الاثنين، 18 أكتوبر 2010

ايمانويل تود: الدولة في خدمة الأوليغارشية المرتبطة بالأسواق


ايمانويل تود:
 الدولة في خدمة الأوليغارشية المرتبطة بالأسواق
(تحليل في ميكانيزمات الحكم والأزمات لدى الغرب)
 
ترجمة قاسم شرف (*)
    أجرت جريدة "لوبوان" الفرنسية حوارا مطولا مع الكاتب والمفكر الفرنسي إمانويل تود الذي أكد أن الدولة في خدمة الأوليغارشية المرتبطة بالأسواق، فهو من مواليد 1951، حاصل على دبلوم من معهد الدراسات السياسية بباريس، وعلى دكتوراه في التاريخ من جامعة كامبريدج، باحث في المعهد الوطني للدراسات الديمغرافية، ومن خلال بحوثه توصل مع بعض زملائه إلى أن النظام العائلي يلعب دورا محددا في التاريخ وفي المؤسسة الدينية والإيديولوجية والسياسية. إضافة إلى كونه مؤرخا فهو انتربولوجي وديموغرافي ومحلل سياسي. وقد أصدر مؤخرا كتابا في جزئه الأول تحت عنوان " مصدر الأنظمة العائلية " من 768 صفحة عن مطبعة "كاليمار" .  
- هل الدول في حالة حرب مع الأسواق؟
       ايمانويل تود: ـ لا تضللنا هاته المفاهيم المخادعة، بروكسل، الأسواق، البنوك، وكالات الترقيم (التصنيف) الأمريكية: هاته الألاعيب تخفي سيطرة الأكثر غنى على السلطة السياسية، على المستوى العالمي. بكل بساطة يلعب هؤلاء الأغنياء، تحت ذريعة حماية أموال صغار المستثمرين والأسواق بالدول. فهم لا يحاربون الدول، بل يصارعون من أجل السيطرة عليها أكثر (انظر كتاب "الدولة الناهبة" لجيمس غالبريث). يكفي إلقاء نظرة على مسارات بعض الأفراد في الإدارات العليا، والشركات الأمريكية، وبروكسيل، وبعد ذلك، الحكومات، من أجل فهم ما الذي جعلها تغتني. إذا كانت الطبقة الشعبية نفسها تراقب ( تسيطر على ) الأسواق والدولة، فالمعارضة بين هؤلاء والآخرين لا معنى لها.
 - كنت لطيفا جدا مع مال صغار المستثمرين!
    ـ أرفض الاستسلام للابتزاز.عندما يذهب المغول لاحتلال المدن، يستعمل الرهائن كدروع بشرية، نفس الأمر ينطبق على المجموعة الأكثر غنى: رهائنهم هم صغار المستثمرين.
-" لـوم الأغنياء " أليس تحليلا سطحيا؟
     ـ شئتم أم أبيتم، فالتراكم المفرط للمال لدى الطبقة العليا داخل المجتمع هي واحدة من سمات المرحلة. إن انخفاض أو ركود الدخل لدى الناس العاديين يصب في ارتفاع قيمة العملة مع ارتفاع الـدخل بــ 1 % للأكثر غنى، وضمن هاته المجموعة الصغيرة فـ 0,01 % يعود للأكثر غنى كذلك. أما بالنسبة للدولة، فيجب الاعتراف بازدواجيتها والاستناد على ما هو متميز في الماركسية لفهم ما يجري. فالدولة، في بعض الأحيان، هي تجسيد للمصلحة العامة وتعبير للطبقة المسيرة. الدولة الاجتماعية بعد الحرب، أي الدولة الديغولية، فرغم ما يمكن أن يقال عن الحزب الشيوعي، لاسيما أنه تصرف باسم المصلحة العامة، وحقق نموا للجميع. اليوم، فالدولة في المقام الأول دولة طبقية. والرأسمالية المالية تراقب من جديد الدول.
- هل سيكون الوضع أفضل لو كان الأغنياء أقل غنى ؟ بصيغة أخرى ، هل المشكلة أخلاقية أم اقتصادية ؟
         إمـانــويـــل تـــــــــود
      لا يحتوي تحليلي على رؤية أخلاقية. لقد سببَ، حقا، فتح التبادل وتحرير التدفقات المالية، منذ عام 1990، نموا خياليا في عدم المساواة. في هذا الصدد، أُثني على مدرسة بكيتي التي أبدت أن الأعمال المقارنة على المستوى العالمي كانت حاسمة في بزوغ ، حاليا، موضوع 1°/° للولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة. فالتعتيم هو الذي عمل على إظهار هذا النظام، ويمكن مقاربة واقعيته من خلال تحليل الكيفية التي تراقب المجموعة الاجتماعية الجزءَ الأهم من الموارد. في ظل هاته الظروف (الشروط)، فإن السؤال الأساس ليس في هاته الأسواق كما هي، بل في هاته الأوليغارشية وصلتـها بالدولة. ولذلك يجب أن نحدد هاته الأوليغارشية، مع تحليـل بنيتها، نمط حياتها، وتكوينها. 
     -هل يتعلق الأمر بمجموعة خارجة عن الأرض، أي " النخبة المعولمة "، وهو المصطلح الذي أغضب الجميع منذ عشر سنوات؟
     إنه مشهد خارق للعادة (اسْتِشْبَاح ) في العصر الحالي. نعتقد أن التبادل الحر الشمولي أوجد أوليغارشية متعددة القوميات، لأننا نغض النظر عن العوامل الثقافية. نحن لا نعتقد بوجود أوليغارشيات متعددة حيث أن علاقاتها كانت بنيوية وشديدة الارتباط. فالخصوصية التي تتميز بها الأوليغارشية الفرنسية كونها قريبة من الإدارة العليا. وفي غالب الأحيان، أن أعضاءها درسوا في المدارس الكبرى (العليا )– ليسوا بالضرورة ورثة - ، فهم يتكلمون الإنجليزية بشكل جد ضعيف، لا يعتقد أنهم فرنسيون بعاداتهم ( سلوكهم)، ولا يستطيعون إنهاء مسايرة أرباب العمل الحقيقيين؛ إنها الأوليغارشية الأمريكية. فالامتثال (الإذعان ) لستاندارد وبورز وموديز هو امتثال لهاته الأوليغارشية الأخيرة. أما فيما يتعلق بالأوليغارشية الألمانية، باعتبارها الوافد الجديد لنظام الهيمنة، فإنها تعودت (اعتادت ) على مناقشة (مفاوضة )الفرنسيين كأنهم مجرد تابعيين. فالسحر الفريد للأوليغارشية الصينية هو ترابطها الوثيق بالحزب الشيوعي. معظم المحللين يمرون جانبا(مرور الكرام ) على هذا التباين. لقد نمّى اليسار وَهْـــم المساواة في القمة، في حين فاللامساواة يختص بها المتموقع في الأعلى مثل الأسفل الموجود في البنية التحتية للطبقة الاجتماعية العالمية. 
   - إذا لم تستدن (تقترض) الدول، فهي لن تحتاج، ولن يغتني أي شخص، فستسدد ديونها.
 ـ هاته الفكرة تتمة إلى جانب العلامة الإشهارية، لأنها تتجاهل الميكانيزم الحقيقي للدين. يُحَللُ الـديـْن العمومي انطلاقا من وجهة نظر المٌقْتِرض الذي يصبح مذنبا بالإنفاق المفرط دون استثناء. يتعين على الشعوب التسديد لأنهم يعيشون على الائتمان. والحال أنه ليس المٌقْتِرضون من يتحملون في الأساس أصل الدين، بل المٌقرِضون من يرغبون في توظيف فائض أموالهم. كان ماركس يرى جيدا " في يــوم 18 برومَر للـويس بونابرت ( الشهر الثاني في روزمانة الثورة الفرنسية )، أن الأغنياء يحبون الدين العمومي. فالدولة التي تقترض هي الدولة التي، بفضل احتكار الواجب القانوني، تسمح للأغنياء بالحصول على أكبر قدر ممكن من الأمن لأموالهم.  
-   إذن ليس خطأ الحكومات ، بما أنهم سيقوا إلى الاقتراض؟
     باستثناء إذا كانت خياراتهم المالية هي التي تدفعهم إلى وضع ذلك في يد الأغنياء. بَـيَّـنَ فرانسوا شيسنيس جيدا في كتابه " الديون غير الشرعية " كيف أن الأكثر غنى، في فرنسا، استفادوا من خفض ضرائبهم، حتى يُجيزوا لأنفسهم بمنح الدولة الموارد التي هي نفسها – الدولة- محرومة منها. دون أن ننسى المنع الذاتي للدولة لصناعة العملة المقرة بقانون بومبيدو منذ 1973، الذي أضحى، أخيرا، إيديولوجية مدهشة، من خلال خرافة البنك المركزي الأوربي بفرانكفورت، والتي من المفترض أن تكون خارج متناول الدولة الفرنسية. كل عام، يتعرض الفرنسيون للابتزاز، من خلال الضريبة على القيمة المضافة، والضريبة المباشرة، التي تقدر بـ 250 مليار يوروه ، ذلك أن حوالي 50 مليار يوروه من الفوائد تذهب لدى أناس هم أصلا أكثر غنى. ثلثا هؤلاء الأغنياء أجانب، لأن الحفل عالمي، في مقابل ذلك يمكن القول إن الأغنياء الفرنسيين يئسوا من الامتثال للدول والشعوب. هذا ما يخفيه الخطاب التشاؤمي والأخلاقي بشأن الديون التي لا حدود لها، فقرب إفلاس الدولة وضرورة إنقاذ ثلاثية أ، ذلك أن احتمال المنطق الليبرالي للنظام، أضحت الدولة آلة لابتزاز الشعوب من أجل استفادة الأكثر غنى.
ـ الضريبة هي أس الديمقراطية. فعندما تتردد الدول في الوفاء بها، مثل اليونان،هل الشعوب هي الضحية؟
     لا يمكن لي إلا أن أُكرر؛ لقد سيقت اليونان إلى الاقتراض، ليتمكنوا في النهاية من خنقها جيدا. شاهد تلفازك؛ الإشهارات التلفزيونية لا تتوقف عن حثنا على الاقتراض. البنوك، عفوا، الأغنياء يحبون أن يقرضوا. والرباويون (أصحاب الربى) يحبون  التشبث بالممتلكات، إذا لم نتمكن من التسديد. لنخصخص، على سبيل المثال، الأصول المملوكة لليونان.
 -أليست نوعا ما من المؤامرة؟ حتى لو أنهم سيقوا للاقتراض، وهل الزعيم وحده المذنب في الارتباط بهذا التسمم؟
     ـ  إن عالمَ الأوليغارشية عالمُ السلطة والمؤامرات. فمساعدة الدولة اليونانية باستغلال حساباتها، جعل كولدمان ساكس يتصرف بمثابة الربوي ( المٌقْتِرض بالربا). ما يطلق عليه الآن بــ " ساعدوا "اليونانيين هو إبقاؤهم في حالة ابتزاز. فالأزمة في منطقة اليورو لم تخلق أساسا من خلال عدم اكتراث المقتِرضين، ولكن عبر عدوانية المُقِرضين.
   -هاته الأوليغارشية، هل تـعرفها كطبقة اجتماعية، وإذا كان الحال كذلك، هل تتبنى وعيا اجتماعيا؟ 
       تتصرف الأوليغارشية وكأنها طبقة اجتماعية، ولكن في نفس الوقت نشعر اتجاهها باللاعقلانية وحتى بموجة الجنون الجماعي. نتيجة لذلك أتساءل إذا ما يجب الهرولة ثانية لاستخدام التحليل الماركسي للإيديولوجية أو النفسي. ومع ذلك، هناك مجموعة اجتماعية متميزة ليست بالضرورة منحطة وغير مسؤولة. على عكس النبلاء الفرنسيين للقرن الثامن العشر المرتبطين بالإعفاء الضريبي، فإن الطبقات الانجليزية العليا قبلت أعباء الضريبة العالية، فقهروا العالم. فالأوليغارشية الحالية لها ألف مقام على هذا النحو. سيكون من الأفضل، إذا كان هذا المصطلح لا يشير إلى شعارات معادية للسامية، الحديث على تسلط البلوتوقراطي (حكم النخبة الثرية ). لنحتفظ، على كل حال، في الاعتبار أن الأوليغارشية، مجموعة صغيرة، تختلف عن الارستقراطية، باعتبارها الأفضل.
-هاته القلة لن تخسر إلا الطبقات الأخرى. هل اللاعقلانية تفسر كل شيء؟
      ـ إن سلوك الفاعلين يتأرجح بين العقلانية واللاعقلانية. فنقطة انطلاق الأزمة لعام 2008 راجع للاحتكار الصيني وبعض الدول الأخرى، نتيجة انخفاض أجور العمال من جهة، والنمو المتزايد للإنتاج العالمي، الذي سببَ داخل الدول الغنية ضغطا على المداخيل، وبالتالي حصل نقص في الطلب. والنتيجة هي أن الأجور تسير نحو الانكماش، بينما حجم الإنتاج العالمي يتجه نحو الارتفاع. في ظل هذا السياق إن الولايات المتحدة الأمريكية، كقوة مهيمنة نقديا، اكتشفت آلية الرهن العقاري المجنونة. لا تقترض الأسر الأمريكية فقط من أجل اقتناء منازل كبرى، ولكن من أجل مواصلة استهلاك المنتوجات الصينية. فعشية الأزمة لعام 2008، ارتفع العجز التجاري الأمريكي إلى800 مليار دولار. اندهش النظام الأمريكي؛ وبحكم قوة وضعها الامبريالي، اقترحت القانون الكينزي على المستوى العالمي. وبالتالي طُلِبَ من الاستِدانة التعويض عن نقص الطلب. وبطبيعة الحال، انتهت آلية الاقتراض بالابتلاع، والمداخيل مثل الواردات عبر الانهيار. في هذا السياق، أُعدت خطة التحفيز المتبناة من قبل ج 7 وج 8 وج 20 فهي استجابة عقلانية. لنحتفل بانتصار كينز وعودة الدولة.
-هذا ما لا ينبغي أن يزعجك!
       ـ المشكلة هي تلك التي تتعلق بكينزية الأغنياء. لم يتم تمويل الإنعاش (التحفيز)عبر الخلق المالي – طبع الأوراق المالية - ، الذي لن يكلف الدولة شيئا، ولكن عن طريق الديون التي تسمح بتأمين أموال الأغنياء دون بذل أي جهد كبير للإجابة عن نقصان الطلب. هذا الامتداد الكينزي يشجع النمو الصيني، ويعزز كاك 40 ويسرع اللاتمركز بأوربا. لدى حلول " عودة الدولة " الشهير لن يكون هناك أي شيء آخر غير إقامة اشتراكية الأغنياء. يجب على الدولة أن تنقذ الأغنياء، باسم رمزي؛ " البنوك "، لأن البنوك هي التي تسيطر على وسائل التسديد للمواطنين، وكما قال فريدريك لوردان، فـقد رهنت الدولة من أجل حسابات الأغنياء المساهمين. إذا آثرنا تأميمها، فإنه يمكن تأمين مدخرات الناس العاديين، تعويض صغار المساهمين ومعاقبة المذنبين. فحقيقة هاته المرحلة ليست كون الدولة عاجزة، ولكنها في خدمة الأوليغارشية.
-إذا استفاد إنعاش ( التحفيز ) الأغنياء(المٌقْرضين)، هل سيستفيد الفقراء من التقشف؟    
        ـ ما هو مؤكد هو أن الخطاب ضد التقشف الذي جسدته، مثلا، مارتين أوبري فهو قديم جدا. لقد أدركت الحكومات أن سياسات التحفيز لن تنعش(تحفز ) إلا اقتصاد الصين والدول الناشئة. لكنها ترفض أي إجراء حمائي وطني، قطاعي أو أوربي. في ظل هاته الظروف، يمكن أن يظهر التقشف كرفض سلبي سيؤدي إلى نمو الصين، وهو طريق ثالث الذي أنعته بـ " الحمائية الحمقاء ". هذه حقيقة محزنة، كوننا نُحكم من قبل حمقى. يجب على الرجال الموجودين في القيادة أن يتحملوا مسؤولية أفعالهم. وهذا يؤكد، أنني لست ميلونشوسيت (نسبة إلى جون لـوك ميلونشون، زعيم جبهة اليسار والمرشح للرئاسة الفرنسية القادمة)؛ أعتقد أننا في حاجة لنخب من أجل أن تحكم. لا يتعلق الأمر بإزعاجهم، ولكن ليبعثوا من جديد العدل والحكمة. يعتقد كل من باروان وبيكريس، وبسبب انعدام الكفاءة في القمة - وهذا هو الأرجح - أن العودة إلى التوازن في الميزانية يعطي حلولا لكافة مشاكلنا. ومع ذلك، فمن غير المستبعد أن تكون الحكومات طرحت، وعن غير قصد، خيارا آخر. إذا كان التحفيز (الانتعاش ) مستحيلا والنظام الحمائي غير وارد، فإن الحد من نفقات الميزانية لبلدان العجز هو السبيل الوحيد لإخضاع الدول المصدرة وذات الفائض، وإجمالا يجب إجبارهما للدخول في مسار المفاوضات.            
-الانبهار الفرنسي بالنموذج الألماني يسير في مصاف نمو ألمانوفوبيا…
 فضلا عن معاداة السامية وفقه السامية اللذين خلقا روايتين هما زيادة الاهتمام والمرضية المفرطة بسؤال اليهودية، فجيرمانوفبيا (ألمانوفوبيا ) وعبادة (تقديس) ألمانيا هما وسيلتان (طريقتان ) لأن تأخذ ألمانيا الأمور على محمل الجد، وهذا ما أدى إلى تفاقم المشاكل. في بداية الخطة الخماسية، كان لدى نيكولا ساركوزي موقف إلى حد ما ضد ألمانيا، وقد أظهر دليله على ذلك من خلال المرونة في اطرح الاقتصادي. فالاحتفاظ بفرانسوا فييون بقصر ماتنيون وتسمية ألان جوبيه في مقر أورساي كرس عودة اليمين الأورثدوسكي والأفكار الاقتصادية البالية والمؤدبة. لهذا تبنت الحكومة ومجموعة من المثقفين الفرنسيين خطاب تقديس ألمانيا، وهو خطاب خطير حتى على ألمانيا نفسها. خصوصية الشريك جذابة ولكن ملامة (مُنْتَقَدَة )، لقد انغلقوا بإعجابهم بجمالية نموذجهم. الحاجة اليوم ليس التملق لهم، ولكن إيقافهم.     
-ألــم تذهب في بداية إنشاد لحن مقزز؟ خمسون سنة من القوة الألمانية هي التي صنفتها كدولة ديمقراطية قوية.
     ـ لن أنعت قسرا بالديمقراطية دولة تطبق الوحدة الوطنية بكل طيب خاطر أكثر من التداول على السلطة، ذلك، وبناء على الاستعداد الأنتربولوجي للنظام، إن الاشتراكيين الديمقراطيين استطاعوا الوصول بسياسة الضغط للقبول بالأجور. قادت ألمانيا إستراتيجية أنانية بإحكام للتكيف مع التجارة الحرة، وذلك عن طريق نقل خارج منطقة اليورو جزء من صنع المكونات الصناعية، عبر ممارسة مكافحة التضخم التنافسي ضد كل من فرنسا، إيطاليا وإسبانيا، وبعد ذلك تستخدم منطقة اليورو كسوق تتحكم فيه، حيث تمكنت التخلص من الفائض التجاري. هاته الإستراتيجية هي استمرار لتقاليد استبدادية ولا متكافئة بطرق أخرى.
-هل تغامر لتجعلنا خائفين؟ 
   ـ أنا لا أجازف، ولكن يجب أن تخاف. فالدول الخاضعة لمراقبة التقنوقراط والمهددة هي اليونان، إيطاليا، إسبانيا والبرتغال، هي دول حديثة الديمقراطية. فضلا عن ذلك، ومن أجل تأمينهم داخل الفضاء الديمقراطي تم إدماجهم في أوربا وفي منطقة اليورو. ولكن اليوم، وبعيدا عن الاستقرار الديمقراطي الهش، فالآليات البيروقراطية/ المالية عجلت بوضعهم في أسوأ اللحظات وأصعب من لا استقرار في الماضي. نعم فالوضع خطير. إن خطر انبعاث إيطاليا الفاشية، يونانية الضباط (الكولونيلات) ، إسبانية فرانكو وبرتغال سالازار واقع جد حقيقي. أتريدني أن أجعلك خائفا؟ في الديمغرافية، يبدو لي إعادة   ظهور معارضة عام 1930 بين أوربا الشمالية/الغربية للديمقراطية الليبرالية، حيث أن الخصوبة تميل إلى 1.9 أو طفلين لكل امرأة، وفي أوربا الاستبدادية، الفاشية والشيوعية القارية حيث أن الخصوبة جد منخفضة تصل ما بين 1.3 و1.5 طفل.
   ماذا نفعل لو أن ألمانيا قاومت كل المفاوضات حول قدرة تدخل البنك المركزي الأوربي؟ هل نموت من أجل اليورو؟ دعونا لا نبالغ. إذا كان من المحزن أن نرى ألمانيا تُريد إخضاع شركائها من خلال التعصب بالإعجاب الذي يكرسه لها اليمين الأوربي، فإن ذلك لا يعني السقوط في الــدُهان (الجنون ). ألا تتذكر أن الألمانيين لا يريدون سماع كلام عن اليورو، كما لم يتوقفوا، منذ إنشائه، عن تهديدهم بمغادرة منطقة اليورو. لقد أدركت الحكومة والباطرونا أن نهاية اليورو سيضع ألمانيا على المحك، حيث أنها الوحيدة التي رفضت التخفيض. في الواقع، فإن الألمان أكثر مرونة مما لا نتصور. لكن لا يفهمون إلا المفاوضات الصريحة والعنيفة.
 -بالمناسبة لماذا أنت متشبث إلى درجة ما باليورو؟    
 ـ  لست مرتبطا بوجه خاص باليورو. أقول إنه في ظل نظام التجارة الحرة فإن اليورو قُضي أمره. لا أتنبأ هنا بالمستقبل، لكن أصف الواقع. على أي حال، فالرهان الآني ليس اليورو، ولكن أزمة الديون. لنكن صرحاء، فالديون السيادية لن تسدد. لقد بدأت الشكوك أيضا حول القروض الألمانية. لدينا احتمالان؛ طباعة الأوراق المالية والامتناع ( التخلف) عن دفع الديون، حيث سيكون الحل الأفضل، حسب رأيي، حيث نظافة العملية الجراحية نهائيا. فالامتناع عن دفع الديون يسجل بداية إعادة انفتاح الدولة على الديمقراطية المثالية، لأن اختلاس أموال الدولة والابتزاز ناتج عن الأوليغارشية المالية.
    -نعم، ولكن عن" رهون " صغار المستثمرين الفرنسيين والمتقاعدين الأمريكيين، فعدم أداء الديون المتفاوض عليها، ألا يشبه فعلا نهب مسؤول؟   
     ـ ولكن هؤلاء المُقرضين هم من سلبونا. لماذا تركنا النهابين يلتهمون ما تبقى من تراثنا الوطني؟ أما بالنسبة للرهون، أي صغار المستثمرين، بفرنسا ومن أجل حمايتهم، فإن تأميم البنوك أمر حتمي (ضروري)، مع التوقف عن التباكي على صغار المتقاعدين الأمريكيين، فأمريكا تعيش الائتمان على مسؤولية العالم منذ سنوات. فليس صغار المتقاعدين من يمتلكون ثلثي الدين العام الفرنسي. إضافة إلى ذلك، فإن تخلفت(امتنعت ) فرنسا عن تسديد الديون، سيؤدي إلى مواصلة الدول الأخرى الامتناع عن التسديد. في ظل إعادة هذا التوزيع العام، فإن الامتناع عن التسديد سيُلغى أساسا من أجل الاثنين. وسوف تكون بعض الدول خاسرة. وفي النهاية، فإني أؤكد أن المذنب أكثر – دولا وأفرادا - سيعاقب أشد عقوبة.
-هل يمكن أن نفهم أن قادتنا خائفون، أم لا؟
   ـ فضلا عن نهاية الإيديولوجية والفكر المجتمعي الذي أضحى واضحا، وفضلا عن رجال القمة الذين ينتشون في خطاباتهم المهيمنة، فإن ذلك أوجبهم وضع تحت البيع ممتلكات الدولة وخفض الأجور. فالسلطة تلتجئ إلى نوع من الجحود الميونيخي؛ ومن غير الرضى إقامة نظام غبي، فالرجال، المفترض كونهم عصريين وأكفاء، سيتركوننا في حالة عدم الاستعداد من أجل إدارة (تسيير ) انهيارهم. دعونا من التخويف، إنه مجتمع متطور، متخصص بمستوى تعليمي عال وتكنولوجي، فهو قادر بالطبع أن يتكيف بعد انهيار نسقي لهذا النظام. نجتاز سنة صعبة جدا، ولكن مع سرعة تحرير الطاقات والموارد سنتمكن من مستقبل جديد. إن نزع الشرعية عن النخب القليلة الذكاء والفاسدة سيحدث انطلاقة جديدة لبلدنا، وتنظيفا أقل حزنا (ألما ) من تلك التي حدثت سنة 1940، وتنظيفا كذلك بدون قوات مسلحة.  
————-
(*)كاتب صحفي، فرنسا