أحداث1965و 10-11 أبريل 1979) وكذلك على مستوى الخطابات الرسمية. وهذا ما أدى إلى تراجع الأداء المطلوب عمليا من المدرسة وكذلك إلى تخلف المنظومة التربوية، مما أدى إلى الانحباس النفسي للأطفال المتمدرسين وإلى الردة البيداغوجيةفي صفوف المدرسين، مما ساهم في تأخر التنمية على جميع المستويات.
البعد الثالث : إفراغ التعليم من المبادرة
تجلى ذلك في تهميش المبادرات الهادفة للأطر الشابة التي كانت تسعى إلى تقدم التعليم فيالبلاد، مما أدى إلى استسلامها والتسليم بالأمر الواقع أمام تنامي الخطابات الرسمية، التي تعتبرالتعليم يثقل كاهل الدولة. وهذا التوجه الذي يعتبر بأن قطاع التعليم غير منتج (خطابات الحسن II شتنبر 1978 و 1979)، عجل بإقصاء التعليم من التطور الأفقي على مستوى البنيات التحتية والتجهيزات والوسائط التعليمية، وعلى المستوى العمودي من حيث الإدارة التربوية. وبالمقابل تم الانصراف نحو القطاعات التي تسمح بالحصول على قروض من الخارج (البنك الدولي - صندوق النقد الدولي - نادي روما - نادي باريز …) وهذه القروض وجهت إلى القطاع السياحي بنسبة% 75.
ما بين 1968 و 1976. أما التعليم فسيخضع منذ 1966 إلى عملية التقشف باعتماد صيغة التناوب على الحجرات والاعتماد على مدرسين أجانب في إطار التعاون الثقافي، والاعتماد كذلك على البعثات الثقافية الأجنبية (فرنسا، رومانيا، بولونيا، أمريكا…) لسد الفراغ الحاصل من الأساتذة في التعليم الإعدادي والثانوي، وذلك بعد إغلاق المدرسة العليا للأساتذة لما لها من دور كفاحي في إطار الاتحاد الوطني لطلبةالمغرب. ولم يعد التكوين الحقيقي للشباب ملزما بالاعتماد على هذه البعثات. هذه السياسةكانت تعتمد على المقاربة الأمنية على مستوى المؤسسات من جهة وعلى مستوى البرامج من جهة ثانية.
بالرغم مما ينص عليه ظهير 63 في فصل 13 على إجبارية التعليم، فإن النظام المخزني تراجع عن تطبيق مقتضيات هذا الظهير. لأنه تأكد بأن المد التعليمي أصبح يفرز قواعد عريضة واعدة باستطاعتها تحريك الشارع ضد النظام القائم. مما أدى بالنظام إلى التخلي عن البرنامجالتعليمي في المخطط الخماسي (60 - 64) الذي خصص اعتمادات لتعميم التعليم لكل الأطفال البالغين 7 سنوات إلى 14 سنة. وبقي هذا المخطط فقط على مستوى الشعارات والتقارير التي كانت ترفع إلى الجهات الداعمة لقطاع التعليم، كمنظمة اليونسكو واليونيسيف وغيرهما. وكانت هذه التقارير لا تعكس الحقيقة، مما أدى إلى تعيين لجنة أممية لتقصي حقيقة ما يجري على مستوى التعليم في المغرب.
و أكد تقرير اللجنة الأممية في مؤتمر طرابلس سنة 1966 على " أن التعليم في المغرب يفتقد إلى التوازن بين أسلاكه والأهداف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية".
و لتأطير السياسة التعليمية/المخزنية فيالبلاد، تم اختيار وزراء لتنفيذ كل مرحلة من مراحل المخطط المخزني للتعليم، حيث تعاقب على وزارة التعليم منذ الاستقلال ما يزيد على 23 وزيرا، أي بمعدل سنتين لكل وزير. ويأتي تعيين كل وزير حسب الظرف السياسي الذي تعيشه البلاد وحسب الأهداف التي يحددها النظام.
و هكذا عرفت مرحلة الوزير محمد الفاسي، تأسيس الجامعة الحرة للتعليم التابعة لحزب الاستقلال واحتواء شعار المدرسة الوطنية، بتعويم مبدأ التوحيد والتكوين، حيث تم اعتماد التوظيف المباشر لمعلمين وأساتذة دون تكوين، و تبني التعليم العصري والتعليم التقليدي والتعليم الأصيل إرضاء لجميع الأطياف السياسية على حساب الهوية الوطنية. وجاءت مرحلة الوزير عباس الطعارجي التي عرفت تجميد البنايات المدرسية وبداية التقنين الدراسي (التعليم الطويل والتعليم القصير) والتوجيه نحو المدارس المهنية (المدارس الفلاحية و مدارس التكوين المهني)، وبعدها أتت مرحلة ابن هيمة، الذي سينفذ التوجه نحو التبعية الثقافية باعتماد المدرسة النموذجية ونظام التناوب، لتدبير استعمال المؤسسات المتواجدة، دون إضافة مؤسسات جديدة، مع وضع حواجز للولوج إلى الإعدادي أو الثانوي أو الجامعي. تلك كانت بداية عمليات الطرد من التعليم، وذلك كعقاب غير معلن للتلاميذ والطلبة على استمرارهم في المطالبة بتعليم وطني وتحسين الظروف التربوية والتعليمية.أما الوزراء الذين جاءوا بعد الوزير بنهيمة إلى حدود 1977، فكانت مهمتهم خاصة بإخضاع التعليم إلى نظام الخريطة المدرسية، للتحكم في نسب التسجيلات الجديدة وفيمعايير الانتقال من سلك إلى آخر، بتحديد المقاعد المسموح بها في كل سلك من الأسلاك. مما سيؤدي إلى حرمان الأطفال في سن التمدرس، ومن الولوج إلى المدرسة، مع تهميش العالم القروي وحرمانه من التعليم الابتدائي والإعدادي، بالإضافة إلى التراجع عن المنح. ولقد تميزت فترة الوزير عز الدين العراقي بتنفيذ مقررات وزارة الداخلية من خلال التضييق على الحركية النقابية واعتقال ومحاكمة وتوقيف المناضلين النقابيينفي ك. د. ش (أحداث 1979 و أحداث 1981)، وتميزت أيضا هذه المرحلة بإصدار مجموعة من المذكرات منها: المذكرة المشؤومة 510 المتعلقة بمنع رجال التعليم من متابعة دراستهم الجامعية.
كما تميزت بتمرير النظام الأساسي (1985) وفتح المجال للخطاب الأصولي بالمؤسساتالتعليمية والجامعية عن طريق أطر من حزب الاستقلال (تكليف أساتذة ومعلمين من الجامعة الحرة للتعليم بمهام التأطير والتفتيش). ولقد عهد إلى حزب الاستقلال على يد الوزير عز الدين العراقي بتوسيع دائرة نفوذ نقابته لمواجهة النقابة الوطنية للتعليم، وكذلك للترويج للسياسة التعليمية المتبعة. وإذا كانت فترة عز الدين العراقي أطول مدة في وزارة التعليم بعد فترة بنهيمة، فلأنها كانت ترتكز بالأساس على إخراج التعليم من دائرته التربوية و الاجتماعية والثقافية والإبداعية، وفصله عن حاجيات المجتمع وتطلعاته، وذلك بتحويل دور المعلم والأستاذ من المهمه التربوية الهادفة وإلى إعداد المتعلم إعدادا يعتمد فيه على ذاته، إلى مهمة مقدم للمقرر، يكون المتعلم في وضعية متلق لا غير، من خلال برامج تعتمد على التدريس بالأهداف، وبشكل تعسفي. وتميزت فترة عز الدين العراقي أيضا، بعملية تفيء رجال التعليمإلى درجات. مما سيؤدي إلى تفكيك وحدة رجالالتعليم وتفتيت قوتهم الاقتراحية والاحتجاجية، حتى لا يظلوا يشكلون النخبة الواعدة في إعمال فعل الوعي بالتغيير وسط الجماهير. وعلى مستوى التمدرس، فإن نسبته ظلت تعرف تراجعا حتى وصلت نسبة الأطفال غير الممدرسين إلى%67، وصلت إلى% 92 بالنسبة للفتيات فيالوسط القروي (تقرير البنك الدولي سنة 1990) أما مرحلة ما بعد عز الدين العراقي، فكانت مرحلة وزراء تقنقراط (الهلالي بلمختار…) كانت مهمتهم تنحصر في إعادة هيكلة الوزارة للتحكم أكثر في المسارات التعليمية، وفي الأطر التربوية والبحث عن التمويلات الخارجية للرفع من مستوى التمدرس من حيث الكم، للخروج من الدرجة التي رتب فيها المغرب في هذا المجال. لأن نسبة الأمية ارتفعت إلى% 72 وهي الأولى في العالم العربي بعد مصر و%93 بالنسبة للمرأة (دراسة الجامعة العربية لسنة 1994). لكن الأنماط الهيكلية التي تم اعتمادها (النمط الفرنسي والأنكلوساكسونى) كانت تهتم بالجانب الإداري التحكمي، ولا تهتم بالجانب البيداغوجي أو التربوي، لأن تلك كانت شروط الجهات المانحة (البنك الدولي). ولمنح السياسة التعليمية المخزنية شرعية، تم إسناد القطاع بعد وزراء التقنقراط إلى أحزاب من الكتلة (حزب التقدم و الاشتراكية- الحزب الاشتراكي الديمقراطي- الاتحاد الاشتراكي ) بالإضافة إلى الأحرار. هؤلاء الوزراء وظفوا المساعدات التي استفاد منها القطاع من الخارج في البنايات الإدارية والتمويه الإعلامي، مما حدا بالجهات المساعدة إلى تكوين لجن المراقبة والتتبع، مثل البنك الدولي للإنماء (PNUD) و(FNUAP) و(UNESCO) و (MEDA) وهي برامج تستهدف تنمية التعليم بالوسط القروي وبالمناطق المحرومة. ورغم ذلك فإن هؤلاء الوزراء، لم يهتموا بملاحظات الجهات المانحة التي كلها فيإطار التقويم الخارجي تقوم به، وهي تؤكد أنالمغرب لم يلتزم بالتعهدات التي تم توقيعها فيهذا الإطار.
4- النتائج:
1- ميثاق وطني يكرس اديولوجية الدولة بكل امتياز.
3- عزل رجل التعليم عن المجتمع ليصبح محط نعوتات مسيئة، وهدفا للعنف من طرف الأب وحتى التلميذ.
4- تحويل اهتمامات رجال التعليم إلى قضاياهم الخاصة بفعل مناورات الحكومة على ملفاتهم.
5- جعل التلميذ يفقد الثقة في نفسه، حتى أصبح يلجأ إلى الغش أو إلى المغادرة.
6- إبراز التعليم الخاص كبديل بدعم من الحكومة، مما حدا بهذا القطاع إلى التوسع وإلى الاجتهاد في المتاجرة، وإلى اعتماد برامج خارجةفي غالبيتها عن مراقبة الدولة.
7- التخلي عن إصلاح المؤسسات وفضاءاتها إلى ميزانية الجماعات المحلية أو جمعيات الآباء أو المحسنين.
8- التخلي التدريجي عن تكوين الأطر التعليمية واللجوء إلى سياسة التعاقد دون مراعاة المبادئ والمعايير الدولية للتربية والتكوين.
9- التخلي عن التأطير التربوي ومحاولة تأهيله ليكون دعامة تحكمية.
5- اليسار/ المسؤولية
لقد استطاع النظام من خلال المخطط الذي رسمه للنظام التعليمي في البلاد أن يطوق الفكر التقدمي من خلال المقاربات البيداغوجية التي أطر لها من خلال البرامج والمناهج، التي تعتمد على النمطية والتلقي، مكرسة الجمود الفكري ومنفتحة على الفكر الأصولي وكل الأفكار الرجعية. ولم يكن بإمكان اليسار تكسير هذا الطوق، نظرا لما عاشه من تشرذم ومن هجوم عليه بدون هوادة من طرف النظام الحاكم. فأحداث 1984، وما ترتب عنها من محاكمات فيصفوف الطلبة والتلاميذ والأساتذة التقدميين، فتحت المجال للأصولية في الجامعات والثانويات، بل حتى على مستوى التعليم الابتدائي بدعم من النظام والتستر عن أفعال الظلاميين الإرهابية وسط الطلبة والتلاميذ. لكن هذه الظروف كلها لا تبرئ اليسار بشكل عام من المسؤولية فيالوضع الذي أصبح عليه التعليم اليوم، لأنه لم يكن يشتغل على هذا القطاع من خلال إستراتيجية محكمة، تحافظ على امتداد الفكر التقدمي فيوسط المؤسسات والأطر العاملة به، بل إنه ـ أي تيارات اليسارـ استجابت لاستفزازات المخزن عن طريق الظلاميين، لتحويل الصراع إلى وضع أفقي، بعدما كان ذلك الصراع عموديا.
هذا بالإضافة إلى الانسحاب العملي لليسار بكل اتجاهاته من الأوساط الشعبية (الأحياء الشعبية المهمشة – أحياء محيط المدن – الدواوير…) وهذا ما ساعد النظام على تحقيق أهدافه فيقطاع التعليم، ليصبح قطاعا لا ينتج الفكر التقدمي والفكر العلمي، بل ينتج الأفكار المستلبة والغيبية والخرافية، حتى أن أطر هذا القطاع في غالبيتهم أصبحوا من الظلاميين (أساتذة – معلمون…) و النتيجة هي تراجع التلاميذ في الشعب العلمية بنسبة 70%(2004) وارتفاع نسبتهم في الشعب الأدبية وخصوصا الإسلاميات، وهذا ليس راجعا إلى التدريس بالجامعات باللغة الفرنسية فقط، ولكن للتوجه الذي أصبح سائدا في الثانويات…
إن اليسار في وضعيته الحالية، يوجد أمام تحديات كبرى في التعليم خصوصا، إن هذا القطاع يرتبط بالشعب كله، لذلك أصبح له خياران: الخيار الأول هو العمل على تأسيس جمعيات على مستوى التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوين في إطار إستراتيجية تهدف إلى إعادة الإنتاج الفكري لمواجهة الفكر السائد، وبالتالي وضع استراتيجيه لإعادة بنائه وفق التحولات الكمية والفكرية التي عرفتها وتعرفها الجامعات. وذلك بوضع البديل التعليمي لكل الأسلاك. أما الخيار الثاني فهو الإبقاء على الوضع الحالي،وسيتأتى للفكر الظلامي والمخزني معا القضاء مستقبلا على الفكر التقدمي وبالتالي خنق اليسار نهائيا.
6- خلاصات:
- إن السياسة التعليمية في البلاد تعكس بالفعل إرادة الطبقة الحاكمة، فهي المستفيد الأول من التخلف ومن الأمية ومن البطالة والانحراف، لأنها تتاجر في كل شيء حتى فيالأرواح.
- إن هذه السياسة لا يمكن فصلها عن السياسة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يعتمدها النظام المخزني في البلاد.
- إن أي نضال من أجل التغيير لا يمكن أن يستثنى منه التعليم لأنه يشكل حاليا دعامة أساسية للنظام.
ــــــــــــــــــــــــــــــ